كيف تضيء طريقك في غابة من الخوف؟

يُعَدُّ الخوف من أقوى وأكثر المشاعر التي يساء فهمها، فربما يكون الخوف شعوراً غير مريح لكنَّه يعمل كعلامة تحذيرٍ، يمنع صاحبه من القيام بالعديد من الأمور الخطرة التي قد تودي بحياة فاعلها كإمساك اللهب المشتعل بيدين عاريتين، أو تجاوز إشارة مرورية حمراء.



قد يتربص الخوف بالشخص لإعاقته في مواقف أقل خطورة، على سبيل المثال: الخوف من الطيران أو الخوف من التحدث أمام الجمهور أو الخوف من الفشل عند البدء بأمرٍ ما، وعلى الرغم من عواقب هذه الحالات، فهي أمورٌ بسيطة وليست مسألة حياةٍ أو موت، إلا أنَّ الخوف يبقى سيد الموقف.

هنا تكمن المشكلة، فقد تشمل الآثار السلبية للخوف الشعور بالقلق، والذي بدوره يسبب تسارع نبضات القلب، والشعور بالضعف أو الدوار أو التعب والإرهاق، وعلاوةً على ذلك، يمكن أن يؤثر الخوف سلباً في التركيز ويمنع الشخص من استكشاف فرصٍ جديدة.

يمكن استخدام استراتيجيات عدَّة للتعامل مع حالات الخوف التي تقيد للشخص بحيث تضمن عدم تراجعه ومنها:

1. أخذ قسطٍ من الراحة:

عندما يسيطر الخوف على أفضل قدراتنا فيحدُّ منها أو يضعِفها، ويستحيل التركيز على أي شيءٍ آخر، فعندما يسيطر الخوف على الإنسان يبدأ التفكير بأسوأ الاحتمالات المستقبلية، وسيؤدي التفكير بأسوأ السيناريوهات إلى تسارع دقات القلب مع التعرق المفرط، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأحاسيس التي تشتت انتباه الشخص.

 عند الوقوع في أسوأ حالات الحزن والخوف تلك، فلا بدَّ من أخذ قسطٍ من الراحة والبحث عن طرائق للتخفيف من حدة هذه المشاعر؛ كالذهاب في نزهة إلى الخارج، أو القيام ببعض تمرينات التنفس، أو تخصيص فترة للتعامل مع القلق، وستفعل هذه الأفكار الأعاجيب لتهدئة المخاوف، على سبيل المثال: يمكن أن يشكل أخذ وقت مستقطع خلال ضغط العمل أو القلق من تقديم عرضٍ تقديمي خطوة جيدة لمحاربة الخوف، كما يمكن تخفيف القلق عبر الرعاية الذاتية في المنزل.

أياً كان اختيارك، فسيفي بالغرض لإيجاد سبيلٍ للتخلص من الأفكار المخيفة والعودة إلى توازن الحياة الطبيعية، وبعد تطبيق إحدى طرائق التعامل مع القلق وتهدئة نفسك وجمع شتات أفكارك، يمكن حينها التفكير برويَّة وعقلانية لمكافحة المخاوف.

ومع ذلك، عند الشعور بالإرهاق الشديد، يمكن أخذ استراحةٍ طويلة، فقد يستغرق الأمر حوالي ساعة كاملة لممارسة الرياضة أو اللعب بألعاب الفيديو أو التخطيط لقضاء عطلة بعيداً عن المخاوف والتوتر اليومي.

إقرأ أيضاً: 13 طريقة إبداعية لأخذ استراحات قصيرة خلال اليوم

2. إعداد قائمة بالأمور التي تخشى القيام بها:

 يشرح مؤلف سلسلة كتب "حساء الروح" (Chicken Soup for the Soul) "جاك كانفيلد" (Jack Canfield): "لا يجب أن تتضمن هذه القائمة أموراً تخاف منها، كالعناكب مثلاً؛ بل أموراً يمنعك الخوف من القيام بها، مثل الخوف من القفز بالمظلات وخشية ترك الوظيفة، والقلق والخوف من العودة إلى المدرسة، أو رهبة الحديث إلى شريك الحياة حول العلاقة، أو القلق من طلب زيادة على الراتب".

لذا، يجب أخذ وقتٍ كافٍ للتفكير في الأمور التي يُخشى القيام بها، وكتابتها بصيغة واضحة وموجهة نحو الذات كالتالي: "أريد بدء عملي الخاص، لكنَّني أُخيف نفسي بتخيُّل الإفلاس وخسارة المنزل"، أو "أريد الحديث مع زوجي عن علاقتنا، لكنَّني أخيف نفسي بتخيُّل معرفته لمشاعري الحقيقية؛ مما سيؤدي إلى الانفصال، فمن خلال تسجيل جميع الأمور التي تخشى القيام بها، يمكن رؤية المخاوف تتهاوى؛ لأنَّها عبارة عن توقعات غير حقيقية من نسج الخيال للنتائج السلبية في المستقبل".

معرفة المخاوف ومواجهتها لا يعني أنَّها محض أوهامٍ فحسب، فقد تكون نتائج منطقية لما سيتم مواجهته في المستقبل (على الرغم من ندرة حدوث أمور سيئة في الواقع تطابق ما تم تخيله)، ومع ذلك، سيساعد استخدام نموذج "كانفيلد" على توضيح نقاط التفكير وكيفية سير الأمور بطريقة منطقية.

3. الاستفادة من الأدرينالين:

يكتب الكاتب المستقل وأحد مؤسسي موقع "إيفولفر" (evolvor.com) "ألبرت كوستيل" (Albert Costill): "لعلَّ الآخرين ينصحونك بتهدئة أعصابك وأخذ أنفاسٍ عميقة عندما تُصاب بالقلق، لكنَّ القلق يؤدي إلى إفراز هرمون الأدرينالين، والذي يمكن استثمار هذه الطاقة والإثارة في النشاطات، بدلاً من تركه يذهب سدىً".

تدعم العديد من الأبحاث هذا الاقتراح، وتصف "أليسون وود بروكس" (Alison Wood Brooks) الأستاذة في "كلية هارفارد للأعمال" (Harvard Business School)، هذا بأنَّه "إعادة تقييم للقلق"، فالفكرة الأساسية منه هي أنَّه بدلاً من اتخاذ نهج للحفاظ على الهدوء، يمكن تبنِّي استثمار هذا الشعور.

بعبارة أخرى، وحسب ما ورد في مجلة "ذا أتلانتك" (The Atlantic) يتشابه القلق والحماسة في أنَّ كليهما يحركان العواطف الإنسانية، فكلٌّ منهما يسرع دقات القلب، ويرفع نسبة الكورتيزول في الجسم، ويثير الجسم؛ حيث تمثل المتعة عاطفة قوية وإيجابية تتمحور حول سير الأمور بسلاسة، وتكمل الأستاذة "بروكس" قائلة: "من السهل الحصول على التحفيز عبر القلق؛ وذلك عبر تعديل بسيطٍ في طريقة تفكيرك ومعالجة الموقف".

لنفترض أنَّ أحد مخاوفك هو الحديث أمام الجمهور، لكن عليك تقديم عرضٍ تقديمي في الاجتماع القادم، فينصحك "ألبرت كوستيل" قائلاً: "بدلاً من الاستسلام للخوف والهلع، يمكن استثمار الموقف في الحديث بحماسة عن الاجتماع القادم".

إقرأ أيضاً: 7 طرائق عملية لتغيّر تفكيرك وحياتك

4. استخدام "قانون قابلية العكس":

يشرح المتحدث التحفيزي الأمريكي في مجال التنمية الذاتية "براين تريسي" (Brian Tracy) قانون قابلية العكس (Law of Reversibility) قائلاً: "يناقش هذا القانون العلاقة الطردية بين السلوكات والمشاعر الداخلية، وعند الشعور بمشاعر معينة فسيتم التصرف وفقاً لها؛ أي إنَّ سلوكات الفرد ما هي إلا انعكاس لمشاعر داخلية، ولكن إذا تصرَّف الفرد بطريقةٍ مغايرة لشعوره لفترة من الزمن فوفقاً لقانون قابلية العكس، فسوف يخلق هذا التصرف مشاعر تتناسب مع سلوكك.

ويُعَدُّ هذا القانون من أعظم الاكتشافات في علم نفس النجاح؛ والسبب أنَّه يُطوِّر الشجاعة التي يحتاجها الفرد من خلال تأديب النفس وتعويدها مراراً وتكراراً على القيام بالشيء الذي تخشاه، حتى يختفي هذا الخوف في نهاية المطاف، وسوف يختفي بالتأكيد".

يجب تذكير النفس في أوقات عدم الثقة بأنَّ الشجاعة ما هي إلا قرار تأخذه في لحظة، عبر مقولةٍ خالدة ومؤثرة كالتي قالها الممثل الأمريكي "جون واين" (John Wayne) على حصانه: "الشجاعة هي الخوف حد الموت، ولكن البقاء صامداً على أي حال"، كما يمكنك تبنِّي شعار شركة "نايكي" (Nike) "افعلها فقط".

5. التحرر من قيود السيطرة:

نظرياً، يُعَدُّ بقاء الأمور تحت سيطرتك مصدر أمانٍ؛ مما يقلل من الخوف الداخلي، لكنَّ هذا ليس صحيحاً تماماً؛ إذ تشرح كوتش الإنتاجية والحياة "كيرستن أودونوفان" (Kirstin O´Donovan) سبب ضرورة التحرر من القيود قائلة: "يؤدي الخوف إلى إحكام السيطرة وتقييد سلوكك، وعندما لا يثمر ذلك عن النتائج المرجوَّة منه وهو ما يحدث عادةً، وستزيد حدة المخاوف؛ لأنَّ النتائج التي حُصِلَ عليها هي أكبر دليل على أنَّنا نحاول السيطرة على عالم يكتنفه الغموض.

وهذا بدوره يقود إلى سلوكٍ أكثر تحكماً؛ مما يؤدي إلى زيادة شدة الخوف والسيطرة، التي يمكن أن تؤدي إلى هاجسٍ من أصغر التفاصيل، كما سيفقد الشخص الخائف المتحكم رؤيته للصورة الكاملة والتي تفوق الخطوات الصغيرة أهميةً، فضلاً عن فقدانه الرؤية لما يجب القيام به من أجل تحقيق الرؤية الكبرى".

وبعبارةٍ أخرى، يؤدي التحكم الزائد إلى فقدان التركيز الموجَّه نحو هدفٍ ما وإهدار الموارد الثمينة والمحدودة، كما تسبب هذه الدورة من الخوف والسيطرة جذب المخاوف وتحقيقها؛ ولهذا يجب أن نتعلم فن الاستسلام وترك السيطرة.

6. تبنِّي عقلية النمو:

يميل الشخص للبقاء في مكانه عندما يكون خائفاً، ويفكر في احتمالات ارتكاب الأخطاء أو الفشل، ويتضخم الأمر ليصل حد الاعتقاد بعدم القدرة على التقدم؛ إذاً، فالخوف هو مصدر العوائق كلها، ويمكن التحرر من هذه المشاعر بتبنِّي عقلية النمو.

لا يتعلق الأمر بالكمال طيلة الوقت في كل خطوة؛ لذا يجب التوقف عن السعي إلى تحقيق الكمال؛ إنَّما يتعلق الأمر في التعامل بأريحية مع كل ما هو مجهول، والاستمرار في المضي قُدماً والتعلم على أي حال، فهذا هو أساس عقلية النمو.

يقول المتحدث والمؤلف الأمريكي "توني روبنز" (Tony Robbins): "بغض النظر عن عدد الأخطاء التي يرتكبها الفرد أو مدى بطء تقدُّمه، فلا يزال متقدماً كثيراً على المتكاسلين عن المحاولة، ومن الهام أن نتذكر أنَّ الجميع ملزم بالمرور بالتجارب والمحن في أثناء رحلة التعلم، بالإضافة إلى النمو والتكيف أيضاً".

7. الخروج من منطقة الراحة:

نحن مخلوقات مجبولة على العادات وهذا يفيدنا كثيراً؛ حيث يوفر وجود روتين ونظام عاداتٍ إحساساً باليقين؛ مما ينقذ الشخص من القلق والتوتر تجاه المجهول، كما أنَّه يجعل عملية التخطيط للمواقف المقلقة أمراً سهلاً، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يسبب البقاء في منطقة الراحة الدخول في حالة ركود؛ لهذا السبب يجب كسر العادات بفعل شيء جديد كل يوم.

تقول المؤلفة وعالمة النفس التنظيمية "تاشا يوريش" (Tasha Eurich): "عند اختبار أشياء جديدة، تتشكل مساراتٍ عصبية جديدة تبدأ بخلق روح الإبداع والإلهام، بالإضافة إلى اكتشاف عباقرة مبدعين، فإنَّ التجارب الجديدة تعزز الذاكرة، فالمواقف الجديدة تثير هرموناً فريداً من منتصف الدماغ يُطلَق عليه اسم الدوبامين، والمسؤول عن الشعور بالسعادة".

شاهد بالفيديو: كيف تتجاوز منطقة الراحة؟

8. ممارسة اليقظة الذهنية:

اليقظة الذهنية هي طريقة فعالة للمساعدة على الشعور بالهدوء أكثر والحماسة والتحفيز، ومع ذلك، تُظهِر الأبحاث أيضاً إمكانية استخدامه لمساعدة الأشخاص على تجنب الاستجابة للخوف، فعند البدء بممارسة التأمل فإنَّ العملية واضحة، فكل ما يجب فعله هو إغلاق العينين والتركيز على التنفس.

9. التقليل من المخاوف:

توصي عالمة النفس "سوزان ك. بيري" (Susan K. Perry) بالتقليل من شأن المهمة في سبيل التغلب على الخوف منها من خلال التفكير في المهمة كلعبة؛ إذ إنَّها تقنية قديمة، ولكنَّها فعالة؛ والسبب هو عند حدوث خطأٍ ما، يمكن دائماً تجربة نهجٍ جديد أو التراجع، فوجود هذا المنظور الجديد يمكن أن يجعل الشخص يدرك أنَّ معظم قراراته اليومية ليست مسائل حياةٍ أو موت، وعلاوةً على ذلك، يساعد اللعب على تقليل التوتر، وتحسين وظائف الدماغ، ويحفز الإبداع، كما أنَّه يحسن العلاقات ويعزز الطاقة.

10. مشاركة مخاوفنا مع الآخرين:

وأخيراً، إذا تداخل الخوف والقلق مع الحياة اليومية، فلا يجب التردد في اللجوء إلى الدعم، مثل تقاسم مشاعر الخوف والتوتر مع صديق، أو أحد أفراد الأسرة؛ مما سيبعد الكثير من الخوف الذي تشعر به، واعتماداً على شدة الخوف وجدية الموقف فقد يرغب بعض الناس في تحديد موعدٍ مع شخصٍ متخصصٍ في العلاج السلوكي المعرفي.

المصدر




مقالات مرتبطة