كيف تستطيع إدارة يومك وقلقك عند العمل من المنزل؟

عندما بدأتُ العمل في المنزل، لم أصدق مدى سهولة الأمر في البداية، ولم يخبرني أحد ماذا أفعل أو أين أكون؛ حيث كان في إمكاني العمل في سريري، والذهاب إلى متجر البقالة في منتصف النهار. ولكن على الرغم من أنَّني كنت مستقلة، إلا أنَّني كنت دائماً أترقب أن يوبخني أحدهم، وتلاشت سعادتي عندما أدركتُ أنَّني لست وحدي في المنزل.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة "مورا أرونز ميلي" (Morra Aarons-Mele) والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في إدارة عملها من المنزل والتخلُّص من القلق في أثناء ذلك.

وأنا قلقة بالمجمل، حتى عندما أكون في أحسن الأحوال، لكن في هذه الأيام، يبدو أنَّنا جميعاً قلقون، والقلق هو عنصر آخر يجب دراسة تأثيره في يومك وإنتاجيتك وإدارة وقتك، فقد يكون مصدر القلق مكالمات الفيديو على برنامج "زووم" (Zoom)، أو زيادة الحمل على شبكة الإنترنت، أو صراخ الأطفال أو الحيوانات الأليفة.

يدفعني القلق في بعض الأيام إلى الأداء بأحسن ما يمكن، وعدم التراجع عن أيَّة مهمة وعدم ترك أي بريد إلكتروني دون رد حتى لو اضطررت إلى العمل حتى منتصف الليل، وهذا إجهاد في العمل، وهو طريقة شائعة يتعامل بها العديد من القلقين مع مشاعرهم، وسأعود إليها لاحقاً.

يسبب القلق فوضى في تفكيري على شكل أفكار تطفلية ومخاوف بشأن المستقبل؛ مما يمكن أن يجعلني أيضاً مشتتة وغير قادرة على التركيز؛ لذلك هناك طريقة أخرى شائعة للتعامل مع القلق وهي التجنب، على سبيل المثال: بينما كنت أكتب هذا المقال، خبزتُ وحاولت ممارسة الرياضة، وتجوَّلت في بيتي بحثاً عن الأشياء التي تحتاج إلى انتباهي.

يمكن أن يكون العمل من المنزل رائعاً، ولكن عندما تكون قلقاً، قد يكون من الصعب التركيز والاستمرار في العمل على مهامك، فكيف تحافظ على مسؤوليتك أمام نفسك وتنجز عملك دون أن تدفع نفسك إلى الإرهاق؟

فيما يأتي بعض النصائح بناءً على ما تعلمتُه من 15 عاماً من إدارة قلقي في أثناء العمل من المنزل:

1. لا تشغل بالك برسائل البريد الإلكتروني:

أعلم أنَّني لست الشخص الوحيد الذي يتسارع معدل ضربات قلبه عندما يرى رسالة بريد إلكتروني جديدة في صندوق الوارد الخاص به؛ حيث يمكن أن تكون من عميل أو موظف أو محاسب أو أحد الوالدين، ولكن يدفعني القلق إلى التركيز على الرسالة حتى أفهم المعنى الحقيقي منها، وهي مهمة صعبة؛ نظراً لأنَّ الفروق الدقيقة العاطفية تضيع في أيَّة وسيلة اتصال رقمية تقريباً، ثم أجبر نفسي على الرد بصرف النظر عن أي شيء، حتى لو كنت أتناول الغداء في الساعة 3 مساءً بعد انتظار طويل أو أعمل على مشروع مستعجل.

لا تلم نفسك على الإسراع بالرد على كل رسالة، فالكثير من أعمال المعرفة الحديثة مبني على التغذية الراجعة الفورية والاستجابة العاجلة، ونظراً لأنَّ الكثير منا يعمل من المنزل ودون التفاعل الشخصي العادي، فقد تدرَّبنا في العام الماضي على الرغبة في الحصول على إشعارات أو إخطارات مرئية.

علينا التدرب على كيفية أخذ قسط من الراحة لفترات قصيرة من الوقت لكي نتوقف عن الشعور بالتوتر دائماً؛ لذا ابدأ بوضع حدود زمنية، وحدد أوقاتاً لا يجب أن تكون فيها متصلاً بالإنترنت، ثم أغلق أجهزتك أو ضعها في مكانٍ بعيدٍ عنك لمدة ساعة، واعمل تدريجياً على القيام بذلك خلال يوم العمل، وحدد ساعة يمكنك فيها تجنُّب التحقق من التحديثات، وغيِّر حالتك على مواقع التواصل لتظهر أنَّك مشغول حتى لا يتساءل الناس عن سبب عدم ردِّك عليهم.

راقب كيف تشعر عندما تأخذ استراحة من التحقق من رسائلك؛ لاحظتُ مثلاً أنَّ رقبتي وكتفي أفضل حالاً عندما أتجنَّب هاتفي لمدة ساعة، وأنَّني أحصل على فائدة فورية.

إقرأ أيضاً: 10 مهارات في إدارة البريد الإلكتروني يجب تعلمها

2. حدِّد وقت عملك:

عندما لا يكون العمل مكاناً تغادره في نهاية اليوم، فقد يكون من الصعب للغاية التوقف، دعونا نواجه الأمر، عندما يكون الخيار بين الاستمرار في العمل والشعور بالسيطرة أو قضاء المزيد من الوقت على الأريكة أو تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي أو قضاء الوقت مع الأطفال الباكين، قد يبدو العمل المفرط أكثر جاذبية، لكن تعلُّم التوقف عن العمل هو نظام يخلق عادات جيدة وخطوة ضرورية للحفاظ على طاقتك.

أنا محترفة بارعة، لكنَّني دون وعي، وما زلتُ أريد أن يخبرني أحدهم بأنَّني أنهيت عملي وقمت به جيداً؛ لذا عليك أن تتعلم أن تمنح نفسك هذا الإذن.

غيَّرت عالمة النفس "أليس بويز" (Alice Boyes) حياتي عندما اقترحَت وضع حدود واضحة حول مقدار الوقت الذي أقضيه في المهام التي تجعلني أشعر بالقلق وأميل إلى المبالغة في القيام بها، وتسمى هذه الأساليب المختصرة والحيل التي تساعد على تهدئة القلق بـ "الحدس المهني" (heuristics).

إليك كيف يمكنك التوصُّل إلى طريقة لوضع حدود لساعات عملك؛ أنشئ قائمة مهام معقولة في بداية يومك أو اليوم السابق، وأهم شيء أن تكون منطقية، فلا تكتب قائمة تحتاج ساعات هائلة من العمل، وبناءً على الخبرة، ستعرف على الأرجح المدة التي ستستغرقها معظم مهامك، وإذا كان عليك أن تخمِّن الوقت الذي تحتاجه إحدى المهام، فخصص وقتاً أطول، ونظِّم يومك على أساس هذه القائمة، وعندما تنتهي، أغلق جهاز الحاسوب الخاص بك، فقد أبليت بلاءً حسناً.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة فعَّالة لإدارة الوقت

3. اعرف سبب القلق:

نقيض العمل الزائد هو التجنُّب، فقد نتجنب المواعيد النهائية والمهام لأنَّنا قلقون، وكل شخص لديه آليات مفضلة للمواجهة، مثل التخلص من القلق بتجنُّب العمل أو الإفراط في العمل؛ حيث يقوم دماغنا بهذا لأنَّه يحاول مساعدتنا على تجنُّب مشاعرنا السيئة، ولفهم الدوافع والأسباب الكامنة وراء قلقك، من المفيد أن تركز على مشاعرك وتراقب كيف تتفاعل معها.

ابدأ بالنظر إلى ما يجعلك قلقاً الآن وكيف يجعلك القلق تتصرف، فأنا مثلاً، أجد التفكير في المال مقلقاً، وإذا كانت الأخبار الاقتصادية مخيفة، فقد أُسيء التصرف خصوصاً عندما أواجه مهمة عمل متعلقة بالمال؛ لذلك إذا كنتُ بحاجة إلى إعداد تقرير مالي لشركتي الصغيرة، فأفترض أنَّه سيكشف عن نتائج سلبية؛ مما يوقعني في دوامة من الخوف.

يسمي المتخصصون بالسلوك المعرفي هذا النوع من رد الفعل بالفكر التلقائي القلق، ومن ثمَّ بدلاً من مواجهة جدول البيانات والقيام بعملي، قد أتجنب ذلك تماماً، وأشغل نفسي بتناول الطعام أو أشتري شيئاً عبر الإنترنت؛ مما يجعلني أشعر بحالة جيدة؛ أي إنَّني أتفاعل مع قلقي.

من الأفضل أن أتعلم كيفية الانتقال من الاستجابة التلقائية إلى معرفة ما يزعجني ثم التحكم باستجابتي، أستطيع أن أقول لنفسي: "إنَّ النظر إلى الشؤون المالية لشركتي سيزعجني في الوقت الحالي. ربما ينبغي أن أطلب من شريك القيام بذلك، أو ربما يجب أن أجهِّز لنفسي مكافأة إذا واجهت التحدي وجهاً لوجه. يمكنني السماح لنفسي بالحصول على ساعة إضافية من مشاهدة التلفاز إذا أكملتُ جدول البيانات"، أجد أنَّه في معظم الأوقات، لا يكون القيام بالعمل بالسوء الذي تصورته.

4. اختر مهمة عمل قابلة للإنجاز وأنجِزها:

كما ترون من المثال المذكور آنفاً، عندما تشعر بالقلق، من السهل تحويل مهمة بسيطة نسبياً إلى تمرين فكري مرهق له تأثير كارثي في عقلك؛ لذا فعندما تغرق في القلق وتتجنب عملك، من الهام أن تفعل شيئاً ما.

أعطاني "جوناثان باكستر" (Jonathan Baxter)، معالج مختص في علم الأسرة، هذه النصيحة: "تجربة التوتر تتعلق برغبة جسدك في اتخاذ إجراءات، وإذا كانت هناك إجراءات يمكنك القيام بها، سواء ممارسة بعض التمرينات أم تنظيف الحمام أم تعليم أطفالك شيئاً ما، فابدأ وقم بها، وعندما تتخذ إجراءً، امنح نفسك بعض الوقت لتشعر بالرضا عن اتخاذك لهذه الخطوة، واستخدم عقلك لإعطاء جسمك إشارة "قوي العزيمة" وبأنَّك تفعل ما في وسعك، فالهدف هو أن تشعر بالنشاط والفاعلية بدلاً من التخبُّط بين مهمة وأخرى".

أحب أن أقرأ عن علم النفس الإيجابي وأختار إجراءً صغيراً ذا مغزى من شأنه أن يثير حماستي للعمل وللتعامل مع المهام الأكبر في المستقبل، هل سبق لك أن نظَّمتَ جدول بيانات فوضوي وشعرتَ بحالة جيدة جداً؟ اختر نشاطاً يربطك بهدفك الأكبر ويسمح لك برؤية نفسك كفرد فعال وكفء؛ مما يساعدك في النهاية على التحرك نحو فعل الشيء الذي تتجنَّبه.

5. اختر مهمة بسيطة لا تتعلق بالعمل:

إذا كنت ترى أنَّه من الصعب العمل من المنزل وهو في حالة فوضى والأطفال يثيرون ضجة، فاختر نشاطاً جسدياً ومفيداً غير متعلق بالعمل، ونظراً لأنَّني أجلس على كرسي مكتبي منحنيةً عندما أكون منهمكة في العمل، فأحب اختيار مهمة تجعل جسدي يتحرك وكتفي مفتوحين، فقد أختار مهمةً من مهام المنزل - أحب تنظيف حوض الاستحمام؛ وذلك لأنَّه مهمة سريعة ولكنَّه يتطلب مجهوداً جسدياً - أو أطبخ أو أقوم ببعض الأعمال في الفناء أو حتى أصعد السلالم مرات عدة، وأجد أنَّ هذا يساعدني على الابتعاد عن الشاشة والبدء بالحركة.

لاحظ ما تشعر به بعد قيامك بمهمتك الصغيرة غير المتعلقة بالعمل وما إذا كنت قادراً على بدء المهمة التي كنت تتجنبها، ثم لاحظ: كم من الوقت يمكنك الاستمرار حتى يصيبك القلق مرة أخرى؟ هل هناك نشاط محدد يجعلك دائماً في حالة مزاجية تسمح لك بالتعامل مع مهمة ما؟

إقرأ أيضاً: العمل من المنزل: فرصة مُثمرة، لكن بشروط!

6. استمر في إضافة حيل لترويض القلق:

يختلف القلق من شخص لآخر؛ إذ لدينا جميعاً محفزات مختلفة، وكلنا نتفاعل بشكل مختلف، فالمال - كما ذكرت من قبل - هو مصدر قلق بالنسبة إليَّ، وعندما أتلقى أخباراً سيئة تتعلق بالمال، أشعر على الفور بالكآبة، وأفكر بأنَّ شركتي ستفشل وتفلس وتفقد كل شيء.

من الضروري في حياتك المهنية أن تفهم على وجه التحديد ما الذي يثير قلقك وكيف يؤثر في يوم عملك، وعندما تفهم ذلك، يمكنك محاولة تجنُّب هذه المحفزات، وعندما لا يمكنك تجنُّبها، استخدِم استراتيجيات أو أدوات محددة يمكن أن تساعدك على التخلص من القلق.

أخبَرني العديد من الأشخاص الذين تحدثتُ إليهم من أجل المدونة الصوتية الخاصة بي "ذا أنكشيوس أتشيفر" (The Anxious Achiever) أنَّهم يجدون إنشاء قوائم المهام والجداول الزمنية التفصيلية أمراً مفيداً؛ وذلك لأنَّها تساعدهم على تقليل اجترار الأفكار السلبية والإرهاق؛ حيث يعرف الآخرون أنَّهم بحاجة إلى الرياضة أو الخروج في نزهة أو الجري لحل عقدة القلق هذه، أمَّا أنا فألجأ إلى الطبخ عندما أشعر بالقلق، وينجح هذا معي.

من الممكن بالنسبة إليك التخطيط ليوم عمل عن بُعد يقلل من قلقك، ويخلق صلة حقيقية مع زملائك في العمل، ويسمح لك بإنجاز عملك، ويتيح لك الشعور بالرضا حيال الابتعاد عن العمل في الليل، ولكن مثل كل المهارات، فإنَّ تعلُّم كيفية إدارة قلقك اليومي يتطلب تدريباً ووقتاً وقبل كل شيء التعاطف مع نفسك، فكلنا نستسلم ونشغل أنفسنا بأمور لا أهمية لها، ولا بأس بذلك أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة