سوء الظن: أسبابه وعلاجه

تمثِّل الأخلاق ركناً أساسياً من أركان قيام المجتمع؛ إذ تُعَدُّ النسيج الحيوي لوجود الإنسان وكذلك المجتمع، وانطلاقاً من ذلك فإنَّ غياب الأخلاق أو تدهورها يؤدي إلى تصدُّع العلاقات داخل المجتمع وانهياره في وقت لاحق، ومن بين الصفات التي تدمِّر الأخلاق في المجتمع "سوء الظن"، فما هو سوء الظن؟



ما هو سوء الظن؟

يقول "ابن كثير" عن سوء الظن: إنَّه "التهمة والتخوُّن للأهل والأقارب والناس في غير محله"، كما يقول "ابن القيِّم": إنَّه "الاعتقاد بوجود الشر لدى الآخرين وتغليبه على وجود الآخرين بمعنى تغليب صفة الشر لدى الناس".

فسوء الظن هو امتلاء قلب الفرد بالاعتقادات السيِّئة تجاه الأفراد الآخرين وتفسير أفعالهم بغايات مخفيَّة ولأغراض شريرة، حتى الوصول إلى درجة الشعور بالبغض والكره والاحتقار تجاه الآخرين.

وفي علم النفس يُعَدُّ سوء الظن حالة مرضيَّة تتطلب العلاج، وفي الدين الإسلامي حذَّر الله عز وجل من سوء الظن؛ إذ يقول في القرآن الكريم في سورة الحجرات الآية رقم 12:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ).

ما هي أسباب سوء الظن؟

  1. الجهل بالحقائق وعدم فهم المقصد والمرمى من كلام الآخرين؛ الأمر الذي يدفع الفرد إلى البدء بقذف الاتهامات والانتقاص من قدر الآخرين.
  2. شعور الفرد بالغيرة والحسد من الشخص الآخر، فيبدأ بالبحث عن الأخطاء لدى ذلك الشخص ويتصيَّدها ويكبرها ويفخمها لجعل ذلك الشخص يبدو سيئاً في نظر الآخرين قدر ما يستطيع، ولقد نهى الله عز وجل في كتابه الكريم عن الحسد؛ إذ قال: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ  مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ  وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ  وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ  وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ). كما قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً). النساء الآية رقم 54.
  3. الاختلاطات الاجتماعية ومرافقة رفاق السوء الذين يدفعون الفرد إلى مزيد من سوء الظن والشك والعدوانية تجاه الآخرين، قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: "إنَّما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير".
  4. تسبُّب الشخص لنفسه بسوء الظن من خلاله وقوعه في موقع الاتِّهام: قال الإمام علي كرم الله وجهه: (من وقف نفسه موضع التهمة فلا يلومنَّ من أساء به الظن).

شاهد بالفديو: كيف تحافظ على علاقات شخصية قوية؟

صفات الإنسان سيِّئ الظن:

  1. تسمى الشخصية سيئة الظن بالشخصية المُرتابة أو الشكاكة.
  2. الحكم على الأفراد الآخرين بالسوء.
  3. اتِّهام الأفراد الآخرين بوجود الشر لديهم، وبأنَّهم يتمنون الضرر له ويفرحون به.
  4. غلبة الشر على الخير.
  5. الرغبة الجامحة في فرض سيطرة الشخص وسلطته على الآخرين.
  6. عدم الثقة بالشخص الذي يستحق أن نثق به.
  7. يتَّصف الإنسان سيِّئ الظن بالعدوانية التي تتولَّد لديه نتيجة إحساسه بالخيانة والاضطهاد من قِبَل جميع الأشخاص الذين يقابلهم.
  8. الثقة المفرطة بنفسه وبأنَّه شخص ذو أفكار نيِّرة وصحيحة لا تخطئ.
  9. التمسك برأيه في أثناء النقاش مع الآخرين ولا يغيره في معظم الأوقات.
  10. الحساسية الشديدة تجاه الأمور التي ترتبط به مهما كانت كبيرة أو صغيرة، فعندما يشعر بالإهانة من قِبَل شخص ما مثلاً، فإنَّه يتحول إلى شخص عدواني، وقد يصل به الأمر إلى حدوث المشكلات.
  11. يشك في كل قصة أو حدث أو أمر يسمع به ويبدأ بتحوير وتأليف الأحداث بما ينسجم مع طباعهِ الشكاكة.
  12. الأنانية الواضحة وتفضيل نفسه على الآخرين.
  13. يحاول إسقاط الأخطاء التي يرتكبها على غيره.
  14. البحث عن أخطاء الآخرين؛ إذ يُعَدُّ ذلك الخطأ فرصة له وعليه استغلالها بأفضل ما يستطيع.
  15. الانفعال السريع ولا سيما عند الغضب حتى عند أتفه الأمور ومحاولة الدفاع عن النفس بشكل مستميت.
  16. الغيرة المرضيَّة حول كل ما يحبه وعدُّ ذلك الشيء - سواء كان شيئاً مادياً أم إنساناً - خاصاً به ولا يجب لأحد الاقتراب منه.
إقرأ أيضاً: تعرّف على صفات الشخصية السيئة وطرق التعامل معها بسلام

ما هي آثار سوء الظن؟

  1. العزلة الاجتماعية: شك الفرد الدائم بمن حوله من الناس وخوفه الدائم منهم ومن فكرة نيتهم النيل منه وإلحاق الأذى به وابتعاده عنهم؛ إذ يفضِّل البقاء وحيداً وفي المقابل معرفة الآخرين عن ظنه وشكِّه بهم يبعدهم عنه أيضاً؛ الأمر الذي سيؤثِّر في نهاية المطاف في علاقاته الاجتماعية والبقاء وحيداً في مجتمعه.
  2. ضلال الفرد والوقوع في الذنوب والمعاصي: مثل الحسد والنميمة وغيرها، لقد نهى الله عزَّ وجل ورسوله الإنسانَ عن سوء الظن وضرورة اجتنابه؛ لكي لا يقع الفرد في المعاصي والكفر، وقال تعالى: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِين).
  3. فساد المجتمع: فسوء الظن يؤدي إلى نشر الحقد والكراهية والغيرة المرضية والحسد وانتفاء عنصر الثقة بين الناس، وكلها من آفات النفس التي تدمِّر المجتمع وتجعل أفراده بعيدين عن بعضهم وتقطع أواصر المودة والرحمة بينهم.
  4. الوقوع في المشكلات مع العائلة والمقربين؛ فسوء الظن يؤدي إلى تقطيع أواصر القربى أيضاً.
  5. افتقار الفرد كثير الظن إلى الصبر وشعوره بالغضب والسخط من كل ما يقف عائقاً أمام تحقيق رغباته ومطالبه؛ الأمر الذي يدفعه إلى أن يصبح شخصاً عدوانياً ويؤثر في شعبيته داخل عائلته ومجتمعه، وقد يصل إلى أن يصبح شخصاً منبوذاً من قِبل الآخرين.
  6. يؤثر سوء الظن في إنجاز الفرد وعمله ودوافعه للتقدُّم والتطور؛ إذ يهدر طاقاته في ظنونه بالآخرين والبحث عن أخطائهم وتصيدها للإيقاع بهم، ويظن أنَّ ما يفعله هو الصواب، ولا يدرك أنَّ كل ذلك الجهد الذي يخسره في القيام بتلك الأشياء لو سخرها لنفسه لأصبح شخصاً أفضل، وربما أفضل بكثير من ذلك الشخص الذي يظن السوء به ويريد إفساد حياته.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة تفيدك في حياتك الاجتماعية والمهنية

علاج سوء الظن:

توجد حلول لكل آفة من آفات النفس الخطيرة التي تؤثر في سعادة الإنسان وطمأنينته، ويمكن علاج سوء الظن من خلال ما يلي:

  1. الإيمان بالله والتوكُّل عليه في كل فعل يقوم به الإنسان.
  2. التحلي بالصبر والضبط الانفعالي تجاه كافة الأمور التي قد تحدث أمامه، وإذا بدأت الظنون السيئة بالظهور، عليه إشغال نفسه عنها.
  3. انتقاء الصحبة الصالحة والابتعاد عن رفاق السوء هو خير ما يمكن فعله لتجنُّب سوء الظن بالآخرين؛ إذ إنَّ الصديق الجيد سوف ينهى صديقه عن سوء الظن ويساعده على ضبط انفعالاته خلال المواقف المختلفة.
  4. كما يجب على الإنسان إبعاد نفسه عن كل ما قد يضعه في موقف مريب ويجعله عرضة للظنون والاتهامات من قِبَل الآخرين .
  5. يجب على الإنسان أن يُلزِم نفسه باتِّباع نهج الصدق والأمانة ليصفِّي نفسه من شرور الظن ويستعيد ثقة الناس به ويعود إلى الاندماج في المجتمع بشكل سليم.
  6. التوقُّف عن انتقاد الآخرين في أفعالهم ولا سيما إن كانت تلك الأفعال لا تعنيهم ولا تمسهم بشكل شخصي، كما يجب أن يتخلَّى الفرد على طريقة الدفاع عن نفسه بشكل مُستميت في كل مناسبة، فاتِّخاذ مثل هذه المواقف يضعف لغة الحوار بين الأفراد.
  7. التعمُّق في الأحداث والنظر إلى الأمور من كل جوانبها ومحاولة إحسان الظن في كل شيء.
  8. التواصل الفعال مع الآخرين في المجتمع: الأفضل دائماً سواء للشخص الذي يكثر من سوء ظنونه أم للأفراد الآخرين في المجتمع هو فتح باب الحوار والنقاشات والتعبير بحرية عن الرغبات والأماني الشخصية وكذلك ما يرغب فيه الفرد تجاه الآخرين.
  9. تشجيع الفرد على إظهار الثقة عند التعامل مع الأفراد الآخرين.
  10. في حالات وجود سوء الظن المرضي قد لا تثمر الخطوات السابقة عن أيَّة فائدة، فقد يكون سوء الظن ناتجاً عن مرض نفسي أو ما يُعرف باضطرابات الشخصية البارانوية، وهنا وللأسف سيحتاج الفرد إلى مراجعة الطبيب النفسي لتلقِّي العلاجات المناسبة.

أقوال في سوء الظن:

قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:

"إيَّاكم والظن، فإنَّ الظن أكذب الكذب".

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

"إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله، ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية، فقد ظلم"، كما قال: "ظن الإنسان ميزان عقله، وفعله أصدق شاهد على أصله" وقال أيضاً: "ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنَّن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً".

الإمام الغزالي:

"سوء الظن غيبة بالقلب"، وقال أيضاً: "لا إيمان مع سوء الظن" كما قال: "مهما رأيت إنساناً يُسيء الظنَّ بالناس طالباً للعيوب، فاعلم أنَّه خبيث الباطن وأنَّ ذلك خبثه يترشح منه، وإنَّما رأى غيره من حيث هو، فإنَّ المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العيوب، والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق".

قال ابن عباس:

 "إنَّ الله قد حرَّم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن يظنَّ به ظنَّ السوء".

إقرأ أيضاً: 8 أنواع من الأصدقاء لا يستحقون البقاء في حياتك

الخلاصة:

سوء الظن من آفات النفس الخبيثة والتي تؤثر في الفرد وفي حياته الاجتماعية بشكل سلبي؛ لذا يجب محاربة الأسباب المؤدِّية إليه، والتخلُّص من هذه الصفة لكي ينعم الفرد ومجتمعه بالسعادة والاستقرار.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة