كيف نحول الضغط النفسي إلى طاقة إنجاز؟

لطالما كان الضغط النفسي أمراً سلبياً في حياة الإنسان الذي سعى على مر العصور إلى التخلص منه بكافة السبل، ولكنَّ العلم الحديث أثبت أنَّنا نحتاج نسبة معينة من هذا الضغط ليساعدنا على الإنجاز وتسخير طاقاتنا وقدراتنا صوب هدف واحد فقط.



سنتعرف في هذا المقال إلى أهمية الضغط النفسي في الحياة، والآليات التي يعمل من خلالها على زيادة طاقتنا الإبداعية، ومدى تأثير الطريقة التي نتعامل فيها مع هذا الضغط في نوعية حياتنا، وأيضاً في عدد السنوات التي نعيشها.

ما هي أنواع الضغط النفسي بحسب تصنيف خبراء علم النفس؟

قسَّم خبراء علم النفس الضغط النفسي إلى نوعين، أحدهما ضار والآخر مفيد؛ إذ يتسم الضغط النفسي المفيد بأنَّه قصير الأمد، ويحفز القدرات الكامنة في أعماق الإنسان على الخروج، كأنَّه يقول لها يوجد تحدٍّ جديد ينتظرك في الخارج؛ وهذا يؤدي إلى استفزازها وخروجها إلى الملأ، وعلى المقلب الآخر، يتسم الضغط النفسي الضار، بأنَّه يستمر فترات طويلة تستهلك طاقة الإنسان، وربما تسبب له أذى نفسي حقيقي على الأمد البعيد، وهذا النوع من الضغط النفسي يُطفئ ملكات ومواهب الإنسان، بخلاف النوع السابق.

ويوجد اتجاه آخر في علم النفس، يعرِّف الضغط النفسي الضار على أنَّه ضغط عالي الشدة - بصرف النظر عن مدة استمراره - يؤدي إلى التشويش على العمليات العقلية الطبيعية التي تجري في دماغ الإنسان، مثل الطالب الذي ينسى ما درسه من معلومات خلال الامتحان بسبب شدة التوتر والضغط النفسي.

ما هو مبدأ تحويل الضغط النفسي إلى إنجاز؟

ركزت الكثير من الدراسات والأبحاث على سلبيات الضغط النفسي وأضراره على صحة القلب، والجهاز الهضمي والعصبي، والحالة النفسية العامة للإنسان، وإنتاجيته في الحياة، لكن بينت الدراسات الجديدة وجود فوائد وحسنات يحملها الضغط النفسي.

على سبيل المثال، عندما يكون لدينا مناسبة اجتماعية كحفل زفاف أحد أصدقائنا المقربين، ونتولى نحن الأمور التنظيمية لهذا الحفل، يتولد في داخلنا مشاعر التوتر ونحس بالضغط النفسي حيال تفاصيل الحفل، وكيفية جعله منظماً وجميلاً ويُدخل السرور إلى قلوب الحاضرين، وهنا نلاحظ التأثير الإيجابي لهذا الضغط النفسي الذي هو عبارة عن تحضير لأنفسنا من الداخل للتعامل مع مهمة جديدة، تتطلب التركيز والانتباه وتضيف لنا مهارات الإدارة والتنسيق والتنظيم.

عندما تولينا مهمة تنظيم الحفل، لم يعوقنا الضغط النفسي عن أداء المهمة الموكلة إلينا؛ بل على العكس من ذلك، ساعدنا بشكل أو بآخر على التركيز أكثر فيما طُلِب منا؛ وذلك لأنَّنا وضعنا في ذهننا فكرة إيجابية حيال ما نقوم به؛ فنحن نقوم بتنظيم الحفل من أجل أن نفرح وتكون مظاهر الفرح على مستوى عالٍ يُدخِل البهجة والسرور إلى قلوب الجميع.

هذا هو أساس التعامل مع الضغط النفسي من خلال تحويله إلى طاقة إيجابية عبر ربطه بفكرة أو هدف إيجابي، وعلى العكس من ذلك، يكون الضغط النفسي عاملاً سلبياً عندما يرتبط بفكرة الإجبار أو الإكراه وغيرها من الأفكار السلبية.

شاهد بالفديو: كيف توفر وقتك وتزيد إنجازاتك؟

كيمياء الضغط النفسي:

وجد العلماء والباحثون أنَّ الضغط النفسي يحفز الكثير من العمليات الحيوية والتفاعلات الكيميائية المفيدة، التي تساعدنا على مواجهة التحديات التي تعترض طريقنا؛ إذ وجد العلماء أنَّ الضغط النفسي يحرض إفراز هرمون الأوكسيتوسين؛ وهو هرمون يجعلنا نبحث عن أصدقاء أو أشخاص آخرين نتكلم معهم عن المشاعر أو المواقف الصعبة التي نواجهها، وهذا يسهم في التقليل من آثار الضغط النفسي والمساعدة على حل المشكلة؛ وذلك من خلال التعرف إلى آراء جديدة تفيدنا في حل المشكلة أو التعامل معها بطريقة أفضل من ذي قبل.

أين تكمن الأهمية الكبيرة للضغط النفسي؟

في الحقيقة، تكمن الأهمية الكبيرة للضغط النفسي بكونها تجعل الإنسان أكثر مرونة في التعامل مع المشكلات والمصاعب والتحديات؛ إذ يقول الإنسان لنفسه لقد واجهت في الماضي الكثير من المشكلات والمصاعب المشابهة؛ لذلك أنا قادر على تجاوزها الآن، بالإضافة إلى أنَّ الضغط النفسي في حال استمر لفترة قصيره، فإنَّه يساعد على تنشيط الذهن وتقوية الذاكرة وتدريب الدماغ على الكثير من المهارات الجديدة، وهو بمنزلة امتحان حقيقي يكتسب بعده الإنسان شهادة تُخوِّله الدخول في تحديات جديدة تنقله إلى مستويات أعلى.

ما هي الآليات التي نستطيع من خلالها تحويل الضغط النفسي إلى إنجاز؟

نتحدث هنا عن الضغط النفسي الذي يستمر لفترات قصيرة، ولكنَّ الضغط النفسي الذي يستمر لفترات طويلة فهو حتماً يضر صحة الجسم ويهدم الجهاز المناعي، وله الكثير من الأضرار السلبية التي تفوق محاسنه؛ لذلك ومن أجل تجنب استمرار الضغط النفسي لفترات طويلة، من الهام أن نأخذ استراحات من وقت إلى آخر حين نشعر بأنَّنا لم نعد قادرين على الاستمرار، وكذلك يمكننا أن نقوم ببعض النشاطات التي من شأنها تخفيف الضغط النفسي مثل تمرينات التنفس البطيء، وإجراء بعض التمرينات الرياضية، وتذكُّر الذكريات الجميلة أو المضحكة أو أن نتخيل أنفسنا في مكان جميل.

من خلال هذه الأمور، فإنَّنا قادرون على تقطيع الضغط النفسي المستمر، وتحويله إلى فترات قصيرة من الضغط النفسي لنستطيع أن نأخذ حسناته ذات الفترة القصيرة، والتي تتجسد في زيادة القدرة على التحليل المنطقي وحل المشكلات بطرائق إبداعية قد لا تخطر على بالنا في أوقات الراحة.

من الهام أيضاً خلال فترات الضغط النفسي أن نقوم بشحن طاقتنا من وقت إلى آخر؛ وذلك من خلال الحديث مع الأصدقاء، وإجراء تفريغ طبيعي وسليم للطاقة السلبية والمشاعر السلبية والتمرينات الرياضية، وأن نقول لأنفسنا إنَّنا أقوياء وقادرون على تجاوز هذه المشكلة كما تجاوزنا الكثير من الصعاب في الماضي.

إقرأ أيضاً: أساليب تطوير الذات: 14 طريقة لتطوير مهاراتك الشخصية

تجربة توضح دور الإحساس بالضغط النفسي في تنمية المهارات الإبداعية:

قامت مجموعة من الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية بإجراء دراسة شملت مجموعتين من الأشخاص؛ فالمجموعة الأولى أُخضِعَت لمؤثرات خارجية جعلتها تعيش في حالة من الضغط النفسي، بينما وفرت للمجموعة الثانية جميع وسائل وسبل الراحة والأمان، وقامت بطرح مسائل ومشكلات، وطلبت منهم طرح الحلول المناسبة، وقد جاءت نتيجة الدراسة على الشكل الآتي:

المجموعة الأولى التي كانت تعمل تحت الضغط كانت إجاباتها أكثر دقة وأكثر موضوعية، وكانت الحلول يغلب عليها الطابع الإبداعي والخيال الواسع، بينما كانت أجوبة المجموعة الثانية يغلب عليها البساطة والسطحية مقارنة مع الأجوبة التي طرحتها المجموعة الأولى، وهذا تأكيد هام على ضرورة وجود الضغط النفسي بنسب معينة ولفترة قصيرة من أجل تحفيز القدرات الإبداعية الموجودة لدى الإنسان.

مَن يفهم الضغط النفسي يعيش أكثر:

توصلت الدراسات الحديثة إلى أنَّ طريقة فهم الناس للضغط النفسي تؤثر تأثيراً كبيراً في معدل الحياة؛ إذ وجدوا أنَّ الناس الذين ينظرون إلى الضغط النفسي بصفته وسيلة لتعلُّم الدروس وتجربة إيجابية يخرجون منها بالكثير من المهارات والخبرات الجديدة، ويعيشون سنوات أطول من أولئك الذين ينظرون إلى الضغط النفسي بصفته أمراً سلبياً أو مشكلة حقيقية يجب التخلص منها بشكل كامل.

دور الضغط النفسي في الإنجاز عند طلاب المدارس:

يعاني الكثير من التلاميذ من مشكلة الضغط النفسي في فترات الامتحان، ويشكل هذا الأمر مشكلة بالنسبة إلى الأهل والتلاميذ والمعلمين على حدٍّ سواء، ويأتي هنا دور المدرسة والأهل في توضيح الأمور للطلاب بأنَّ هذا الضغط النفسي هو أمر طبيعي، وهو أمر مفيد يدفعهم إلى الدراسة بشكل أفضل، والانتباه إلى المعلومات والتركيز عليها، والحفظ بدقة أكبر وبسرعة أكبر ودون تضييع الوقت.

لذلك فهذا التوتر مفيد بنسبة معينة، لكن حين يزيد عن حدِّه قد يدفع بعضهم إلى نسيان كل ما درسوه من معلومات في لحظة الامتحان، فهذه الكمية الزائدة من التوتر هي التي يجب علينا أن نتخلص منها، وفيما عدا ذلك، يُعَدُّ الضغط النفسي من الأشياء الضرورية لإنجاز المهام وخصوصاً المهام الصعبة.

الضغط النفسي الناجم عن الغيرة:

لا نستطيع أن ننكر أنَّ ما نعانيه من الضغط النفسي، جزء منه يكون ناجماً عن مشاعر الغيرة؛ وهي عبارة عن مشاعر طبيعية يمكن أن يشعر بها أي إنسان في هذا الوجود، وهي لا تعبِّر بالضرورة عن صفة سيئة أو سلبية؛ إنَّما هي جزء من لعبة الحياة التي تدفع الإنسان نحو الإنجاز والتطور.

إقرأ أيضاً: 4 علامات تُفسّر كيف تؤثر الضغوط النفسية سلباً على صحتك

كيف يمكن الاستفادة من الضغط النفسي الناجم عن الغيرة في عملية الإنجاز؟

يجب علينا أولاً أن نفهم حقيقةً ما هي الغيرة؛ فهي عبارة عن فهم خاطئ وفقر ذهني يدفعنا إلى الإحساس بالنقص تجاه ما يملكه الآخرون من ميزات نود نحن امتلاكها في الواقع.

ونستطيع أن نستخدم هذا الضغط النفسي الناجم عن الغيرة من خلال الشعور بالامتنان تجاه هذه النعم؛ لأنَّنا في حقيقة الأمر نملك نفس الموارد التي يملكها أي شخص آخر؛ لأنَّ المادة التي صُنِع منها الكون هي مادة واحدة، والمادة التي خُلِقنا منها نحن هي مادة واحدة، وأصل كل المواد هي الأفكار، وكلنا نمتلك هذه الأفكار؛ وهذا يعني أنَّنا جميعاً قادرون على امتلاك أي شيء والوصول إلى أي مكان واستخدام طاقة هذه الأفكار.

فعندما نصل إلى قناعة أنَّ هذه الأشياء التي نغار من وجودها عند أشخاص آخرين هي بالأصل موجودة لدينا، أو بالأصل نحن قادرون على الحصول عليها وهي متاحة لنا في أي وقت نريد - طبعاً مع اشتراط العمل والجهد - وحين نفهم هذه النقطة نصبح قادرين على تحويل طاقة الضغط النفسي هذه إلى طاقة منتِجة، نفهمها كما هي بوصفها جزءاً من لعبة تطوير الذات.

شاهد بالفيديو: كيف نحول الضغط النفسي إلى طاقة إنجاز

في الختام:

إنَّ كل شيء في هذه الحياة مهما بدا سلبياً أو سيئاً أو مؤذياً، له جانب إيجابي ومفيد؛ لذا يجب أن نتعلم البحث عنه والتركيز عليه والاستفادة منه.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة