المنافسة في العمل: أنواعها، وأشكالها، وإيجابياتها وبعض سلبياتها

تعدُّ المُنافسة من أهم وأقوى الدوافع للعمل والإنجاز بشكل عام، حيث إنَّها تتحكم بسلوكات الفرد، ويعد علماءُ النفس المُنافسةَ شيئاً فطرياً منذ مرحلة الطفولة؛ لذلك يبدأ المربون تنظيم المنافسة في نفوس الأطفال وتقويمها منذ الصغر، ولهذا تعدُّ المنافسة لدى الكِبار منظمة أكثر من خلال تقويمها وتنظيمها بطريقة تحقق الذات والمكاسب المادية والمعنوية؛ لذا نجد الإدارات الناجحة تحاول جاهدة وضع خُطط إدارية واضحة تعمل على تنظيم المُنافسة بين الموظفين والعاملين في الشركة الواحدة؛ والإدارة تسعى إلى هذا الأمر لما فيه فائدة كبيرة في تحسين إنتاج الموظفين والعاملين في الشركة، وكذلك تجعلهم في رضى دائم حول ما يقدمون.



ومن الطرائق التي يُمكن إتباعها من قِبل الإدارة في سعيها إلى تعزيز روح المنافسة الشريفة فيما بين موظفيها طريقة الحوافز والمكافآت، وكذلك طريقة الترقية الوظيفية وتدرجاتها، وكذلك من الطرائق التي تتبعها بعض الإدارات هي الطريقة المعنوية مثل تكريم الموظفين ومنحهم جوائز؛ حيث يُمكن القول: إنَّ للإدارة تأثير قوي جداً على تنظيم المنافسة الشريفة من خلال زرع الغيرة البنَّاءة فيما بين الموظفين مع توزيع الموارد بالتساوي كي يثبت الموظف جدارته، وبالتالي يزيد من إنجازه وإنتاجيته؛ لذا سنتحدث في مقالنا هذا عن المُنافسة بشكل عام، وكذلك سنتعرف سوياً على أنواع المُنافسة، وسنذكر أهم سلبيات وإيجابيات المُنافسة.

المُنافسة في العمل:

يجب علينا أن نُحدد أولاً ما نتكلم عنه؛ ألا وهو المنافسة الشريفة بين الموظفين، أي الخالية من المكائد والحسد وكل ما هو سيء. تلك التي تعطي دافعاً قوياً ومحفزاً بين الموظفين أنفسهم، وتحقق إنتاجية الموظفين، لذلك أدت هذه الميزة إلى قيام أحد مراكز البحوث لإجراء دراسة حول المُنافسة النزيهة؛ حيث كانت نتيجة هذه الدراسة أنَّ المُنافسة النزيهة تحفِّز الموظفين أكثر على العمل وتنمي مهاراتهم، وتمنح المنافسة الموظفين شعوراً بالسعادة كونهم يُنجزون بطريقة أكثر فعالية وبكل نشاط؛ وذلك من خلال زيادة قدرة الفرد على الإصرار في مواجه تحديات العمل والعمل على إنجازها، والشعور بالرضا حيال ما يقدمه من عمل يتصف بالجودة والدقة، وخلق رغبة في التميز الدائم لدى الموظفين والتحسين من مهارات الموظف بدل الانشغال في الحصول على السلطة أو المرتبة العليا، وتحقيق الرضا النفسي لدى الموظف.

وفي المقابل هنالك بعض بيئات العمل والإدارات التي تستخدم طرائق المُنافسة التي تنعكس سلباً على الموظف وطريقة أدائه وإنتاجيته من خلال ما يكابده الموظف من ضغوط نفسية وخوف مستمر من الوقوع في دائرة الفشل، وذلك بسبب وضع أهداف لا يُمكن تحقيقها وبالتالي شعور الموظفين بالعجز حيال هذا الأمر مما يسبب ضغوط نفسية كبيرة على الموظفين، ووضع قوانين وأنظمة لا تشجع على المنافسة تشجيعاً صحيحاً وتعد متحيزة ولا تتصف بالحياد.

يؤدي هذا الأمر إلى تحايل الموظفين والغش من أجل الفوز بالمنافسة مما يثير النعرات والمشاكل بين الموظفين وتصبح بيئة العمل مشحونة بالمشاكل والسلبيات، لذلك يُمكن القول: إنَّ هناك بيئة عمل تحفز الموظفين من خلال المُنافسة الشريفة والبنَّاءة التي تزيد من إنتاجية الموظفين، وتعزز العلاقات بينهم؛ والتي تُبنى على المحبة والاحترام والتقدير.

 بالمقابل هناك بيئة عمل تعزز النعرات من خلال المُنافسة غير الشريفة -كما يسميها بعضهم- أو السلبية، والتي تؤدي إلى الفشل على مستوى الموظف والمؤسسة من خلال ضعف إنتاجية الموظف.

شاهد بالفديو: 6 طرق مبتكرة لتعزيز إنتاجية الموظفين

أنواع المنافسة في العمل وأشكالها:

تؤدي بيئة العمل إلى أشكال وأنواع عديدة من التنافس بين الموظفين أنفسهم، حيث يُمكن تقسيمها على الشكل التالي:

1. المنافسة من أجل المراتب والمناصب:

تعدُّ من أكثر الأنواع والأشكال انتشاراً في بيئات العمل، حيث يتنافس الكثير من الموظفين من أجل الحصول على منصب ما في الشركة أو المؤسسة وتكون طردية؛ أي كُلما ارتفعت المستويات الإدارية، ارتفعت المُنافسة بين الموظفين، ولا تكون فقط في المؤسسات الحكومية، بل في الشركات والمؤسسات الخاصة أيضاً، لذلك بعض الإدارات تستغل هذه المُنافسة بذكاء من خلال ربط الإنتاجية والأداء بالمناصب العليا، مع العلم أنَّ هذه الأمور تكون أقل في المؤسسات الحكومية كون الترقية والتنقل بين المناصب العليا يكون أقل مرونةً، على عكس الشركات الخاصة التي قد تفضل المؤهلات العالية على الخبرة، والإنتاجية على القِدم في العمل.

2. المنافسة من أجل الحصول على المكافآت والحوافز المادية والمعنوية:

من الأمور التي ذكرناها سابقاً أنَّ من أنواع التحفيز هو التحفيز المادي والمعنوي والمُتضمن المكافآت والحوافز، لذلك يسعى الكثير من الموظفين للحصول على هذا الامتياز، ولا ننكر أنَّ هذا النوع يساعد الموظفين على تحسين أدائهم وإنتاجهم، كما يعزز من رضاهم الوظيفي، لذلك يُمكن أن يساعد هذا النوع على إثبات الموظف ذاته وخلق روح المنافسة الإيجابية التي قد تُخيم على بيئة العمل.

3. المنافسة على إثبات الذات وقدرات الموظف أو العامل:

يأتي هذا النوع من الذات ويكون نابعاً من رغبة بعض الموظفين في إثبات قدراتهم على مدرائهم في العمل وزملائهم، ومن ذلك نذكر أنَّ أحد العمال الذين كانوا يحملون أكياس الإسمنت من أجل رفعها إلى الطابق العلوي كان يثير الذين مَن حوله ويعزز المنافسة، حيث كان يحمل كيسين من الإسمنت كي يثبت ذاته ومهاراته وقدراته أمام زملائه؛ مع العلم أنَّه لا يوجد تعويض لما يفعله ولكن فقط كي يثبت ذاته.

تأتي مهمة الإدارة في توجيه هذا النوع من المنافسة بما يصب في مصلحة الجميع من ناحية عدم تكليف ما هو ضار بالموظف، في مقابل إنجاز الموظف مهامه بطريقة أكثر فعالية من خلال منحه بعض الحوافز مثل شهادات التقدير وخطابات الشكر والحوافز المادية غير الثابتة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لإزالة الملل وتحفيز الموظفين على العمل

4. المنافسة السلبية:

نرى هذا النوع كثيراً في بيئات العمل، حيث يريد الموظف إقصاء زميله الموظف الآخر من أجل الوصول إلى مبتغاه، والذي يتجلى في أحد أمرين أولهما أنَّه يريد احتلال الصدارة، والثاني هو الشعور بالخطر على منصبه والخوف من الموظف الذي قد حاك له المكيدة أن يأخذ منصبه منه، لذلك يتحول الأمر فيما بعد إلى حرب طاحنة بينهما، مما ينعكس سلباً على أداء الموظفين وتكون البيئة هي بيئة سلبية للعمل تقل الإنتاجية فيها.

سلبيات وإيجابيات المُنافسة في العمل:

هناك سلبيات وإيجابيات للمُنافسة تُحدَّد من قبل الإدارة، حيث يُمكن توجيهها وتعزيزها ولكن يقع العاتق الأكبر على الإدارة كما ذكرنا.

عندما نقول إيجابيات المُنافسة فإنَّنا نعني بهذا القول أن تكون المُنافسة بين الموظفين شريفة وذلك من خلال ملاحظة الإدارة للمُنافسة غير الشريفة ومحاولة تغيير مسارها لتكون أكثر إيجابية، وذلك عن طريق مواجهة الأساليب والطرائق الملتوية التي قد يُمارسها أحد الموظفين تجاه زملائه من أجل الحصول على مركز أو مكافأة ما، ونحن هنا لا نقول أنَّ هذا الأمر يقع على عاتق الإدارة في الشركة بشكل كُلي، بل أيضاً هناك اعتبارات شخصية يجب أخذها بالحسبان وهي شخصية وطبيعة الموظف التي تلعب دوراً مهماً في شكل المُنافسة ومداها، لذلك هناك قواعد للمنافسة الشريفة التي يجب مراعاتها، ومنها:

  • الابتعاد عن الطرائق والأساليب الملتوية، مثل الخداع والغش والمكيدة التي قد يُمارسها الموظف تجاه زملائه من أجل الحصول على ترقيه أو أي شيء يعود على الموظف بالمنفعة، لذلك من أهم القواعد التي يجب إتباعها هي الابتعاد عن التضليل والكذب واختلاق الأقاويل والنميمة وكل هذه الأساليب الدنيئة.
  • الابتعاد عن الانتقام؛ كونه يعدُّ من الأمور التي لا يُمكن التحكم بالأفعال الناتجة عن الانتقام، لذلك تم تصنيف الأفعال التي تأتي بدافع الانتقام كأفعال وتصرفات غير واعية.
  • تقبُّل الخسارة أو الفشل؛ حيث يُعد هذا من الأمور التي يجب أن يتحلى بها كُل منافس شريف، وذلك لأنَّ الموظفين ليسوا في حرب حياة وموت، بل في تجربة تعود بالنفع على الموظفين سواء ربحوا المُنافسة أم خسروها، وذلك الموظف الذي يتقبل الخسارة ولا يتذمر قد يعلم علم اليقين أنَّه خرج من المُنافسة ولديه أشياء قد استفادها وقد وضعها ضمن قائمة الدروس المُستفادة.

أما المقصود بسلبيات المُنافسة هنا هي تلك المُنافسات غير الشريفة والتي قد يستخدم من يُمارسها أساليب كثيرة في سبيل تحقيق مبتغاه؛ ومن هذه الأساليب:

  1. إخفاء المعلومات عن زملائه والتي من واجبه مشاركتها مع زملائه، فهذه من أسوأ أساليب المُنافسة غير الشريفة.
  2. التزوير وتضليل الحقائق، حيث يستخدم هذه الأساليب أولئك الذين يُمارسون المنافسة غير الشريفة، وتعدُّ أحد سلبيات المُنافسة والتي قد يرتكب من ورائها الموظف الآخر الأخطاء نتيجة منحه من قبل المُنافس غير الشريف معلومات خاطئة وغير صحيحة.
  3. أسلوب الإساءة، والذي هو من الأساليب التي يتبعها الكثير من الأشخاص من أجل إطاحة أحدهم أو تشويه سمعته من خلال بث الإشاعات التي بدورها قد تؤثر على عمله المهني وتحرمه من امتيازات (هذا إن لم تؤدي إلى طرد الموظف من العمل).
  4. يعتمد كثير من الأشخاص على استخدام أصحاب النفوذ والوساطة من أجل التغلب على مُنافسيهم، وتعدُّ هذه الطريقة الأكثر انتشاراً في بيئات العمل في الوطن العربي.
  5. التآمر على المُنافسين، فهو يعدُّ من الأساليب التي توصف بالدنيئة، ويكون هدف هؤلاء الذين يستخدمون هذا الأسلوب خسارة المُنافس أمامهم، وطرده من العمل والتسبب له بمشاكل مهنية، حيث يستخدم شتى الوسائل والطرائق من أجل الإطاحة بمُنافسيه، مثل تدبير أمور تمس بشرفة الوظيفي كتدبير مكيدة تضعه في ورطة مالية كبيرة والكثير من الأمور التي يلجأ إليها هكذا نوع من الموظفين.
إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعد المدير على ترسيخ التعاون داخل المؤسسة

تتَّسع القمة للجميع، لذلك يجب على الافراد أن يتمتعوا بصفات أخلاقية وأن يتحلوا بمكارم الأخلاق، والإدارات هي من تستطيع أن تُثبط المُنافسة السلبية في بيئة العمل في الشركة وهي كذلك تستطيع أن تشجع على هكذا أفعال وزرعها في الموظفين.

تحدثنا في مقالنا هذا عن المنافسة بشكل عام وما هي أنواع المُنافسة وأشكالها، وأوضحنا خلال مقالنا هذا الفرق بين المُنافسة الشريفة (الإيجابية) والمُنافسة غير الشريفة (السلبية)، وكذلك عددنا سلبيات وإيجابيات المُنافسة.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة