شرح نظريات الذكاء العاطفي

يشير بعض علماء النفس إلى أنَّ الذكاء العاطفي مفتاحُ النجاح في الحياة، في الواقع، لم يظهر مفهوم الذكاء العاطفي قبل عام 1990، ولكن ثمَّة الكثير من الكتب والمقالات التي تناقش هذا الموضوع، كما زعم بعض الناس بأنَّ الذكاء العاطفي أهم من الذكاء المعرفي الأقل إثارة للجدل إلى حدٍّ ما. سنتحدث في هذه المقالة عن نظريات الذكاء العاطفي.



قد تتساءل، لماذا من الهامِّ دراسة الذكاء العاطفي؟ ستعرف إجابة هذا السؤال عندما تتخيَّل عالماً لا يفهم فيه أحد مشاعر الآخر، أو لا يمكنك فيه إدراك أنَّ شخصاً ما غاضبٌ منك من خلال نظرته الغاضبة؛ حيث سيكون التعايش صعباً للغاية، أليس كذلك؟

الذكاء العاطفي هامٌّ في كل التعاملات الاجتماعية بلا استثناء، ومن دونه كنا سنُجرَّد من جزء أساسي من التجربة الإنسانية؛ لذا نحن نهدف في هذه المقالة إلى مشاركة نظريات الذكاء العاطفي، ومناقشة عناصره الخمسة.

لكي نفهم المقصود من "الذكاء العاطفي"، دعنا نعرِّف الذكاء المعرفي أولاً، والذي يشير إلى القدرة العقلية البشرية الفريدة للتعامل مع المعلومات وتفسيرها، أمَّا الذكاء العاطفي، فهو القدرة على التفكير الدقيق بشأن العواطف، والقدرة على استخدام العواطف والمعرفة العاطفية لتعزيز التفكير.

لقد تبيَّن بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من البحث أنَّ الذكاء العاطفي ناتجٌ عن تفاعل الذكاء والعاطفة؛ وذلك لأنَّه يشير إلى قدرة الفرد على فَهم العواطف وإدارتها.

عناصر الذكاء العاطفي الخمسة وفق نموذج دانيال جولمان:

لقد كان عالِم النفس والكاتب "دانيال جولمان" (Daniel Goleman) أول من قدَّم فكرة الذكاء العاطفي المكوَّن من خمسة عناصر مختلفة، ويتمثل نموذج جولمان للذكاء العاطفي في:

1. الوعي الذاتي:

يشير الوعي الذاتي إلى قدرة المرء على تحديد عواطفه، وحالاته المزاجية، وعواطف الآخرين، وفَهمها، ومعرفة مدى تأثيرها في سلوكه، كما يتضمَّن تتبُّع المشاعر وملاحظة ردود الفعل العاطفية المختلفة، بالإضافة إلى القدرة على تحديدها تحديداً صحيحاً، ويشمل الوعي الذاتي أيضاً إدراك أنَّ عواطفنا وسلوكنا مرتبطان، وإدراك نقاط القوة ونقاط الضعف الشخصية للفرد، فضلاً عن ارتباط الوعي الذاتي بتقبُّل التجارب المختلفة والأفكار الجديدة والتعلُّم من التفاعلات الاجتماعية.

2. التنظيم الذاتي:

يتضمَّن هذا الجانب من الذكاء العاطفي التعبيرَ عن العواطف تعبيراً مناسباً، والتحلِّي بالمرونة، والتعامل مع التغيير، وإدارة النزاع، كما يشير إلى القدرة على التحكُّم بالمواقف الصعبة وإدراك مدى تأثير سلوك الفرد في الآخرين وكيفية امتلاك زمام الأمور.

3. المهارات الاجتماعية:

يشير هذا العنصر إلى التفاعل الجيد مع الآخرين، وتطبيق فهمنا لعواطفنا وعواطف الآخرين في التفاعل اليومي، وتشمل المهارات الاجتماعية المختلفة الإصغاء الفعَّال، ومهارات التواصل اللفظي، ومهارات التواصل غير اللفظي، والقيادة، وتطوير العلاقات.

4. التعاطف:

يشير التعاطف إلى القدرة على فَهم ما يشعر به الآخرون والتجاوب تجاوباً مناسباً معهم بناءً على تحديد مشاعرهم، كما أنَّه يمكِّن الناس من الشعور بديناميكيات القوة التي تلعب دوراً في جميع العلاقات الاجتماعية، ولا سيَّما العلاقات في مكان العمل، وكيفية تأثيرها في المشاعر والسلوك، فضلاً عن إدراك المواقف التي تُعَدُّ فيها ديناميكيات القوة مؤثرة.

5. الدافع:

يشير الدافع كعنصر من عناصر الذكاء العاطفي إلى الدافع الداخلي؛ والذي يعني أن يتصرَّف المرء بهدف تلبية الاحتياجات والأهداف الشخصية بدلاً من المكاسب الخارجية مثل المال والشهرة، ويَمُرُّ الأشخاص الذين يمتلكون دوافع ذاتية بحالة من التدفق تساعدهم على التركيز الشديد على الأنشطة التي يؤدُّونها، كما يكونون أكثر دراية بتوجُّهاتهم، وأكثر رغبة في تحديد أهدافهم، وأكثر ميلاً للالتزام وأخذ زمام المبادرة، كما يميل هؤلاء الأشخاص إلى الإنجاز والبحث عن سُبُل للتحسُّن.

شاهد بالفيديو: خمس مكونات رئيسة للذكاء العاطفي

نماذج الذكاء العاطفي ومنهجياته:

ظهر نموذج الكفاءات العاطفية (Emotional Intelligence Model) في العام 1990. تم تطويره بواسطة دانيال جولمان وبيتر سالوفي، وهو نموذج يهدف إلى فهم وقياس القدرات العاطفية للفرد وتأثيرها على أدائه وسلوكه في الحياة الشخصية والمهنية.

ما هي نماذج الذكاء العاطفي؟ أحد نظريات الذكاء العاطفي هي نظرية الذكاء العاطفي التي وصفها "بيتر سالوفي" (Peter Salovey) و"جون ماير" (John Mayer) بدايةً في عام 1990 أنَّ الذكاء العاطفي هو أحد مكونات نظرية "هاورد غاردنر" (Howard Gardner) للذكاء الاجتماعي؛ فعلى غرار ما يسمى بالذكاء الشخصي الذي اقترحه "غاردنر"، قيل إنَّ الذكاء العاطفي يتضمَّن وعياً بالذات والآخرين؛ إذ يتعلَّق أحد جوانب مفهوم "غاردنر" للذكاء الشخصي بالمشاعر؛ ممَّا يجعل هذا الجانب متشابهاً مع ما تصوَّره "سالوفي" و"ماير" ذكاءً عاطفياً.

ولكن ما يميِّز الذكاء العاطفي عن الذكاء الشخصي، هو أنَّ الذكاء العاطفي لا يركِّز على الإحساس العام بالذات وتقييم الآخرين؛ بل يركز على تحديد الحالات العاطفية للذات والآخرين، واستخدامها من أجل حل المشكلات وتنظيم السلوك.

ثمَّة نموذجان شهيران للذكاء العاطفي:

  • نموذج أداء "جولمان" للذكاء العاطفي.
  • نموذج "ماير" و"سالوفي" و"كاروسو" لقياس قدرة الذكاء العاطفي.

وقد طُوِّر هذان النموذجان من خلال البحث والتحليل والدراسات العلمية، والآن، دعنا نتعمَّق في كلٍّ منهما.

1. نظرية جولمان للذكاء العاطفي:

كان جولمان احد واضعي نظريات الذكاء العاطفي، ووفقاً لجولمان، فالذكاء العاطفي هو مجموعةٌ من المهارات والكفاءات التي تركِّز على أربع قدرات: الوعي الذاتي، وإدارة العلاقات، والوعي الاجتماعي والمهارات الشخصية، ويقول "جولمان" إنَّ هذه القدرات الأربع تشكِّل أساس 12 مقياساً فرعياً للذكاء العاطفي، وهي:

  • الوعي الذاتي العاطفي.
  • التحكُّم الذاتي بالعواطف.
  • القدرة على التكيُّف.
  • الاهتمام بالإنجازات.
  • الرؤية الإيجابية.
  • التأثير.
  • الكوتشينغ والمنتورينغ.
  • التعاطف.
  • حل النزاعات.
  • التحلِّي بروح الفريق.
  • الوعي التنظيمي.
  • القيادة الملهِمة.

نظريات الذكاء العاطفي – نظرية جولمان

2. نظرية "ماير" و"سالوفي" و"كاروسو" لقياس قدرة الذكاء العاطفي:

ظهر نموذج الكفاءات العاطفية (Emotional Intelligence Model) في العام 1990. تم تطويره بواسطة دانيال جولمان وبيتر سالوفي، وهو نموذج يهدف إلى فهم وقياس القدرات العاطفية للفرد وتأثيرها على أدائه وسلوكه في الحياة الشخصية والمهنية.

يشير هذا النموذج الذي يعتبر أحد نظريات الذكاء العاطفي إلى استخدام المعلومات الناتجة عن فَهم العواطف وإداراتها في تسهيل عملية التفكير والتوجيه واتِّخاذ القرار، وتؤكد هذه المنهجية نموذج الفروع الأربعة للذكاء العاطفي، والتي تتمثَّل في:

  • إدراك العواطف.
  • استخدم العواطف لتسهيل التفكير.
  • فَهم العواطف.
  • إدارة العواطف.

تتوافق هذه الفروع المنظَّمة بدءاً من إدراك العواطف حتى إدارتها مع الطريقة التي تتناسب بها القدرة مع الشخصية العامة للفرد؛ بعبارة أخرى، يمثِّل الفرعان الأولان جزأين منفصلَين من عملية معالجة المعلومات التي يُعتقد بأنَّها مرتبطة بنظام المشاعر، بينما تُدرَج إدارة العواطف في خطط المرء وأهدافه، ويتألَّف كل فرع من المهارات التي تتطوَّر تدريجياً من مهارات أساسية أكثر إلى مهارات أكثر تعقيداً.

دعنا نتحدَّث عن كل فرع:

  1. يتضمَّن الفرع الأول إدراك العواطف، بما في ذلك القدرة على تحديد العواطف من خلال تعبيرات وجه الآخرين ووضعيات أجسادهم، ويعكس هذا الفرع الإدراك غير اللفظي والتعبير العاطفي للتواصل عبر الوجه والصوت.
  2. يتضمَّن الفرع الثاني القدرة على استخدام العواطف للمساعدة على التفكير.
  3. يمثِّل هذا الفرع الثالث القدرة على فَهم العواطف وتحليلها والوعي بالميول العاطفية بمرور الوقت، فضلاً عن تقدير نتائج العواطف، ويشمل أيضاً القدرة على تحديد المشاعر والتمييز بينها.
  4. يشمل الفرع الرابع الإدارة الذاتية العاطفية، وشخصية المرء وأهدافه، ومعرفته الذاتية، ووعيه الاجتماعي لتشكيل الطريقة التي تُدار بها العواطف.

وفقاً لـِ "ماير" و"سالوفي" و"كاروسو"، هذه هي المهارات التي تحدِّد الذكاء العاطفي، ولقد حدَّث "ماير" وزملاؤه في عام 2016 نموذج الفروع الأربعة بناءً على التطوُّرات في أبحاث الذكاء العاطفي؛ وتضمَّنت أبحاثهم في مجال نظريات الذكاء العاطفي المزيد من الأمثلة على حل المشكلات وزعموا أنَّ القدرات العقلية التي ينطوي عليها الذكاء العاطفي في الواقع لم تتحدَّد بعد.

كما أشار "ماير" وزملاؤه إلى أنَّ الذكاء العاطفي والذكاء العملي والاجتماعي يندرجون تحت مسمَّى "الذكاء المثير"، والذي يُعرف بأنَّه مجموعة من الذكاءات التي يتفاعل فيها الأشخاص مع موضوعات تتعلَّق بالناس.

ودعا "ماير" وآخرون إلى مقارنة الذكاء العاطفي بالذكاء الشخصي والاجتماعي، وأكَّدوا إمكان وضع الذكاء العاطفي بين هذه "الذكاءات المثيرة" الأخرى، كما قال الخبراء إنَّ القدرات المحدَّدة التي يتكوَّن منها الذكاء العاطفي هي أشكال محدَّدة لحل المشكلات.

ويمكن قياس النموذج المؤلَّف من أربعة فروع باستخدام اختبار "ماير" و"سالوفي" و"كاروسو" للذكاء العاطفي.

نظريات الذكاء العاطفي - نظرية ماير وسالوفي وكاروسو

نموذج ماير وسالوفي:

من بين نماذج الذكاء العاطفي التي تناولها عدد كبير من الباحثين واهتمت بتقديم تفسير حول الذكاء العاطفي ومكوناته، كان نموذج (ماير وسالوفي) اللذان قدما تعريفا للذكاء العاطفي على أنه "القدرة على مراقبة المشاعر والانفعالات الذاتية وانفعالات الآخرين، والتميز بينهما لتوجيه تفكير الفرد وأفعاله" وقد وجدا أن الذكاء العاطفي مقدرة عقلية وقاما بتقسيم النموذج إلى أربع أبعاد ولذلك سمي بالنموذج الرباعي لماير و سالوفي، وهذه الأبعاد هي:

1. القدرة على الوعي بالانفعالات والتعبير عنها بدقة (إدراك الانفعالات):

يقصد بهذه القدرة أن على الفرد التعبير عن انفعالاته بشكل جيد من خلال الحركات أو ملامح الوجه أو الصوت أو الاشارات أي باستخدام لغة الجسد للتعبير عن انفعالاته.

2. القدرة على استخدام الانفعالات لتسهيل عملية التفكير (توظيف الانفعالات):

هنا يساعدنا توظيف الانفعالات على رفع مستوى التركيز والاتجاه نحو التفكير الايجابي وتحسينه وبالتالي الاتجاه بالفرد نحو عمليات تفكير عليا ومن شأن ذلك الارتقاء بالعمليات التعليمية بشكل خاص.

3. القدرة على فهم وتحليل الانفعالات:

هنا يكون للفرد القدرة على تحليل الانفعالات بشكل صحيح وتسميتها وفهم وإيجاد تفسير لمعناها، فمثلا عندما يعتقد شخص ما أنه حصل على ما كان يرغب به فيفسر انفعاله بالسعادة، أو إذا كان محاط بالخطر فسيشعر بالخوف، إذا فهم الانفعال والبحث عن أسبابه أيضا عملية عقلية من الأفضل فهمها وتحليلها.

4. القدرة على إدارة الانفعالات:

هذا البعد يفسر على أنه قدرة الشخص على إدارة انفعالات الآخرين وهذا البعد أو القدرة هي أعلى مستويات الذكاء الانفعالي لذلك تم اعتماده في معظم الدراسات.

البحث في خصائص الذكاء العاطفي في علم النفس:

لقد استُخدِم مصطلح الذكاء العاطفي في الستينيات في الطب النفسي والنقد الأدبي من قبيل المصادفة، ولكن قَدَّم "ماير" وزملاؤه مصطلح الذكاء العاطفي في علم النفس رسمياً في عام 1990، كما نشروا عدداً قليلاً من المقالات التي عرَّفوا فيها الذكاء العاطفي تعريفاً واضحاً، ثم طُوِّرت النظرية إلى جانب مقياس للذكاء العاطفي، ومنذ عام 1999، نما البحث في خصائص الذكاء العاطفي.

1. الذكاء العاطفي والدراسة الأكاديمية:

لقد بحثت بعض الدراسات في التنبؤ بالدرجات الأكاديمية وحل المشكلات الفكرية بناءً على درجة الذكاء العاطفي، وقد تبيَّن أنَّ العلاقة بين الذكاء العاطفي ودرجات طلاب الجامعات تتراوح بين 20 إلى 25%.

كما وجدت إحدى الدراسات التي أُجريَت على بعض الطلاب المميزيَّن أنَّهم حصلوا على درجات أعلى في الذكاء العاطفي من الطلاب الذين لم يكونوا مميزيَّن أكاديمياً، ومع ذلك، كان التنبؤ بالذكاء العاطفي والذكاء العام ضعيفاً.

ومن المثير للاهتمام أنَّه عندما ركَّزت الدراسة على المهام المتعلِّقة بالعاطفة من خلال إجراء تجارب على 90 طالباً من طلاب الدراسات العليا في مجال علم النفس، وُجدَت علاقة إيجابية بين اختبار العواطف وكلٍّ من المعدَّل التراكمي (GPA) وأفضل أداء سنوي يصل إليه الطالب.

2. الذكاء العاطفي والانحراف أو المشكلات السلوكية:

في الواقع، يرتبط الذكاء العاطفي عكسياً بالتنمُّر والعنف وتعاطي التبغ والمخدرات؛ إذ أظهرت إحدى الدراسات أنَّ الذكاء العاطفي يرتبط ارتباطاً سلبياً بمستوى عدوانية الطلاب.

كما أُجريَت دراسة في الذكاء العاطفي في عام 2002 على 59 فرداً كانوا جزءاً من برنامج منع العنف الذي أمرت به المحكمة، وتبيَّن أنَّ إدراك العواطف كان مرتبطاً ارتباطاً سلبياً بالعدوان النفسي الذي يتمثَّل في الإهانات والإيذاء العاطفي، ومن المفاجئ ما تبيَّن مِن أنَّ معدلات العدوان النفسي مرتبطة في الواقع بنتائج أعلى في إدارة العاطفة.

إقرأ أيضاً: 3 مهارات يتقنها الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي

3. الذكاء العاطفي والنجاح:

لقد سبق الإشارة إلى أنَّ الذكاء العاطفي هو أهم عامل محدد للنجاح في الحياة، وعلى الرغم من أنَّ هذا ليس صحيحاً بالضرورة؛ إلَّا أنَّ الذكاء العاطفي يرتبط بالنجاح عموماً؛ إذ أظهرت الأبحاث ارتباطاً بين الذكاء العاطفي ومجموعة واسعة من المهارات مثل اتِّخاذ القرارات أو تحقيق النجاح الأكاديمي.

4. الذكاء العاطفي والتطوُّر:

لقد أُجريَت العديد من دراسات الذكاء العاطفي على مجموعات من الأطفال والمراهقين، وتبيَّن أنَّ الذكاء العاطفي يتنبَّأ باستمرار بنتائج اجتماعية وأكاديمية إيجابية لدى الأطفال؛ ففي دراسة طولية أجراها الخبراء على أطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاث إلى أربع سنوات باستخدام تقييمات التنظيم العاطفي للأطفال وإدراك العواطف، تنبَّأت المستويات الأعلى من التنظيم والمعرفة العاطفية بالكفاءة الاجتماعية في سن الثالثة إلى الرابعة، ثم في مرحلة رياض الأطفال.

5. الذكاء العاطفي ورؤية الآخرين:

لقد وجدت مجموعة من الدراسات أنَّ الأشخاص الذين يتمتَّعون بمستويات عالية من الذكاء العاطفي، يُنظَر إليهم نظرة أكثر إيجابية.

6. الذكاء العاطفي والسلامة النفسية:

لقد تبيَّن أنَّ الذكاء العاطفي يساعد على تعزيز الرضا عن الحياة والتقدير الذاتي، كما يرتبط بانخفاض معدَّلات الاكتئاب.

7. الذكاء العاطفي والسلوكات الاجتماعية:

لقد وجدت الأبحاث علاقة إيجابية بين درجات إدارة العواطف ونوعية التفاعلات مع الأصدقاء، وقد صُنِّف الأفراد الذين حصلوا على درجات أعلى في الذكاء العاطفي على أنَّهم أكثر إثارة لإعجاب أفراد الجنس الآخر وتقديرهم، كما وجدوا أنَّ تنظيم العواطف يتنبَّأ بالحساسية الاجتماعية؛ أي قدرة المرء على تحديد الإشارات والسياقات في المواقف الاجتماعية وفهمها، وجودة التفاعلات مع الآخرين.

8. الذكاء العاطفي والقيادة أو السلوك التنظيمي:

لقد دأبت الدراسات على إثبات أنَّ العلاقات مع العملاء تتأثر بالذكاء العاطفي إيجاباً، كما تبيَّن أنَّ الأفراد الذي صُنِّفوا بأنَّهم أذكياءٌ عاطفياً، تمكَّنوا من تقديم بيانات ورؤية ذات جودة عالية.

شاهد بالفيديو: 6 صفات تدلّ على صاحب الذكاء العاطفي

هل يتضمَّن الذكاء العاطفي كفاءات محدَّدة؟

لقد تبيَّن أنَّ الذكاء العاطفي يتضمَّن بالتأكيد كفاءات محددة؛ لذا سنشير إلى الكفاءات التي قيست بواسطة إحدى نماذج الذكاء العاطفي لنقدِّم شرحاً عملياً للكفاءات المحددة التي يتضمَّنها الذكاء العاطفي، وسنقدِّم أمثلة لما تعنيه كل كفاءة:

  • الوعي الذاتي العاطفي، على سبيل المثال: أستطيع فَهم ما أشعر به.
  • الحزم، على سبيل المثال: يمكنني الدفاع عن حقي.
  • احترام الذات، على سبيل المثال: أشعر بالرضا عن نفسي.
  • الاستقلالية، على سبيل المثال: لا أفضِّل أن يتَّخذ الآخرون القرارات نيابةً عني.
  • التعاطف، على سبيل المثال: أشعر بمشاعر الآخرين.
  • العلاقات الشخصية، على سبيل المثال: يرى الناس أنَّني اجتماعي.
  • المسؤولية الاجتماعية، على سبيل المثال: أحب مساعدة الناس.
  • حل المشكلات، على سبيل المثال: منهجي في التغلب على الصعوبات هو التحرك خطوة بخطوة.
  • التأقلم مع الواقع.
  • المرونة، على سبيل المثال: من السهل عليَّ التكيف مع الظروف الجديدة.
  • تحمُّل التوتُّر، على سبيل المثال: أنا أعرف كيف أتعامل مع المشكلات المزعجة.
  • التحكُّم بالانفعالات، على سبيل المثال: أستطيع أن أتحكَّم بغضبي.

بالإضافة إلى هذه الكفاءات المحدَّدة، يساعد الذكاء العاطفي على الشعور بالسعادة والتفاؤل وتحقيق الذات.

هل يرتبط الذكاء العاطفي بسمات الشخصية؟

لقد خلصت دراسة كبيرة شملت 1584 فرداً إلى أنَّ الأشخاص الذين يتمتَّعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي يلقون عادةً قبولاً أكبر لدى الآخرين، ويكونون صريحين، ويمتلكون ضمائر حية.

علاوةً على ذلك، أظهرت النتائج التي توصَّل إليها علم الأعصاب أنَّ الذكاء العاطفي يشمل مناطق الدماغ نفسها التي تتضمَّن التحلِّي بالضمير، ومن ثم تدعم النتائج العصبية حقيقةَ أنَّ السمة المركزية للذكاء العاطفي هي الضمير، والذي يتميز بدرجة التنظيم والمثابرة والسيطرة والتحفيز في السلوك الموجَّه نحو الهدف؛ لذا دعنا نلقي نظرة فاحصة على ذلك:

نظرة فاحصة على الذكاء العاطفي والشخصية:

يصف "سالوفي" و"ماير" - وفقاً لبحثهما الأساسي حول الذكاء الاجتماعي في عام 1990 - الذكاء العاطفي بأنَّه مجموعة فرعية من الذكاء الاجتماعي، كما قال الخبراء إنَّ الذكاء الاجتماعي هو أحد أهم عوامل فَهم الشخصية.

ولقد وُصِف السلوك بأنَّه تعبيرٌ ملحوظٌ عن شخصية شخص ما في حالة اجتماعية معينة؛ لذا يشمل السلوك الشخصية والدوافع والعواطف والأنماط الاجتماعية والوعي الذاتي وضبط النفس، وتساهم كل هذه العناصر في أنماط سلوكية متسقة تختلف تماماً عن الذكاء المعرفي.

في حين وجد البحث السابق ارتباطاً بين الضمير والذكاء العاطفي، تظهر نتائج أحدث أنَّ العلاقة الفعلية بين الذكاء العاطفي وسمات الشخصية الأساسية ضعيفة للغاية؛ إذ تبيَّن من خلال البحث الذي أجراه "ماير" و"سالوفي" و"كاروسو" أنَّ نسبة الارتباطات كالآتي:

  • العصابية 17%.
  • الصراحة 18%.
  • الضمير 15%.
  • الانبساط 12%.
  • نَيل القَبول 25%.

ومن ثم، في حين أظهرت الدراسات السابقة أنَّ الذكاء العاطفي كان أكثر ارتباطاً بجوانب الضمير، فقد تبيَّن مؤخراً أنَّ أكثر العوامل الشخصية ارتباطاً بالذكاء العاطفي هو نَيل القَبول، ولكن دفعت هذه المستويات المنخفضة جداً من الارتباط الباحثين إلى استنتاج أنَّ الذكاء والأساليب الاجتماعية العاطفية متباينة ومستقلة نسبياً، ومع ذلك، يبدو أنَّ الشخصية مرتبطة في بعض النواحي بالذكاء العاطفي.

على سبيل المثال: لقد أشار بحثٌ هولنديٌ إلى أنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بدرجات أعلى من الذكاء العاطفي يميلون إلى تفضيل المِهَن الاجتماعية على المِهَن الريادية، كما يستخدمون عادةً آليات دفاع أكثر تكيُّفاً، مثل الإنكار.

أنواع مختلفة من الذكاء العاطفي:

لكي نفحص ما يسمَّى بـ "أنواع" الذكاء العاطفي، يجب أن نعرف ما يستطيع الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي القيام به؛ بالنسبةِ إلى المبتدئين، فهُم قادرون على حل مجموعة من المشكلات المتعلقة بالعواطف بسرعة وبدقة؛ إذ يعزِّز الذكاء العاطفي القدرة على حل المشكلات القائمة على العاطفة، كما يستطيع أولئك الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء العاطفي إدراك العواطف بدقة من خلال وجوه الآخرين؛ لذا فإنَّ أحد أنواع الذكاء العاطفي هو إدراك تعبيرات الوجه.

يمتلك الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي وعياً بكيفية ارتباط بعض الحالات العاطفية بطرائق محدَّدة بالتفكير، على سبيل المثال: قد يدرك الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي أنَّ الحزن يسهِّل التفكير التحليلي؛ لذا قد يختارون (إن أمكن) تحليل الأشياء عندما يكونون في حالة مزاجية حزينة، ومن ثم يُعدُّ فهم العواطف وكيف توجِّه التفكير أحد أنواع الذكاء العاطفي.

يستطيع الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء العاطفي تحديد العواطف والمعنى المرتبط بها، على سبيل المثال: قد يدركون أنَّ الأشخاص الغاضبون يمثِّلون خطراً محتمَلاً، وأنَّ السعادة تعني رغبة الناس في التواصل الاجتماعي، على عكس الحزن الذي يدفع الأشخاص إلى تفضيل الوحدة، ومن ثم تُعدُّ القدرة على قراءة العواطف إحدى أنواع الذكاء العاطفي.

كما يستطيع الأفراد ذوو الذكاء العاطفي العالي أيضاً إدارة عواطفهم وعواطف الآخرين؛ ممَّا يجعل الإدارة الفعَّالة للعواطف إحدى أنواع الذكاء العاطفي، كما يفهم هؤلاء الأفراد أيضاً أنَّ الأشخاص السعيدون أكثر استعداداً لحضور حدث اجتماعي مقارنة بالأشخاص الحزينين أو الخائفين؛ ممَّا يقدِّم لنا نوعاً آخر من الذكاء العاطفي، وهو الوعي الاجتماعي والعاطفي.

وأخيراً، يستطيع الأذكياء عاطفياً تقدير كيفية ظهور ردود الفعل العاطفية؛ ممَّا يوضح نوعاً آخر من الذكاء العاطفي.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح من الخبراء لتعزيز الذكاء العاطفي

أبعاد المفهوم:

عند دراسة أبعاد الذكاء العاطفي، من الضروري التفريق بين العواطف والذكاء العاطفي؛ حيث تتطوَّر العواطف في بيئتنا نتيجة الظروف والمعرفة، ومن ثم يمكن وصف العاطفة بأنَّها "حالة ذهنية فطرية طبيعية تنبع من تجاربنا ومواقفنا الحالية والماضية"؛ إذ تؤثر مشاعرنا الداخلية والتجارب التي نمر بها في عواطفنا.

من ناحية أخرى، الذكاء العاطفي بمنزلة مقدرةٍ أو إمكانٍ، فهو امتلاك الوعي والمهارة من أجل إدراك المشاعر والحالات المزاجية والعواطف وفهمها واستخدامها استخداماً تكيُّفياً، كما يتضمَّن الذكاء العاطفي تعلُّم كيفية إدارة المشاعر والعواطف واستخدام هذه المعلومات لتوجيه سلوكنا، ومن ثم يساعدنا الذكاء العاطفي على التصرُّف تصرُّفاً صحيحاً في عمليات مثل اتِّخاذ القرار وحل المشكلات والإدارة الذاتية وإظهار القيادة.

لقد ثبت أنَّ الذكاء العاطفي كفاءة مستقرة نسبياً، على عكس "المعرفة" العاطفية: وهي نوع المعلومات التي يستخدمها الذكاء العاطفي بالفعل، وفي الواقع، يمكن اكتساب وتدريس الذكاء العاطفي بسهولة أكبر مقارنةً بالمعرفة العاطفية.

لقد ذكر "سالوفي" و"ماير" في تلك الوثيقة الرئيسة التي قدَّماها عام 1990، أنَّ العمليات العقلية المتعلِّقة بالذكاء العاطفي هي "تقييم العواطف الذاتية وعواطف الآخرين والتعبير عنها وتنظيمها واستخدامها بطرائق تكيُّفية".

يمس الذكاء العاطفي كل جانب من جوانب حياتنا ويؤثر فيه، ومن ثم تشمل أبعاده سلوكات القيادة والتأثير في اتِّخاذ القرار، كما تشمل الأبعاد الأخرى للمفهوم حل النزاعات، والتأثير في شعورنا تجاه أنفسنا وكيفية تواصلنا مع الآخرين.

بالإضافة إلى ذلك، يؤثر الذكاء العاطفي في كيفية إدارتنا للضغوط التي تواجهنا في الحياة اليومية، وكذلك كيفية أدائنا في مكان العمل وإدارة الفِرَق وقيادتها؛ ممَّا يجعل الذكاء العاطفي مؤثراً في جميع مجالات التطوُّر الشخصي والمهني، ويساعدنا على التقدم والتطوُّر وتحقيق أهدافنا.

الموضوعات الرئيسة في أبحاث الذكاء العاطفي:

ماذا عن مستقبل الذكاء العاطفي؟ يتمثَّل أحد مجالات البحث المستقبلي في الذكاء العاطفي في توضيح العلاقة (إن وجدت) بين الذكاء العاطفي وسمات الشخصية؛ لذا سنتحدَّث بعد قليل عن بعض الأبحاث المتعلِّقة بعلم الأعصاب؛ إذ يُعدُّ مجالاً آخر لأبحاث الذكاء العاطفي التي ستستمر في التطوُّر.

كما قدَّم الباحثون "سالوفي" و"ماير" و"كاروسو" اقتراحين آخرين في بحثهم عن الذكاء العاطفي: يتعلَّق الاقتراح الأول بما يسمى مقاييس القدرة للذكاء العاطفي، ولا يزال يتعيَّن توضيح تركيبة هذا العامل.

ويشير الاقتراح الثاني إلى أنَّه إذا كان الذكاء العاطفي في الواقع ذكاءً منفصلاً، فستكون هناك حاجة إلى قدرة تفكير منفصلة لفهم العواطف، وثمَّة بعض الأدلة على هذا حتى الآن؛ إذ أظهر العلماء أنَّ مناطق الدماغ التي تعمل على إدراك السمات العاطفية مثل السعادة، يمكن تمييزها عن مناطق الدماغ المسؤولة عن إدراك سمات الشخصية مثل الخجل.

شاهد بالفيديو: 6 قواعد أساسية لتعزيز الذكاء العاطفي

هل هناك اختلافات بين الجنسين في الذكاء العاطفي؟

ثمَّة العديد من الأبحاث المثيرة حول ما إذا كان نوع الجنس مرتبطاً بالذكاء العاطفي، وتستند المناقشة التالية إلى ورقة بحثية شاملة نشرتها الباحثتان "مريم مشكات" (Maryam Meshkat) و"ريزا نيجاتي" (Reza Nejati) في عام 2017، وعلى الرغم من اختلاف النتائج؛ يبدو أنَّ هناك اختلافات بين الجنسين في الذكاء العاطفي، والتي قد تُعزى إلى كلٍّ من العوامل الاجتماعية والبيولوجية.

لقد وُصِفَ نوع الجنس بأنَّه عملية اجتماعية بطبيعتها، وأنَّ بعض السمات يُنظر إليها على أنَّها مرغوبة لجنس واحد دون الآخر، على سبيل المثال: يُعدُّ الحزم سمة ذكورية نموذجية، بينما يُنظر إلى التعاطف على أنَّه سمة أنثوية مرغوبة.

ينشأ الذكور والإناث وفقاً لهذه الورقة البحثية نشأتَين اجتماعيتَين مختلفتَين؛ إذ تُشجَّع الإناث على التعبير والتعاون والتناغم مع عالمهنَّ الشخصي، بينما يُشجَّع الذكور على التنافس والاستقلال والفاعلية.

من الناحية البيولوجية، تتكيَّف الإناث كيميائياً على التركيز على العواطف الذاتية وغيرها من العواطف الضرورية لتعزيز البقاء على قيد الحياة، أمَّا من الناحية العلمية العصبية، فتكون مناطق الدماغ الضرورية للمعالجة العاطفية أكبر عند الإناث منها عند الذكور، كما تبيَّن أنَّ المعالجة الدماغية للعواطف تختلف بين الذكور والإناث.

في الواقع، لقد كانت نتائج الأبحاث من جميع أنحاء العالم حول الفروق بين الجنسين في الذكاء العاطفي غير متسقة، وفي الدراسة التي أجرتاها "مريم" و"ريزا" على 455 طالباً جامعياً، أظهرت النتائج عدم وجود فرق كبير بين الذكور والإناث في مجموع درجات الذكاء العاطفي.

ومع ذلك، سجَّلت الطالبات درجات أعلى من الذكور في الوعي بالذات، والعلاقات مع الآخرين، واحترام الذات، والتعاطف، وعلى الرغم من توقُّع "مريم" و"ريزا" أن يسجِّل الذكور درجات أعلى من الإناث في تقدير الذات؛ لم تدعم نتائج هذه الدراسة في الواقع هذه الفرضية.

ماذا عن الأبحاث الأخرى؟

في دراسة أُجريت في الولايات المتحدة، سجَّلت الإناث درجات أعلى في الذكاء العاطفي من الذكور، وكُنَّ أمهر عاطفيَّاً وشخصيَّاً، بينما في الهند، وجدت دراسة أُجريَت على خريجي كلية الطب أنَّ الإناث أشد ذكاءً عاطفيَّاً.

كما وجدت دراسة لطلاب الطب الجامعيين السريلانكيين أنَّ الإناث يتمتَّعن بمستوى أعلى من الذكاء العاطفي، أمَّا بالنسبةِ إلى الطلاب الأصغر سناً، فقد تبيَّن من دراسة أُجريت في "دلهي" (Delhi) أنَّ طالبات الصف العاشر أظهرن ذكاءً عاطفياً أعلى من نظرائهن الذكور، ولكن في دراسة أجريت في إيران، كانت الطالبات البالغات من العمر 17 عاماً يتمتَّعن بذكاء عاطفي أقل.

ومن ثم قد أُشيرَ عموماً إلى أنَّ الإناث يَمِلن إلى الحصول على درجة أعلى من الذكور في الذكاء العاطفي، ولكن حتى هذه النتيجة غير متسقة؛ وذلك لأنَّه في بعض الحالات، لا تظهر اختلافات واضحة، على سبيل المثال: فشلت دراسة في المملكة المتحدة في العثور على أي علاقة بين الجنس والذكاء العاطفي على مجموعة من الموظفين، وكذلك في دراسة أُجريت في "ميانمار" (Myanmar)، لم يظهر فرقٌ في الذكاء العاطفي بين المعلِّمين والمعلِّمات.

واحتلت الإناث من ناحية عناصر الذكاء العاطفي مرتبةً أعلى من الذكور في عنصر العلاقات مع الآخرين، وكذلك في التعاطف، والمهارات العاطفية، والتصوُّرات المرتبطة بالعاطفة، مثل فهم تعبيرات الوجه.

بالإضافة إلى ذلك، ثمَّة اختلافات بين الجنسين في التعبير عن المشاعر؛ إذ تُعدُّ الإناث أفضل في التعبير عن المشاعر؛ فقد تبيَّن أنَّ الأمهات يستخدمن المزيد من الكلمات العاطفية عند سرد القصص لبناتهنَّ، وكذلك يظهرن المزيد من المشاعر عند التفاعل مع الإناث، بينما زُعِم أنَّ الذكور يخشون العواطف ويجدون صعوبة في تحديد العواطف التي يمرون بها أو يمر بها الآخرون.

لقد أظهرَت الأبحاث أنَّ الذكور أكثر عُرضة للتعبير عن العواطف الإيجابية الشديدة، مثل الإثارة؛ بينما تميل الإناث إلى التعبير عن عواطف إيجابية منخفضة أو متوسطة الشدة، مثل السعادة والحزن، كما تشير الأبحاث إلى أنَّ الإناث تهتم بالعواطف اهتماماً كبيراً، وأنَّهن أكثر عاطفة وأفضل في التعامل مع العواطف وفهمها، وعلى الجانب الآخر، تبيَّن أنَّ الذكور أكثر مهارة في تنظيم الانفعالات والتعامل مع التوتر.

تُعدُّ الإناث أكثر قدرة على توجيه عواطفهن وعواطف الآخرين وإدارتها، كما تمِلنَ إلى الاهتمام العاطفي والتعاطف أكثر من الذكور، ولكن يتفوَّق الذكور على الإناث في تنظيم العواطف.

وفي مكان العمل، وتحديداً في مجال القيادة، يميل الذكور إلى أن يكونوا أكثر حزماً، بينما تُظهِر الإناث مستويات أعلى من النزاهة من نظرائهن من القادة الذكور.

كانت إحدى النتائج المتسقة في الاختلاف بين الجنسين في الذكاء العاطفي أنَّه في جميع البلدان تقريباً، وُجِد أنَّ الذكور يبالغون في تقدير ذكائهم العاطفي، بينما تميل الإناث إلى التقليل من تقدير ذكائهن العاطفي.

كما ترى، ليس من السهل الإجابة عن سؤال ما إذا كانت هناك اختلافات بين الجنسين في الذكاء العاطفي، ولكن يبدو أنَّه يوجد ارتباط بين الجنس والذكاء العاطفي عموماً.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي بين الزوجين وخطوات الوصول إلى علاقة زوجية ذكية عاطفياً

دور الذكاء العاطفي في الوعي الذاتي:

يمكن تعريف الوعي الذاتي بأنَّه "وعي المرء بشخصيته ومشاعره"، ويُعرِّف "دانيال جولمان" (Daniel Goleman)، في كتابه "الذكاء العاطفي" (Emotional Intelligence) الذي نُشِر في عام 1995، الوعي الذاتي بأنَّه "معرفة المرء لحالاته الداخلية، وتفضيلاته، وموارده، وحدسه".

ما هو دور الذكاء العاطفي في الوعي الذاتي إذاً؟

بما أنَّ الخطوة الأولى لاكتساب الوعي هي "المعرفة"، يمكِّن الذكاء العاطفي الفرد من ملاحظة ردود أفعاله العاطفية المختلفة؛ ممَّا يمنحه المعرفة من خلال ما يجرِّبه بنفسه أو من خلال شخص آخر.

أمَّا الخطوة الثانية، فهي عنصر آخر من عناصر الذكاء العاطفي، وهو القدرة على تحديد العواطف تحديداً صحيحاً؛ وذلك لأنَّنا عندما ندرك عواطفنا ونحددها، نستطيع إدراك كيف تؤثر أفعالنا وحالاتنا المزاجية وعواطفنا في الآخرين، كما تُعدُّ مراقبة التجربة العاطفية للفرد مهارة أخرى من مهارات الذكاء العاطفي تتعلَّق بالوعي الذاتي، وثمَّة عامل آخر في الوعي الذاتي، وهو القدرة على ملاحظة العلاقة بين مشاعرنا وسلوكاتنا، بالإضافة إلى القدرة على تحديد نقاط قوَّتنا ونقاط ضعفنا.

وفقاً لجولمان، في حين يؤثر الوعي الذاتي بالضرورة في الفرد، يتضمَّن عنصر الوعي الذاتي في الذكاء العاطفي أيضاً وجود عقل منفتح عندما يتعلَّق الأمر بالتجارب غير المألوفة والأفكار الجديدة، وأيضاً أخذ العِبَر من التفاعلات اليومية مع الآخرين، وبناءً على هذا، يُعدُّ الوعي الذاتي عنصراً رئيساً من عناصر الذكاء العاطفي، ويرتبط به ارتباطاً كبيراً.

إقرأ أيضاً: إطلاق العنان لقوة الوعي الذاتي

مركز ييل (Yale) للذكاء العاطفي:

لقد أسَّس "بيتر سالوفي" (Peter Salovey) مركز "ييل" (Yale) للذكاء العاطفي، ويديره حالياً "مارك براكيت" (Marc Brackett)؛ يستعين المركز بقوة المشاعر لخلق مجتمع أكثر فاعلية وتعاطفاً، ويتمثَّل أحد الجوانب الرئيسة للمركز في تطبيق البحث العلمي لتطوير مناهج فعَّالة لتدريس الذكاء العاطفي، كما يسعى إلى توفير معلوماتٍ حول تطوير الذكاء العاطفي مدى الحياة، وفي مجموعة من المدارس، يستخدم مركز "ييل" (Yale) منهجاً مختبَراً قائماً على الأبحاث يُسمَّى "رولر" (RULER).

لقد استُلهِم منهج "رولر" (RULER) من "مارفن مارور" (Marvin Maurer)، المعلِّم الذي بدأ في أوائل السبعينيات باستخدام برامج الثقافة العاطفية، وقد ارتبط منهج "رولر" (RULER) بالتحسينات في الأداء الأكاديمي والمهارات الاجتماعية للطلاب، وقد تبيَّن أيضاً أنَّه يساعد على تطوير الفصول الدراسية الأكثر دعماً للطلاب وتركيزاً عليهم.

ويتضمَّن هذا المنهج وسائل مختلفة، منها "مقياس الحالة المزاجية"؛ وهي وسيلة تساعد الطلاب على تحديد مشاعرهم والتعبير عنها؛ حيث شهِدَت الفصول الدراسية التي تستخدم منهج "رولر" (RULER) عدوانية أقل بين الطلاب مقارنة بالفصول الدراسية التي لا تستخدمه.

تتمثَّل مهمَّة مركز "ييل" (Yale) للذكاء العاطفي في الاستفادة من البحث لتعزيز الممارسة الواقعية، وقد أدَّى نجاح منهج "رولر" (RULER) إلى دفع مركز "ييل" (Yale) لإنتاج برامج مماثلة تُقدَّم في "المجتمعات" مثل الشركات والحكومات والعائلات بهدف تسخير قوة الذكاء العاطفي لمساعدة الأفراد على تحقيق حياة أكثر سعادة وصحة وإنتاجية.

من ضمن شركاء المركز مؤسسة "بورن ذيس واي فونديشن" (Born This Way Foundation) وأكاديمية "بروستر" (Brewster) و"كيسل" (CASEL)، كما تدعم شركة "فيسبوك" (Facebook) مركز "ييل" (Yale) حالياً من أجل البحث عن طبيعة وعواقب التنمُّر عبر الإنترنت بين مستخدمي "فيسبوك" (Facebook) المراهقين.

في الواقع، يهدف المركز إلى دراسة طرائق جديدة لتعليم الذكاء العاطفي، فقد نشر الباحثون أكثر من 400 مقالة علمية، والعديد من مناهج تدريس الذكاء العاطفي والعديد من الكتب حول موضوع الذكاء العاطفي، كما يبحث المركز في كيفية تدريس مهارات الذكاء العاطفي وتقييمها لدى الأشخاص من جميع الأعمار.

علاوةً على ذلك، لقد بحث في أفضل السُّبل لتقييم الذكاء العاطفي في مجموعة متنوعة من السياقات، وتطوير مهارات الذكاء العاطفي مدى الحياة، والأدوار التي تلعبها العواطف في المواقف اليومية، بما في ذلك العمل والمدرسة، وأحد الأمثلة هو مشروع "الإبداع والعواطف والفنون"، ويبحث المركز كذلك في موضوع التنُّمر بغية تأسيس بيئات عاطفية إيجابية وآمنة لا تتعزَّز فيها سلوكات التنمُّر.

الذكاء العاطفي والدماغ، التطورات في علم الأعصاب:

لقد كانت تُفهَم العمليات المعرفية والعاطفية في الماضي على أنَّها مفاهيم مختلفة، ولكن توفِّر دراسة أجراها "آرون باربي" (Aron Barbey)، أستاذ علم الأعصاب بجامعة إلينوي" (University of Illinois)، وزملاؤه في عام 2014 معلومات نفسية عصبية تشير إلى أنَّ الذكاء العاطفي والعام تحرِّكهما الأنظمة العصبية نفسها، ومن ثم ترتبط العمليات المعرفية والاجتماعية والعاطفية، وقد أظهرت الدراسة أنَّ الذكاء العام والذكاء العاطفي يمتلكان أوجه تشابه في كل من السلوك والدماغ؛ ممَّا يجعل العديد من مناطق الدماغ هامَّة لكلا الذكاءين.

لقد بحثت دراسة "باربي" في الأساس العصبي للذكاء العاطفي على 152 فرداً يعانون من إصابات الدماغ البؤرية (focal brain injuries)، ودرس الباحثون أداء المهام في مجموعة من الاختبارات المصممة لقياس:

  • الذكاء العاطفي؛ باستخدام اختبار "سالوفي" و"ماير" و"كاروسو" للذكاء العاطفي.
  • الذكاء العام؛ باستخدام مقياس ويشلر" (Wechsler) لذكاء الكبار.
  • الشخصية؛ باستخدام مقياس "نيو بير" (NEO-PIR).

لقد درس الباحثون هذه الظواهر باستخدام التصوير المقطعي المحوسَب ووضع خريطة ثلاثية الأبعاد للقشرة الدماغية، ثم قسَّموها بعد ذلك إلى وحدات ثلاثية الأبعاد تسمى "فوكسلز" (voxels).

بعد ذلك، قارنوا القدرات المعرفية لأولئك الذين أصيبوا بأضرار في فوكسل معين أو أكثر مع أولئك الذين لم يصابوا بمثل هذه الإصابات في منطقة الدماغ، ثم بحثوا في مناطق الدماغ المستخدمَة لتطبيق قدرات معرفية محدَّدة ترتبط بالذكاء العام أو الذكاء العاطفي أو كليهما، ووجدوا أنَّ ضعف الذكاء العاطفي يتعلَّق بأضرار محددة في "الشبكة الإدراكية الاجتماعية"، والتي تتكوَّن من جسم داخل القشرة الصدغية الخلفية اليسرى يرتبط بإدراك شكل الأجسام البشرية الأخرى، والتلم الصدغي الخلفي العلوي الأيسر الذي يلعب دوراً في تفسير أهداف حركة جسم الإنسان.

تتكوَّن الشبكة الإدراكية الاجتماعية أيضاً من "التقاطع الصدغي الجداري الأيسر" الذي يدعم القدرة على التفكير حول ما يشكِّل الحالات العقلية، وقشرة فص الجبهة اليسرى التي تدعم التعاطف والعلاقات بين تفكير شخصين في أمرٍ معين، ومن ثم تدعم الاهتمام المشترك والأهداف التعاونية.

على الرغم من أنَّ الدراسة أظهرت أنَّ الشبكات العصبية للذكاء العاطفي موزَّعة؛ إلَّا أنَّ الركائز العصبية للذكاء العاطفي مركَّزة في المادة البيضاء، وقد وُجِد أنَّ هناك تأثيراً كبيراً على الذكاء العاطفي يرتبط بوجود أضرار في قطاعات المادة البيضاء مثل الحزمة الطولية أو المقوسة العلوية التي ترتبط بقشرة فص الجبهة والقشرة الجدارية، كما وُجِدت ركائز الذكاء العاطفي داخل مجموعة فرعية ضيقة من المناطق المرتبطة بمعالجة المعلومات الاجتماعية.

تقدِّم النتائج التي توصَّل إليها "باربي" وزملاؤه عموماً دليلاً على أنَّ الذكاء العاطفي مدعوم بالآليات العصبية التي تنظِّم السلوك الاجتماعي وتتحكَّم به، وأنَّ التواصل بين مناطق الدماغ هذه هام للغاية.

تُعدُّ قشرة فص الجبهة المدارية جزءاً أساسياً من الشبكة العصبية لتنظيم السلوك الاجتماعي والسيطرة عليه، وقد أُشيرَ إلى أنَّ قشرة فص الجبهة المدارية تلعب دوراً هامَّاً في المعالجة العاطفية والاجتماعية، كما دعمت الدراسات دور القشرة الجبهية المدارية الوسطى في الذكاء العاطفي، ويشترك النظام العصبي للذكاء العاطفي أيضاً في ركائز تشريحية ذات جوانب محددة من الذكاء العام.

يقول "باربي": "يعتمد الذكاء على القدرات المعرفية الأساسية إلى حدٍّ كبير، مثل الانتباه والإدراك والذاكرة واللغة؛ لكنَّه يعتمد أيضاً على التفاعل مع الآخرين؛ فنحن كائنات اجتماعية في الأساس، ويشمل فقط القدرات المعرفية الأساسية وأيضاً تطبيق هذه القدرات في المواقف الاجتماعية كي نتمكَّن من التفاعل في العالم الاجتماعي وفهم الآخرين".

تقدِّم دراسة علم الأعصاب هذه رؤيةً هامَّةً حول الترابط بين الذكاء العام والذكاء العاطفي.

في الختام:

نأمل أن تكون أدركت الدور الهام الذي يلعبه الذكاء العاطفي في حياتنا من خلال قراءة هذه المقالة، وعرفت أنَّه يضفي حيوية على حياتنا ويمكِّننا من فهم مشاعرنا ومشاعر الآخرين؛ ممَّا يدفعنا إلى التفكير واتخِّاذ القرارات والاستمتاع بإنسانيتنا وتجاربنا الفريدة.

المصدر




مقالات مرتبطة