عدم اليقين أمر طبيعي الحدوث، لكن للأسف، يوجد له وجه آخر سيئ وهو الخوف؛ فعدم اليقين هو ببساطة الواقع الذي يصاحب العديد من المواقف الذي لا يمكنك المناص منه كلياً، فلكل شخص نصيب منه، لكن لحسن الحظ توجد حلول للخوف والقلق.
يمكن لأية إجراءات وسلوكات أن تسهِّل عليك التعامل مع الخوف، طبعاً بعضها أكثر صحة من غيرها؛ حيث توجد عبرة مفيدة لنا في القول المأثور: "الوقاية خير من قنطار علاج"، في هذه الحالة يعني المبادرة في تعزيز قوَّتك الذهنية، وبناء مقاومة للآثار السلبية المحتملة لعدم اليقين، وفيما يلي أربع عادات مثبتة علمياً للقيام بذلك بصورة صحيحة:
1. النوم:
من المعلوم للجميع أنَّ النوم يؤثر في العديد من وظائفنا الجسدية، كما تشير الأبحاث إلى أثره العظيم في كيفية تعاملنا مع عدم اليقين، مما يجعله علاجاً طبيعياً لتخفيف القلق، ويصف ماثيو ووكر (Matthew Walker)، أستاذ علم الأعصاب في جامعة بيركلي كاليفورنيا (UC Berkeley) ومؤلِّف كتاب "لماذا ننام: إطلاق العنان لقوة النوم والأحلام" (Why We Sleep: Unlocking the Power of Sleep and Dreams) النوم على النحو التالي: "يشبه حرماننا من النوم ضغط الدماغ على دواسة الوقود العاطفية بقوة، في سيارة (الجسم) مكابحها مُعطَّلة".
هذا الوصف دقيق للغاية، ويدرك معظمنا ذلك ضمنياً، لكن وجد البحث الذي أجراه ووكر (Walker) انخفاضاً كبيراً في مستويات القلق لدى الأشخاص بعد ليلة كاملة من النوم، وهناك أدلة أخرى تدعم ذلك؛ حيث يُظهر تصوير الدماغ أنَّ قشرة الفص الجبهي - وهي منطقة من الدماغ تنظِّم الخوف والقلق - يجب أن يُعاد شحنها عن طريق الراحة الليلية وإلا سيصيبها خلل.
2. التمرينات الرياضية:
يحتاج الشخص إلى ساعتين ونصف - أي ما يعادل 150 دقيقة في الأسبوع - من التمرينات الرياضية ليقي نفسه من القلق، وليس هناك فرق يُذكر سواء قمت بها في الهواء الطلق أم في المنزل، أم مع مجموعة من الأشخاص أم وحدك؛ طالما أنَّك تحافظ على نشاطك البدني، فتقلل من احتمال الشعور بالقلق والإصابة بالاكتئاب.
توجد أسباب عدة تجعل التمرينات طريقة فعالة في الحد من الخوف، فمثلاً يساعد النشاط البدني على إفراز هرمونات ومواد كيميائية عصبية تُشعِرك بالسعادة، كما أنَّها تعزز النوم الجيد، ويمكن أن تكون ممارسة الرياضة بانتظام أيضاً مصدراً للبناء والقدرة على التنبؤ في عالم تكثر فيه الاحتمالات، مما يجعلها وحدها قادرة على التخفيف من حدة القلق.
3. الامتنان:
عندما نكون غير موقنين بصحة أمر ما، يتولَّد لدينا الشك الداخلي وغيرها من أشكال التفكير السلبي، بينما يكون للامتنان أثر عكسي؛ حيث أجرى كل من الباحثَين روبرت إيمونز (Robert Emmons) ومايكل ماكولوغ (Michael McCullough) دراسة عن الامتنان، ووجدوا أنَّ الأشخاص الذين ركزوا فقط على الأمور التي تُشعرهم بالامتنان على مدى 10 أسابيع، أفادوا بأنَّهم بحال أفضل وأكثر تفاؤلاً بالمستقبل.
أمسى العلاج بالامتنان كمثالنا آنفاً أكثر شيوعاً وأسهل فهماً؛ لكن لا يزال يتعين على الباحثين إثبات أنَّ العلاقة بين زيادة الامتنان والخوف الأقل هي علاقة سببية، أو إيجاد ارتباط وثيق على الأقل.
4. التأمُّل:
إنَّ العديد من المخاوف الناشئة عن عدم اليقين التي تغذي ميولنا القلقة ليست أكثر من مخاوف غير عقلانية يَصعُب إبعادها، تقول إليزابيث هوغ (Elizabeth Hoge)، أستاذة الطب النفسي في جامعة جورج تاون (Georgetown University)، أنَّنا إن أخطأنا في تأويلها على أنَّها أفكار لحل المشكلات، لن يكون باستطاعتنا حينها السيطرة على التوتر، تقول هوغ (Hoge): "يعاني الأشخاص دائمو القلق من مشكلة في التعامل مع الأفكار التي تشتت أذهانهم وتهيمن عليها"، وتأمُّل اليقظة الذهنية وسيلة فعالة لملاحظة أنماط تفكيرنا وتغييرها.
الفرق بين الخوف والقلق:
لا بد أنَّك لقد لاحظت أنَّ المصطلحين قد استُخدِما بالتناوب إلى حد ما؛ لكنَّهما مختلفين عن بعضهما؛ مما يعني أنَّ حالتك لن تُشخَّص أبداً على أنَّها خوف، فمعظم الناس يعترفون بقلقهم قبل أن يعترفوا بخوفهم، وهنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي يُسبِّب القلق إن لم يكن الخوف؟
قد يكون الخوف غير منطقي، وغالباً ما يكون غير واعٍ أيضاً، ويمكن أن يزيد هذان الجانبان من صعوبة التأقلم وهذا هو بالضبط سبب أهمية تنظيم عاداتنا ونمط حياتنا تنظيماً يمنحنا المرونة، صحيح أنَّنا نتمنى لو أنَّ في إمكاننا التنبؤ بالخوف وعدم اليقين والشك، ولكنَّهما يحدثان دون سابق إنذار، ومع الأساس والأدوات الصحيحة، يمكننا أن نكون مستعدِّين لهما عندما يظهران، ونستطيع الفكاك من سيطرتهما علينا.
أضف تعليقاً