كيف تجعل عَامَكَ أفضل عامٍ لك على الإطلاق - دليل توني روبنز الكامل

إنَّ توني روبنز رجلٌ مشغولٌ للغاية. في الأسابيع السِّتة التي سبقت حوارنا معه، سافر روبنز إلى أكثر من 15 دولة. وكانت البرازيل وبنما واسكتلندا وروسيا وصربيا واستراليا وفيجي، بعضَاً من المحطات على قائمته. كان يُحفِّز، ينصح ويدرب عشرات الآلاف من الناس.

 



وعلى الرَّغم من سفره شبه الدَّائم، لا يزال روبنز يجد الوقت لإدارة أعماله الـ 54، والتي يبلغ إجمالي عوائدها السنوية 6 مليارات دولار؛ وقضاء بعض الوقت مع زوجته سيج، وأولاده الأربعة وأحفاده؛ وتقديم المشورة للمشاهير والسِّياسيين في شتَّى أنحاء البلاد؛ وعقد النَّدوات التي تساعد الملايين من النَّاس على استغلال أفضل ما بأنفسهم. ولكن كيف يتمكن من فعل كُلِّ ذلك؟ يجيب روبنز بأنَّ السؤال الصحيح ليس "كيف"، بل "لماذا"؟ "لأنَّه لديَّ الكثير من الشّغف للقيام بذلك"، يقول روبنز. "إنَّ رؤية حياة النّاس تتغير لما هو أفضل، يعطيني الكثير من الطَّاقة للقيام بتلك الأمور، ولخلق أشياء يمكن أن تَمُسَّ النَّاس حتى عندما لا أكون معهم. ومن هنا تنبع تلك الطَّاقة. وبذلك تجد ما يكفيك من وقت".

عُرِفَ روبنز بصوته الهادر الأَجَشّْ، وقامته الباسقة التي تفوق المترين، وبتأليفه لخمسة كتب، أربعة منها من أكثر الكتب مبيعاً على صحيفة نيويورك تايمز. لقد قام بتدريب عددٍ لا يحصى من المشاهير؛ ابتداءً من بيل كلينتون وسيرينا ويليامز، وصولاً إلى بيتبول. لكن ما اشتُهِرَ به أكثر الشيء- وبحسب ما تمَّ عرضه قبل عامين في فيلم وثائقي من إنتاج شبكة نيتفلكس، بعنوان "أنا لست معلّمك - I Am Not Your Guru"- هو النَّدوات التي عقدها على مدار العقود القليلة الماضية. هذه الأحداث، بما فيها "حرر قوَّتك الكامنة" وَ "موعدٌ مع القدر" وَ "السَّيطرة على الحياة والثَّروة" وَ "أكاديمية القيادة"، تجلب مئات الآلاف من الأشخاص بهدف واحدٍ مشترك: تحسين حياتهم بطريقةٍ أو بأخرى.

على مدار العقد الماضي، كرَّس روبنز جزءاً كبيراً من تركيزه المهني على محاولة مساعدة الناس على التَّعافي من الأزمة المالية بين عامَي 2007-2008. يقول: "عندما رأيت هذا يحدث، فكرت بأنَّني أريد مساعدة الآخرين على قدر ما أعرف". "أريد أن أعرف كيف يمكنني حقاً مساعدة الأشخاص الذين لا يحصلون على المساعدة. كيف يمكنني تثقيفهم؟ كيف يمكنني تحصينهم؟ كيف يمكنني تحريرهم؟". لذا استعان روبنز بعقول الخبراء الماليين أمثال وارين بافيت، وكارل إيكان وراي داليو لمعرفة كيفية مساعدة النَّاس على التَّعافي. وعَقَدَ ندوات تركِّز على التَّمويل الشَّخصي وكتب كتابين هما: "المال: أتقن اللعبة - MONEY: Master the Game" و "الثَّبات: دليلُكَ للوصول لحريتك الماليَّة - Unshakeable: Your Financial Freedom Playbook".

الآن، وضع روبنز (58 عاماً) أنظاره على مجالٍ جديد تماماً. إذ يُصرِّحُ قائلاً: "أنا فخورٌ بما فعلت، حينَ قمت بهذا التَّحول (في مجال التَّمويل) والآن تركيزي منصبٌّ في الواقع على الصِّحة والنَّشاط. إذ يوجد في وقتنا الحالي بعض الطَّفرات التي تحدث في المجال الصِّحي، والتي لم يسمع بها معظم النَّاس".

فعلاوةً على قيادة شركة "Celularity"، التي تُعنَى بأبحاث الخلايا الجذعية، يعمل روبنز مع فريق تقنيٍّ موهوب لبناء نظامٍ عالمي للذَّكاء الاصطناعي. كما لديه أيضاً كتابٌ سيصدر قريباً عن أسرار الصِّحة المثالية، تَشَارَكَ في كتابته مع بوب حريري، وهو طبيب جرَّاحٌ ورائد في مجال الصَّحة، وبيتر ديامانديس، وهو الطبيب والرَّئيس التَّنفيذي لمؤسَّسة "X-PRIZE". يقول روبنز في هذا الصَّدد: "لقد تحالفنا نحن الثلاثة في سبيل تحقيق تلك الغاية، حيث سنقوم بمقابلة نخبة من يعملون على إيجاد الأجوبة التي من شأنها أن تنقذ الأرواح فعليَّاً، والتي يمكن أنْ تحوِّلَ جسدك وتساعده على التَّجدد. إنَّه أمرٌ موجَّهٌ حقَّاً على كيفية زيادة قوة الحياة في إنسان".

إنَّ تحسين الحالة الصِّحيَّة للفرد كان على مرِّ السِّنين، على رأس قائمة قرارات السنة الجديدة بالنسبة للأميركيين. لكن تنفيذ أيٍّ من القرارات التي يتخذها المرء في بداية العام الجديد، وعلى اختلاف أنواعها، هو أمرٌ مختلف. غالباً ما يُطرح على روبنز أسئلة لا تُعد ولا تحصى تتمحور حول التَّغيرات الحياتيَّة الرئيسيَّة التي نحددها في الأول من يناير من كل عام: كيف يمكنني إعادة اكتشاف نفسي هذا العام؟ كيف أحافظُ على أهدافي؟ كيف يمكنني الحصول على سنة استثنائية؟ ما هو الأمر الذي أقوم به بشكلٍ خاطئ؟

لكن بالنسبة لروبنز، إنَّ البداية الصَّحيحة لتحقيق أهداف العام الجديد، بغض النَّظر عمَّا تسعى جاهداً لتحقيقه، يبدأ بسلوك بسيط واحد: إيجاد الرؤية. يقول روبنز: "إذا كنت ترغب في أفضل عام على الإطلاق في حياتك، فسيتعين عليك التَّوصل إلى رؤية". "ماذا تريد؟ ما الذي سيكون مختلفاً هذا العام؟ ماذا تريد أن تُغَيِّر؟ ماذا تريد أن تُحَوِّل؟".

في قادم السّطور، يتكلّم روبنز عن النجاح؛ من خلال كل ما عليك معرفته لتقوم فعليَّاً بعمليَّة التَّحول، وجعل هذه السنة أفضل سنة لك حتى الآن. وذلك ابتداءً من خطَّة واضحة للحصول على سنة مدهشة، وصولاً إلى أسرار إعادة إكتشاف ذاتك بنجاح.

إقرأ أيضاً: أجمل أقوال المؤلف الأمريكي أنتوني روبنز للوصول إلى النجاح

خُطَّة الخطوات الخمس للوصول لسنةٍ إستثنائيَّة

يقول روبنز إنَّ التَّحول إلى الشَّخص الذي تريده في عام 2021 ليس بالأمر الصَّعب، طالما أنَّه لديك التَّفاني والتَّركيز والأدوات الصَّحيحة تحت تصرّفك. لكن يجب أن تتذكر دائماً أن تضع نصب عينيك على أمرٍ يكون ضمن حدود المنطق. يقول: "معظم النّاس يبالغون في تقدير ما سَيفعلونه في غضون عام، ويقلّلون مما يمكنهم فعله خلال عقد، أو عقدين أو ثلاثة أو أربعة".

اتَّبِع خريطة الطريق هذه للبدء في صياغة أفضلِ عامٍ في حياتك.

أولاً: غَذِّي عقلك

وُلد روبنز في شمال هوليوود، كاليفورنيا، وعاش طفولة سيئة ومضطربة. خلال فترة عيد الميلاد في سنته الثانوية الأولى، طَرَدَت والدته المدمنة والده الأخير (أخر زوجٍ لها)، لتقوم بعد ذلك بمطاردة روبنز الشاب في أرجاء المنزل وهي تحمل سِكِّينَاً حاداً. حصل روبنز بعد ذلك على وظيفة بواب، وبقي في غرفة الغسيل لمدة أسبوعين حتى يتمكن من الحصول على مكانه الخاص. يقول: "ما غيّرني هو أنَّني أدركت أنَّني كنت مكتئباً للغاية. كنت حزيناً جداً، ومتقلّب المزاج جداً- وخائفٌ جداً. ولا شيء كان يسير بشكلٍ صحيح. عندها أدركت أنَّه عليَّ أن أغذِّيَ عقلي. إنَّ تغذية عقلك يتعلّق وبشكلٍ كاملٍ بالمنظور. إذ يجب عليك إحضار شيء جديد له. وإلَّا، فسيستمر في العمل وفقاً لنفس معتقداته السابقة، ونفس الأفكار القديمة، ونفس العواطف القديمة التي لم تصل بك إلى المستوى الذي تريد. الخطوة الأولى؟ لا تأمل في أن تسير الأمور بالطريقة التي تريدها وحسب، بل هيئ نفسك للايمان بأنَّها سوف تتحسَّن".

قرأ روبنز كتاب سحر الإيمان بقلم "كلود بريستول" عندما غادر المنزل لأول مرة، ومنذ تلك اللحظة، مكَّن عقله عن طريق القيام بالتمتمة لنفسه بكلام إيجابي أثناء الركض، وكتابة رسائل إيجابية على المرآة، وقراءة السِّيَرِ الذاتية للأشخاص الذين أعجب بهم، والاختيار بإنتقائيَّة لنوع المعلومات والأخبار التي تسود عالمه. يقول روبنز: "يجب عليك أن تُحَصِّنَ عقلك يومياً".

إقرأ أيضاً: كيف تستَمّر في التَّعلّم مدى الحياة؟

<إنَّ امتلاكك للمنظور هو سرُّ تغذية عقلك، إذ عليكَ جلبُ مفاهيم جديدةٍ إليه>

ثانياً: قوِّي جسدك

إنَّ تعزيز عقل المرء أمرٌ بالغُ الأهميَّة، ولكن تقوية جسده هو بالأهميَّة عينها.

يقول روبنز: "مارِسْ رياضة الجري، وارفع بعض الأوزان الثقيلة، ومارس المشي لمسافاتٍ طويلة". في كلِّ يوم مثلاً، يبدأ روبنز صباحه بالغطس في بركة مياه تبلغ حرارتها 56 درجة. وإذا لم يكن في المنزل، فهو إمَّا يغطس في أقرب نهر، أو يسير عبر الثلج. يقول ضاحكاً "أنا لا أفعل ذلك لأنَّه أمر ممتع، ولا أفعل ذلك فقط لأنَّني أريد أن أفعل ذلك. بل أفعل ذلك لأنِّي أدرب جسدي على أن يفعل ما آمره به. إذ إنَّ تحضير جسدك يمكن أن يؤدي إلى تمهيد الطَّريق للتَّغيير الذي تريد رؤيته، عقليَّاً كانَ أم نفسيَّاً".

"إذ ستصاب بالاكتئاب إذا ما أسقطت كتفيك، وأحنيت رأسك، وتحدثت ببطء وفكرت فيما تخافه. ولكن إذا قمت بالركض الشّاق مع موسيقى تصدح في أذنيك وقلبٍ يدق بحيويَّة بين ضلوعك، فسيكون جسمك نشيطاً وذهنك صافياً، وستكون قادراً على التَّركيز بشكل أفضل على ما تريد".

إقرأ أيضاً: 7 خطوات بسيطة تساعدك على ممارسة الرياضة يومياً

ثالثاً: ابحث عن مَثَلٍ أعلى

يقول روبنز: "إذا كنت ترغب في أفضل عام في حياتك، فعليك أن تقرّر أن تجد قدوةٍ رائعة لك. من الذي يحصل بالفعل على النتائج التي تريدها؟". يتذكر روبنز أنَّه شاهد والداه يتشاجران في أحد الأعياد بسبب عدم امتلاكهم المال الكافي من أجل الطعام. لقد فكَّر في قرارة نفسه أنَّه لا يرغب أبداً في التَّعرض لمثل هذا الضغط النَّفسي عندما يكبر، وتعهَّد بإيجاد نموذج يُحتذى به، كي يتعلَّم منه بينما يمضي في طريقٍ مختلف. "ليس من مصلحتك القيامُ بذلك بنفسك، بل يجب أن تسير على درب شخصٍ يحصل بالفعل على نتيجةٍ من عمله". اختار روبنز الرَّاحل السير جون تيمبلتون - الذي اعتبرته  مجلة "Money" ذات مرة، أكبر مستشاري الأسهم الاستثمارية في القرن العشرين - كنموذج يحتذى به. "لقد قلت لنفسي: هو ذا رجلٌ بدأ من لا شيء -مثلي تماماً- وهو الآن، هو في طليعة المستثمرين الأثرياء".

إقرأ أيضاً: 6 خطوات بسيطة تساعدك لتختار قدوتك في الحياة

رابعاً: قم باتِّخاذ تدابير ضخمة

هذه الخطوة بسيطة: إخطو خطوة هائلة إلى الأمام. مثل بناء موقع لشركتك على الإنترنت، أو الوصول إلى مستثمر محتمل، أو التَّحدث مع زوجتك بشأن الحصول على استشارةٍ زوجيَّة، أو التَّخطيط لهذه العطلة الكبرى لعائلتك، والتي تعتقد أنَّها ستقرب بين الجميع. ولكن، كما يقول روبنز، يجب أن تتذكّر أن تكون مرناً وأنْ تُغيِّر مسارك إذا لزم الأمر.

لإظهار مدى أهميّة هذه النُقطة حقاً، يشارك روبنز غالباً الاستعارة نفسها: لنقل أنَّ هدفك هو رؤية غروب الشمس، وبدأت عندئذٍ بالرَّكض شرقاً!! "لن تُجديك إيجابيتك نفعاً، ولن يجديك حماسك نفعاً أيضاً، فهذا لن يحدث بكل بساطة؛ وذلك لأنَّك تملك استراتيجية خاطئة".

خامساً: اذهب إلى ما هو أبعد من حدود نفسك

بدلاً من التَّركيز بنسبة 100 بالمئة على أهدافك وما تصبو إليه، يجب عليك أيضاً إيجاد طريقة لإضافة قيمة إلى الآخرين. يقول روبينز: "على الرغم من سخافة الفكرة بالنسبة للبعض، إلا أنَّ العطاء هو جوهر الحياة، وهذا ما يجعلنا نشعر بأنَّنا على قيد الحياة". عندما كان روبنز في الواحدة والعشرين من العمر، تطوَّع في سجون كاليفورنيا. في مرحلة ما، قابل رجل من جيله كان قد أُدين بجريمة قتل. حاول روبنز مساعدة الرَّجل على التَّأقلم من النَّاحية العاطفيَّة. يقول روبنز إنَّ مساعدة الآخرين على اكتشاف مشاكلهم، كما فعل مع ذلك السَّجين، سيكون له أثران رئيسيان:

  1. سَيقلل من حدة مشاكلك.
  2. سيجعل حياتك أكثر معنى.

"الحياة لا تتعلَّق بي وحدي؛ الحياة تتعلَّق بنا جميعاً. لذا فهي لا تتعلق بتنمية نفسك فحسب، إذ إنَّ تنمية نفسك مع المساهمة فيما يتخطَّى حدود نفسك، هو ما يجعل لحياتك معنىً".

إقرأ أيضاً: إقرأ أيضاً: ملخص كتاب أيقظ قواك الخفية للمؤلف أنتوني روبنز

تقبُّل عدم اليقين

أحد أهم الأشياء التي يمكنك القيام بها لجعل 2021 أفضل عام لديك، أنْ ترتاحَ لَعَدَم اليقين. يقول روبنز إنَّ الأمر بِهَذِهِ البساطة. "أنا دائماً ما أقول للنّاس: إنَّ نوعية حياتك تتناسب بشكل مباشر مع مقدار عدم اليقين الذي يمكنك التعايش معه بشكل مريح، لأنَّه إذا كنت تريد أن تكون واثقاً من كل شيء في كل لحظة، لن يمكنك عندئذٍ الاتيان بأيِّ شيء جديد، وبالتالي لن تقدر على تطوير ذاتك".

سألني روبنز: "هل سبق لك أن كُنتَ تتزلَّج؟"

"مرة واحدة فقط" أجبته وأنا أتساءل في نفسي ما علاقة هذا بعدم اليقين.

فقال روبنز بأنَّ معظم الأشخاص الذين تعلموا التزحلق أو التزلج على الجليد عالقون دائماً في مستوى أساسي من المهارة. "إنَّهم دائماً ما يكونون على قدرٍ متوسط من المهارة، والسبب في ذلك هو أنَّهم يقومون بما يطمئنون له. ولكن إن كانوا يتزلجون على منحدر، ورأوا فجأةً منعطفًا حادَّاً أو منخفضاً مفاجئ، فما الذي يحدث؟ في كثير من الحالات، يلتزمون بالتَّعلم بسرعة كيف يقومون بالانعطاف كي لا يسقطوا على وجوههم. فيتعلمون أنَّهم قادرون بالفعل على التَّغلب على مخاوفهم".

يقول روبنز إنَّ معظم الناس يستسلمون عندما يواجهون حالة من عدم اليقين. ولكن إذا كنت تستطيع إجبار نفسك على اتخاذ إجراء في خضمِّ ذلك، فستصبح أفضلَ وأفضلْ في التَّعامل مع المجهول.

سألته لمَ البشر سيئون للغاية في التَّعامل مع عدم اليقين، فأجاب: "بسبب طبيعة العقل، إذ إنَّ أدمغتنا مُصمَّمَةٌ لتقييم ومكافحة المخاطر، والقتال أو الطيران عند الضرورة. لكنَّنا أكثر من عقولنا، إذ نحن عبارة عن  قلبنا، عن روحنا، نحن عبارة عن ذاتنا. وإذا كان كل شيء في الحياة مؤكداً، فلن يصبح للحياة طعم".

"نحن جميعاً نريد وبشدَّة، الوصول إلى اليقين. لكن إذا كنت واثقاً تماماً في كُلِّ لحظة، فما الذي سيحدث؟ سوف تشعر بالملل. لذلك نحن بحاجة إلى عدم اليقين. نحن بحاجة إلى الكثير منه".

ستة أسئلة لإعادة اكتشاف الذَّات

عندما شاهد روبنز أنَّ الأزمة المالية بدأت تستفحل بينَ عامَي 2007 و 2008، كانَ يعلم أنَّه يريد المشاركة. لكنَّ الأمور الماليَّة لم تكن واحدة من مجالات تخصُّصه. لذا قرَّرَ الالتفات لهذا الأمر، مع تركيز كامل طاقته على ذلك المجال الجديد الذي أراد الخوض في غماره. يقول روبنز: "لم يَعُدْ "تغيير نفسي" عليَّ بالشيء الكثير في سبيل إعادة اكتشاف ذاتي، بقدر ما أفادني ارتباطي بشغفي المتجذِّر. لقد اكتشفت ما هي الموارد التي يجب عليَّ أن أحصل عليها، واكتشفت لمَ عليَّ أن أقوم بذلك، وما الذي سيكون متاحاً لي، وما هي المهارات التي سَأحتاجها، وذهبت بعد ذلك وحصلت عليهم".

يتمُّ تناقل مصطلح إعادة اكتشاف الذَّات كثيراً في أوساط المجتمع؛ إذ قد ترغب الأم في إعادة اكتشاف نفسها بهدف إعادة التَّركيز على حياتها المهنية، وقد يرغب المحاسب في إعادة إكتشاف ذاته ليكون أكثر حيويَّةً وشغفاً، وقد يرغب الرَّسام في إعادة إكتشاف ذاته للحصول على رؤية جديدة. لكنَّ إعادة إكتشاف الذَّات لا تعني أبداً اجراء تعديلاتٍ صغيرة هنا أو هناك.

يقول روبنز: "أعتقد أنَّ التجديد لا يتعلّق بتغيير مظهر الأشياء، بل يتعلق بالتَّواصل مع جزء أعمق من نفسك. من أنت حقاً؟ وممَّ أنت مصنوع؟ ولمَ أنت هنا؟"

ينصح روبنز بِطرح هذه الأسئلة السِّت لإعادة اكتشاف ذاتك بنجاح في عام 2021.

أولاً: ما الذي أحاول القيام به هنا؟

إنَّ هذا السُّؤال ليسَ بالسُّؤال الهيِّن، لكنَّه مع ذلك بالغ الأهميَّة. فَبدلاً من التَّفكير؛ أريد أن أكونَ أكثرَ ثراءً أو ذكاءً أو أكثر نجاحاً، حاول الاستعانة بدوافعك الدَّاخلية الحقيقية.

ثانياً: ما هو شَغَفِي الرَّئيسي؟

بمجرد تحديدك لما تحاول القيام به، اربط نفسك بشغفك الأساسي، واسأل نفسك عن السَّبب الذي يجعلك تسعى ورائه. يقول روبنز: "يعرف أنجح الناس على وجه الأرض ما الذي يحاولون إيصاله، ويعرفون سبب قيامهم بذلك أيضاً. فبعد أن تعرف ما هو شغفك بالضبط، يمكنك أن تعرف كيفية الوصول إليه".

ثالثاً: ما هي الموارد المتاحة أمامي؟

قبل اتِّخاذك لأيِّ إجراء، تعرَّف على الموارد الموجودة بين يديك. من هم الأشخاص الأذكياء الذين تستطيع الوصول إليهم؟ ومن يمكنك استشارته من أجل الحصول على النَّصيحة؟ وما الذي يمكن أن تقرأه وتستوعبه، بما فيه من عَونٍ في دربك؟

رابعاً: ما الذي عليَّ أن أُغيِّره على الصَّعيد الشخصي؟

اكتشف ما الذي يجب عليك القيام به بطريقة مختلفة للوصول إلى حالة إحساسٍ متجدّد بالذات. ما المهارات التي عليك اكتسابها؟ وما هو الشيء الذي تحتاج لإعادة تنظيمه في نفسك؟ وهل يوجد أي شيء تحتاج إلى تكييف عقلك على القيام به؟

<بغضِّ النَّظر عمَّا تقومُ بتغييره في حياتك، احرص على أَنْ يكون شيئاً مفيداً لك بحقّْ، وليسَ مجرَّد حلٍّ سريع أو حلولٍ مبدئيَّةٍ لمشكلةٍ أعمق>

خامساً: ما هي طريقتي؟

تذكَّر: يجب ألا تقوم بهذه الخطوة قبل أن تكون قد حدَّدت السَّبَب.

يقول روبنز: "توصّل لإيجاد رؤية للشيء الذي أنت مدفوع به، بهدف الخروجِ بأسبابٍ قويَّة بما يكفي لمعرفة الطَّريقة التي ستستخدمها للقيام بذلك. ولكن إذا بدأت بالطَّريقة أولاً، فستكون تلك خطوةٌ بالغة الصُّعوبة".

بمجرد أن تحدّد سببك -شغفك الأساسي- يمكنك البدء في التفكير في كيفية القيام بِذلك. كيف ستنفذ ذلك؟ وكيف يمكنك الاستفادة من الموارد والعواطف والمهارات التي لديك في سبيل تحقيق ذلك؟

سادساً: كيف بإمكاني تطبيق تلك الطَّريقة؟

حان الوقت لاتِّخاذ إجراء. تذكر أنَّه لا بأس في تغيير المسار إذا لم تعمل الأمور كما خطَّطتَ لها. "بينما تقوم بالتَّنفيذ، يجب أن تظل متيقظاً لمعرفة ما يعمل، وما لا يعمل، وتغيير نهجك وفقاً لذلك.

بغضِّ النَّظر عمَّا تقومُ بتغييره في حياتك، فقط احرص على أَنْ يكون شيئاً مفيداً لك بحقّْ، وليسَ مجرَّدَ حلٍّ سريع أو حلولٍ مبدئيَّةٍ لمشكلةٍ أعمق. إذ عندما تعيد اكتشاف نفسك، فإنَّك سَتَمُرُّ بعملية كيف أُصبِحْ أكثر من ذلك، حتى أتمكن من إعطاء المزيد؟. فإذا كانت هذه هي عقليَّتك، فعلى الأرجح أنَّك ستنجح وتزدهر. أما إذا كنت تقول: أريد أن أعيد اكتشاف ذاتي لكي أشعر أنني أفضل قليلاً، فعلى الأغلب أنَّك لن تتمكَّن من إنجاح الأمر.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب كيف تُنمّي مهاراتك النفسيّة والذهنيّة للدكتور إبراهيم الفقي

أَتقِنْ المُرُونَة

سألني روبنز: "هل سبق لك أنْ أطلقت النَّار؟"

"لا، لم يسبق لي"، أجبت على حين غرَّة.

يخبرني روبنز أنَّه في بداية حياته المهنية عمل في البرمجة اللغوية العصبية (NLP)، وهي مقاربة سيكولوجيَّة لزيادة أداء الفرد. وسرعان ما ارتقى روبنز في درجات السُّلَّم الوظيفي إلى أن أصبح مُدَرِّباً، لكنَّ الناس شكَّكوا في أن يصل شخصٌ يبلغ من العمر 22 عاماً لتلك الدَّرجة من النَّجاح، بعدَ أن يكون قد عمل في هذا المجال لبضعة أشهر فقط. قال مؤسس البرمجة اللغويَّة العصبية جون غريندر إنَّه لكي يثبت للنَّاس أنَّ روبنز بمثابة صفقة رابحة، فإنَّه سيضعه في مواقف لم يكن مستعداً لها، لكي يُريهم أنَّ روبنز يمكنه القيام بأيِّ شيء. لذا فقد قام غريندر بتعريف روبنز على جنرال بالجيش، وأخبره روبنز أنَّه يعتقد أنَّ باستطاعته ضغط وقت تدريب أي شيء يقومون به، بمقدار النِّصف. عندها أوكل الجنرال إلى روبنز مَهَمَّة تعليمِ المجندين كيفية إطلاق النار من مسدس عيار 0.45 بفعاليَّة. اضطر شريك روبنز في المشروع، والذي يمتلك خبرة في إطلاق النار، إلى الاعتذار عن المشاركة في اللحظة الأخيرة، مما سبب الغثيان لِروبنز. فماذا فعل؟ طلب من الجنرال أن يُوكِلَ إليه أفضل الرُّماة لديه، وذلك حتَّى يتمكن من دراسة أسلوبهم ومعرفة ما يفعلونه بشكل صحيح. "لأنَّهُ لم يكن لديَّ أيُّ مكانٍ أذهبُ إليه -لم يكن لديَّ أيَّة موارد- كان عليَّ أن أتمتَّع بالمرونة وأتكيَّف مع الظرف. وذلك لأنَّني ببساطة، كنت مضطرَّاً لذلك. كنت أقول لنفسي حسناً، جزءٌ منك يعرف كيف تقومُ بذلك".

حضر روبنز لتدريب الرجال. سألوه عن خبرته، وهم في حالةٍ من الاستغراب من صِغَر سِنِّه. فقام بعد ذلك بضغط الدورة التدريبية من أربعة أيام إلى أقل من يومين، وزاد مُعَدَّل نجاح المتدرب من 70 بالمئة إلى 100 بالمئة.

يقول روبنز: "تأتي المرونة من وضع نفسك على المحك، إنَّها تأتي من السير على حبلٍ وأنت تعلم أنَّه لا توجد شبكة حتَّى تحميك من السُّقوط. إنَّها تأتي حينَ تثق بنفسك عندما يتعيّن عليك النجاح. أنا دائماً ما أُخبر الآخرين: ستكتشف مدى مرونتك عندما تضطر لأن تكون مرناً".

لا تدع هذا الأمر يقف في طريقك

عند المشي بين مبنيين معلقين بواسطة حبل مشدود فقط، قد يبدو نك والندا شخصاً لا يعرف الخوف. قد يبدو أنَّ جيم غافيغان، الذي يلقي بالنكات على خشبة المسرح أمام الآلاف من الناس، أو جنيفر هدسون التي تصدح بأغانيها أمام الملايين، قد يبدوان أنَّهما من أصحاب الأعصاب الحديديَّة. لكن في الواقع، لا أحد يعيش بدون خوف. إنَّ ذلك الأمر متأصّل فينا كَبَشر.

يقول روبينز: "لا يهمني من أنت؛ لا أهتم بمدى ذكائك، ولا أهتم بدرجة تعليمك أو مدى شغفك". لدينا جميعاً دماغ عمره 200 ألف عام. وهذا الدِّماغ غير مصمم ليجعلك سعيداً. إنَّه مصمم لكي يجعلك تنجو. وهو في سعيٍ دائم لمحاولة حمايتك من بعض أشكال الخطر. إنَّ الشيء الأوّل الذي يمنع النَّاس من امتلاك نوعية الحياة التي يريدونها ويستحقونها هو الخوف. ولكن لتلك المعضلة حلٌّ بسيط: الشَّجاعة. وهي تعني أنَّك خائف، لكنَّك -وبكلِّ الأحوال- تُدَرِّبُ نفسك على إنجاز الأمور. أنت تدفع بنفسك".

ليسَ كُلُّ شيءٍ يَتَعلَّق بالإنجاز

يقول روبنز إنَّ هناك نوعين من المهارات الأساسية التي على النَّاس إتقانها لامتلاك حياة استثنائيَّة. المهارة الأولى هي إتقان علم الإنجاز، وهو أمرٌ واضحٌ إلى حدٍّ ما: ركِّز على ما تريد، وليس على ما لا تريده. أمَّا المهارة الثانية فهي ما يعاني الناس منها، وهي إتقان علم الرَّضا. "إذا ما حققت نجاحاً هائلاً من دون أن تشعر بالسَّعادة والاكتفاء والرِّضا، فستكون فارغاً في الداخل".

بدلاً من تغيير الأشياء في عالمك الخارجي، عليك التَّركيز على ما يجعلك تشعر بالراحة من الداخل - على ما يجعلك تشعر أنَّك على قيد الحياة حقاً، وعلى ما يجعلك تشعر أنَّك تنمو وتتطور وتصبح أفضل نسخة من نفسك.

"عندما يسألني الناس: ما الذي يتطلبه الأمر لكي أكون سعيداً؟ دائماً ما أقول لهم: إنَّ الأمرَ بسيط ويُلَخَّص في كلمة واحدة: تحقيق التَّقدم. فالتَّقدم يعادل السَّعادة".

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على السعادة والسلام الداخلي

رَاقِب قهوتك

عندما كان روبنز شابَّاً، غَرَسَ فيه مُعلِّمَه "جيم رون" درساً واظبَ عليه روبنز لعقود.

  • "هل تدرك مدى قوة عقلك؟" سأله رون.
  • "أعتقد ذلك" أجاب روبنز متردداً.
  • "حسناً، أجب على هذا السُّؤال: ماذا لو تركتَ أيَّ شخص يضع ما تُحِبُّ في قهوتك؟ ماذا لو وضع أعتى أعدائك، السُّكَّرَ في قهوتك؟ ماذا سيحدث عندها؟".
  • "سأحصل على قهوة حلوة".
  • "ماذا لو أنَّ أحد أفراد الأسرة أو صديق أو شخص ما، أسقط عن غير قصد سُمَّ "الاستريشينين" في قهوتك؟".
  • "سأموت"، أجابَ روبنز.
  • "حسناً، إنَّ الحياة عبارة عن خليطٍ من سُكَّر واستريشينين"، قال رون.

يقول روبنز: "مثلما يجب أنْ نَحرُسَ قهوتنا المجازية تلك، يجب أنْ نَحرُسَ عقولنا أيضاً. يجب أنْ نختارَ بشكلٍ انتقائي، الأخبار والمعلومات التي نريد استيعابها، ونقومَ بغربلة ما لا يلزم منها. إذ نحن نغرق في بحرٍ من المعلومات، وفي الوقت عينه، نسعى جاهدين للحكمة".

الازدهار هو جوهر الحياة

"عندما يأتي النَّاسُ إلَيَّ أو يأتون إلى مجلتكم، ماذا يريدون؟ يقولون أنَّهم يريدون مزيداً من المال، مزيداً من السَّعادة، لياقةً بدنيةً أكثر، علاقاتٍ أفضل، يريدون الحبَّ في حياتهم، يريدون النَّماء لأعمالهم، يريدون الحصول على "س" من المال. ولكن ما يريدونه حقَّاً هو نوعية حياةٍ أفضل. وإذا فكَّرت مليَّاً في الأمر، فنحن جميعاً نريدُ ذلك. حتَّى لو كانت الحياة رائعة، فنحن عادةً ما نريد المزيد. وهذه طريقة تفكيرٍ سليمة، لأنَّ الازدهار والنَّماء هما جوهر الحياة".

 

المصدر




مقالات مرتبطة