كيف تتوقف عن جلد ذاتك؟

بن (Ben) هو أحد عملائي، ويعمل مدير بحث وتطوير في شركة أدوية، وصل مضطرباً إلى جلسة الكوتشينغ بعد تعرُّضه لموقف لا يمكنه تجاوزه في العمل، وعلى ما يبدو أنَّ بن أمضى ساعات في التحضير لاجتماع شامل مع زملاء من جميع أنحاء العالم، واستعرض جدول الأعمال، وصاغ نقاط حديثه، وسجل الدخول إلى برنامج المؤتمر على استعداد لبدء اجتماع القسم، وبعدها انحرف كل شيء عن مساره الصحيح.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة وكوتش الحياة ميلودي ويلدينغ (Melody Wilding)، والتي تقدم لنا فيه نصائح فعالة للتخلص من جلد الذات.

واجه بن صعوبة لأخذ فرصته في الحديث في الاجتماع وسط زملاء أكثر حضوراً وهيمنة، وعندما حصل على فرصته المنشودة للحديث شعر بالارتباك وفقد التوازن في خطابه، وبعد ذلك، انشغل بن بالموقف، ولم يستطع التوقف عن تأنيب نفسه، فلماذا لم يقتنص الفرصة اقتناصاً صحيحاً؟ ولماذا لم يبدُ أكثر حزماً بدلاً من الثرثرة الزائدة؟ ولمَ لَم يلتزم بالنقاط المكتوبة فحسب؟

بن هو مثال عن شخص أسميه أنا "المناضل سريع التأثر"؛ فهو صاحب الإنجازات العالية والحساسية المفرطة، يقود نفسه ويسعى وراء الامتياز كل الوقت، وإذا ما أخفق في تحقيق بعض من هذه التوقعات المستحيلة؛ فإنَّ حساسيته الفطرية وتفكيره المفرط في الآخرين يدخله في دوامة من الاتهامات الذاتيَّة وجلد الذَّات؛ لذا إذا كنت تتصرف مثل بن وتضخِّم أوجه القصور والنقص لديك، وتجتر الأفكار يومياً على الأخطاء البسيطة، مع القلق من ردة فعل الآخرين، وافتراض الخطأ دوماً، فأنت تقسو على نفسك جداً، وهذا يمكن أن يتخذ شكل أحكام وعقوبات قاسية.

يعتقد الكثيرين أنَّ النقد الذاتي هو ما يشذِّب أنفسنا ويقضي على أخطائنا؛ حيث يستخدم "المناضلون الحساسون" مثل بن جلد الذات كدافع للتقدُّم آملين أنَّهم بقسوتهم وحزمهم مع أنفسهم سيرغمونها على الأداء الأفضل، لكن تشير الأبحاث الحديثة إلى أنَّ النقد الذاتي استراتيجية ضعيفة عندما تُستخدَم استخداماً مفرطاً، ويرتبط جلد الذات باستمرار مع انخفاض الدوافع، وسوء ضبط النفس، والمزيد من التسويف.

عمليَّاً، ينقل النقد الذاتي المفرط الدماغ إلى حالة من الاضطراب، مما يمنعنا من اتخاذ إجراءات فعَّالة للوصول إلى الأهداف، وعلى الرغم من ذلك فهو نمط سلوكي منتشر ويصعب كسره في بعض الأوقات، ويحتاج إلى انتباه مستمر وممارسة حتى تتقن فن دعم النفس في الأوقات الحرجة؛ لذا إليك بعض النصائح التي شاركتها مع بن قد ترشدك لأول الطريق الصحيح لنهج التوازن بين العاطفة وقوة التحكُّم في النفس لتحسين أدائك:

1. تعرَّف إلى ناقدك الداخلي:

ابتعد عن ناقدك الداخلي نفسياً من خلال تجسيده كشخص آخر، على سبيل المثال، اختر اسماً مضحكاً أو اسم شخصية من فيلم أو كتاب له، فناقدي الداخلي يُدعى المهرج بوزو (Bozo)، ولكنَّك حر في تسميته ما تشاء، كان أحد عملائي يدعو ناقده الداخلي باسم دارث فيدر (Darth Vader) المقتبس من سلسلة أفلام حرب النجوم (Star Wars) حيث إنَّه اشترى لعبة مصغَّرة لشخصية دارث فادر ووضعها في مكتبه، وذلك لتذكِّره بضرورة السيطرة على ناقده الداخلي باستمرار.

تعزز تسمية الناقد الداخلي الفصل الإدراكي، وهو أسلوب علاجيٌّ لمساعدة المرء على فصل أفكاره ومشاعره عن ذاته، بحيث يتقمَّص دور المراقب الخارجي، ويتجنب إصدار الأحكام على نفسه؛ فينأى بنفسه عن أفكاره الناقدة بحيث يستطيع تقييم صحتها وتحديد مدى تأثيرها فيه، وهو ما يقوده للتبصر الداخلي.

يُظهر التبصر الداخلي فاعليته في الحد من عدم الراحة وتعزيز المصداقية مع الذات وتخفيف الإجهاد من الأفكار السلبية، كما أنَّه يعزز المرونة والإدارة النفسية لمشاعرك، مما يسهِّل التكيف مع المطالب المتغيرة.

2. تجنب التعميمات:

عندما طلبت المزيد من التفاصيل من بن عن جميع الاجتماعات التي قام بها أصبح من الواضح لدي أنَّ أحداً لم يلحظ ارتباكه، كما أنَّ المديرة التنفيذية أخبرته أنَّ تعليقاته في الاجتماع كانت مهمة جداً وفي توقيتها الصحيح؛ ممَّا أثار دهشة بن حيث إنَّ ما قالته مديرته التنفيذية لم يتوافق مع توقعاته بالإخفاق، وكان ذلك مثالاً جليَّاً على ما يسمى "تأثير بقعة الضوء" (spotlight effect)، وهي الميل بالاعتقاد أنَّ الضوء مسلط علينا، وحتى أصغر أخطائنا ستُلاحظ وسيدقق عليها الآخرون، مما يدفعنا لإصدار أحكام مجحفة أو مبالغة تجاه أنفسنا.

لمكافحة ظاهرة تأثير بقعة الضوء يجب عليك التفكير أولاً في أدائك العام من جهة وفي الحدَث السلبيِّ من جهة أخرى؛ لذا طبِّق منهج "منحنى الجرس" (bell curve) - وهو مصطلح عام يُستخدَم لوصف رسم بياني لتوزيع الاحتمال الطبيعي، وتعدُّ التوزيعات الاحتمالية العادية التي تنحرف عن الانحرافات المعيارية عن الوسيط أو من أعلى نقطة على المنحنى، هي التي تعطيها شكل منحنى جرسي الشكل - فمن المرجح أن يكون أداؤك متوسطاً أو أعلى من المتوسط في معظم الأيام، وستكون بعض الأيام أقل من المتوسط، وهذا أمر طبيعي.

انظر إلى الصورة الكبيرة للأمور؛ حيث أدرك بن أنَّه في حين أنَّ اجتماعه لم يكن أفضل أعماله، إلا أنَّه كان يقيِّد نفسه أكثر من خلال اتخاذ هذا الاجتماع غير الموفَّق كنقطة حاسمة في تاريخه المهني، وتعميمه على سائر تصرفاته؛ لذا تدربنا أنا وبن تجنُّب استخدام تصريحات عنيفة مع نفسه مثل "أنا دائماً أخفق"، أو "لن يُسمع صوتي أبداً"، أو "هذا يحدث دائماً".

إقرأ أيضاً: أشهر أخطاء التفكير وطرق تجنُّبها

3. وازن احتمالات الخسارة والنجاح على حد سواء:

يبحث العقل البشري عن إجابات ذات مغزى للأسئلة، فالدماغ الحساس على وجه الخصوص، بارع في ربط الأمور ببعضها وتوقُّع الاحتمالات، وقد أظهرت الدراسات أنَّ الأشخاص ذوي الحساسية العالية لديهم ناقلات عصبية أكثر نشاطاً في المجالات المتعلقة بالاهتمام والتخطيط للعمل واتخاذ القرارات ولديهم قدرة تأثر عالية.

وهذا يعني أنَّك "كمناضل سريع التأثر" لديك القوة لنقل أفكارك بدقة أكبر للواقع؛ إذ يمكنك استخدام هذه القوة الخفية بفعالية أكبر من خلال طرح أسئلة من الموازنة بين الاحتمالات الإيجابية والسلبية في آنٍ واحد؛ على سبيل المثال:

  • ماذا لو أحبَّ مديري في العمل عرضي التقديمي؟
  • ماذا لو لم تكن هذه الفكرة غبية، وبالعكس كان هذا هو منبع الإبداع الذي يدفع المشروع إلى الأمام؟
  • ماذا لو أحدث هذا الاقتراح ثورة في طريقة عملنا كفريق؟

4. حدد وقتاً لتحقيق هدفك القادم:

ستدمِّر قسوتك على نفسك مزاجك وتركيزك وإنتاجيتك، لكن لحسن الحظ يستمر الشعور بالعار ولوم النفس مصاحباً النقد الذاتي من 30 إلى 50 دقيقة فقط؛ لذا حاول استثمار هذا الوقت الضائع من خلال الإصغاء لمشاعرك ومعالجتها، وحدد الوقت واسمح لمشاعرك السلبية بأن تطفو على السطح، فإحدى الممارسات المفيدة في التحرر من المشاعر السلبية هي الكتابة؛ حيث تكتب كتابةً حرةً لمدة ثلاث إلى خمس دقائق لتنقل الإحباطات المكبوتة إلى الورق بدلاً من حبسها وتركها تعيث فساداً داخلك.

بمجرد أن ينتهي وقت تفريغ المشاعر السلبية، اتخذ قراراً واعياً وحازماً حول كيفية المضي قدماً في عملك الذي أوقفته، وحدد كيف تريد الشعور وما هي الإجراءات، وفي حالة بن فقد قرر أنَّه يريد أن يشعر بالسَّلام؛ لذا حددنا العديد من الخطوات التي يمكن أن تساعده على تحقيق السَّلام الداخلي، بما في ذلك التأمل القصير وأخذ قسط من الراحة.

إقرأ أيضاً: كيف تحدد أهدافك وتنجزها دون توتر؟

5. وسِّع تعريفك للنجاح:

"كمناضل سريع التأثر" من المرجح أنَّ تعريفك للإنجاز مقيَّد بمعايير محدودة، وهو التميز الكامل في جميع الأوقات؛ لذا لن أطالبك بخفض توقعاتك، ولكنَّك ستحتاج إلى توسيع نطاق مفهومك عن الفوز والنجاح، وتحقيق النتيجة المرجوة ليست دائماً بمتناول يديك؛ لذلك يجب عليك توسيع تعريفك للنجاح ليشمل ما يلي: التغلب على المقاومة أو الخوف من الفشل، والاستعداد للدفاع عن رأيك، والتعامل مع المواقف بعقلية جديدة منفتحة، واتخاذ خطوات صغيرة للوصول إلى هدفك، وقد تكون كل تلك التفاصيل إنجازات مهمَّة وتعريفات أخرى للنجاح.

خصِّص بضع دقائق في نهاية يوم عملك للتفكير في اللحظات التي كنت فخوراً بتخطيها بأمان، فالصدق مع النفس هو التعريف الحقيقي للنجاح أيها المناضل الحساس، فإنَّ رغبتك في أن تكون الأفضل هي قيمة متأصلة في ذاتك عندما تدار إدارةً صحيحةً، وبمجرَّد تخفيف الرغبة في تأنيب الذات، عليك أن تكون قادراً على عدِّ طموحك وحساسيتك هِبات ينبغي الحفاظ عليها.

المصدر




مقالات مرتبطة