كيف تتخلص من القلق طويل الأمد؟

إذا كنتَ تشعر مؤخراً بالتوتر، فأنت لستَ وحدك، فقد أشار استطلاعٌ أُجرِي في المملكة المتحدة عام 2018، قبل جائحة كوفيد-19، إلى أنَّ 74% من الناس قد تعرضوا للتوتر أو القلق أو الاضطراب في مرحلة ما في العام السابق، لدرجة أنَّهم شعروا بالارتباك وعدم القدرة على التأقلم، فالتوتر- الذي يُعرَّف بأنَّه الحالة التي يشعر فيها الشخص أنَّه لا يمتلك الموارد اللازمة لتلبية متطلبات موقف معيَّن - موجود في كل مكان ومركزي في حالة الإنسان، فهو يؤثر في أنظمة بيولوجية متعددة، وعلى الأمد الطويل، ويمكن أن يتسبب في تلف وتضرُّر صحتنا.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن باحث الدراسات العليا "دان ماك كاريك" (Dane MaCarric) وعن أستاذ علم النفس "داريل أوكونور" (Daryl O’Connor)، واللذان يُحدِّثاننا فيها عن تجربتهما في التعامل مع القلق.

أحد الأسباب التي تجعل التوتر ضاراً للغاية هو أنَّه حتى بعد أن ينتهي مسببه الأول، فإنَّه غالباً ما يستمر في التأثير في طريقة تفكيرنا وشعورنا وتصرفنا، وساعدَت نظرية هامة وهي "فرضية الإدراك المستمر" (perseverative cognition hypothesis) التي طرحها فريق من علماء النفس الدوليين في عام 2010، على تفسير ذلك.

تشير النظرية إلى أنَّ القلق أو التفكير العميق يُضخم الاستجابة الجسدية الأولية قصيرة الأمد لموقف مجهد - على سبيل المثال: استجابة الكر أو الفر - وأيضاً إعادة تنشيط الاستجابة للتوتر حتى بعد زوال سبب هذا التوتر، علاوةً على ذلك، فإنَّ الإدراك المستمر حول ضغوطات الماضي والمستقبل؛ أي القلق بشأن الضغوطات القادمة، والتفكير في ضغوطات الماضي وما إذا كانت ستحدث مرةً أخرى، يمكن أن يضر بصحتنا بشكل غير مباشر، من خلال التأثير في سلوكاتنا الصحية، على سبيل المثال: لقد ثبت أنَّ المزيد من القلق والتفكر مرتبط بقلة النوم، وتناول طعام غير صحي، وتعاطي المنبهات.

يشير كل هذا إلى أنَّ الحد من القلق والتفكير العميق من خلال التدخلات النفسية، يمكن أن يكون وسيلةً قوية لتقليل الضرر الذي يلحق بالصحة بسبب التوتر سواء بشكل مباشر من خلال المساعدة على "إيقاف" نظام الاستجابة للتوتر أم بشكل غير مباشر عن طريق تجنب السلوكات غير الصحية.

أجرينا أول مراجعة شاملة على الإطلاق لجميع الدراسات عالية الجودة التي اتخذَت نهجاً مزدوجاً يهدف إلى تقليل القلق أو التفكير من خلال التدخل النفسي، والأهم من ذلك، أنَّها قامت لاحقاً أيضاً بقياس تأثير التدخل في الصحة أو السلوكات الصحية، فقررنا أن ننظر فقط إلى الدراسات المعروفة باسم "التجارب العشوائية"؛ ذلك لأنَّها تُعَدُّ المعيار الذهبي لتقييم فاعلية أي تدخل أو علاج في إطار البحث النفسي والطب.

بعد فحص أكثر من 10500 دراسة يُحتمل أن تكون مؤهلةً، وجدنا 36 دراسة - تضم أكثر من 5000 مشارك من تسعة بلدان - ذات جودة عالية مناسبة وذات صلة بغاياتنا، فتميَّزَت هذه الدراسات بتدخلات نفسية لمواجهة القلق والتفكير العميق والتي تندرج في سبعة أنواع واضحة:

  • تخطيط العمل؛ أي تدخلات التخطيط الاستباقي للمساعدة في التحكم بالقلق بشكل أفضل، كأن تمنح نفسك مساحةً خاصة للقلق في المساء لتحدي مخاوفك.
  • إدارة الإجهاد؛ أي العلاجات واسعة النطاق المعنية بالقضاء على الإجهاد، مثل التركيز على جوانب الحياة التي يمكن التحكم بها بشكل أكبر.
  • اليقظة والاسترخاء؛ أي إعادة التركيز على اللحظة الحالية.
  • الانفصال النفسي، على سبيل المثال: "الانقطاع" عن الحالات، مثل العمل، التي تثير الأفكار السلبية، فقد يُنصَح المشاركون بأن يحرصوا على عدم النظر إلى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل بعد وقت معيَّن.
  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وعلاج القبول والالتزام (ACT)؛ أي تحدي الأفكار غير المفيدة ووضع استراتيجيات المساعدة الذاتية.
  • الكتابة التعبيرية؛ أي الكشف عن أعمق الأفكار والمشاعر، وإدارة الألم؛ أي التدخلات المعنية بتسكين الألم.

لقد وجدنا أنَّ هذه التدخلات النفسية المختلفة قللَت من قلق المشاركين واضطراب التفكير العميق بمقدار متوسط ​​الحجم من الناحية الإحصائية، مع تحسينات مقابلة صغيرة، ولكنَّها إيجابية في سلوكاتهم الصحية، ويشير هذا إلى أنَّه من الممكن تعلُّم القلق أو التفكير العميق بشكل أقل، وأنَّ هذه التغييرات ستؤدي بدورها إلى أنماط حياة صحية، والتي إذا تمَّ الحفاظ عليها مع مرور الوقت، ستساعد على حماية صحتك على الأمد الطويل.

لا يوجد حل سحري للمساعدة في علاج مخاوفك، وستعمل كل تقنية بشكل مختلف مع أشخاص مختلفين.

كان الانخفاض في القلق والتفكير أكبر في عدد صغير من التدخلات التي قدَّمها متخصصو الرعاية الصحية مقارنةً بتلك التي تُرِك فيها المشاركون لإكمال التقنيات أو التمرينات بأنفسهم، وبعيداً عن هذا الاختلاف، لم يتفوق أي نوع معيَّن من التدخل على أي نوع آخر في تقليل القلق أو التفكير.

ومع ذلك، كان هناك دليل على أنَّ أسلوب الانفصال النفسي وتدخلات تخطيط العمل كانت الأكثر أهميةً لتحسين السلوكات الصحية الإيجابية، ومن منظور صحي، يشير هذا إلى أنَّ الطريقة الأكثر فاعليةً هي التركيز على إبعاد مخاوفك وإيجاد طرائق لإدارتها بشكل أفضل، ومع مرور الوقت، من المرجح أن يكون لهذا التحول في العقلية تأثير إيجابي غير مباشر في سلوكاتك المتعلقة بالصحة.

إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع القلق حينما يصيبك بشكل مفاجئ؟

إذا كنتَ مثل الكثيرين، تعاني الكثير من التوتر وكنتَ قلقاً بشأن تأثير ذلك في صحتك، إذن، وبناءً على أهمية الأدلة التي اكتشفناها، نقترح ثلاث تقنيات رئيسة قد تساعدك؛ حيث تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنَّ هذه الأساليب يمكن أن تساعدك على التقليل من القلق والتفكير، ومن ثمَّ التعامل بشكل أفضل مع التوتر، وهذا بدوره يمكن أن يكون له فوائد إضافية على نمط حياتك وصحتك، ونريد أن نذكرك بعدم وجود حل سحري للمساعدة في علاج مخاوفك، وأنَّ كل تقنية ستعمل بشكل مختلف مع أشخاص مختلفين، لذلك من الهام أن تضع في حسبانك ما هو الأفضل لك ولظروفك الشخصية، وحاوِل التحلي بالصبر في أثناء القيام بذلك:

1. وضع خطة:

أنشئ خططاً محددة مسبقاً وقابلة للتحقيق حول موعد ممارسة القلق، سيساعدك هذا على الالتزام بها عندما تصبح الأوقات صعبةً، وفيما يلي مثال عن كيفية التفكير في إنشاء مثل هذه الخطط:

ضع خطةً "ميزانية" للقلق و/ أو أجِّل مخاوفك:

امنح نفسك يومياً بعض الوقت للتفكير فيما يزعجك، أو حتى تحديد وقت محدد من اليوم لتحدي مخاوفك، وبقيامك بذلك، لن يقتصر الأمر على احتواء كل تلك الطاقة السلبية في فتراتٍ محدودة بدلاً من أن تنتشر على مدار اليوم؛ ولكنَّك ستقلل أيضاً من التهديد المحتمل قصير الأمد لصحتك والذي تسببه فترات طويلة من القلق، مثل زيادة معدل ضربات القلب أو ضغط الدم.

وبتنظيم موعد محدد للقلق، سيجد العديد من الأشخاص أنَّه من الأفضل القيام بذلك في وقت لاحق من اليوم، على ألا يكون قريباً جداً من وقت النوم، إنَّما عندما تكون أقل انشغالاً، حتى تتمكن من مواجهة مخاوفك بعقلية أوضح.

يمكنك أيضاً تدوين ما يقلقك سواء على الورق أم رقمياً، وربما أيضاً في الأوقات المخطط لها، وستجد غالباً أنَّ المشكلة في رأسك أصبحَت أصغر بكثير وأقل خطورةً بمجرد رؤيتها ممثلة أمامك، فقد أظهرَت الأبحاث أنَّ مجرد الكتابة عن المخاوف يمكن أن يقلل من حدتها وتكرارها.

تقبَّل المشاعر غير السارة، وتعلَّم عدم المبالغة في رد الفعل تجاهها، وحاول ألا تتجنب إثارة المواقف.

شاهد بالفديو: 6 اقتراحات للتعامل مع التوتر

2. القبول والسيطرة:

من الواضح أنَّ السعي إلى تحقيق النجاح وبذل قصارى جهدك في المهام أمر جيد، ومع ذلك، من الهام أن تتذكر أنَّه لا يمكنك أن تكون مثالياً طوال الوقت، وبالمثل، من الهام التعرُّف إلى مخاوفك التي تقع ضمن "موضع التحكم"؛ أي ما يمكنك فعل شيء حياله بشكل واقعي، وتلك الخارجة عن إرادتك، وفيما يلي بعض الأمثلة عن كيفية القيام بذلك:

2. 1. أنشئ قائمة:

يمكن أن تكون هذه طريقةً مفيدة للتغلب على التحديات العديدة التي تلقيها عليك الحياة، ستساعدك رؤيتها مدوَّنةً على فهم المهام الأكثر أهميةً والتي يمكن تحقيقها، وكذلك تحديد المهام الخارجة عن سيطرتك، ويعني تسليط الضوء على مكان تركيز طاقتك وكيفية إدارة المتاعب اليومية في حياتك بشكل أفضل على الأرجح تخفيف القلق بشأنها.

2. 2. تقبَّل حقيقة أنَّ الأشياء لن تكون مثاليةً دائماً:

تقبَّل المشاعر غير السارة، وتعلَّم عدم المبالغة في رد الفعل تجاهها، وحاول ألا تتجنب تصعيد المواقف، وإذا شعرتَ بالإرهاق الشديد، ففكِّر في تحويل تركيزك إلى اللحظة الحالية، على سبيل المثال: يمكنك شغل تفكيرك بموقفٍ يركز الاهتمام على لحظات الحاضر.

2. 3. توقَّف عن عاداتك غير الصحية:

غالباً ما يكون الميل إلى القلق أمراً معتاداً، فمن خلال اعتماد استراتيجيات التكيف الذاتي، يمكنك أن تُحقِّق المزيد من السيطرة الواعية؛ لذا جرِّب أن تُطوِّر شعاراً أو قولاً تُكرِّره لنفسك عندما ترى نفسك قلقاً، عبارات مثل "ليس الآن" أو " وفر القلق لوقتٍ لاحق" يمكن أن تفيدك كثيراً، أو يمكنك استخدام شيء أعمق وأكثر أهميةً، مثل "لا شيء يدوم إلى الأبد" أو "سيتم إنجازه"، ومهما كان أسلوبك، من الهام أن تجعل شعارك شخصياً.

تقبَّل المشاعر غير السارة، وتعلَّم عدم المبالغة في رد الفعل تجاهها، وحاول ألا تتجنب تصعيد المواقف.

3. إيجاد الوقت للتوقف:

يمكن أن يؤدي قضاء الوقت بالعمل دائماً وعدم الراحة والتسلية إلى آثار صحية سلبية مثل الإرهاق والتعب العقلي وزيادة المشكلات الجسدية الناتجة عن الإجهاد، لذلك، من غير المفاجئ أن تقول الأبحاث إنَّ إيجاد الوقت للتوقف وفصل نفسك عن العمل أو في الواقع عن ضغوطات أخرى؛ أمر حيوي وجيد لسلامتك المستدامة، فإليك بعض النصائح للقيام بذلك:

3. 1. ابتعِد عن الواقع:

إذا استهلكك القلق بشكل كامل بشأن العمل أو الأمور الأخرى، فإنَّ التفكير في الأمر أكثر قد يزيده سوءاً، فافصل نفسك عما يوترك، كآلية للتكيف الفوري، على سبيل المثال: استمِع للموسيقى أو ملفات صوتية مسلية، أو اقرأ كتاباً أو مجلة، أو مارس بعض تمرينات التنفس المريحة، فمهما كان ما تفعله، من الهام أن تجد وقتاً يومياً للتركيز على الحاضر.

3. 2. استخدِم حواسك:

يمكن لتقنيات الاسترخاء أن تبعدك عن القلق، فعندما تشعر بالغضب، خصص بضع دقائق على الأقل للاهتمام بالتنفس خاصةً أو حرِّك أصابع قدميك، وتوقَّف وفكِّر كيف تشعر، فهذا النوع من إعادة التركيز عبر حواسك يمكن أن يساعد أيضاً.

إقرأ أيضاً: 9 أساليب فعّالة للتخلص من القلق

3. 3. كن نشيطاً:

في حين لم يختبر أي تدخُّل معيَّن في مراجعتنا تأثيرات نمط الحياة الصحي، يُنصَح باستخدام التمرينات الرياضية والحد من تناول السكر والكافيين، بِعَدِّه مفيداً في المساهمة في حالة ذهنية أكثر إيجابيةً.

تذكَّر أنَّه بخطواتٍ صغيرة، يمكن أن يكون القلق والتفكير والتوتر قوى إيجابية في حياتنا، وأن تحمينا من الأذى، فقط عندما تصبح هذه المشاعر متكررةً وثقيلة تصبح مشكلةً، ولحسن الحظ أنَّه يمكنك منع حدوث ذلك من خلال تعلُّم التحكم بقلقك وتفكيرك، والذي يمكن أن يكون له فوائد طويلة الأمد على أسلوب حياتك وصحتك.

على الرغم من الإحصاءات الأخيرة التي تُظهِر أنَّنا معرَّضون لضغوطات متزايدة، إلا أنَّه توجد خطوات بسيطة وقائمة على الأدلة لمساعدتك على إدارة مخاوفك وأفكارك؛ حيث تشير التقنيات التي أبرزَتها مراجعتنا إلى مجموعة من التدخلات الموجزة وغير المكلفة والتي تُدار ذاتياً بسهولة والتي نأمل أن تساعدك على إدارة صحتك.

المصدر




مقالات مرتبطة