السعادة عمل يومي

عندما نفكر في حياة سعيدة، فقد يكون من المغري التفكير بحفل كبير، أو التفكير في المناسبات الكبرى؛ مثل أعياد الميلاد أو حفلات الزفاف أو ولادة طفل، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ أياماً كهذه تأتي لمرات قليلة في فترة طويلة، وربما تشكل أسبوعاً أو أسبوعين فقط من كل عام.



وبدلاً من ذلك، فإنَّ أسابيع وأشهر حياتنا تتألف من أيام عادية موزعة على أيام العمل وعطلات نهاية الأسبوع بالنسبة إلى أغلب الناس؛ ونتيجة لهذا فإنَّ الأجزاء الحقيقية في حياتنا السعيدة تبدو أكثر روتينية، وعند هذه المرحلة؛ أُجرِيَ ما يكفي من الأبحاث التي تتحدث عن السعادة حتى بات بوسعنا أن نحدد بعض مكونات الحياة السعيدة.

نحتاج على المستوى الأساسي، إلى التواصل والشعور بمغزى الحياة ودعم الحياة الصحية أو العلاقات والمشاريع، والنوم والنظام الغذائي والتمارين الرياضية؛ والنبأ السار هنا هو أنَّ هذه المكونات قابلة للإنجاز بالنسبة لأغلب الناس، وذلك بخلاف حفلات الزفاف الصاخبة صعبة المنال التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي حين قد يكون من المنطقي القول أنَّنا إذا أردنا عيشَ حياة أكثر سعادة، فيجب أن نوجِدَ أياماً أكثر سعادة؛ إلا أنَّ بعض الأفكار الشائعة قد تعترض طريقنا. الفكرة الأولى والأكثر انتشاراً بينناً بشكلٍ خفي، هي عقلية "الجميع يعملون في عطلة نهاية الأسبوع".

إقرأ أيضاً: ما الذي يجعل حياتنا سعيدة؟ 3 دروس مستقاة من أطول دراسة عن السعادة

مع كل الاحترام لمن يقومون بذلك، إلا أنَّ هذه بمثابة فلسفة حياة رهيبة؛ فالعمل الجاد واللهو وغيرها من الاستراتيجيات الصعبة، تجعلنا نحصر السعادة في عطلات نهاية الأسبوع، أو خلال الإجازات حصراً. وإضافة إلى ذلك، يوجد في العام الواحد 52 أسبوعاً، و104 يوماً من عطلات نهاية الأسبوع؛ ما يترك الكثير من أيام السنة تبعث على الاكتئاب.

أما الاعتقاد الثاني المرتبط بهذا الأمر فهو أنَّ السعادة شيء يمكن صناعته؛ ورغم وجود شيء من الحقيقة في هذا السياق، كأخذ درس فني عالي القيمة؛ فإنَّ الأمر نفسه ينطبق أيضاً على حقيقة مفادها أنَّ أجزاء الوقت الموجودة بالفعل، من الممكن تحويلها من عادية نسبيَّاً أو مُحبطة إلى باعثة على السعادة.

على سبيل المثال، ففي حلقة حديثة من أحد البرامج الإذاعية، تتحدث الخبيرة في إدارة الوقت "لورا فاندركام" (Laura Vanderkam) عن حُسنِ إدارة ساعات الغداء؛ وكما أشارت، فإنَّ خمس ساعات في الأسبوع على مدى عام تضيف حوالي 260 ساعة، وهو ما يعادل أكثر من ثلاثين يوم عمل مدتها ثماني ساعات في اليوم؛ وهذا وقتٌ يمكن استثماره في بناء العلاقات مع الزملاء، أو ممارسة الرياضة، أو قراءة الروايات، أو حتى كتابة رواية.

إنَّ أيَّاً من هذه الأنشطة قادر على تعزيز الشعور العام بحياة سعيدة وهادفة، مقارنة بالنشاط المعتاد المتمثل في تناول الوجبات أثناء تصفح البريد الإلكتروني.

يمكن تطبيق هذا المبدأ العام على العديد من الإجراءات الروتينية اليومية؛ فعلى سبيل المثال: يميل الناس إلى الشعور بالاستياء بسبب الرحلات التي يقضونها في الذهاب إلى العمل والعودة منه، وهو حدث يحدث عشر مرات في الأسبوع؛ ولكن مع بعض التفكير، فإنَّ جعل هذا الوقت مختلفاً أمر ممكن:

  • ما رأيك بأخذ القطار أو الحافلة لرحلتك؟ ربما يمكنك القراءة أثناء تنقلك بالحافلة ووضع مشروع للقراءة لهذا العام.
  • هل تقود سيارة؟ ماذا عن الالتزام بتعلِّم مهارة جديدة من خلال الاستماع إلى البث الصوتي عبر الإنترنت (بودكاست) حول الموضوع؟
  • هل تريد المشي؟ ماذا عن إجراء مكالمة هاتفية دائمة مع أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء الذين يعيشون بعيداً؟

شاهد بالفديو: 8 نصائح لتبدأ نهارك وأنت في قمة السعادة

يمكن تطبيق الفكرة نفسها على الأعمال المنزلية: فماذا عن تكوين تقليد عائلي يقضي بأنَّ طي الغسيل يجب أن يشتمل على الاستماع إلى الموسيقى والغناء؟ ربما يكون كل يوم جمعة يوماً لابتكار وصفة جديدة؛ بحيث يتضمن كل فصل من السنة إتقان مطبخ جديد (كالمطبخ الإيطالي أو المطبخ الشرقي).

وهناك أيضاً أمر يستحق أن يُقال في محاولة تخصيص جزءٍ جديدٍ من الوقت لتنفيذ مشروعٍ طَموحٍ أكثر لبناء السعادة؛ إذ قد يميل الناس بالسوية ذاتها إلى مشاهدة التلفاز أو تناول العشاء قبل النوم، كما أنَّ ليلة الجمعة تثير الرعب بشكلٍ خاص لكونها بداية الاسبوع.

إقرأ أيضاً: 10 طرق تساعد على زيادة هرمون السعادة

في مقالةٍ نُشرَت في مجلة جورنال أوف سوشال آند كلينيكال سايكولوجي (Journal of Social and Clinical Psychology)، وجد الباحثون إحساساً عاماً بالرفاهية في موضوعاتهم المتعلقة بعطلة نهاية الأسبوع أكثر من أيام الأسبوع الأخرى؛ إذ إنَّ اتخاذ القرار بشأن الالتحاق بصف أو تشكيل نادٍ شهري للكتاب أو الانضمام إلى اتحاد رياضي ترفيهي لن يؤدي إلى إرباك جداول أغلب الناس، فالالتزام الاجتماعي أو التعليمي الهادف من شأنه أن يحول مساء الجمعة إلى وقت مفضل في نهاية الأسبوع.

إنَّ اتخاذ خيارات أفضل حول كيفية قضاء الأيام التي تشكل الجزء الأكبر من حياتنا طريقة لاستعادة الاستقلالية، والتي هي في حد ذاتها ممارسة تحفز على السعادة؛ فبالنظر إلى الاختيار بين الأيام الروتينية المبهمة، والأيام التي تزيد من إحساسنا بالسعادة عموماً، فمن منا لن يتجه إلى الخيار الثاني؟

 

المصدر




مقالات مرتبطة