ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة كارول ويلسون (Carol Wilson) والذي تُحدِّثنا فيه عن الفرق بين الكوتشينغ والمنتورينغ.
تعريف الكوتشينغ:
يُحسِّن الكوتشز أداء وسلامة الفرد أو المجموعة من خلال تحديد الأهداف واستكشاف القيم والمعتقدات وإعداد خطط عمل، ولكن لا يتحقق ذلك عن طريق النصح أو إصدار الأوامر، وإنَّما يتحقق إلى حدٍّ بعيد عن طريق طرح الأسئلة لتسهيل التوعية والتعلُّم الموجَّه ذاتياً، ولا يتطلب الكوتش أي معرفة أو مهارات أو خبرة في مجال عمل الأشخاص الذين يخضعون إلى الكوتشينغ؛ في الواقع، قد يكون الجهل هنا ميزة تُشجِّع الكوتش على طرح أسئلة حيادية وغير توجيهية.
تعريف المنتورينغ:
يُنظر إلى المنتورز على أنَّهم أشخاص ينقلون خبراتهم وعلمهم ونصائحهم إلى أولئك الذين لديهم خبرة أقل في مجال معين، في بيئة الأعمال الحديثة، وتزداد ممارسة تقديم المنتورينغ بأسلوب الكوتشينغ.
يعود سبب نشوء هذا المصطلح في اليونان القديمة إلى قصيدة هوميروس الكلاسيكية "الأوديسة"؛ حيث يُعيِّن أوديسيوس وصياً يسمى منتور لرعاية ابنه في غيابه، كمعلِّم ومرشد وصديق.
شاهد بالفيديو: أهداف التدريب
استمرارية الكوتشينغ والمنتورينغ والإدارة:
أصبح تعلُّم مهارات الكوتشينغ ووجود كوتش جزءاً لا يتجزأ من الحياة العملية للقائد اليوم، وأحد التحديات الحالية التي نسمعها من الكوتشز والقادة على حد سواء هو متى يجب تقديم الكوتشينغ، والنصح، والتوجيه، سواء في العمل أم في علاقة كوتشينغ؛ حيث يجب أن يكون المدير المؤثر اليوم قادراً على التحرك بسلاسة بين الكوتشينغ والمنتورينغ والإدارة التوجيهية.
تاريخ الكوتشينغ:
تعود جذور الكوتشينغ في الأساس إلى علم النفس والكوتشينغ والرياضة، ومع ذلك، كان علم النفس في البداية - حتى وقت فرويد (Freud) ويونغ (Jung) وفي أثنائه - علاجياً إلى حد كبير وظل كذلك حتى عندما تطوَّر لاحقاً من خلال العلاجات السلوكية والمعرفية؛ حيث كان العلاج يتعلق بتحديد الخطأ في الموضوع ومحاولة إصلاحه.
في الستينيات، تطوَّر علم النفس الإنساني، وكان من الشخصيات الرئيسة أبراهام ماسلو (Abraham Maslow) المعروف "بهرم ماسلو للاحتياجات الشخصية"، وفريتز بيرلز (Fritz Perls) مؤسس العلاج الغِشتالتي (Gestalt therapy)؛ يتمثل الإنجاز الذي حققه هذان العالمان في النظر إلى الأمور التي تسير على ما يرام بدلاً من الأخطاء والمشكلات التي يواجهها الناس، وذلك بالتركيز على أفضل إمكاناتهم بدلاً من مشكلاتهم؛ حيث يضع تسلسل "ماسلو" الهرمي للاحتياجات "تحقيق الذات" في مقدمة رحلة التطور البشري.
هرم ماسلو للاحتياجات الشخصية:
ركَّز "ماسلو" على قمة الهرم؛ حيث اعتقد أنَّ الوصول إلى قمة الإنجاز والرضا يبدأ من أعلى الهرم، وهذا يؤدي إلى حل المشكلات في أدناه خلال عملية الكوتشينغ.
مؤسسو الكوتشينغ:
حتى السبعينيات، لم يُطبَّق مبدأ الكوتشينغ إلى أن طبَّقه كوتش التنس تيم غالوي؛ تخرَّج غالوي في جامعة هارفارد (Harvard) في السبعينيات، وفي أثناء إجازته، أصبح قائد فريق التنس في الجامعة، لاحظ غالوي أنَّه عندما غادر أرض الملعب، تحسَّن أداء طلابه تحسُّناً أسرع مما كان عليه في أثناء إشرافه عليهم.
وبصفته من مُحبي الروحانيات وعلم النفس، استكشف هذه المفارقة وطوَّر سلسلة من التقنيات لكسب المنافع؛ فكانت إحدى اكتشافاته الرئيسة التي توصَّل إليها هي تطبيق "الاتجاهية" التي تعني تحديد الهدف قبل البدء، وكتب غالوي سلسلة من الكتب بعنوان "اللعبة الداخلية" (The Inner Game)؛ حيث طبَّق هذه النظريات ونظرياته الأخرى على الأداء في الحياة والعمل وكذلك الرياضة.
في الثمانينيات، تبنَّى البارون الإنجليزي الراحل السير "جون ويتمور" (Sir John Whitmore) أعمال غالوي؛ حيث نقل التقنيات إلى أوروبا وأسس مدارس للتزلج والتنس لتطويرها.
في مرحلة ما، طُلب من فريق "ويتمور" تقديم كوتشينغ على التنس "موجَّه ذاتياً" من قِبل مؤسسة كبيرة أرادت من مديريها دمج نهج اللعبة الداخلية (Inner Game) في أساليب قيادتهم، وأطلق "ويتمور" على هذا "كوتشينغ الأداء" لتمييزه عن الكوتشينغ التقليدي الذي يُمارَس في الرياضة، وكتب كتاباً عنه بعنوان "كوتشينغ الأداء" (Coaching for Performance)، والذي تُرجِم منذ ذلك الحين إلى 19 لغة.
في هذه المرحلة، على ما يبدو، نشأ مصطلح "الكوتشينغ" الذي ساهمت فيه مجالات علم النفس، والأعمال التجارية، وتطوير الذات كثيراً، وتستند جميع أنواع الكوتشينغ التنفيذي، والتجاري، والمهني، والشخصي وغيرها من أنواع الكوتشينغ إلى المبادئ الموضحة أعلاه، فالكوتشينغ عملية مثل المحاسبة، وتبقى العملية كما هي بغض النظر عن نوع الكوتشينغ المُقدَّم.
هناك العديد من فئات الكوتشينغ، مثل الكوتشينغ الذي يتعلق بالحياة العامة، والتنفيذي، والجماعي، والمهني، بالإضافة إلى كوتشينغ الفريق، لكنَّ العملية هي نفسها إلى حد كبير، وكلما كان الرياضي أكثر نجاحاً، ازداد احتمال عمله مع كوتش رياضي؛ فكوتشينغ الأداء لا يتعلق بالضرورة بإصلاح المشكلات؛ بل بمساعدة الأفراد والفرق الناجحة على تحقيق المزيد من النجاحات.
تخضع المهنة حالياً للتنظيم الذاتي، لكنَّ معظم الكوتشز خضعوا لشكل من أشكال التدريب والتفويض، فقد أسس كوتشز من جميع أنحاء العالم العديد من هيئات الكوتشينغ مثل: رابطة الكوتشينغ (The Association for Coaching)، والاتحاد الدولي للكوتشينغ (ICF)، والمجلس الأوروبي للمنتورينغ والكوتشينغ (EMCC)، بالإضافة إلى ذلك، توفر بعض هيئات الاعتماد مثل معهد القيادة والإدارة (ILM) مؤهلات الكوتشينغ.
مبادئ الكوتشينغ:
الكوتشينغ أمر إيجابي، ولا يعتمد على إصدار الأحكام، ويُركِّز على الحل، ويُمثِّل تحدياً.
على الرغم من أنَّ مسؤولية التحكم في العملية تقع على عاتق الكوتش، إلا أنَّ مسؤولية تحديد المحتوى تقع دائماً على عاتق العميل، مما يجعل تجربة الكوتشينغ تجربة تمكينية ومثمرة وممتعة، وتُمثِّل منطقة التقاطع في وسط الرسم البياني أعلاه الأوقات التي يقدم فيها الكوتشز اقتراحات أو يشاركون أفكارهم الخاصة بعد طلب الإذن، ولكن مع وضع حد واضح بين أجندة العميل وأجندتهم.
يمكن ممارسة الكوتشينغ فردياً أو جماعياً ضمن مجموعات تضم عدداً مختلفاً من المتدربين، وكذلك مع الفرق لتحقيق قوة موحدة وداعمة؛ حيث إنَّ جذور التواصل في أسلوب الكوتشينغ قديمة ومتأصلة في جميع الأشخاص: فبعضهم كوتشز بالفطرة كونهم نشأوا في جو كوتشينغ؛ أما الآخرين، فيمكنهم تعلُّم المهارات وتغيير أسلوبهم في التواصل؛ لذلك ازدادت شعبية الكوتشينغ في الشركات والمؤسسات العامة؛ إذ ترتبط القيادة الجيدة ارتباطاً وثيقاً بالكوتشينغ الجيد.
قد تظهر بين الفينة والأخرى المشكلات العاطفية في أثناء الكوتشينغ وقد يُحيل الكوتش المتدرب إلى مستشار أو معالج، ومع ذلك، في بعض الأحيان، تستطيع عملية الكوتشينغ حل المشكلات والصدمات المتجذرة التي تعيق المتدرب، ببساطة من خلال نهج التركيز على الحل، دون الحاجة إلى استكشاف أعمق.
إضافةً إلى ذلك أثَّر الكوتشينغ أيضاً إيجابياً في الشفاء الجسدي من خلال دمجه أحياناً مع المجالات ذات الصلة مثل تقنية "اللغة النظيفة" التي كان ديفيد جروف (David Grove) أول من استخدمها، أو التحليل التفاعلي، أو المبادئ الأخرى.
هل هناك فرق بين الكوتشينغ والمنتورينغ؟
تتلاشى الآن الحدود بين الكوتشينغ والمنتورينغ بعد أن اكتشف المنتورز أنَّ المنتورينغ بأسلوب الكوتشينغ أكثر فاعلية من مجرد تقديم النصح، فقد أصبح من المقبول قبولاً متزايداً للكوتشز تقديم النصح ومشاركة خبراتهم، وإن كان ذلك من خلال مراعاة إرشادات معينة تحافظ على مبادئ الكوتشينغ.
المنتورينغ العكسي:
يحدث المنتورينغ العكسي عندما يعمل الموظفون الأقل خبرة كمنتورز لمن هم أعلى رتبة أو لديهم خبرة أكبر، ففي التسلسل الخطي اليوم، قد يُقدِّم جيل الشباب الذين يمتلكون المعرفة ويُجيدون التعامل مع التكنولوجيا قيمة كبيرة لكبار السن؛ لذا بدأت ممارسة المنتورينغ العكسي تكتسب شعبية أكبر.
الممارسات التي تتداخل مع الكوتشينغ والمنتورينغ:
1. الطب النفسي وعلم النفس والعلاج النفسي:
الطبيب النفسي طبيب مؤهل مع مزيد من التدريب في الطب النفسي ولكن ليس بالضرورة في علم النفس، وهو الممارِس الوحيد الذي يتناوله هذا المقال وهو الذي يمكنه وصف الأدوية لعلاج الأمراض العقلية.
يحصل عالم النفس على تدريب عام، وعادةً ما يكون درجة علمية في علم النفس، بالإضافة إلى مزيد من التدريب في مجال تخصصي.
أما المعالِج النفسي، يتعامل مع صعوبات عاطفية عميقة الجذور ويتلقى تدريباً صارماً وإشرافاً مستمراً.
عادةً ما تتضمن جميع الفئات الثلاث المذكورة أعلاه شكلاً من أشكال الحكم أو التشخيص أو تقديم الوصفات الطبية أو المشورة من جانب الممارِس، ورغم أنَّ هذه المفاهيم ليست جزءاً من فلسفة الكوتشينغ؛ قد تُقدَّم بعض الاقتراحات في بعض الأحيان.
في الآونة الأخيرة، أصبحت مهارات الكوتشينغ الأساسية جزءاً من أي نوع من أنواع التدريب العلاجي.
2. تقديم المشورة:
غالباً ما يُقدِّم المستشارون خدمة بسيطة تتمثل في "شخص ما للتحدث معه" لا سيَّما في حالات الحزن أو الصدمة أو القلق، وهناك مستويات مختلفة من التدريب، تبدأ بدورة قصيرة تؤدي إلى الحصول على شهادة، وقد تكون الجلسات لمرة واحدة، أو تمتد على مدار شهور أو سنوات.
هناك أوقات يحتاج فيها الناس إلى التصالح مع المصائب، على سبيل المثال، موت أحد الأقارب أو تجربة صادمة، وذلك من خلال التحدث عنها، هذه هي الحالات التي تكون فيها الاستشارة أكثر ملاءمة من أي تدخُّل آخر، ولكن تُستخدم أحياناً الأساليب التي تركز على الحل في تقديم المشورة مع أنَّ وظيفتها ليست بالضرورة دفع العميل نحو الجناح.
3. الاستشارات:
إنَّ مصطلح "مستشار" مصطلح واسع يُستخدم عادةً لوصف أي شخص يعمل في مؤسسة على المستوى التنفيذي من وقت لآخر، ولكنَّه ليس موظفاً فيها؛ لذلك يمكن أن تشمل هذه الفئة كوتشز خارجيين كون المستشار هو الشخص الذي يجلب الخبرة الخارجية إلى المنظمة في أي مجال، سواء كان ذلك في إعداد أنظمة الحاسب، أم تقديم الدعم النفسي للمديرين التنفيذيين، أم مساعدتهم على تحسين أدائهم.
في الختام:
إنَّ أبسط طريقة للتعبير عن الاختلاف بين الكوتشينغ والمنتورينغ: "لدى الكوتش بعض الأسئلة الرائعة لإجاباتك، ولدى المنتور بعض الإجابات الرائعة عن أسئلتك".
سوف تساعدك المقارنة مع قيادة السيارة على تحديد الاختلافات بين جميع المجالات المذكورة آنفاً:
- يستكشف المعالج ما الذي يمنعك من قيادة سيارتك.
- يستمع الناصح لمخاوفك بشأن السيارة.
- ينصحك المنتور من خلال خبرته في قيادة السيارات.
- ينصحك المستشار بشأن كيفية قيادة السيارة.
- يُشجِّعك الكوتش ويدعمك في قيادة السيارة.
تاريخ حالة:
بالإضافة إلى تقديم دورات الكوتشينغ، يُطلب مني أحياناً تقديم تدريب في مهارات المنتورينغ أيضاً، وقدَّمت مؤخراً برامج للمنتورز في روسيا؛ لقد وجدت أنَّ ثقافة مكان العمل هناك وفي أوروبا الشرقية توجيهية إلى حد ما، لكنَّ الناس يميلون إلى التوجُّه نحو أسلوب إدارة الكوتشينغ القائم على مجموعات زوجية.
كان هناك برنامج منتورينغ متطوِّر للغاية في المنظمة الروسية، لكن كان من يُقدِّم لهم المنتورينغ يتخلفون عن البرنامج ومن الواضح أنَّهم لم يجدوا العملية مفيدة كما كانوا يتمنون؛ لقد كان تخميني أنَّ المنتورز قدَّموا الكثير من المعلومات والنصائح، بدلاً من استخلاص المعرفة الداخلية لمن يتلقون المنتورينغ.
إنَّه لأمر ممتع أن يكون لدى المرء رؤى خاصة به بدلاً من محاكاة رؤى شخص آخر، فقد شعرت أنَّ المديرين الروس بحاجة إلى تعلُّم كيفية إثارة التفكير الإبداعي فيمن يُقدِّمون لهم المنتورينغ.
ركَّز التدريب الذي صممته على مهارات الكوتشينغ وعلى كيفية الحصول على أفكار مُتلقي المنتورينغ أكثر من تقديم أفكار المنتور؛ لذلك بدأنا بتمرينات مهارات الكوتشينغ الأساسية المعتادة حول الاستماع وطرح الأسئلة، واستخدمت عنصراً أساسياً آخر في التدريب، وهو بروتوكول طلب الإذن.
خلال جميع جلسات التدريب، طُلب من المشاركين تقديم المنتورينغ لبعضهم بعضاً حول مواقف حقيقية، ثم ذهبوا إلى العمل في مجموعات زوجية لمدة ستة أسابيع، وهو تنسيق منتظم لأسلوب تدريبنا؛ خلال التمرينات في الفصل، فهِموا فوائد أسلوب الكوتشينغ الذي يعتمد على "طرح الأسئلة" بدلاً من "إصدار التعليمات"، وخلال فترة تدربهم لستة أسابيع، علَّموا أنفسهم كيفية القيام بذلك بأفضل طريقة تناسبهم من حيث ظروفهم وشخصياتهم وأساليب إدارتهم.
قدَّم زميلي التدريب، وعندما التقت المجموعة به مرة أخرى بعد ستة أسابيع، شعرنا بالسعادة لسماع أنَّ الجلسات التي يقدِّمها المنتورز لم تصبح أكثر فاعلية وذات مغزى فحسب؛ بل أصبحت أكثر إمتاعاً لكلا الطرفين، المنتورز ومن يُقدَّم لهم المنتورينغ.
أضف تعليقاً