جلد الذات: أسبابه وأعراضه وطرق معالجته

هناك فرق كبير بين مفهوم جلد الذات ومراقبة وتأنيب الذات، فجلد الذات يعدُّ من الأمور السلبية، حيث يتم التعامل مع الذات بطريقة تُعدِم قيمتها، وينتج عن جلد الذات انعدام الثقة بالنفس، أمَّا مراقبة الذات ومحسبتها على الأخطاء فهذا أمر يُعدُّ إيجابياً، وذلك مع عدم الغُلوِّ في التأنيب، مع العلم أنَّه بين جلد وتأنيب الذات شعرة ويجب التفرقة بينهما.



سنتحدث في مقالنا هذا عن جلد الذات كتعريف وما هو المقصود بهِ، كما أنَّنا سنتحدث عن أهم الأسباب التي تؤدي إلى جلد الذات، وما هي الأعراض التي تظهر عليهم، وما هي طرائق وسُبل علاج جلد الذات، وما هو رأي الشريعة الإسلامية وموقفها من جلد الذات.

ماهو جلد الذات؟

يعدُّ جلد الذات من الأمراض النفسية التي يعاني منها بعض الأفراد، حيث يقوم الفرد بالخوض بتفاصيل أخطائه وتضخيمها ودوام الحديث عنها، هو شخص محب للمعاناة وجرح مشاعره، ومع كثرة وتكرار الأمر تصبح هذه الأمور اعتيادية بالنسبة له، يصل الشخص لمرحلة وصم نفسه بالخزي والعار وليس فقط الشعور بالذنب ممَّا يؤثر على سلوكاته ومشاعره، حيث إنَّه لا يُقدِّر قيمته ويقلل من شأنه، ويتميز أيضاً بأنَّه دائم الشعور بالسخط.

يُعرف جلد الذات أو تحقير الذات Self-abasement بأنَّه حالة يُمكن أن تُلحِق الضرر بمن يعانون منها بطريقة تكون مقصودة من قِبل الأشخاص أنفسهم، حيث يكون الفرد مستمتعاً بهذا الضرر، وقد يكون الضرر معنوياً أيضاً من خلال لوم الذات بسبب اقتناع الأشخاص بأنَّ الأخطاء التي ارتكبوها لا تُغتفر.

شاهد بالفيديو: 12 حقيقة عن حب الذات يجب على الجميع أن يتذكرها

أسباب جلد الذات:

يعدُّ جلد الذات من الأمراض النفسية المعروفة والمنتشرة بين الأشخاص، ولجلد الذات أسباب كثيرة سنذكرها في مقالنا هذا، أهمها:

1. الهروب من الفشل:

من الأمور التي تسبب جلد الذات لدى الأشخاص هو محاولة هروبهم من الفشل الذي يحيط بهم، لذلك يلجؤون إلى جلد ذاتهم ولومها بدلاً من تصحيحها ومحاولة التغلب على فشلهم.

2. الجهل:

يُعدُّ الجهل سبباً لكل ما هو غير مُفيد؛ لذلك لا يعي الأشخاص ما يحصل لهم نتيجة جهلهم وعدم معرفتهم بحيثيات الأمور والسنن التي سنَّها الله عز وجل.

3. الانطواء:

إنَّ الانطواء يعدُّ من أهم المُسببات لجلد الذات وتحقيرها، فتنتج نتيجة الانطواء مشاكل نفسية كثيرة منها وأهمها جلد الذات الدائم، وذلك على عكس العزلة التي تعدُّ شيئاً إيجابياً يُمكن للإنسان مراجعة نفسه وتصحيح ما كان خطأً في الماضي.

4. الفراغ:

إنَّ الفراغ مفسدة لكل شخص، وعندما لا يكون للمرء عمل يشغله عن ما هو غير مفيد، تبدأ الأفكار السلبية تحيط به، ومنها قد يصبح الشخص أكثر لوماً لنفسه وتحقيرها.

5. عدم الشعور بوجود الأمل:

عندما يفقد الشخص الأمل، يبدأ بجلد ذاته ولوم نفسه بطريقة تصل لحد إيذائها.

6. تكرار الأفكار السلبية:

إنَّ مرض جلد الذات يأتي من الأفكار السلبية التي تُخيِّم على أفكار الأشخاص الذين يعانون مستقبلاً من جلد الذات نتيجة تكرار التفكير بهذا الأمر.

7. الخمول وعدم ممارسة الرياضة:

يساهم غياب الرياضة في تفحل مرض جلد الذات لدى الأشخاص، وذلك لكون الرياضة تطرد الأفكار السلبية لدى الأشخاص، وتشغلهم بما هو مفيد لصحتهم النفسية والجسدية، كما أنَّها تبث الأمل في النفوس والتي بدونها قد يصبح المرء جلادً لذاته.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات بسيطة تساعدك على ممارسة الرياضة يومياً

8. عدم الثقة بالنفس والتأثر بكلام الآخرين:

إنَّ عدم ثقة الأفراد بأنفسهم وسهولة التأثير عليهم يجعلهم يميلون إلى الانطواء، وبالتالي التفكير بكلام هؤلاء الأشخاص لحدِّ الاقتناع بوجود الأخطاء لديهم، ممَّا يزيد  نسبة تعريض أنفسهم لجلد الذات.

شاهد بالفديو: 9 نصائح مؤثرة لتعزيز الثقة بالنفس

أعراض جلد الذات:

هناك علامات تظهر على الذين يعانون من مرض جلد الذات وتحقيرها، منها:

  1. الشعور الدائم بالخمول والكسل وانعدام الطاقة، فتراه لا يقوى على الحركة كثيراً.
  2. الشعور الدائم بوجود ألم في الجسد، مع غياب مرض عضوي يعاني منه، إلى أن يصل الشخص المريض لمرحلة وجود مرض فعلي نتيجة اقتناعه بوجود مرض بشكل متكرر ويومي.
  3. المزاجية والشعور السلبي الدائم، وكذلك التعامل مع الأفراد بسلبية نتيجة تقلُّب المزاج.
  4. الانطواء والشعور الدائم بالحزن والاكتئاب.
  5. عدم مواجهة المشاكل التي تحدث أمامه.
  6. العجز حِيال أغلب الأمور، ومنها التواصل مع الأشخاص وإنشاء علاقات مع الآخرين.
  7. القلق الدائم والأرق وفقدان التركيز بسبب تشتت الذهن وانشغاله بالأفكار السلبية.
  8. الشعور الدائم بالخوف حِيال أبسط الأمور.
  9. الكوابيس الدائمة.
  10. الشعور الدائم بالخجل.

طرق علاج جلد الذات:

  1. محاولة إشغال النفس بأمور مفيدة والابتعاد عن الأفكار السلبية.
  2. الاستعانة بالله في كل الأمور والتوكل على الله حق توكله.
  3. الابتعاد عن الحوارات الداخلية التي تزيد من لوم الذات والظن السيء حول الذات.
  4. الإيمان بأنَّ المرء لا بدَّ أن يخطئ وأنَّ الخطأ وارد، والمحاولة من تحسين الذات والسعي وراء هذا الأمر.
  5. لا يجب التفكير كثيراً في الماضي وأحداثهُ، ويجب النظر نحو المستقبل.
  6. عدم مقارنة الذات بالآخرين، والإيمان بأنَّ لكُل شخص مهارات وإمكانيات، والسعي وراء تنمية المهارات.
  7. التمتع بالنظرة الإيجابية من خلال المشاركة في الأفراح والشعور بالسعادة.
  8. الابتعاد عن الأشخاص السلبيين الذين لا يقدِّرون قيمة المرء.
  9. ممارسة الرياضة بشكل دوري والابتعاد عن الخمول والكسل.
  10. التحلي بالصبر والهدوء، والاهتمام بمن حولك.
  11. التعرف على نقاط الضعف لديك ومحاولة إصلاحها.
  12. الحديث مع الأشخاص المقربين الذين ترتاح لهم وللحديث معهم.
  13. التصالح مع الذات.
  14. عدم الاقتناع بأنَّ الناس تهتم وتستذكر أخطاءك.
  15. الابتعاد عن نقد الذات الذي يهدم الذات ويقلل من شأنها.
  16. التسامح مع النفس ومع الآخرين.
  17. اكتساب مهارات جديدة وتعلم كل ما هو جديد.
إقرأ أيضاً: ما هو التراحم الذاتي؟ وكيف يمكنك ممارسته بنجاح؟

جلد الذات في الشريعة الإسلامية:

لقد جاء الإسلام رحمة للعالمين، لذلك نهى الإسلام عن تعذيب النفس، وكيف لا يُحرِّم وهو الذي جعل الإنسان مكرماً وخليفةً في الأرض كي ينشر السلام والمحبة، لذلك قال تعالى في مُحكم تنزيله: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ الإسراء.

ولذلك يجب على الإنسان أن يحافظ على نفسه التي هي أمانةً لديه وعدم تعريضه للضرر والأفكار التي ترهق النفس، لذلك يعدُّ كُل ما يؤذي الإنسان مُحرماً، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ النساء.

لذلك قد حرَّم الإسلام وتوعَّد كل مَن يؤذي نفسه كالانتحار؛ لذلك قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم: (مَن تردَّى من جبلٍ، فقتَل نفسه، فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن تحسَّى سُمًّا، فقتَل نفسه، فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن قتَل نفسه بحديدة، فحديدتُه في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا).

وليس فقط الانتحار محرَّم في الشريعة الإسلامية؛ بل إيذاء البدن أيضاً والتعدي عليها كما ذكر رسول الله صلّ الله عليه وسلم في حديثه الشريف حيث قال: (فإنَّ لجسدك عليك حقًّا)، وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "نذَرَت امرأة أن تمشي إلى بيت الله، فسُئِل نبي الله عن ذلك، فقال: (إنَّ الله لَغَنِيٌّ عن مَشْيها، مُروها فلتركبْ).

وكيف لا تُحرِّم الشريعة الإسلامية إيذاء النفس وهي التي تؤجر من تعرض لإيذاء دون قصد ولو شوكة تخزه وهو يمشي، ففي الحديث الشريف عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صلّ الله عليه وسلم قَالَ: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ).

تحدثنا في مقالنا هذا عن مفهوم جلد الذات وتحقيرها وما هو تعريف جلد الذات، كما تحدثنا عن أهم الأسباب التي تؤدي بالمرء إلى الوصول لمرحلة جلد الذات، فهذا المرض يبدأ تدريجياً ويصل لمرحلة التأقلم مع الوضع الراهن، كما أنَّنا تعرفنا في مقالنا هذا على أعراض مرض جلد الذات التي تظهر على المرضى الذين يعانون منه، وما هي طرائق وسُبل العلاج، مع العلم أنَّ كثيراً من الأشخاص يعانون من هذا المرض نتيجة - كما ذكرنا - جهلهم حِيال هذا الأمر، وأخيراً بيَّنا في مقالنا هذا موقف الشريعة الإسلامية حِيال هذا المرض المتفشي في مجتمعاتنا لعدة أسباب ذكرناها سابقاً.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7




مقالات مرتبطة