الدروس المستفادة من وباء كورونا المستجد

لقد خطر لي في وقت سابق أنَّه ربما لا ينبغي لي كتابة هذا المقال، ولكن لم يكن هذا التردد هو الشك الذاتي الذي يترافق دائماً مع التحديق في صفحة فارغة، وإنَّما كنت أتساءل عمَّا إذا كان الموضوع الذي سأطرحه هذه المرة قاسياً؛ فإن كان الأمر كذلك، فقد أُزعج الكثير من الناس.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مايكل بيترزاك" (Michael Pietrzak)، والذي يحدثنا فيه عن حياته خلال تفشي فيروس كورونا، ويقدم لنا بعض النصائح عن كيفية تحويل هذا الوباء إلى فرصة يمكن الاستفادة منها.

ما أريد القيام به هو كتابة المقال الذي لم يتطرق إليه أحد بعد، ذلك الذي يتحدث عن وجود جانب إيجابي دائماً في كل تحدٍّ، وأنَّ هذا الوباء (فيروس كورونا المستجد) ليس استثناء؛ ولكن بينما كنت أتساءل فيما إذا كانت تلك المَهمَّة طائشة، تسلل الشك إليَّ بعد قراءة بضعة تعليقات كَتَبَتْهَا في المنتدى امرأةٌ تشبهني من نواحٍ عدة، لكنَّني ما زلت غير متأكد تماماً ممَّا تريد فعله في حياتها؛ لكن بطبيعة الحال، إنًّها مرآةٌ بالنسبة إلي.

لقد قالت شيئاً من قبيل: "لقد سئمت من الناس الذين يقولون لي أنَّ هناك جوانب إيجابية في هذا الوباء، إذ يتصرفون بسذاجة حيال ذلك، ويتجاهلون المأساة الاقتصادية المروعة القادمة"، وأظن أنَّني أحد أولئك المتفائلين السذَّج الذين كانوا سبب ما قالته؛ إذ كنت في وقت سابق، قد أرسلت إليها واحدة من تلك الرسائل الإلكترونية التي تملأ الشبكة العنكبوتية "جميعنا نمر بهذا معاً"، وشاركت أفكاري غير المرغوب فيها حول تلك الجوانب الإيجابية.

يخبرني عقلي العقلاني أنَّ صديقتي لا تميزني، وأنَّ السبب والنتيجة التي اختلقتها ليست سوى نرجسيتي، وخليط من الخوف المنخفض الدرجة الذي يشعر به الجميع الآن، إلى جانب قلة النوم التي تصاحب الأبوة الجديدة.

لكن وبغض النظر، إنَّ الأدلة تدعم حجتها؛ فنحن -على حد تعبير والدي- في قارب دون مجداف؛ فبينما يقاتل الأطباء وموظفو البقالة إلى حد الإرهاق على الخطوط الأمامية، أظن أنَّ الاقتصاديين هم الذين يواجهون مشكلة حقيقية في النوم الآن، متمنين لو أنَّهم درسوا ليكونوا أطباء أو ممرضات بدلاً من إعادة بناء السوق الحرة من الرماد.

لقد كنت أنتظر وآمل أن يكتب الكتَّاب المميزون مثل "تيم كريدر" (Tim Kreider) أو "بول كروغمان" (Paul Krugman) مقالاً من نوع "كل شيء سيكون على ما يرام"، ولكن يمكنني أن أرى الآن أنَّ هؤلاء الواقعيين لن يشرعوا أبداً في ممارسة هذا النوع من التصرفات الساذجة؛ لذا بدلاً من ذلك، استعد للمَهمَّة المستحيلة لمحاولة فهم هذا العالم الجديد الشجاع.

لا أعرف ما إذا كنت سأظل أصدق في نهاية هذا المقال هرائي عن الجانب الإيجابي، لذا تحمل معي بينما نحاول التعافي من أسوأ أزمة في 100 عام، ونرى فيما إذا كان يوجد بالفعل جانب مشرق لهذا الوباء أم لا.

التحول الزمني:

لا يمكن أن أكون أنا الوحيد الذي لاحظ أنَّ التغيير الأكبر في حياتي خلال الوباء هو علاقتي الجديدة مع الوقت، وأتحدث هنا جزئياً عن كيفية قضاء يومي وشعوري أيضاً.

هذا مربك بطريقة ما، حيث يبدو الأمر كما لو أنَّ العالم قد توقف؛ إذ بتُ أنهض من الفراش في ساعات غير منتظمة، وأستيقظ في الليل من أحلام غريبة؛ لكن في الغالب يجب أن أعترف أنَّ إدارة وقتي تحسنت على نحو كبير.

لقد وفرت عدداً قليلاً من ساعات التنقل كل أسبوع، ولكن بصفتي شخصاً كان يعمل بالفعل عبر الإنترنت بنسبة 100٪ ومعظم الوقت من المنزل، لم أحظَ بالكثير من الوقت الإضافي في جدول أعمالي؛ فلماذا يبدو أنَّ الوقت أصبح صديقاً مرة أخرى بالطريقة التي لم يبدُ فيها بهذا الشكل منذ نحو عقد من الزمن؟

الأمر بسيط: لقد تمهلت أو أُجبِرت على التخلي عن الالتزامات التي تبين أنَّها غير ضرورية لسعادتي؛ فعندما تتمهل، تحظى بوقت كافٍ للتوقف والتفكير.

أمام طاولات المطبخ في العالم يجلس الناس ومعهم إذن بالجلوس والتفكير مرة واحدة في القرن؛ وبصفتنا نعيش في الكوكب نفسه، فإنَّنا نأخذ فترة استراحة طال انتظارها من الحياة الاجتماعية الصاخبة، والتي نحن في أمس الحاجة إليها لكي نتجه نحو الداخل ونتنفس ونسأل أنفسنا أهم الأسئلة.

نحن نكتشف لأول مرة ما يعنيه "الوقت الممتع"، ونتعلم أنَّ أفراد عائلتنا ليسوا طائرات دون طيار ذاتية القيادة تمر في الليل؛ بل أكثر ممتلكاتنا قيمة، حيث أسمع قصصاً من جميع أنحاء العالم عن عائلات تسهر وتتسامر طوال الليل في غرفة نوم الابن الأكبر، وعن نوادي الكتب والأفلام والساعات السعيدة عبر الإنترنت والحفلات في فترة الوباء التي يجتمع فيها أصدقاء لم يتحدثوا مع بعضهم بعضاً منذ الكلية ولا يتذكرون لماذا.

لقد كنت أتمنى منذ سنوات اللعب مع أصدقائي عبر الإنترنت، وقد حققت ذلك أخيراً، وأجريت محادثتين أو ثلاث محادثات صعبة ولكن أحتاجها بشدة مع زوجتي، وكانت النتائج مبهرة؛ إذ لم تعد مائدة العشاء مكاناً لرمي الأوراق العشوائية والأشياء المتفرقة، بل أصبحت نواة لعائلتنا الوليدة، وأصبحت أنا وزوجتي أفضل الأصدقاء مرة أخرى، وكذلك بت ألعب مع ابنتي البالغة من العمر 3 أشهر دون الشعور المزعج بأنَّني بحاجة إلى الوصول إلى مكان ما في وقت معين، ولم أعد أشعر بالارتباك والتشتت بسبب حطام الأشياء غير الضرورية.

إذاً ما الذي يملأ الفراغ عندما نزيل الالتزامات الدنيوية والحيوية التي علقناها حول أعناقنا لسنوات عديدة متعبة؟ إنَّه هدفنا الحقيقي.

شاهد بالفيديو: هل تشعر بالضجر من الحجر الصحي؟ 7 نصائح من رائد فضاء

كسر حدودنا الذاتية:

في حلقة حديثة من التدوينات الصوتية التي يقدمها "تيم فيريس" (Tim Ferriss)، استمعت إلى خبيرة العلاقات "إستر بيريل" (Esther Perel) وهي تتوقع أنَّ هذا الوباء سيؤدي إلى ارتفاع حاد في حالات الزواج والطلاق والحمل؛ لكن لماذا؟ لأنَّ الناس لم يعودوا يتحملون البقاء على الحياد، وأصبحوا يتحدثون عمَّا يرضيهم وما لا يرضيهم، فبدأت المشكلات تطفو على السطح، ولم يعودوا قادرين على الانتظار لإجراء تغييرات بعد أن كشف هذا الفيروس الستار عن هشاشة الحياة.

نحن ندرك أنَّ القيود المفروضة على حياتنا كانت في الغالب مفروضة ذاتياً، ولا توجد مشكلة واحدة لم نخلقها لأنفسنا أو نسمح لها بالاستمرار في حياتنا. سوف تزعج هذا العبارة بعض القراء، لذا أسألك: مَن غيرك يتحمل مسؤولية سعادتك؟عندما تجيب عن هذا السؤال بالطريقة الوحيدة الممكنة، فأنت على استعداد لكسر حدودك الذاتية.

اقرن نفاد الصبر الجميل هذا بوفرة الوقت الجديد الذي نمتلكه الآن للتفكير والتخطيط والعمل؛ فقد أصبح الكثير من الناس فجأة على وشك الخروج من شرنقتهم للقيام بعمل رائع، حيث بدأ إطلاق الأعمال التجارية عبر الإنترنت، وتأليف الكتب، والتأمل، وعادات اليوجا، والمكالمات والمحادثات؛ كما اكتشف كثير من الناس الذين انتظروا عقوداً لبدء شيءٍ ما أنَّ أعذارهم في المماطلة كانت أعذاراً واهية.

من أكثر الملاحظات غير المتوقعة حول هذه الأزمة أنَّ العالم يعرف الملل مرة أخرى، إذ إنَّنا نتساءل دون النشرات الإخبارية في صفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي ما الذي يجب أن نفعله؛ ولكن بينما تتدفق بعض هذه الطاقة الكامنة، يتحول كثيرٌ منها إلى إبداع غير متوقع.

إنَّ التألق المطلق للبراعة البشرية يعمل على تحسين إيماني بالإنسانية بصورة كبيرة، حيث يشير المؤلف ومسؤول البث الصوتي "روب بيل" (Rob Bell) إلى أنَّ القيود تحفز الإبداع (يمكنني تفهُّم ذلك، فقد احتفلت بعيد ميلاد زوجتي باستخدام المواد الموجودة في منزلنا فقط).

إقرأ أيضاً: 9 طرق للبقاء على تواصل مع العالم في ظلِّ التباعد الاجتماعي

بدء النشاط:

لقد استفدت من هذه العزلة في بناء ورشتي عمل جديدتين للكتابة عبر الإنترنت، وإنشاء برنامج عضوية وإطلاقه، وفتح آفاق جديدة مع العملاء الذين لم يكن لدي وقت للوصول إليهم قبل تفشي الوباء، وازدادت كتاباتي؛ ولم أكن أتوقع أيَّاً من هذا في خضم مأساة عالمية.

مقارنة بشهر كانون الثاني (يناير)، أصبحت من رواد الأعمال الناجحين، وذلك على الرغم من أنَّني أمر بأيام من اليأس أكثر من ذي قبل؛ فمثلاً، بتُّ أفضل استخدام هذه العزلة القسرية كذريعة للاستحمام بعد الغداء؛ لذا أكثرت فعل ذلك، وأشعرني تكرار الأمر نفسه بالملل الشديد.

لم أعد غارقاً في إغراءات العالم الخارجي المستمرة رغم أنَّني أفتقد جلسة مشاهدة الناس اليومية في المقهى، إلَّا أنَّ مواسم الكساد قد تكون هدايا جميلة أيضاً، وكما قيل: "يعطي الحقل الذي يستريح محصولاً جميلاً"؛ والآن، أستطيع أن أؤكد أنَّ هذه المساحة في حياتي تحمل ثماراً لذيذة.

أعلم أنَّني لست حالة شاذة؛ إذ تدفع هذه العاصفة المكتملة الأركان -علاقتنا الجديدة بالوقت، وتحطيم حدودنا الذاتية، والمساحة الجديدة في حياتنا، والملل- الكثير من الناس للبدء في مشاريع ونشاطات إضافية، فانظر فقط إلى الجموع التي تطلق التسجيلات عبر الإنترنت.

ولكن يوجد شيء آخر يحفزنا: اكتشاف أنَّ وظائفنا هشة إلى حدٍّ كبير، ورواتبنا غير مضمونة، والرهان الأكثر أماناً ليس الراتب، بل أن نصبح الرئيس التنفيذي لحياتنا أو القبطان الذي يوجه دفة السفينة؛ وللقيام بذلك، يجب الانتقال إلى ريادة الأعمال.

إذا لم تكن تؤمن بذلك، فآمل الآن أنَّك بدأت ترى أنَّ وقت المشقة هذا هو أفضل وقت للمجازفة؛ لذا، ابدأ على الفور.

إقرأ أيضاً: 10 مواقع رائعة تقدم دروساً مجانية في مهارات ريادة الأعمال

إدراك قوتنا:

عندما استحوذ "فيروس كوفيد-19" (COVID-19) على انتباهي في الأسبوع الأول من شهر آذار/مارس، كتبت مذكرة في تطبيق إيفرنوت (Evernote) بعنوان "توقعات نهاية العالم" مع إدخالات مثل: "سيبدأ الناس في تذكر ما هو هام" و"ستظهر طبيعتنا السلبية".

لقد تمكَّنت إلى حدٍّ ما من توقع ما سيحدث، ولكن فاتني تماماً توقع واحد من أكثر الأمور إيجابية خلال هذا الوباء، وهو أنَّنا سنصبح أقوياء عندما نعمل معاً.

نحن نقدِّر الفردية في الغرب، ويجب أن نحظى جميعاً بفرصة الوقوف على قدمينا؛ ولكن ما هو أول رد فعل للجميع عندما دقت أجراس إنذار فيروس كورونا؟ تقربنا من عائلاتنا قليلاً، وتأكدنا من أنَّ أصدقائنا وجيراننا كانوا جاهزين لاستقبال فصل الشتاء المقيت، وأجرينا مكالمات مع أشخاص لا نتصل بهم في العادة للاطمئنان عليهم.

إنَّ حالتنا الطبيعية ليست مثل الذئب المنفرد، ولكن كجزءٍ من المجموعة، حيث تميز البشر الذين عملوا معاً على مر العصور، ونُبِذَ المتفردون؛ فنحن أقوى معاً.

تبين لنا هذه الأزمة القوة الهائلة التي نمتلكها عندما نتصرف بطريقة جماعية، فقد أُلغِيت الحفلات والمهرجانات بناءً على طلب المواطنين، وأقرت الحكومات في جميع أنحاء العالم قوانين شاملة بين عشية وضحاه، وأغلقت قطاعات كاملة من الاقتصاد، وأقنعت المليارات من الناس بالبقاء في منازلهم.

هل تتذكر كيف أخبرنا قادتنا على مدار العشرين عاماً الماضية أنَّه من المستحيل التحرك بسرعة بشأن تغير المناخ، وأنَّ هذا العمل الراديكالي مستحيل؟ لقد كشفت الأيام الستون الماضية الهراء المحض لتلك الأكاذيب، حيث يمكن لقادتنا فعل المستحيل، فقط إذا أخبرناهم بذلك.

وماذا عن الفقر؟ هل يمكننا أن نصدق حقاً في عالم توشك فيه حكومات العالم على توفير تأمين ضد البطالة لملايين الناس الذين فقدوا وظائفهم بسبب هذا الفيروس، أنَّه لا يمكن فعل أي شيء من أجل الفقراء الذين ينامون في الشوارع والمطلقات اللائي يعشن على قسائم الطعام؟

لقد انتهت اللعبة، ويمكن للسياسيين وقادة الأعمال اتخاذ إجراءات ضخمة بسرعة، ولكنَّ الأمر متروك لنا لمطالبتهم باتخاذ قرارات جريئة؛ فإذا لم يُظهِر لنا هذا الوباء قوتنا، فلن يُظهرها أي شيء آخر.

عندما يخاف الآخرون:

هل تشعر بالندم؟ اسأل معظم الناس ولن يشيروا إلى ما فعلوه، ولكن إلى ما لم يفعلوه؛ حيث يرى الحكماء التحركات غير المدروسة كدروس على مسار الحياة التي تغذي نمونا؛ ولكن مثل الكثير على هذا الدرب، فإنَّ الطريقة الوحيدة للوصول إلى حالة السلام هذه هي اختيار رؤيتها بهذه الطريقة.

هذه الأزمة ليست سوى دعوة أخرى للاختيار، وممَّا لا شك فيه أنَّ هذا الوباء مأساة، إذ يعاني الناس ويموتون ويفقدون وظائفهم ويُحاصَرون في الداخل بينما تخور قواهم العقلية؛ وعلاوةً على ذلك، قد تكون هذه المصاعب قد بدأت للتو، وأنَّ التداعيات الاقتصادية ستسبب أكبر قدر من الألم؛ ويمكننا هنا أن نختار إغراق وعينا بالتفكير في الكارثة والوقوع في القلق واليأس، أو يمكننا تعديل الموقف ليصبح فرصة للنمو؛ فعندما قال "وارن بافيت" (Warren Buffett): "كن جشعاً عندما يكون الآخرون خائفين"، لم يكن يدعوك لتصبح لصاً أو محتكراً، بل كان يشجعنا على إيجاد الفرصة في الأزمة.

لا أعرف حالتك، فربّما تكافح من أجل تغطية نفقاتك أو تناضل لتبقى شجاعاً في نظر عائلتك، أو تقاتل في الخطوط الأمامية لوحدة العناية المركزة، أو تخاطر بصحتك لإبقاء الأضواء مضاءة لنا؛ لكن على أي حال، اعلم أنَّ 7 مليارات منا يخوضون المعركة نفسها ويواجهون الخيار نفسه "الاستلقاء أو النهوض".

إنَّ أوقات الاضطراب هي أرض خصبة لنمو هائل، والظروف مهيأة لنا للتطور وبدء شيء جديد، والتقدم إلى الداخل والعودة إلى الظهور أقوى ممَّا كنَّا عليه، واختيار رؤية هذه المشقة كمعلَمٍ آخر.

 

المصدر




مقالات مرتبطة