كيف يمكن أن يزيد التحكم الفعال بالتوتر طاقتك؟

خلافاً للاعتقاد الشائع، فإنَّ التحكم الفعال بالتوتر لا يتعلق بالقضاء على الشدائد تماماً، كلنا نعلم أنَّ ذلك مستحيل؛ فماذا يمكننا أن نفعل إذاً؟



علاجات التوتر المقبولة من المجتمع، الطرائق المشوهة:

تتطلب استعادة سيطرتنا على حياتنا المليئة بالتوتر، والتحكم بطاقاتنا العاطفية لتخفيف التوتر؛ حيث يجب أن نتخلص من الطرائق التي تسبب للأسف الضرر أكثر من النفع؛ كتلك التي تجعلنا نكبت عواطفنا وتُبقِينا مشتتين وتحرمنا من التعامل مع مشاعر التوتر.

قد يكون من الصعب الانتقال من تكتيكات التجنب إلى الإجراءات الاستباقية؛ إذ يتيح المجتمع - بل ويشجع - بعض الطرائق المستخدمة لتخفيف التوتر، والتي في الواقع تخرب كلاً من مزاجنا وطاقتنا مثل التدخين؛ حيث تُعَدُّ هذه العادة الأكثر شيوعاً المستخدمة لتخدير المشاعر غير السارة الناتجة عن التوتر، وعادة ما يترافق التدخين مع ارتفاع نسبة التوتر والخوف والقلق لدى الأشخاص.

"أحتاج إلى تدخين سيجارة":

هل خرجت هذه الكلمات من شفتيك في لحظة غضب؟ غالباً ما كنت تتفوه بهذه الكلمات في أثناء لحظات التوتر الشديد، في بعض الأحيان نرغب في الاسترخاء ونسيان مشكلاتنا لبعض الوقت، ونشعر بالاسترخاء بمجرد تدخين السجائر وكأنَّها إجازة صغيرة لأذهاننا المثقلة بالهموم.

في الواقع، التدخين ليس حلاً يساعد على الاسترخاء؛ بل هو عادة تستجر وراءها شعوراً بالضيق والضبابية والغضب وتخفض من طاقاتك الذهنية والبدنية فلا تقوى على حل المشكلة أساساً.

إنَّ اللجوء إلى التدخين للسيطرة على الانفعال هو مشكلة بحد ذاتها؛ من ناحية، يقلل من حجم استجابتنا الأولية للضغط، حتى أنَّه هناك مصطلحاً علمياً لهذا: "تثبيط الاستجابة للتوتر" (stress-response dampening)، ومن ناحية أخرى، فإنَّ الأحاسيس الممتعة التي يثيرها تدخين السجائر قصيرة الأمد نسبياً، هذه الراحة المؤقتة مصحوبة بالعديد من الآثار غير المرغوب فيها، حتى عند التدخين بكميات منخفضة إلى معتدلة.

إقرأ أيضاً: التدخين يسرق صحتك عمرك، ونقودك!

ما مدى فاعلية التحكم بالتوتر في زيادة طاقتك؟

على الأمد البعيد الطويل، يفشل التدخين - بأي قدر - في تخفيف التوتر والطاقة، كما إنَّه يستنزفها بالفعل. إليك التأثيرات السلبية للتدخين، وما يجب الاستعاضة عنه به:

1. المزاج المضطرب:

يفسد المزاج المتقلب طاقتنا؛ حيث تؤثر الطاقة العاطفية تأثيراً مباشراً في سعادتنا وإنتاجيتنا ونجاحنا، لكنَّ تولي مسؤولية عقليتنا لا يقتصر فقط على تجديد نظم معتقداتنا؛ بل يتطلب أيضاً السيطرة على عواطفنا، الدوبامين والسيروتونين نوعان من المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ التي تشكل أساس هذه الإرادة العاطفية.

يُعَدُّ اللجوء إلى التدخين لتخفيف التوتر أمراً صعباً، يتسبب في البداية في زيادة هذه المواد الكيميائية التي تبعث على الشعور بالسعادة ويجعلها تملأ الدماغ، يجعلنا هذا الإحساس المؤقت نشعر أنَّ التدخين قد حسَّن مزاجنا، ولكن سرعان ما يعمل الدماغ لإعادة التوازن إلى مستويات هذه النواقل العصبية، باستخدام نهج موازنة يهدف إلى إعادتها إلى مستوياتها الطبيعية؛ نتيجة لذلك، تنخفض هذه المستويات الكيميائية في الواقع إلى أقل مما كانت عليه قبل تدخين سيجارة، ولا تقتصر هذه العملية على من يدخنون السجائر بكثرة أو يعانون من الإدمان؛ بل تحدث حتى مع تجربة التدخين ولو لمرة واحدة.

نصيحة: استَخدِم معززات كيميائية مستدامة تمنحك الشعور بالسعادة، ممارسة الرياضة، والانغماس في الطبيعة، والتأمل، والضحك، وإمضاء الوقت مع أحبائك، والتدليك بالزيوت العطرية، هي مجرد أمثلة قليل من الإجراءات التي تدعم التحكم الفعال بالتوتر وتزيد طاقتك.

إقرأ أيضاً: الثبات الانفعالي: أنواع الانفعالات والتحكم بها

2. مفاقمة التوتر بسبب تراكم المشكلات:

هل سبق لك أن تأخرت في دفع فواتيرك؟ ولم تسلمها في الوقت المحدد لأيِّ سبب من الأسباب كعدم توفر الأموال أو فقدها في البريد وما إلى ذلك، عند اكتشاف هذا، هل حاولت أن تنقذ نفسك من القلق بإلقاء الإشعار في سلة المهملات؟ أو هل عالجت المشكلة على الفور من أجل منع الرسوم المحتملة على رصيدك وفقدان الخدمة؟

إذا كنت شخصاً مسؤولاً مالياً، فمن المحتمل أنَّك اتخذت إجراءً على الفور بغضِّ النظر عن كمية الإحباط التي شعرت بها في ذلك الوقت، الأمر نفسه ينطبق على التعامل مع التوتر، فقد نشعر أنَّنا نحافظ على الطاقة ونعزز مزاجنا من خلال تحويل أفكارنا بعيداً عن المواقف العصيبة، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ تجاهل مشكلاتنا لن يحلها، وغالباً ما يزيدها سوءاً.

تكمن الطريقة الوحيد لحل المشكلات في خوض غمارها؛ هذا يعني أنَّنا يجب أن نواجه عقباتنا وجهاً لوجه بذكاء ونضج عاطفي.

نصيحة، بدلاً من إشعال سيجارة، اسأل نفسك: "ما هو الإجراء الصغير الذي يمكن اتخاذه الآن لمعالجة مصدر التوتر هذا؟".

في مثال الفواتير، حتى لو لم يكن لديك المال لدفعها على الفور، يمكن اتخاذ خطوات أخرى نحو الحل، يمكنك الاتصال بالشركة وطلب تمديد أو وضع خطة تقسيط للدفع في أقساط صغيرة.

بغضِّ النظر عن المشكلة، فإنَّ تقسيمها إلى أجزاء أصغر واتخاذ إجراءات بشأنها بشكل فردي يمكن أن يوفر راحة كبيرة ويساعد على الانتقال إلى الخطوات التالية للتخلص من عوامل التوتر إلى الأبد.

3. زيادة الاستجابة للتوتر:

نحن ناقشنا بالفعل تأثير "تثبيط الاستجابة للتوتر" الناجم عن التدخين، ألا يعني ذلك أنَّ التدخين يخفف من التوتر؟

تذكَّر أنَّ هذا التأثير المهدئ مؤقت فقط، في الواقع، يعيد الكحول برمجة أدمغتنا حرفياً، مما يجعلها غير قادرة على التعامل مع التوتر.

مع مرور الوقت، فإنَّ التحفيز الاصطناعي "للشعور بالرضا" الذي تتلقاه أدمغتنا من التدخين، يجعلنا غير قادرين من الناحية العصبية على الاستمتاع بالنشاطات اليومية التي استمتعنا بها من قبل، مثل رؤية صديق أو قراءة كتاب أو حتى العلاقة الحميمية، كل هذه، بالمناسبة، هي نشاطات فعالة في حد ذاتها للتحكم بالتوتر، ولا تقتصر هذه التأثيرات على الوقت الذي ندخن خلاله.

تماماً كما هو الحال مع أي عقار آخر، تبني أدمغتنا القدرة على تحمل التدخين مع الاستمرار فيه، مع مرور الوقت، من الشائع أن تطلب تدريجياً 3 أو 4 سجائر أو أكثر للشعور بتأثير الاسترخاء نفسه، وإدراكنا لهذا التصعيد يمكن أن يسبب المزيد من القلق؛ وذلك لأنَّنا سنتساءل؛ "هل أنا مدمن؟" ثم يأتي الخوف من العار ووصمة العار، وهذا أحد الآثار العكسية للتدخين؛ حيث يتسبب في مزيد من القلق واستنزاف الطاقة.

شاهد بالفديو: 5 أمور أساسيّة مسؤولة عن استنزاف الطاقة

نصيحة، قيِّم عاداتك وكن صادقاً مع نفسك، إذا كنت تشعر بالقلق أو التوتر بشأن تدخينك، أو إذا لم تكن التأثيرات جيدة كما كانت من قبل، فقد يكون الوقت قد حان لإجراء تغيير، تجنَّب "تصنيف" نفسك، فهذا يديم السلبية ويمنع الناس في كثير من الأحيان من البحث عن إجابات ودعم، ليس عليك أن تكون مدمناً على التدخين لتقرر الإقلاع عنه.

في الختام:

إنَّ تجنب مشاعرنا أمر شائع ومقبول ثقافياً، ولكنَّه غير فعال في تخفيف التوتر وعادة ما ينطوي على ممارسات تزيد من استنفاد مزاجنا وطاقتنا، أما مواجهة عواطفنا مواجهةً مباشرةً ومتعمدةً، تسمح لنا بتحقيقِ تخفيفٍ غير مقيد للتوتر.

لن نتخلص أبداً من التوتر تماماً، فالحياة مليئة بالتقلبات بطبيعتها، ولكنَّنا مسلحون بالمعرفة والأدوات التي شرحناها آنفاً، ويمكننا استعادة السيطرة على طاقتنا وعواطفنا لاستعادة حياة سعيدة وصحية؛ فلا يتطلب الأمر سوى بضع تحولات بسيطة لنسلِّح أنفسنا بالعادات التي تدعمنا.

المصدر




مقالات مرتبطة