كيف تحقق السلام الداخلي؟

يوجد العديد من الوسائل التي يمكن أن تحافظ من خلالها على استرخائك وهدوء أعصابك وتماسكك، لكنَّنا سنبدأ مع الأساسيات؛ للسيطرة على التوتر والاستجابة بفاعلية للأحداث غير المتوقعة أو غير السارَّة، يجب عليك الاهتمام بالأداة الوحيدة التي لديك وهي جسمك وذلك من خلال ممارسة هذه النشاطات الرئيسة الأربعة:



  1. تناوُل الطعام الصحي.
  2. جعل النشاط والتمرينات الرياضية جزءاً من جدولك اليومي.
  3. الحصول على قسط كافٍ من النوم.
  4. التنفس.

قد يكون من الصعب تحقيق ذلك عندما يسيطر عليك التوتر، ولكن يمكن لممارسة هذه السلوكات الأساسية المعززة للصحة أن تغيِّر حقاً سلوكك ومزاجك وصحتك الجسدية.

عليك أيضاً أن تكفَّ عن محاولة توقُّع تصرفات الآخرين وعن التفكير في أنَّ الآخرين يحاولون توقُّع تصرفاتك بالمثل، فهذا لن يؤدي إلا إلى إثارة مخاوف بشأن ما يفكر فيه الآخرون، مما يجعلك تحس بشعور أسوأ بكثير مما لو كنت لا تجد راحة إلا بسؤال غيرك كيف يشعر أو بم يفكر.

اقبل الأشياء التي لا يمكنك التحكُّم بها أو تغييرها؛ أولاً، أدرك أنَّه ليس عليك التحكم بكل شيء في حياتك أو في حياة من تهتم لأمرهم، فهو أمر غير قابل للتحقيق وسيجعلك تشعر بأنَّك لم تبذل جهداً كافياً، فلا تغذِّ الجزء الذي يجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك.

استفد من شبكة العلاقات الداعمة الاجتماعية الخاصة بك فهي ذات قيمة كبيرة في حياتك؛ حيث تدعم الروابط مع الآخرين صحتنا العاطفية والنفسية والجسدية والروحية، يرتبط كوننا جزءاً من شبكة من الأصدقاء والعائلة الداعمين ارتباطاً وثيقاً بإحساسنا بالاهتمام، وعندما نشعر بأنَّنا نهتم بغيرنا، تزداد مشاعر السعادة والأمان لدينا.

لا تعني حاجتك إلى المساعدة أنَّك شخص فاشل؛ بل تشير في الواقع إلى النجاح؛ لأنَّك بذلك تبحث عن الوسائل التي تدعم سلامتك وتوظِّفها، ربما شاهدت برنامج "مَن سيربح المليون"، فصحيح أنَّ طلب مساعدة صديق عندما تكون محبطاً لن تجعلك تربح، لكنَّها تُشعِرك بأنَّك ربحت الكثير لأنَّ هذا الصديق كان لك أذناً صاغية وكتفاً لتستند إليها.

افعل شيئاً لطيفاً لأحدهم كل يوم؛ حيث إنَّ البر والإحسان للآخرين بالتأكيد أمر معزز لصحتك الشخصية، والإيثار سلوك تطوُّري يوضِّح التزامنا ليس فقط ببقائنا الشخصي؛ إنَّما ببقاء النوع والجنس البشري؛ لذا يميل الأشخاص الذين يتمتعون بالإيثار إلى عيش حياة أطول والتمتع بصحة أفضل والشعور بأنَّهم أفضل حالاً، وقد أظهرت إحدى الدراسات أنَّ الإيثار يؤدي إلى تغيير في تكويننا البيولوجي، فلا شيء يضاهي فائدة مساعدة الآخرين لمساعدة أنفسنا.

ألغِ تماماً وسائل التواصل الاجتماعي أو على الأقل افرض قيوداً على تصفُّحها، وينطبق الأمر نفسه على الأخبار المتعلقة بالموضوعات المثيرة للجدل أو الحساسة التي تُسبِّب لك الانزعاج؛ حيث يمكن أن تؤجِّج وسائل التواصل الاجتماعي أو البرامج الإخبارية التي تُحدث اختلافاً في وجهات النظر الكثير من المشاعر السلبية كالقلق أو الحسد أو الخوف أو الغضب، ولا يوجد سبب وجيه لوجوب إخضاع أنفسنا لسلوكات جلد ذات وكأنَّ الظروف الراهنة لا تؤذينا بما فيه الكفاية.

عندما نشعر بمشاعر مؤلمة - حتى عندما نجلس في مكاننا المفضل ونستمتع بالطعام المفضل لدينا - تتصاعد أجسادنا إلى الحالة نفسها كما لو كنا نقف وجهاً لوجه مع العدو، وعندما نشعر بالغضب والقلق المشحون، تقل قدرة أدمغتنا على اتخاذ قرارات جيدة في الوقت الحالي أو التخطيط للمستقبل.

نحن نشهد أيضاً تراجعاً في ذاكرتنا قصيرة الأمد، كما تعوق مشاعر الغضب قدرتنا على تخزين ذكريات جديدة، فعندما يواجه الناس تهديدات حقيقية للبقاء على قيد الحياة أو يواجهون أعداء لدودين، يمكن أن تكون ردود الفعل الانعكاسية مفيدة وحتى قد تنقذ حياتنا، ومع ذلك، عندما نستحضر سيناريوهات غير سارَّة أو نخترع أعداء في مخيلتنا، فإنَّنا نضغط على أجسادنا دون داع؛ حيث يتأثر ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ومستوى السكر في الدم ووظيفة الغدة الدرقية وكثافة العظام والصداع وحتى البصر تأثراً سلبياً بالتوتر والقلق؛ لذا سيطر على عواطفك وإلا ستخاطر بصحتك الجسدية.

اقتنِ دفتر يوميات أو صمم مدوَّنة تخلِّصك من التوتر، يمكن أن يكون التعبير عن مشاعرنا شفهياً بلسماً شافياً، وعندما نكافح مع المخاوف، يمكن لإيجاد منفذ للتعبير عنها أن يمنحنا الراحة من العبء الذي تمثله، وهناك تعبير مفاده أنَّ "العبء المشترك هو عبء يقع على عاتق اثنين"؛ ولكن إذا لم يكن من الملائم مشاركة مشاعرك مع صديق، فيمكن أن يكون من المفيد أيضاً نسيانها، فعندما نضع الأمور في نصابها من خلال التعبير عنها بالكتابة أو الحركة أو الفن، نكون قادرين على فهم أفكارنا وتنظيمها بطريقة تجعلنا نتخلص من المشاعر والأفكار السلبية.

إقرأ أيضاً: تعرّف على آلية مواجهة الأفكار السلبية لعيش حياة إيجابية وسعيدة

ابتسم واضحك بشدة، فعندما نبتسم، تحدث أشياء سحرية في أدمغتنا تجعلنا نشعر بتحسن في كل مكان؛ حيث يفتح فعل الابتسام بوابة البداية للببتيدات العصبية (neuropeptides) التي تساعدنا على التعامل مع التوتر، وهذا يدعو إلى إفراز كل من هرمون الدوبامين (dopamine) والسيروتونين (serotonin) والإندورفين (endorphins)، كما أنَّ الأخير يجعلنا نشعر بتحسن جسدياً ويساعد السيروتونين (serotonin) على مكافحة الاكتئاب، وعندما يبتسم أحدهم لك، فمن المؤكد أنَّك ستبتسم له بدورك، وهكذا تكافئنا أدمغتنا على السلوك المحب.

يحميك حس الفكاهة من التوتر والسلبية؛ حيث إنَّ تعلُّم الضحك على نفسك هو الإنجاز الأبرز الذي يضعك حقاً في وضع يسمح لك بالتحكم بالطريقة التي تتعامل بها مع الحياة عندما لا تسير الأمور كما خططت لها، كما أنَّ للضحك فوائد مماثلة للابتسام؛ حيث يتم إفراز الإندورفين (endorphins) ويمكن أن يخفف الألم.

صُمِّمت أجسامنا لتحافظ على سلامتنا، ويزيد الضحك في الواقع من عدد الخلايا في أجسامنا التي تنتج الأجسام المضادة وتقوِّي الخلايا التائية التي تدعم جهاز المناعة لدينا، فعندما نقضي وقتاً في مشاهدة مقاطع الفيديو السخيفة أو الأفلام الكوميدية، فإنَّنا نتخلص من التوتر ونستطيع التحكم به ونعزز حالتنا العاطفية الإيجابية، ونخفف الألم، ونؤثر إيجاباً في علاقتنا بالآخرين، كما يقلل مجرد التفكير في الضحك من التوتر؛ لذا في الوقت الراهن، توقف لبرهة وفكر في شيء يمكنك القيام به وسيجعلك تضحك.

إن أردت أن تجعل الضحك جزءاً من حياتك اليومية فاشترك في قنوات مضحكة على يوتيوب (YouTube)، وشاهد أفلام بعض الكوميديين المفضلين لديك واعرف ما إذا كان في إمكانك مشاهدة أعمالهم عبر الإنترنت، ومشاركة القصص المضحكة مع الأشخاص الذين خضتها معهم، كأن تتصل بصديق ليضحك على حادثة طريفة شاركتها عندما كنت أصغر سناً، أو أخبر شخصاً ما قصة مضحكة عن خطأ أو شيء مضحك فعلته، أو ذكِّر أطفالك بأشياء أو بقصص مسلية ومضحكة حدثت عندما كانوا صغاراً.

العب الورق وألعاب الطاولة والألعاب عبر الإنترنت وكل ما تستمتع به، وشاهد مقاطع الفيديو المنزلية الطريفة أو الأحاجي المضحكة أو "الاكتشافات" السخيفة في عمليات البحث عبر الإنترنت؛ فهي مثالية لتضحك حتى تنفرج أساريرك.

وعندما تُجري مكالمة زووم (Zoom) مع أصدقائك وعائلتك، اطلب من الجميع إلقاء نكتة - بغضِّ النظر عن مدى سوئها - ومن المحتمل أن تقضي بعض الوقت في الاستمتاع ببعض الضحك الحقيقي الذي سيقلل توترك ويجعلك بصحة أفضل مما فعلت قبل إجراء المكالمة.

تقبَّل عدم كونك مثالياً، فعندما نكون قادرين على أن نكون على ما يرام مع كوننا بخير، فإنَّنا نمنح أنفسنا الإذن بالتنفس والاسترخاء في كل ما نقوم به، ولا ضير في السعي إلى التميز، ولكنَّ الأهم من ذلك هو الرضا بمعرفة أنَّك قد قدَّمت أفضل ما لديك.

اجعل الامتنان واليقظة الذهنية جزءاً من روتينك اليومي؛ حيث يمنحنا الامتنان المجال للتركيز على الأشياء التي تسير على نحو صحيح في حياتنا أو الأشياء التي كانت مفيدة لنا، وحيث نوجه انتباهنا، تتعاظم هذه الأشياء في حياتنا، فعندما نركز على ما نشعر أنَّه ينقصنا في حياتنا، فإنَّنا ندرب أذهاننا على التركيز على الأفكار السلبية، فاليقظة الذهنية تساعدنا على إبطاء وتيرتنا.

شاهد بالفديو: 10 أشياء تحرمك من متعة العيش بسلام داخلي

أيُّ نوع من القلق ينتابك؟

ينقسم القلق إلى ثلاثة أنواع أساسية، فهناك من علقوا في الماضي ويقضون وقتهم في القلق بشأن ما حدث وانتهى، وهناك مَن يركزون كثيراً على المستقبل ويقضون وقتهم في القلق بشأن أشياء لم تحدث بعد، والنوع الثالث هم الأشخاص الذين يقلقون بشأن كل شيء، وتكمن مشكلة معظم مخاوفنا في أنَّها تصرف أذهاننا وطاقاتنا عن البُعد الوحيد الذي يمكننا التأثير فيه حقاً وهو الحاضر.

عِش في الحاضر؛ حيث إنَّها ممارسة تستحق حقاً الجهد المبذول لإتقانها، فعندما نركز على الحاضر فإنَّنا لن نقلق بشأن الماضي أو المستقبل، بالتأكيد، التخطيط للمستقبل أمر هام، لكنَّ قضاء الكثير من الوقت في القلق بشأن ما لا يمكننا التحكم به يستنفد الوسائل التي نحتاج إليها للتعامل مع اللحظة الحالية.

تجعلك اليقظة الذهنية راسخاً في الحاضر؛ لذا افعل كل ما في وسعك لإتقان هذه المهارة، وقد نتذكَّر في نشأتنا الشكوى من ظلم الحياة، وعندما تتفاقم المخاوف أو مشاعر القلق، يمكن أن يساعدنا استخدام اليقظة الذهنية على التغلب على هذه المشاعر السلبية، وتتعلق اليقظة الذهنية بإبطاء وتيرتك والانغماس في اللحظة وتصفية ذهنك؛ لذا خصِّص دقيقتين إلى خمس دقائق لتكون حاضراً فحسب؛ حيث يمكنك تطوير رؤيتك والشعور بمزيد من الاستعداد للتعامل مع المهمة التالية التي ستنجزها.

عندما تدع ذهنك يسترخي، تبدأ بعض الأفكار أو المخاوف بالتسلل، وإذا حدث ذلك، فقط اعترف بوجودها دون إطلاق أحكام ودعها تمضي في سبيلها بدلاً من تقليبها في ذهنك، فاليقظة الذهنية هي ممارسة الوعي الصحي بمشاعرك أو أفكارك أو أحاسيسك أو ذكرياتك؛ أي مجرد الوجود في الوقت الحالي، وتتمثل إحدى طرائق القيام بذلك في تخيُّل أية أفكار تغمر ذهنك كسحابة صيف ستمر بسلام.

خصِّص وقتاً لنفسك؛ فمثلما نحتاج إلى شبكات الدعم الاجتماعي الخاصة بنا، نحتاج أيضاً إلى وقت لأنفسنا للابتعاد قليلاً عن أفراد أسرتنا الذين يعيشون معنا تحت سقف واحد، وفي حين أنَّه من المجزي توفير المأوى والراحة للآخرين، فمن الضروري أن تبني "متنفساً خاصاً" أو "انعزالاً نفسياً" حتى لو كنت تتحاشى الاختلاط بالذين لا يعيشون في منزلك، فنحن جميعاً نحتاج إلى وقت للتفكير ومتابعة اهتماماتنا الشخصية والبحث عن معنى حياتنا وبنائه استناداً إلى أحداثها.

المصدر




مقالات مرتبطة