تخصيص الوقت: فن الموازنة بين الرفض والقبول

تخصيص الوقت هو تقسيم ساعاتك اليومية والأسبوعية والشهرية بين مجموعة نشاطات مختلفة، فعادةً ما يُقيِّد العمل وتلبية احتياجات العائلة والأصدقاء وأيام العطل وقتنا، وهنا تبرز خاصية تخصيص الوقت الفعَّالة لموازنة هذه الأمور، ولتحقيق الأهداف والرغبات النهائية للشخص.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثنا فيه عن تجربته في رفض أو قبول العمل الإضافي في سبيل تخصيص الوقت بطريقة فعَّالة في النشاطات الأخرى لخدمة الشغف وتحقيق الأهداف.

ومع ذلك، تكمن المشكلة في أنَّ اليوم لا يتضمَّن سوى 24 ساعة فقط، وهذا يجبر الناس على تخصيص قدرٍ ضئيل من الساعات بين العائلة والأصدقاء والعمل والنشاطات الشخصية، ومع ذلك، غالباً ما تتغيَّر خططنا ليطغى العمل على الوقت الشخصي والنشاطات الاجتماعية الأُخرى.

والنتيجة هي قضاء ساعات أطول في محاولةٍ لكسب مزيدٍ المال؛ إذ يظنُّ كثيرون أنَّ استراتيجيات تخصيص الوقت الفعَّالة، ستؤدي حتماً لجني المال الوفير، وهذا ليس صحيحاً؛ إذ تبرز قيمة الوقت الحالي والمستقبلي في إتقان توزيعه بين النشاطات المختلفة.

أهمية تخصيص الوقت:

تكمن أهمية تخصيص الوقت في محدوديته؛ وهذا يعني وجود فترةٍ محدودة لتحقيق عدد لا محدود من الأمور المرغوبة في الحياة، فتسمح لك عملية تخصيص الوقت العادلة بأن تعيش حياة مُرضية ومفرِحة، ناهيك عن أهمية دور تخصيص الوقت في الوصول للحرية المالية والسعادة.

ومع ذلك، يتقن قِلَّةٌ من الناس فنَّ تخصيص الوقت، وبدلاً من ذلك، يبالغ كثيرون منَّا في توزيع الوقت في أمورٍ خاطئة لأسبابٍ خاطئة، وبالنظر إلى حقيقة أنَّ معظمنا مُطالَبٌ بتخصيص من 8 إلى 10 ساعات للعمل اليومي، فمن الشائع أن يبالغ الناس في تخصيص جل وقتهم للعمل لزيادة الدخل.

كيف نخصِّص وقتنا بطريقةٍ خاطئة؟

تعلَّمنا منذ نعومة أظافرنا أن نعمل لنصل للحرية المالية ومصدر دخلٍ عالٍ، وإذا تمكَّنَّا من كسب مالٍ وفير، فسنتمكَّن من استخدام مواردنا المالية لشراء ما نريد من الحياة، لكن لنتفكَّر؛ فإن كانت الغاية من الحياة أن نعيشها بكل تفاصيلها، فكيف نضيع وقتنا في الحصول على المال بدلاً من العيش بمتعة؟

أتذكَّر اقتباساً من فيلم "وول ستريت" (Wallstreet) من بطولة "تشارلي شين" (Charlie Sheen): "أطن أنَّني إن حصَّلتُ المال الكافي قبل الثلاثين من عمري، فسأوقِف الأعمال غير المشروعة، وسأجوب الصين حينها على دراجتي النارية، ولكنَّ الحقيقة بخلاف ذلك، وهو ما أشار إليه "رولف بوتس" (Rolf Potts) من كتابه "الترحال" (Vagabonding): فيمكن أن يعمل "تشارلي شين" مدة 8 أشهر بصفته حارس عمارة، ويركب دراجته النارية للتجوال في جميع أنحاء الصين بعدها أيضاً".

وهذا يسلِّط الضوء على ثغرةٍ خطيرةٍ في استراتيجيات تخصيص الوقت، وهي سهولة تضييع الوقت أو عدم توزيعه توزيعاً ملائماً، معتقدين أنَّنا نعمل لتحقيق هدفٍ مستقبلي، يمكن بلوغه اليوم، إضافةً إلى ذلك، فمن الشائع أن يستخفَّ الناس بالنشاطات التي لا تعود عليهم بعائدٍ ماليٍ فوري، فقد يبدو العمل لساعةٍ إضافية لكسب 100 دولار، أفضل من تمضية ساعة في قراءة كتاب أو التوجه إلى الشاطئ.

ولكنَّنا نغفل عن القيمة العالية لقضاء الوقت في النشاطات الشخصية - التي تتضمن قضاء الوقت مع الأصدقاء والأسرة - في تعزيز الإحساس بقيمة الحاضر تعزيزاً أكبر؛ على سبيل المثال، على الرَّغم من إمكانية تحقيق ربحٍ سريع من العمل لدى شخصٍ آخر، فإنَّ استثمار الوقت في السعي وراء شغفك أو اهتماماتك الخاصة، سيجعلك أكثر سعادة بالإضافة إلى تزويدك بالمهارات التي تميِّزك عن الآخرين.

وخلاصة القول: يخطئ الناس في تخصيص وقتهم بسبب العوامل الآتية:

  1. المبالغة في تقدير النشاطات الربحية.
  2. التقليل من قيمة السعادة المكتسبة من النشاطات الشخصية أو النشاطات غير الربحية.
  3. الاعتقاد باستحالة تحقيق بعض الأهداف في الوقت الراهن أو الاستمتاع بها.

متى نرفض ومتى نقبل بما يُطلَب منَّا؟

والسبب الوجيه لسوء توزيع وقتنا هو عدم تقدير قيمة النشاطات غير الربحية، وهذا يجعلنا نخضع في كثير من الأحيان لأعباء العمل الإضافية، بدلاً من الرفض وإعادة تخصيص ذلك الوقت لنشاطات شخصية نرغب في القيام بها، وهو أمرٌ منطقيٌّ حينما نقارن بين قيمة المال الثابتة الملموسة، وقيمة وتأثير السعادة والمتعة المتغيرة غير الملموسة.

لذلك عند محاولة توزيع وقتك بين العمل والنشاطات الشخصية، فإنَّ أفضل طريقة للقيام بذلك هي تعيين قيمة لكل ما تفعله؛ على سبيل المثال، عملتُ في إدارة شركة استشارية للمحتوى المالي، بالإضافة إلى العمل بصفتي محرراً مالياً في موقع "فيت سمول بزنس" (FitSmallBusiness.com)، ففي حين تدرُّ هذه النشاطات دخلاً ثابتاً، إلَّا أنَّ شغفي وهدفي ورغبتي هو كتابة سيناريوهات وأفلام وثائقية وكُتب عن الحياة.

لذلك سيفيدني تكريس مزيدٍ وقتي للعمل من الناحية المالية على الأمد القصير، ولكنَّه سيضرُّ بأهدافي على الأمد الطويل، فقد لا أجني كثيراً من كتابة النصوص، لكن كلما طالت مدة ابتعادي وتأجيلي للكتاب، صعُب عليَّ دخول المجال؛ لذا في حين يبدو من الحكمة التركيز على هذه النشاطات الربحية، فإنَّ القيام بذلك سيأخذك بعيداً عن أهدافك؛ وهذا يعني أنَّ الناس يحتاجون إلى رفض مزيد من الالتزامات المهنية بدلاً من قبولها.

ولكنَّك بالطبع، لا تستطيع تعميم هذا المبدأ على جميع جوانب حياتك، فيجب الوفاء بالالتزامات، إلى جانب حاجتنا إلى المال؛ لذلك من المستحيل رفض كل شيء لا تريد القيام به، وبدلاً من ذلك، يجب الحرص على تخصيص الوقت تخصيصاً يراعي الحدود المألوفة ضمن المجتمع المحيط في سبيل تحقيق مصالحك ورغباتك.

شاهد: كيف تتقن فن إدارة الوقت؟

التطبيق العملي لتخصيص الوقت:

عند البدء بتوزيع الوقت، فستحتاج إلى إنشاء مقياس تطبِّقه على أي نشاط، فيمكن تحديد المقياس بسهولة بالنسبة إلى النشاطات الربحية، ومع ذلك، ما زال الناس يفشلون في تقدير قيمة وقتهم حتى عندما يعتمدون على الوارد المالي بصفته مقياساً.

على سبيل المثال، قد يبدو راتب سنوي يبلغ قدره 100000 دولار رقماً كبيراً، لكن إن أمعنت النظر، فستجد أنَّ العامل يعمل 80 ساعة في الأسبوع؛ أي مقابل 26 دولار في الساعة وهو رقمٌ ضئيل.

ستحتاج بعد ذلك إلى قياس باقي النشاطات غير الربحية على نفس المقياس، وهنا تكمن الصعوبة، ولتسهيل الأمر، يجب بناء قاعدةٍ مرجعية والقياس عليها، وهنا سنعتمد على الأجور الساعية للنشاطات المربحة؛ على سبيل المثال، إذا كنت على يقين أنَّ النشاط غير الربحي أكثر قيمة من كسب 26 دولار إضافية، فأعطه أولوية وخصِّص له متسعاً من الوقت.

إذاً، عند إنشاء إطار عمل ذهني لاتخاذ قراراتٍ أفضل بناءً عليه، ستحتاج إلى القيام بما يأتي:

  1. تقييم جميع نشاطاتك بالعملة المتداولة.
  2. تسهيل نتائج جميع النشاطات لقياسها بأجر ساعة عمل.
  3. استخدام أجر ساعة العمل بصفتها معياراً على أهمية النشاط.
  4. تقييم جميع النشاطات غير المربحة قياساً على المعيار المرجعي.
  5. توزيع وقتك بين جميع النشاطات الهامة غير الربحية التي تفوق أهميتها أهمية المعيار أو قيمته.
إقرأ أيضاً: سلوكيات تؤدي إلى ضياع الوقت

فنُّ الرفض والقبول:

إنَّ معرفة الوقت المناسب لاستثمار الوقت في المنفعة الشخصية أمرٌ رائع، ومع ذلك، لن تستطيع إفادة وإمتاع نفسك ما لم تتعلَّم كيف ومتى ترفض أو تقبل؛ على سبيل المثال، قد تعلم علم اليقين أنَّ الاستثمار في مشروعك الخاص سيعود بنفعٍ أكبر من العمل على مشاريع مديرك، لكن كيف ستمتنع عن تخصيص مزيدٍ من الوقت لمشاريع مديرك دون أن تُطرَد؟

الجواب هو أن تكون حازماً ومرناً في وقتٍ واحد؛ إذ سيفاجئك مستوى المرونة الذي يمكن أن يقدِّمه أرباب الأعمال في أثناء العمل عن بُعد؛ فلن يهتمَّ أفضل أرباب الأعمال لتوازن حياتك ما دمت تُنجِز مهامك اليومية؛ لذا يبرز "إتقان فن الرفض أو القبول" بوصفه المنقذ لتخصيص وقتك جيداً.

على سبيل المثال، يعلم جميع عملائي وزملائي وشركائي ورؤسائي موعد الكتابة الإبداعية - سيناريوهات، والمدونة - اليومي الذي أخصِّص له وقتاً من الساعة 9:30 صباحاً حتى 12:00 مساءً، وهو وقت التدفُّق الإبداعي اللامحدود عندي، وعلى الرَّغم من حاجتي للابتكار والإبداع في عملي، إلَّا أنَّ حاجتي إليهما في نشاط الكتابة أكبر بكثير.

هذا يسمح لي بتحقيق التوازن بين رغباتي وحاجات الناس، فإن أخبرتهم أنَّني أحتاج استقطاع ساعتين ونصف لغاياتي الشخصية، فآمل أن يتفهَّموا الوضع، وبعد ذلك، أقضي بقية اليوم في عطاءٍ مستمر وممتع لمَن حولي، وأستمتع بجني المال والطاقة الإيجابية في آنٍ واحد.

عموماً، إذا قدَّمت خدماتٍ قيِّمة لعملائك وموظفيك أو أرباب العمل، فيجب ألَّا يمانعوا تقديم تنازلاتٍ بناءً على خطة توزيع وقتك التي تزيد إنتاجيتك؛ لذا لا تخف من رفض بعض الأمور التي تحقِّق لك دخلاً إضافياً.

إقرأ أيضاً: النجاح في إدارة الوقت: 8 خطوات كفيلة بإدارة وقتك والتخلّص من التسويف

الخلاصة:

الطريقة التي تخصِّص بها وقتك هي أهم استراتيجية في حياتك، فتخصيص الوقت الفعَّال هو تقسيم الوقت بين النشاطات الربحية وغير الربحية؛ إذ يمكنك القيام بذلك عن طريق تقييم وقتك حسب سعر الساعة في العمل، ثمَّ اختيار النشاطات التي تحقق لك القيمة الحالية والمستقبلية الأعلى أو الأهم.

المصدر




مقالات مرتبطة