بعض الأنشطة البسيطة لتعزيز الازدهار

يصِف التحديث الأخير الخاص بالبحث الذي أُجرِي في برنامج "ازدهار الإنسان" (Human Flourishing Program) في جامعة "هارفارد" (Harvard) استطلاعنا الأخير القائم على الأدلة والخاص بالأنشطة المختلفة التي تعزِّز الازدهار، وجهودنا في تطوير تطبيق "الازدهار" (Flourishing app)، ومشاركتنا مع فريق عمل لجنة "لانسيت كوفيد-19" (Lancet COVID-19 Commission Taskforce) المعني بالصحة النفسية والسعادة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن مدير برنامج "ازدهار الإنسان" (Human Flourishing Program) في جامعة "هارفارد" (Harvard) "تايلور فاندرويل" (Tyler J. VanderWeele)، والذي يحدِّثنا فيه عن أنشطة بسيطة لتعزيز الازدهار.

لقد شرحنا في آخر تحديث للبحث العلمي الخاص بنا كيف انخفض ازدهار الأمريكيين خلال جائحة "كوفيد-19" لأسبابٍ لم تكن أسوأها تلك الأعباء التي أُلقِيَت على عاتق صحتنا البدنيَّة وظروفنا المادية والاجتماعية، لكنَّ الازدهار هو مسألة متعلقة بما نمرُّ به من ظروفٍ داخلية وخارجية أيضاً؛ أي حتى أولئك الأشخاص الذين لم يمرضوا أو لم يفقدوا وظائفهم، كانوا قد واجهوا العديد من المخاوف التي تتعلَّق بالشائعات المنتشرة حول العالم عن هذه الجائحة الخطيرة المحيطة بهم.

نظراً لأنَّ برنامج "ازدهار الإنسان" (Human Flourishing Program) لا يركِّز فقط على تقييم وقياس سعادة الإنسان؛ بل يركِّز أيضاً على تعزيز عافية الفرد والمجتمع على أرض الواقع، وإنَّنا نركِّز في مقالنا هذا على الأنشطة التي لها آثار إيجابية موثَّقة توثيقاً جيداً في جوانب متعددة من ازدهار الإنسان، فهو يهدف إلى أن يكون في متناول كل شخص، مع الاعتماد على أقوى الأدلة.

الأنشطة التي تعزز الازدهار والسعي إلى الخير:

تتمحور هذه الدراسة حول أربعة أساليب مختلفة لتعزيز ازدهار الفرد، وتتضمن هذه الأساليب تعلُّم كيفيَّة الاهتمام بالقيم الموجودة لدى الفرد، والقيام بنشاطاتٍ من شأنها أن تكشف مؤهلات الفرد وتعزِّزها، ومعالجة الاضطرابات النفسية التي تعوق الفرد عن تجربة الأشياء التي تعود عليه بالفائدة.

سوف نناقش ثلاثة نشاطات ترتبط بكل أسلوب منهم، ثَبُت أنَّها تعززها؛ حيث تتضمن: ثلاثة نشاطات معرفيَّة وثلاثة نشاطات سلوكية وثلاثة أنماط من المشاركة المجتمعية وثلاث أدوات لمعالجة الاضطرابات النفسية.

تتضمن إحدى نشاطات السعادة التي تمَّت دراستها على نطاقٍ واسع بعض التجارب عن الامتنان؛ فمثلاً قد يدوِّن المرء ثلاثة أمور يشعر بالامتنان لها لثلاث مرات في الأسبوع على مدى شهر أو شهرين أو أكثر، وتشير الأدلة في العديد من التجارب العشوائية التي حلِّلَت بدقَّة، إلى أنَّ هذا النشاط البسيط المتمثل في تركيز الذهن على كل ما هو جيد سواء كان في الماضي أم الحاضر؛ حيث يمكِن أن يساعد على زيادة السعادة، وتخفيف أعراض الاكتئاب، وربما تحسين النوم أيضاً.

في الحقيقة، أحاول شخصياً تطبيق نشاطات الامتنان هذه بانتظام، بمفردي ومع عائلتي أيضاً، وقد لاحظتُ تحسُّناً ملحوظاً في حياتنا كأسرةٍ واحدة عندما نقوم بذلك، كما أنَّني اقترحتُ ممارسة الامتنان في المناسبات الطلابية، فكانت النتيجة بعد شهور عدَّة، أنَّ هؤلاء الطلاب كانوا قد تجاوزوا العديد من الظروف العصيبة بفضل التعبير عن الامتنان.

شاهد بالفديو: 8 طرق لإعادة إحياء السعادة في حياتك

ومن المؤكَّد أنَّ هذه النشاطات لن تَحلَّ مشكلات الفرد جميعها، ولكن قد يكون من المفيد جداً أن يتذكر كل ما هو ممتن له، بالأخص عندما تكون بداية كل مرحلة جديدة في حياته مليئةً بالإحباط والغضب أحياناً، وحتى عند مواجهة التحديات الكبيرة، فإنَّ هناك قيَماً مُهمة تُعَدُّ من المسلَّمات، ودائماً لها مكان في حياتنا؛ لذلك يجب علينا تقديرها وإعطائها الاهتمام الكافي.

يمكِنك تحسين ازدهارك ليس فقط من خلال تغيير طريقة تفكيرك، وإنَّما أيضاً بتغيير سلوكك، وإنَّ أحد الأمثلة التي ناقشناها في هذه المراجعة هو القيام بأعمال خيرية بانتظام، وقد أظهرَت العديد من الدراسات أنَّ لها آثاراً كبيرة في السعادة، وكانت إحدى التجارب هي أن يختار الشخص يوماً واحداً من كل أسبوع ليقوم فيه بخمسة أعمال نبيلة غير اعتيادية تجاه الآخرين، فقد يستغرق الأمر الكثير من التخطيط المسبق لتنفيذ خمسة أعمال نبيلة خلال يوم واحد، ولكنَّ هذا التخطيط نفسه والنيَّة المقصودة لفعل الخير للآخرين يمكِن أن يكون لهما تأثيرات مُهمة على سعادة الفرد ويعزز مشاعره الإيجابية.

إقرأ أيضاً: كيف يمكن لثلاثين يوم من عمل الخير أن تجعلك شخصاً أفضل؟

من خلال القيام بمثل هذه الأعمال اللطيفة، يمكِننا مع مرور الوقت، زيادة تحفيز الآخرين على فعل الخير، والذي يُعَدُّ أحد المقوِّمات الأساسية للحب، وإضافةً إلى ذلك، هناك الآن دليل على أنَّ مثل هذه الأعمال اللطيفة غالباً ما تشجع الآخرين على القيام بأعمالٍ مماثلة لها؛ مما يلهم بدوره المزيد من أعمال الخير، وإذا مارس الفرد والمجتمع والعالم هذا النشاط البسيط، فقد تكون هناك نتائج عظيمة.

تتضمن بعض الأنشطة الأخرى التفكير في كيفية أن يكون المرء شخصاً أفضل، وأن يستمتع بالتجارب الإيجابية، ويستثمر نقاط القوة الموجودة لديه، بالإضافة إلى القيام بالأعمال التطوعية، وتمَّت دراسة العديد من أنشطة الازدهار في أبحاث علم النفس الإيجابي ووجدَت مرةً أخرى، في تجاربٍ عشوائية أنَّ لها تأثيرات مُهمة في السعادة والرضا عن الحياة، والصحة النفسية والجسدية أحياناً.

ويناقش هذا المقال أيضاً المصادر السلوكية المعرفية من خلال تقديم دليلٍ عن كيفية الاعتماد على الذات، والذي يمكِن أن يكون مفيداً في معالجة أشكالٍ بسيطة من الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى الكتيِّبات التي تتحدث عن التَّسامح والتي قد تفيد في معالجة الغضب المستمر والاستياء الذي قد يكون من الصعب أحياناً التعامل معه.

إقرأ أيضاً: الاكتئاب وطرق علاجه

وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ تعزيز الازدهار في المجالات الأخرى، مثل زيادة إحساس الفرد بالهدف من وجوده، أو تحسين شخصيته، أو توسيع علاقاته، في كثيرٍ من الأحيان، ستكون هناك حاجة إلى أكثر من مجرد نشاطات فردية بسيطة، ولتحقيق الازدهار الكامل، نحتاج إلى المشاركة في المجتمعات، سواء في المنزل أم العمل أم أي مكانٍ آخر؛ ونظراً إلى ذلك، يصف المقال أيضاً النشاطات الخاصة بتعزيز السعادة والمشاركة في هذه المجالات جميعاً، على أي حال، هذه النشاطات ليست شاملةً، لكنَّها تمثِّل كل ما يمكِن للأفراد والمجتمعات القيام به بسهولة للمساهمة في تعزيز الازدهار، وكيفية توجيه تفكيرنا وأفعالنا ومجتمعاتنا وعلاقاتنا نحو كل ما هو جيد.

تطبيق "الازدهار":

عملنا مع شركائنا على تطوير "تطبيقات الازدهار" (Flourishing app) بإصدارات مجانية وأخرى تجارية تستهدف أماكن العمل وغيرها؛ وذلك بهدف تعزيز نشاطات الازدهار هذه، بدايةً، كنا نعمل مع الشركة التابعة للبرنامج بالتعاون مع "دونالد فريدريك" (Donald Frederick) -أحد زملائنا في مرحلة ما بعد الدكتوراه- على تطوير تطبيق على شبكة الإنترنت، بحيث يكون مناسباً للاستخدام على الحاسوب والهاتف المحمول لتسهيل المشاركة في هذه النشاطات وللسماح بتتبُّع النتائج بسهولة كبيرة مع مرور الوقت، فكل نشاط من النشاطات الموضَّحة في المقال موجود على التطبيق، والذي يتناول أيضاً عدداً من معايير السعادة، وعلى الرغم من أنَّ هذه المصادر لا تزال قيد التدقيق، إلا أنَّنا نعتقد أنَّها مطوِّرة بما فيه الكفاية لتُشارَك، وسنطلق أيضاً تطبيقاً خاصاً بالهاتف المحمول، وسوف يكون متاحاً للتنزيل في الأشهر القليلة القادمة.

لقد عملنا أيضاً مع شركة جديدة تدعى "فليريش" (Flerish) لتعزيز مستويات الازدهار وزيادة مستوى السعادة في مكان العمل وفي أي مكان آخر باستخدام تطبيقهم "يو" (You) المطوَّر حديثاً؛ حيث يستفيد التطبيق من مقياس الازدهار الخاص بنا، كما أنَّه يربط ذلك ببرامج كوتشينغ لتعزيز الصحة والمحتوى المنسَّق وشبكة المساءلة، ويمكِن أن يستخدمه الأفراد أو مجموعة أشخاص أو إحدى الشركات.

إقرأ أيضاً: 10 طرق مثبتة علمياً لتشعر بالسعادة

تعزيز الازدهار خلال وباء "كوفيد-19":

قد تكون بعض النشاطات الموضَّحة آنفاً مفيدةً في معالجة تدهور العافية، وكذلك الفرص المتغيرة للازدهار في أثناء الجائحة، ولكن هناك حاجة إلى المزيد، ومن المطلوب إصلاح وتحسين أنظمة الصحة النفسية، وهناك حاجة إلى وجود ظروف اقتصادية مناسبة لتؤمِّن فرص الازدهار للجميع، ونحن بحاجة إلى تعاون وطني وعالمي لمكافحة هذه الجائحة والاستعداد لمستقبل أفضل.

وتحقيقاً لهذه الغاية، نعمل جنباً إلى جنب مع العديد من الشركات التابعة لنا وأصدقائنا مع فريق عمل لجنة "لانسيت كوفيد-19" (Lancet COVID-19 Commission Taskforce) المعني بالصحة النفسية والعافية في محاولة لمعالجة بعض هذه التحديات وتعزيز الازدهار خلال الجائحة، مما يؤدي إلى مستقبل أفضل.

المصدر




مقالات مرتبطة