كيف يمكن أن تساعدنا الصدمة الخفية؟

الإنجاز الزائد هو غريزة للبقاء، فكيف يمكن أن يَقتل مصداقيتك وهدفك، وما هي غايتك؟ إذا كنت تفكر في بدء مشروعك الخاص، فهذا سؤال هام يجب أن تطرحه على نفسك "لماذا تريد بدء عمل تجاري؟".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن كوتش الشفاء من الصدمات "أماندا ويستلاند" (Amanda Westland)، والتي تُحدِّثُنا فيه عن تجربتها في كيفية إعادة حياتها إلى مسارها الصحيح.

هل هذا لأنَّك تشعر بأنَّك تسعى إلى هدف؟ أم لأنَّه بسبب شعورك بالإرهاق والتعب في وظيفتك في شركتك؟ فإذا كان السبب هو عملك، فمن الهام أن تفهم الأسباب التي تجعلك تشعر بالإرهاق؛ حيث إنَّنا مجتمع يُقدِّر النجاح كثيراً.

ويمكن أن يكون النجاح رائعاً، عندما ينبع من الأصالة والغاية المحددة والتخطيط المسبق، ومع ذلك، فإنَّ النجاح لا يُعادِل السعادة أو الإنجاز دائماً، خاصةً عندما نسعى إلى تحقيق النجاح بشكل أعمى دون أي معنى للهدف، ونستخدم هذا النجاح كمقياس لقيمتنا الذاتية وقيمتنا.

يسعى الكثير منا بشكل لا إرادي إلى النجاح بسبب الرغبة الشديدة في الوصول إلى الكمال؛ وذلك لاكتساب القبول الذي لم نحصل عليه في مرحلة الطفولة، ولنثبت لأنفسنا أنَّنا جديرون بالحب.

ذكرت الدكتورة "نيكول ليبيرا" (Nicole LePera) في كتابها "كيفية القيام بالعمل" (How to Do the Work) أنَّ الشخص الذي يسعى إلى التفوق: "يشعر بأنَّه يُرى ويُسمَع ويُقدَّر من خلال النجاح والإنجاز، ويستخدم عبارات الثناء والمديح التي يقولها له الآخرون كطريقة للتعامل مع تدني القيمة الذاتية لديه؛ إذ يعتقد أنَّ السبيل الوحيد لتلقِّي الحب هو الإنجاز".

إقرأ أيضاً: 10 علامات تحذيرية تشير إلى تدني تقدير الذات وانعدام الثقة

ونظراً لأنَّنا نسعى إلى التفوق، فغالباً ما نستخدم وظائفنا كطريقة لإلهاء أنفسنا عن الجروح التي لم تلتئم وإبقاء أنفسنا مشغولين بما يكفي لتجنب أي نوع حقيقي من العلاقات، ولقد مررتُ بالتجربة نفسها؛ حيث سعيتُ إلى تحقيق النجاح في وظيفتي في الشركة لأكثر من 10 سنوات، وتجاهلتُ باستمرار ذاتي الأصيلة بينما كنتُ أحاول الحصول على قبول الآخرين وأستخدِمُ العمل كوسيلة لتجاهل ماضيَّ وألمي.

لقد نجحتُ بالتأكيد في أن أكون "ناجحة"؛ إذ كنتُ أحقق الكثير من الأرباح كمديرة في شركة استشارية عالمية بعمر 25 عاماً، وكان الأمر رائعاً، حتى استيقظتُ يوماً ما وأدركتُ أنَّني مكتئبة ولستُ راضية، وأفعل كل ما في وسعي لتجنُّب الشعور بهذه الفجوة الهائلة في حياتي، بإجهاد نفسي باستمرار والسعي إلى تحقيق الكمال الذي أدى إلى أضرار كبيرة بالنسبة إليَّ.

لم أرغب في البقاء في وظيفتي، لكن لم يكن لدي أيَّة فكرة عما أريد أن أفعله، فلم يكن لدي أيَّة فكرة عما يجعلني سعيدة، أو ما الذي كان يرضيني؛ لذا بدت فكرة ألا أكون مثالية وناجحة في وظيفة "جيدة" بمنزلة فشل بالنسبة إليَّ، وبالإضافة إلى ذلك، كان المال الذي كنتُ أكسبه شكلاً من أشكال الشعور بالقبول والحماية، فلم أرغب في المخاطرة بذلك.

كان لدى العديد منا طفولة لم تسمح لنا بالتعبير عن أنفسنا، وبالنسبة إلى أولئك الذين تم التخلي عنهم بطريقة ما في مرحلة طفولتهم، سواءً من خلال الإساءة أم الإهمال أم كان لديهم آباء دفعوهم إلى أن يكونوا شخصية محددة، لم يُسمَح لنا أن نشعر باحترام الآخرين لنا ولأفكارنا.

ونتيجة لذلك، تخلينا عن أنفسنا ورغباتنا الحقيقية، وتعلَّمنا البقاء على قيد الحياة من خلال تجاهل أصالتنا والاعتماد المفرط على أحد استجاباتنا الأربع للبقاء على قيد الحياة: الكر أو الفر أو الحياد أو التملق، فإنَّ السعي إلى الكمال والدافع هما في الواقع استجابات للهروب، وغريزة للصمود في وجه المشكلات التي واجهَتني عندما كنتُ طفلة.

في كتابه "اضطراب ما بعد الصدمة المعقد: من محاولة النجاة إلى الازدهار" (Complex PTSD: From Surviving to Thriving)، كتبَ المعالج "بيت ووكر" (Pete Walker): "العديد من أنواع الشخصيات التي تستجيب بالفر تحاول البقاء مشغولة ونشطة دائماً لتفادي المرور بعلاقة أعمق، ويعمل آخرون أيضاً بقلق شديد على تحسين أنفسهم على أمل أن يصبحوا يوماً ما يستحقون الحب؛ حيث تتميز هذه الأنواع من الشخصيات بصعوبة كبيرة في إظهار أي شيء سوى أنًّها مثالية".

عند تنمية استجابة الفر، فإنَّها تؤمِّن حدوداً جيدة وحزماً وحماية ذاتية صحية عند الضرورة، وعندما يُعتمَد عليها باستمرار كحاجة إلى الصمود أو كمحاولة للتعامل مع آلام الماضي، فإنَّ غريزة البقاء لدينا تُضعف قدرتنا على الاسترخاء في الحالة الطبيعية، وكما أنَّها تُضعِف من استيعابنا لصدماتنا السابقة وتصرف انتباهنا عن مشاعرنا الخاطئة.

إقرأ أيضاً: لماذا يمكن أن يكون نمو ما بعد الصدمة أساس ازدهارك في عام 2021؟

وهذا يؤدي إلى خلق شخصية مدمن العمل؛ أي الشخص الذي يعمل دائماً، وهي الشخصية من النوع "أ" التي تندفع إلى تحقيق الإنجازات، وهو منشد الكمال والمتفوق، وهذا يؤدي إلى العمل المستمر والقلق أو التخطيط للعمل في أوقات الراحة، وهذا يؤدي إلى دفن أنفسنا في العمل لتجنُّب المصداقية الذاتية والضعف، ويؤدي إلى القلق والذعر والإرهاق، وفي الحالات الأكثر خطورة، يؤدي إلى الإدمان والاكتئاب، وفي بعض الأحيان إلى الانتحار.

كتبت الدكتورة "نيكول ليبيرا" (Nicole Lepera): "يمكن أن يكون الأمر مُحبِطاً لأولئك الذين يعملون في المهن المرغوبة تقليدياً، والذين يكافحون للتعامل مع اختلال وظائفهم، واستخدام المواد المخدرة، وتجربة مشكلات الصحة العقلية، وفي الحالات القصوى، حتى الانتحار".

يوضح المعالج "ووكر" هذا الأمر من خلال كتابته: "أنواع الشخصيات التي تستجيب بالفر أيضاً عرضة للإدمان على العمل والانشغال، وللحفاظِ على وتيرة العمل التي يسعون إليها، يمكن أن يتدهور وضعهم إلى الإدمان على المواد المخدرة".

وبصفتنا رجال أعمال، نريد بناء أعمالنا بشكل أصيل وبهدفٍ؛ حيث نريد أن نعمل بجد، ولكن نتجنب الإرهاق، ونريد أن نشعر بالانسجام مع ما نبنيه، فلا نريد استخدام عملنا كمصدر إلهاء عن الحياة؛ بل نريد استخدامه لخلق حياة نحبها، فإذا كنتَ تميل إلى الكمال أو الإنجاز المفرط، فقد تعتقد أنَّ هناك جروحاً في مرحلة الطفولة لا تزال بحاجة إلى علاجها.

فقط عندما بدأتُ التعافي، تمكنتُ من التواصل مع نفسي حقاً والعثور على وظيفة شعرتُ بأنَّها مرتبطة بي بعمق؛ حيث ساعدني التعافي على تنمية عملي في حالة من السلام بدلاً من حالة الذعر، وساعدني التعافي على تنمية عملي بهدف التأثير في الآخرين بدلاً من السعي إلى رضا الآخرين أو الإنجاز.

فعندما تنمي عملك من مكان يتسم بالأصالة والانسجام، يكون لديك الفرصة لتحقيق نجاح مؤثر وبناء حياة مُرضية تشعر بالتوافق معها، فلَم يَفُت الأوان أبداً لبدء عملية التعافي وبناء حياة مُرضية.

المصدر




مقالات مرتبطة