كيف تزيد انتباهك عندما يكون عقلك مشتتاً؟

يجد معظم الناس صعوبة في التركيز على مَهمَّة واحدة لفترة طويلة؛ فبفضل التكنولوجيا، أصبح المحتوى المثير للاهتمام متوفراً أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد العثور على المشتتات صعباً مع ازدياد عدد الأشخاص الذين يعملون من المنزل؛ فحتى لو شعرت أنَّك مركِّزٌ فعلاً، فدماغك ليس منصباً على المَهمَّة التي تحاول إنجازها طوال الوقت؛ حيث أفادت دراسة أجرتها جامعة هارفارد (Harvard University) أنَّ الناس يقضون 47% من ساعات استيقاظهم وهم شاردون أو مشتتون.



رغم أنَّ الشرود الذهني يعزز الإبداع، إلَّا أنَّه لا يساعدك على التركيز أبداً؛ وعندما لا تتمكن من ذلك، ستطول قائمة مهماتك، وتكثر أخطاؤك؛ ولكن لحسن الحظ، يمكنك تحسين مدى انتباهك باستخدام بعض الاستراتيجيات التي تضمن لك تحقيق إنتاجية وفاعلية أكبر في حياتك الشخصية والعملية؛ لذا، نقدم إليك خمس نصائح قائمة على أسس علمية لتعزيز تركيزك وإنتاجيتك:

1. توقَّف عن تعدد المهام:

قليلون هم الأشخاص الذين يتمتعون برفاهية التركيز على مَهمَّة واحدة فقط؛ حيث يعاني معظم الناس من صعوبة في الامتناع عن أداء مهمات متعددة في الوقت نفسه، وتراهم ينتقلون من مَهمَّة إلى أخرى، ويوزعون انتباههم بين أكثر من عمل؛ ممَّا يؤدي إلى عدم إتمام أيٍّ منها.

لسوء الحظ، رغم أنَّك قد تشعر بأنَّك حققت كثيراً من الإنجازات عندما تنتقل من نشاط إلى آخر بهذا الشكل، إلَّا أنَّك تخاطر بإنجاز القليل جداً من مهماتك، وإليك السبب: يقسِّم تبديل المهمات انتباهك، حيث تعطي بذلك كل مَهمَّة أقل من حقها، وتزيد من احتمالية وقوعك في أخطاء لكونك لا تركز على عمل واحد في  كل مرة، وتتحمل عبئاً إضافياً، وتهدر وقتك وطاقتك.

إنَّ طاقتك المعرفية أو تفكيرك بمثابة موردك الخاص الذي يُستنفَذ في كل مرة تحوِّل فيها انتباهك من جهة إلى أخرى دون أن تعير الانتباه الكافي لمشاريعك ومهماتك على الأمد القريب والبعيد؛ فإذا كنت تعاني من عدم القدرة على زيادة مدى انتباهك، فجرِّب إغلاق جميع علامات التبويب غير الهامة، سواء كانت موجودة على متصفحك أم داخل عقلك، وركِّز على مَهمَّة واحدة فقط ليتحسن أداء عملك وتفكيرك.

إقرأ أيضاً: أسطورة تعدد المهام: لماذا تؤدي أولويات أقل إلى عمل أفضل؟

2. تخلَّص من المشتتات:

تؤثر البيئة المحيطة في مدى انتباهك؛ فإذا كنت تجد صعوبة في التركيز على المَهمَّة التي بين يديك، فجرِّب التخلص من أي عوامل قد تشتتك؛ إذ لن تتمكن بهذه الطريقة من التركيز على إنجاز عملك فحسب، بل سيقل احتمال أدائك لمهمات متعددة في الوقت نفسه عندما لا تكون مضطراً إلى ذلك.

قد يعني ذلك أنَّ عليك وضع سماعات أذن كي تحجب الضجيج في أثناء العمل، أو الالتزام بإغلاق بريدك الإلكتروني ريثما تنتهي؛ كما عليك أن تحذف جميع تطبيقات التواصل الاجتماعي، وتوقف الإشعارات على هاتفك في أثناء محاولة القيام بعمل هام؛ والأفضل من هذا كله هو الابتعاد عن هاتفك كلياً، حيث أظهرت الدراسات أنَّ وجود هاتف بجوارك كفيل بتشتيت تركيزك كثيراً.

3. اعتنِ بجسدك:

هل سبق ولاحظت أنَّ التركيز على مَهمَّة لوقت طويل يصبح أصعب بكثير عندما لا يكون جسدك في أفضل حالاته؟

عليك أن تمنح الأولوية للحصول على قدر كافٍ من النوم، وممارسة التمرينات الرياضية بانتظام، والتأمل، والتغذية الصحية عندما تواجه ضغوطات في عملك؛ حيث تضمن هذه الأمور تمتعك بدماغ نشط، والذي يتيح لك بدوره تركيز انتباهك على الناس والمهمات والعمل.

توجد العديد من الأدلة العلمية التي تفيد بأنَّ الاعتناء بأجسادنا يؤثر في دماغنا تأثيراً مباشراً، فمثلاً: أظهرت دراسة أنَّ ممارسة بعض التمرينات الخفيفة كفيل بتحسين قدرتك على التركيز؛ كما يمكن للحصول على نوم عميق أن يُحدِث فارقاً كبيراً، فقد وجد العلماء أنَّ الحرمان من النوم يؤثر في الذاكرة والقدرة على أداء المهمات اليومية البسيطة، إلى جانب مدى الانتباه.

يعني هذا أنَّ عليك أن تبدأ العناية بجسدك عندما تشعر أنَّ تركيزك بدأ يضعُف؛ ولن تشعر بحال أفضل فحسب، بل سيتحسن عملك أيضاً.

4. مرِّن دماغك من خلال الألعاب:

يمكنك أن تحظى ببعض المتعة من خلال تمرين "عضلات دماغك" لتعزيز انتباهك مع مرور الوقت؛ حيث تُظهِر الأبحاث أنَّ الألعاب التي تنمِّي الذاكرة وتحتاج إلى التركيز كفيلة بتحسين مهارات الانتباه، وأنَّك ستحصد من خلال الاستمرار في التمرن على التركيز على هذه الألعاب فوائد جمة خلال وقت قصير.

5. شغِّل الموسيقى المناسبة:

قد يؤدي الضجيج أحياناً إلى تعرضك إلى التشتت عندما تكون منهمكاً في العمل، ولكنَّ تشغيل الموسيقى المناسبة يُحدِث أثراً كبيراً في قدرتك على التركيز على ما هو ضروري؛ وتُعدُّ السمفونيات الكلاسيكية أفضلها.

أفادت دراسة أجرتها مدرسة طب جامعة ستانفورد (Stanford University School of Medicine) أنَّ الاستماع إلى سمفونيات قصيرة يعزز عمل الأجزاء الدماغية المرتبطة بالتركيز والذاكرة، وما يثير الاهتمام هو أنَّ دماغك يستفيد بدرجة أكبر من تلك الفواصل الصغيرة بين كل مقطوعة موسيقية وأخرى؛ لذا جرِّب الاستماع إلى قائمة تشغيل أو محطة إذاعية على تطبيق البث المباشر المفضل لديك لتعزز مدى انتباهك أكثر.

إقرأ أيضاً: هل تزيد الموسيقى من إنتاجيتنا؟

6. مارِس التأمل:

لا يؤثر التأمل إيجاباً في صحتك النفسية فحسب، بل يحسِّن تركيزك أيضاً؛ فعندما تمارس هذا النشاط، فإنَّك تطور قدرتك على تركيز الانتباه، والذي سيتعزز مع مرور الوقت.

أظهرت دراسة أنَّه في حين قد تساعد التغذية السليمة على تحسين التركيز، إلَّا أنَّ للتأمل دوراً أقوى بكثير في تعزيز الانتباه؛ حيث خلصت الدراسة إلى أنَّ الطلاب الذين مارسوا تأمل اليقظة الذهنية لمدة 10 إلى 20 دقيقة على مدار أربعة أيام في الأسبوع حققوا نتائج أفضل في اختبارات الذاكرة والنشاطات التي تتطلب الانتباه؛ فإن لم تكن معتاداً على ممارسة التأمل، فجرِّب استخدام تطبيقات مثل "هيدسبيس" (Headspace) أو "كالم" (Calm) لتضيف التأمل وتمرين الدماغ إلى روتينك اليومي، واحرص على  إبقاء هاتفك بعيداً في أثناء التدريب.

شاهد بالفيديو: 7 فوائد للمشي التأملي

7. أعِد تنظيم يوم عملك:

كلما كان يوم عملك طويلاً ومملاً، زادت رغبتك في القيام بنشاط آخر، أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي؛ لذا ننصحك في هذه الحالة بتقسيم وقت عملك إلى فترات صغيرة؛ فعندما توجد فترات استراحة بانتظارك، ستولي اهتمامك الكامل للمَهمَّة التي تنجزها.

إنَّ الدلائل المتعلقة بهذا الأمر موثقة علمياً؛ إذ تُظهِر الأبحاث أنَّ تقسيم يوم العمل إلى مهمات وأخذ استراحات دورية يحسِّن قدرتك على التركيز، ويُعزز الإنتاجية أيضاً؛ فبحسب إحدى الدراسات، ركَّز 10% من أفضل العاملين على عملهم بمقدار 52 دقيقة قبل أن يأخذوا استراحة لمدة 17 دقيقة؛ لذا، جرِّب العمل لمدة 45-60 دقيقة، مع تحديد فترات استراحة تستغرق بين 15-20 دقيقة بين المهمات.

عندما تتمكن من تجنب عوامل التشتيت وتكوين روتين يعزز تركيزك، لن تنجز مزيداً من المهمات المتقَنة فحسب، بل ستستمتع بما تفعله أيضاً.

أفكار أخيرة:

يتطلب تعلُّم تعزيز تركيزك بذل جهد أكبر في بداية الأمر، خصوصاً إذا كنت تعاني من قلة الانتباه في الأساس؛ ولكنَّك ستتمكن من تحسين عملية تركيزك وتعزيز انتباهك من خلال اتباع نمط تفكير سليم ونظام صحي، والالتزام بهذه الخطوات السبعة التي قدمناها آنفاً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة