الدليل الشامل لتعريف العافية، وقياسها، وكيفية تحسينها

يُستخدَم مصطلح العافية في مؤلَّفات علم النفس كتوصيف للأفراد الأصحاء، وغالباً ما ترتبط مع القناعة والرضا والسعادة والإنجاز، وبما أنَّ هناك مغالطاتٍ وتساؤلات ونقاشات حول ماهيَّة العافية بحق، فإنَّ هذه المقالة تُلقِي الضوء على إجابات الأسئلة الآتية: ما هي العافية؟ وكيف تُقاس؟ وكيف تستطيع تحسينها؟



تعريف العافية:

تشمل العافية مزيجاً من حالات الشعور وعوامل نمط الحياة، وتشمل حالات الشعور المرتبطة بها السعادة والرضا، أما عوامل نمط الحياة فتشمل مشاعر الإنجاز وتحقيق إمكانات الفرد، فضلاً عن التمتع ببعض السيطرة في الحياة وبناء علاقات ذات مغزى، كما ترتبط العافية أيضاً بالصحة العقلية الإيجابية وبعبارة أبسط: يُستخدَم هذا المصطلح لوصف جوانب الحياة المتعددة بما فيها الصحة النفسية والبدنية والاجتماعية، وهو مرادف لمشاعر السعادة والصحة والمشاعر الإيجابية والسلامة.

ويمكِن تعريف العافية بأنَّها حالة توازن أو استقرار، ويتحقق هذا التوازن من خلال توفير الموارد المتاحة للتعامل مع تحديات الحياة والتي تبرز في ثلاثة مجالات: البدني والنفسي والاجتماعي.

نفقد العافية عندما تكون هناك وفرة من التحديات والموارد غير الكافية، إلا أنَّ البشر مبرمَجون للعمل على تحقيق حالة من التوازن، كما ترتبط العافية بالنجاح بين الأفراد والنجاح المهني والشخصي، وكثيراً ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية في العمل وكذلك زيادة التعلم والإبداع والسلوك الاجتماعي وتحقيق علاقات مُرضية.

إذاً، لماذا يصعب تعريف العافية؟ يعزى السبب في الغالب إلى تكوُّنه من مجموعةٍ متنوعة من التجارب الحياتية والشعور بالاستقلالية التي تختلف بين الأفراد ولمساعدة الأفراد على تقييم أنفسهم، وقد وُضِعَت تدابير عدَّة لذلك.

كيف تُقاس العافية؟

يتعين على الباحثين أن يتَّفقوا على تعريف موحَّد للعافية لقياسها بدقة؛ ولذا يجب أن يشمل المقياس الملائم جوانب العافية كافةً بما فيها الشعور بالاستقرار وأسلوب الحياة؛ وبعبارة أخرى، يأخذ المقياس الفعَّال الرضا عن الحياة والعمل على حد سواء في الحسبان.

ويمكِن تقسيم العافية إلى فئتين: الموضوعية والذاتية.

العافية الموضوعية:

يتمحور هذا النوع من العافية حول مستويات المعيشة - وهذا مفيد للبحوث التي تتعمق في أمر الثقافات أو البلدان أو مجموعات من الناس - وهذا يشمل قياس التعليم والدخل والعمر المتوقَّع.

وقد حدَّدَت "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" (Organization for Economic Co-operation and Development) و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" (United National Development Programme) و"مكتب الإحصاءات الإيطالي" (Italian Statistics Bureau)، ستة مجالات للدراسة تتعلق بالعافية الموضوعية وهي: الصحة، وفرص العمل، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، والسياسة، والسلامة، والبيئة.

العافية الذاتية:

والتي تشمل التقييم العاطفي والعقلي لحياة الفرد، والمقاييس الذاتية البارزة هي الرضا عن الحياة والسعادة، وتفيد العافية الذاتية في التنبؤ بأنماط الصحة العقلية بغضِّ النظر عن كيفية نظرة الآخرين لحياتهم، مما يفسح المجال لقياس شعور الأفراد داخلياً.

وتنقسم العافية الذاتية إلى فئتين: المتعة والقناعة.

يتعلق عنصر المتعة بالمشاعر والعواطف والمزاج، أما عنصر القناعة فيتعلق بالأفكار وما إذا كان الفرد يشعر بأنَّه حقَّقَ الكثير في حياته، فكثيراً ما يقيس الأفراد أفكارهم وإنجازاتهم تبعاً للخلفيات الاجتماعية والثقافية؛ وبعبارة أخرى، ينبغي النظر في البيئة التي يعيش فيها الفرد، فقد يرى الأفراد حياتهم على نحوٍ مختلف استناداً إلى التوقعات الاجتماعية والثقافية، وعلاوة على ذلك، فلا يمكِن قياس الأفراد دون مراعاة بيئتهم.

وقد قرَّرَت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (the Organization for Economic Co-operation and Development) أنَّ العافية الذاتية عامل هام في تقييم العافية بصورة عامة، ويتم هذا التقييم بناءً على مقاييس التقرير الذاتي؛ لأنَّه يعتمد على وجهة نظر الأفراد، وبعبارة أخرى: يقدِّر الأفراد مستوى عافيتهم من خلال الاختبارات النفسية، وهناك خمسة مجالات مرتبطة بالعافية الذاتية: العوامل الوراثية والاحتياجات الأساسية والنفسية، فضلاً عن البيئة الاجتماعية، والاقتصاد، والدخل، والبيئة السياسية.

إقرأ أيضاً: كيف تعيش حياة سعيدة وهانئة لآخر العمر

طرائق تحسين العافية:

توجد طرائق عدَّة تمكِّن الأفراد من تحسين شعورهم بالعافية، فهو مصطلح معقد يتضمن مجموعةً متنوعةً من العوامل؛ لذلك لا يوجد حل واحد مثالي لذلك، وينبغي أن يكون الهدف هو العثور على طريقة شاملة تتضمن مجموعةً متنوعةً من العوامل؛ وبالتالي فإنَّ الأساليب الآتية ليست شاملةً، فما يصلح لفرد واحد قد لا يكون النهج الصحيح للآخرين، وبدلاً من ذلك ينبغي النظر إلى هذه الطرائق على أنَّها مقترحات لتحسين العافية.

كما ينبغي للأفراد الذين يبحثون عن مقياس شامل بالفعل للعافية أن يفكروا في تحديد موعد مع طبيب نفسي أو معالج، حيث يمكِن لهؤلاء الأفراد أن يقدِّموا موارد مناسبة أو أن يصفوا دواءً معالجاً أو أن يقدِّموا نصائح لإجراء تغييرات في أسلوب الحياة للمساعدة في التحسين.

1. قضاء الوقت في الطبيعة:

هناك أدلة تدعم الادعاء بأنَّ التفاعل مع الطبيعة يزيد من العافية، وهذا يتضمن تعزيز المشاعر الإيجابية والسعادة والعافية الذاتية، كما يرتبط الوقت الذي تقضيه في الطبيعة بزيادة الإحساس بالمعنى والهدف في الحياة، فضلاً عن القدرة على مواجهة التحديات.

وقد وجدَت إحدى الدراسات أنَّ قضاء ما لا يقل عن ساعتين في الطبيعة أسبوعياً يحسِّن من الصحة، ولا يهم إن كان هذا الوقت على دفعة واحدة أو على مدار أسبوع، وحقَّقَ المشاركون أقصى استفادة عند قضاء بين 200 إلى 300 دقيقة في الطبيعة كل أسبوع.

2. ممارسة الامتنان:

تزيد عافية الأفراد الذين يمارسون الامتنان بشكل دوري، حيث تشير صفة الامتنان إلى الرغبة في رؤية القيم الخفية في تجارب الفرد، كما يحدث شعور الامتنان بعد أن يتلقى الأفراد لفتةً لطيفةً من أحدهم؛ وبالتالي شعورهم بدافع للقيام باللفتة ذاتها.

وقد قيَّمَت إحدى الدراسات شعور الامتنان في أثناء جائحة كورونا في الصين، وصدرَت تعليمات إلى الأفراد بأن يكتبوا في يومياتهم الوقت الذي يمارسون فيه الامتنان لمدة 14 يوماً ومتابعة ذلك لشهر كامل، وخلَصَت الدراسة إلى أنَّ الامتنان الذي يُمارَس في بيئة طبيعية خلال أوقات زيادة التوتر والقلق يفضي إلى زيادة المشاعر الإيجابية والرضا عن الحياة، ولكن لم تستمر هذه الزيادة في الرضا بعد مرور الشهر.

ونتيجة الدراسة المذكورة، فقد وُجِدَت أدلةٌ تدعم ممارسة كتابة اليوميات والامتنان لزيادة العافية؛ ولذا ينبغي للأفراد أن يمارسوها بشكل متكرر لتصبح عادةً يوميةً تؤدي إلى تحسُّنٍ كامل مع مرور الزمن.

3. زيادة الوعي:

ترتبط زيادة الوعي بتحسين التجربة الذاتية الإيجابية وزيادة التنظيم الذاتي والسلوك الموجَّه نحو الأهداف والتفاعل الناجح مع الآخرين، كما يمكِن زيادة الوعي من خلال الوعي بالوعي، وهو القدرة على ملاحظة العواطف أو الأفكار أو الخبرات الحسية بوعي، وهي مهارة يمكِن التدرب عليها.

ويُعَدُّ التأمل القائم على اليقظة الذهنية والعلاج النفسي طريقتين يتم من خلالهما تعلُّم الوعي بالوعي، حيث يرتبط اللطف والتعاطف بتحسين العافية، كما يساعد كل من العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive-Behavioral Therapy) والعلاج بالقبول والالتزام (Acceptance and Commitment Therapy) في زيادة الوعي.

4. تحقيق التوازن بين العمل والحياة:

ويمكِن لمكان عمل الفرد أن يساعدهم أو يؤذيهم، وتشمل العوامل التي تؤثر سلباً في العافية في أماكن العمل ما يلي:

  • الضغط أو الطلبات المرتبطة بالعمل.
  • الافتقار إلى الاستقلال الذاتي أو المرونة.
  • سوء العلاقات بين زملاء العمل والمشرفين.
  • المناوبات.
  • طول يوم العمل.

ويستطيع أرباب العمل أن يحسِّنوا بشكل مباشر عافية عمالهم من خلال توفير الإجازات مدفوعة الأجر وزيادة الرواتب ودعم الأفراد ذوي الإعاقة أو العائدين بعد الإصابة والحصول على الرعاية الصحية، وقد تكون التحسينات في بيئة العمل وهيكل العمل مفيدةً أيضاً فضلاً عن أنَّ عافية العمال تفيدهم وتفيد أرباب عملهم على حد سواء، وهي مرتبطة بتحسين ما يلي:

وترتبط العافية في مكان العمل أيضاً بانخفاض في المسائل المتعلقة بالإرهاق والإجهاد والنوم.

5. تكوين علاقات إيجابية:

كثيراً ما يتمتع الأفراد الذين لديهم علاقات إيجابية ومليئة بالاهتمام بنسبةٍ أعلى من العافية، وعلى الجانب الآخر، يمكِن أن تكون العلاقات الاجتماعية السيئة أكثر ضرراً من الإفراط في الشرب والتدخين، وتساعد العلاقات الاجتماعية الإيجابية على الحماية من الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق.

وتُعَدُّ السلوكات الاجتماعية مُهمةً لتكوين روابط اجتماعية تؤدي إلى زيادة العافية، فالتقدير والامتنان هما سمتان إيجابيتان مجتمعياً، كالتركيز على الصفات والأفعال الإيجابية للآخرين، ويسهم التعاطف مع الآخرين أيضاً في تحقيق مستويات أعلى من العافية، كما يُعَدُّ السخاء أيضاً مؤشراً قوياً للرضا عن الحياة.

شاهد بالفديو: 10 طرق لبناء علاقات عمل إيجابية وفعالة

6. التفاؤل:

غالباً ما يرتبط مفهوم الأمل بالتقاليد الروحية، ومع ذلك، دخل مجال علم النفس في حوالي القرن العشرين، ويُعَدُّ الآن مكوناً هاماً في علم النفس الإيجابي، ويمكِن تعريف الأمل على نطاق واسع بأنَّه الاعتقاد بأنَّ الأمور يمكِن أن تتحسن، وأنَّ الأهداف قابلةٌ للتحقيق.

ويرتبط الأمل بزيادة في:

  • التكيف العاطفي.
  • المشاعر الإيجابية.
  • الرضا عن الحياة ونوعيتها.
  • الدعم الاجتماعي.
  • الإحساس بالهدف.

الخلاصة:

يصعب تعريف العافية، ولكنَّها مذكورةٌ على نطاق واسع في الكتب النفسية، وهي مرتبطة بمشاعر السعادة والقناعة، وقد توصَف أيضاً بأنها شعورٌ بالهدف أو الرضا عن الحياة.

ولقياسها بدقة، ينبغي أن يكون هناك تعريف متَّفَق عليه، وعموماً قُسِّم إلى فئات موضوعية وذاتية، حيث تراعي العافية الموضوعية البنيات الاجتماعية والثقافية، وتشير العافية الذاتية إلى إحساس الفرد بها وتقييمه الداخلي لها.

وهناك أمور عدَّة يمكِن للأفراد القيام بها لتحسين عافيتهم، ومع ذلك ليس هناك شيء واحد سيحسِّن كل شيء؛ بل يتطلب ذلك ممارسةً شاملةً لتعزيز الصحة العقلية والبدنية.

ولكنَّ لدى الأفراد الذين يقضون وقتاً في الطبيعة، ويقيمون صلاتٍ إيجابية، ويمارسون الامتنان، ويبقون متفائلين، ويعززون الوعي، فرصة أكبر في أن يتمتعوا بالعافية أكثر.

المصدر




مقالات مرتبطة