تقنيات لممارسة التعاطف مع الذات

التَّعاطف مع الذَّات هو مفهوم يعكس أهمية فهم ومساعدة النفس الخاصة بنا بنفس القدر الذي نمنحه للآخرين؛ إنَّها عملية تتطلَّب التفهم والاحترام لمشاعرنا واحتياجاتنا الشخصية، وسنستكشف في هذا المقال تقنيات التَّعاطف مع الذَّات وأهميته، وكيف يؤثر بإيجابية في حياتنا وعلاقتنا بالآخرين، وسنقدم بعض الاستراتيجيات لتطوير هذه القدرة المفيدة.



تقنيات لممارسة التَّعاطف مع الذَّات:

توجد عدَّة تقنيات نتبعها لتعزيز التَّعاطف مع الذَّات، إليك بعضها فيما يأتي:

1. تطوير فهم عميق للذَّات:

لتعزيز التَّعاطف مع الذَّات، يجب أن نفحص مشاعرنا وأفكارنا بعمق، ويمكن القيام بذلك من خلال الكتابة اليومية أو الحوار الداخلي، فقد يكون لتحليل الأمور التي تزعجك ومحاولة فهم أسبابها وكيفية التعامُل معها تأثير إيجابي في تعاطفك مع نفسك.

2. الاعتناء بالصحة العقلية:

العناية بالصحة العقلية أمرٌ هامٌّ جداً، فيمكن تحسينها من خلال ممارسة التأمل والاسترخاء، وممارسة اليوغا، والبحث عن وسائل للتخفيف من التوتر مثل الرياضة أو القراءة؛ لذا يجب أيضاً البحث عن المساعدة الاحترافية إذا كنت بحاجة إلى ذلك.

3. تطوير الإيجابية الذَّاتية:

قد يؤثر التفكير السلبي في تعاطفنا مع أنفسنا؛ لذلك يجب أن نعمل على تعزيز الإيجابية الذَّاتية من خلال تغيير التفكير السلبي إلى تفكير إيجابي، ويمكن ذلك عن طريق ممارسة التحدُّث بإيجابية لنفسك وتشجيع نفسك على تحقيق الأهداف.

4. تقدير الإنجازات والتقدُّم:

يجب أن نتذكر دائماً أنَّنا نحقق إنجازات صغيرة وكبيرة على مر الزمن، وعندما نقدِّر هذه الإنجازات، سيزيد ذلك من شعورنا بالرضى عن أنفسنا ويعزز التَّعاطف مع الذَّات.

5. البقاء على اتصال بالآخرين:

تؤدي العلاقات الاجتماعية دوراً كبيراً في تعزيز التَّعاطف مع الذَّات، فيقدم التفاعل مع الأصدقاء والأحباء الدعم العاطفي الضروري ويساعد على تقدير قيمتك الشخصية.

6. الاستمتاع بالهوايات والنشاطات:

قد تساعد النشاطات والهوايات التي تستمتع بها على التخفيف من التوتر وتعزيز السعادة الشخصية، ويعزز تخصيص وقت لممارسة ما تحب من تعاطفك مع ذاتك.

الفوائد الصحية والنفسية للتعاطف مع الذَّات:

التَّعاطف مع الذَّات له فوائد صحية ونفسية كبيرة قد تؤثر إيجابياً في حياة الفرد، ومن هذه الفوائد:

أولاً: الفوائد الصحية

1. تقليل مستويات التوتر:

يقلل التَّعاطف مع الذَّات من إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول في الجسم، ويؤدي ذلك إلى تقليل بعض المشكلات الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم ومشكلات القلب.

2. تعزيز جهاز المناعة:

الشعور بالتَّعاطف مع الذَّات يقوي جهاز المناعة ويساعد الجسم على مقاومة الأمراض بشكل أفضل، ويعزز الاستقرار النفسي القدرة على محاربة العدوى والأمراض.

3. تحسين النوم:

يزيد التَّعاطف مع الذَّات من جودة النوم، فعندما نشعر بالراحة مع أنفسنا ونعمل على حل مشكلاتنا النفسية، قد يكون لهذا تأثير إيجابي في نومنا.

ثانياً: الفوائد النفسية

1. زيادة الثقة بالنفس:

يساعد التَّعاطف مع الذَّات على تعزيز الثقة بالنفس وتقدير الذَّات، فعندما نتعلم كيف نتفهم ونتقبل أنفسنا كما نحن، يصبح لدينا إيمان أكبر بقدرتنا على التغلب على التحديات.

2. تحسين العلاقات الشخصية:

يكون الشخص الذي يتعامل بتعاطف مع نفسه أفضل في التعامل مع الآخرين، فهو يميل إلى تقدير مشاعر واحتياجات الآخرين بشكل أفضل ويكون أكثر تسامحاً واحتراماً.

3. زيادة الإبداع والإنتاجية:

عندما تكون العقلية إيجابية ومشجعة، يكون لها تأثير إيجابي في الإبداع والإنتاجية، ويحرر التَّعاطف مع الذَّات الطاقة الإبداعية ويزيد من إمكانية تحقيق الأهداف.

4. تقليل الاكتئاب والقلق:

عندما نتعامل مع أنفسنا بتفهم ورعاية، سيقلل ذلك من مشاعر الاكتئاب والقلق، فيخفف التركيز على الجوانب الإيجابية للذَّات من الضغوطات النفسية.

5. تعزيز السعادة الشخصية:

يسهم التَّعاطف مع الذَّات في زيادة مستويات السعادة الشخصية، فعندما نشعر بالرضى عن أنفسنا ونكون في سلام مع أنفسنا، يزيد ذلك من جودة حياتنا.

شاهد بالفيديو: 7 حكم تساعدك على إيجاد السعادة

أضرار عدم التَّعاطف مع الذَّات وجلدها على الصحة النفسية والجسدية:

يؤثر عدم التَّعاطف مع الذَّات والتعامل معها بقسوة تأثيراً سلبياً كبيراً في الصحة الجسدية والنفسية، إليك بعض الأضرار المحتملة:

أولاً: الأضرار الصحية

1. زيادة مستويات التوتر:

قد يزيد عدم التَّعاطف مع الذَّات من مستويات التوتر والقلق، وهذا يسبب مشكلات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم ومشكلات القلب.

2. تأثير في الجهاز المناعي:

يضر التوتر المستمر وعدم التَّعاطف مع الذَّات بجهاز المناعة ويجعل الجسم أكثر عرضة للأمراض والالتهابات.

3. مشكلات النوم:

قد يؤدي الشعور بالذنب أو القلق إلى صعوبة في النوم وزيادة مشكلات الأرق.

ثانياً: الأضرار النفسية

1. زيادة مشكلات العلاقات:

قد يصبح الشخص الذي لا يتعاطف مع ذاته أقل قدرة على التعامل بفاعلية مع الآخرين، وهذا يؤدي إلى مشكلات في العلاقات الشخصية والاجتماعية.

2. الاكتئاب والقلق:

يزيد عدم التَّعاطف مع الذَّات من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق، فقد يكون الشعور بالعجز أو القلق بشأن الذَّات عوامل مساهمة رئيسة في هذه الاضطرابات النفسية.

3. انخفاض الثقة بالنفس:

قد يؤدي عدم التَّعاطف مع الذَّات إلى انخفاض مستويات الثقة بالنفس وقدرة الشخص على تحقيق الأهداف والنجاح.

4. تقليل الرضى عن الحياة:

يؤدي عدم التَّعاطف مع الذَّات إلى تقليل مستويات الرضى عن الحياة، ويقلل الشعور بالذنب والندم من السعادة والرفاهية الشخصية.

5. الاضطرابات النفسية الأخرى:

قد يزيد عدم التَّعاطف مع الذَّات من مخاطر الإصابة بالاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطرابات الهوية واضطرابات الشخصية.

إقرأ أيضاً: التعاطف مع الذات أداة أساسية لجميع أرباب العمل

الفرق بين التَّعاطف مع الذَّات والشفقة عليها:

التَّعاطف مع الذَّات والشفقة عليها هما مفهومان مختلفان تماماً يتعاملان مع الذَّات بطرائق مختلفة:

1. التَّعاطف مع الذَّات (Self-Compassion):

يشمل التَّعاطف مع الذَّات التفهم والرحمة تجاه نفسك عند مواجهة التحديات أو الأخطاء، ويعني أن تكون صديقاً لنفسك وتعامل نفسك بلطف ودعم عندما تحتاج إلى ذلك.

يشجع التَّعاطف مع الذَّات على قبول النفس كما هي، دون الانتقاد الصارم أو الانتقاد الذَّاتي السلبي؛ إنَّه يساعد على إنشاء بيئة داخلية تعزز من الثقة بالنفس والسلام الداخلي.

2. الشفقة على الذَّات (Self-Pity):

الشفقة على الذَّات تشير إلى التركيز على الآلام والمعاناة الخاصة بك دون أخذ الإجراءات الفعلية للتغلب عليها؛ إنَّها تميل إلى التركيز على الجانب السلبي من الأمور دون محاولة للتحسين أو التغيير، وتميل الشفقة على الذَّات إلى تعزيز الانعزال والسلبية، فتتسبب في الانغماس في الألم دون البحث عن حل أو تحسين الوضع.

إذاً، الفارق الأساسي بينهما يكمن في التفهم والتفضيل، ويشجع التَّعاطف مع الذَّات على الرحمة والدعم الذَّاتي، بينما تميل الشفقة على الذَّات إلى التركيز على الشكاوى والاحتجاج دون السعي إلى التحسين.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات للتعاطف مع الذات

التَّعاطف مع الذَّات وعلاقته بالسعادة الزوجية لدى الأزواج غير المنجبين:

التَّعاطف مع الذَّات لدى الأزواج غير المنجبين له دور هام في العلاقة الزوجية والسعادة، فإليك كيف يؤثر التَّعاطف مع الذَّات في العلاقة الزوجية في هذا السياق:

  1. عندما يكون الشريكان قادرَين على التَّعاطف مع أنفسهما بصورة إيجابية، فإنَّ ذلك يزيد من مستويات الثقة بالنفس لديهما، فتؤدي الثقة بالنفس دوراً هاماً في العلاقة الزوجية، فتجعل الشريكَين أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهما وتلبية احتياجاتهما بصراحة.
  2. الإجهاض المتكرر أو عدم القدرة على الإنجاب قد يكونا مصدراً للضغط النفسي والعاطفي على الأزواج، فيساعد التَّعاطف مع الذَّات كل شريك على التعامل مع هذا الضغط بشكل صحيح ويخفف من التوترات والنزاعات.
  3. عندما يتعاطف الشريكان مع أنفسهما، يمكنهما أن يكونا داعمَين لبعضهما بعضاً بشكل أفضل، ويعزز الدعم المتبادل من قوة العلاقة ويجعل الأزواج أكثر قدرة على مواجهة التحديات معاً.
  4. يساعد التَّعاطف مع الذَّات على تحسين التواصل بين الأزواج، فعندما يكون كل شريك قادراً على التعبير عن احتياجاته ومشاعره بصراحة دون مخاوف من الانتقاد الذَّاتي السلبي، يمكن تحسين الفهم المتبادل والتواصل الفعال.
  5. التَّعاطف مع الذَّات يزيد من مستويات السعادة الزوجية، فعندما يشعر الشريكان بالسعادة الشخصية والرضى عن أنفسهما، فإنَّ ذلك ينعكس إيجابياً على العلاقة الزوجية بشكل عام.

الإسلام والتَّعاطف مع الذَّات:

يعزز الإسلام التَّعاطف مع الذَّات من خلال تعليم الرحمة والعدالة والاهتمام بالنفس والآخرين، ويشجع على التواضع والتفكير في الآخرين ومساعدتهم في الحاجات الضرورية، كما يعلِّم أهمية العناية بالجانب الروحي والنفسي للإنسان من خلال الصلاة والذكر والصدقة وغيرها من الأعمال الصالحة، وهذا يساهم في تعزيز التَّعاطف والرفق مع الذَّات والآخرين في إطار قيم دينية إسلامية.

فيما يأتي بعض الأمثلة على كيفية تعزيز التَّعاطف مع الذَّات في الإسلام:

  1. الصدقة: تعزيز التَّعاطف من خلال الصدقة ومساعدة الفقراء والمحتاجين.
  2. الدعاء والتضرع: التفكير في الذَّات والآخرين في الدعاء وطلب الرحمة والبركة لهم.
  3. الصلاة والذكر: الاهتمام بالنفس الروحية من خلال أداء الصلوات والذكر والاستغفار.
  4. التواضع: عدم التفاخر والتعالي والاهتمام بالتواضع والتواصل مع الآخرين بروح الود والاحترام.
  5. الاهتمام بالصحة: العناية بجسم الإنسان والصحة النفسية من خلال الأكل الصحي وممارسة الرياضة.
  6. الاهتمام بالأخلاق: التَّركيز على تطوير الأخلاق الحسنة مثل الصدق والعفو والصبر والتسامح.
  7. مساعدة الآخرين: تعزيز التَّعاطف مع الآخرين من خلال مساعدتهم في الأوقات الصعبة وتقديم النصائح الصادقة.

في الختام:

تُظهر التقنيات المختلفة لممارسة التَّعاطف مع الذَّات أهمية كبيرة في تعزيز الصحة النفسية والعافية الشخصية، وإنَّ القدرة على فهم احتياجاتنا ومشاعرنا والتَّعاطف مع أنفسنا تسهم بشكل كبير في تحسين جودة حياتنا وعلاقاتنا مع الآخرين.

سواء كنا نمارس الصدقة، أم نمارس الاسترخاء والتأمل، أم نلجأ إلى التواصل الاجتماعي الصحيح، فإنَّ تلك الأساليب تعزز الرفاهية النفسية وتساعدنا على بناء أسس حياة أكثر توازناً وسعادة؛ لذا دعونا نستثمر الوقت والجهد في تطبيق هذه التقنيات لتحقيق تحسينات إيجابية في حياتنا اليومية.




مقالات مرتبطة