الخجل الشديد: تعريفه، وأسبابه، وكيفية علاجه

لطالما كان الخجل من النعم الحقيقية في شخصيتنا، فلا يوجد أجمل من احمرار الوجه اللطيف ذاك، وتلعثُم اللسان البسيط ذاك، والارتجاف الخفيف والمحدود لليدين، ولا يوجد أرقى من التحلِّي بخصلة تقدير احتياجات الآخرين والخوف على خسارتهم والخجل من مبادرتهم بالكلام القاسي أو الجارح، ولكن في حال تعدِّي الخجل حداً معيَّناً، وتحوُّله إلى إعاقةٍ في الحياة بدلاً من كونه مساعداً إيجابياً فيها؛ عندها سيشعر الشخص بفقدان السيطرة على حياته وتفاصيله.



في كل مرة يشعر بها الإنسان بانعدام ثقته بنفسه وعدم قدرته على الوقوف أمام الناس وإلقاء كلمة ما، وفي كل مرة تهرب الكلمات منه وتسيطر عليه حالة من التوتر القصوى، ومن الارتجاف اللَّامعقول لليدين، والتلعثم اللَّامنطقي للسان، والاحمرار غير الطبيعي للوجه؛ عندها نستطيع القول: أنَّ حالة الخجل قد تحوَّلت من نعمة وخصلة حميدة إلى نقمة وورم خبيث يجتثُّ حياتك.

هل تخشى أحكام الآخرين، وتنشغل في التدقيق على أدق تفاصيلك لِئلَّا تنال أيَّاً من تعليقاتهم؟ وهل تشعر دوماً أنَّك غير كافٍ على التعامل مع المواقف والمستجدات الطارئة في حياتك؟ وهل تملك حديثاً داخلياً سلبياً مع ذاتك يزيد من خجلك وتوترك أمام الناس؟ وهل تُعظِّم من حجم الآخرين، وتنسى الله، وتُقزِّم من وجودك، مستمداً قيمتك واحترامك من الناس فقط؟ وهل تفضِّل البقاء وحيداً على الانخراط مع الناس والحياة، بالرغم من ضرورة حضورك ضمن المكان؟

كيف تتعامل مع خجلك بحيث يكون سنداً لا عدواً لك، هذا ما سنناقشه من خلال هذا المقال.

هل الخجل حالة شاذة؟

إن كنتَ تشعر بالخجل والتوتر لدى قيامك بأيِّ مهمة جديدة كأن يكون عليك إلقاء محاضرة أمام حشدٍ كبيرٍ من الناس؛ فاعلم أنَّ شعورك طبيعيٌّ للغاية، وأنَّ كل الناس ينتابها ذات المشاعر في كثيرٍ من المواقف، ولكن يُعدُّ الفارق ما بين الشخص الخجول والشخص العادي، هو درجة التحكم في الخجل؛ حيث يعلق الشخص الخجول في دائرة عدم الارتياح ولا يستطيع الخروج منها، في حين يستطيع الشخص العادي التعامل بمرونة مع مشاعر الخجل، وتجاوزها بكثيرٍ من الذكاء.

إذاً، الخجل ليس حالة شاذة، وإنَّما شعور طبيعي ويحتاج إلى إدارة في حال إثارته إعاقة حقيقية لمجريات الحياة.

شاهد بالفيديو: 6 طرق هامة لإتقان فن الحديث

ما هي أسباب الخجل الشديد؟

يقع كثيرٌ من الأشخاص في فخ الخجل الشديد، ويخسرون كثيراً من فرص العلاقات لعدم قدرتهم على إدارة خجلهم، وفي الحقيقة لهذه المشاعر جذور أساسية هي:

1. التربية:

يتعامل كثيرٌ من الأهل مع أطفالهم بكثيرٍ من عدم الوعي، فيشوِّهون ثقة الأطفال بأنفسهم، كأن يقول الأب لطفله المنطلِق على الحياة والذي يحاول التكلم والتعبير عن أفكاره: "لا تتكلم، إنَّ كلامك يدعو إلى الضحك"، أو تخاطب الأمُّ طفلها بكثيرٍ من القساوة؛ فتقول له: "أنت لا تفهم، وغبي، ومغفَّل"، أو يعزِّز كلا الوالدين برمجة التجنُّب لدى طفلهما بحيث يتبنَّيان ثقافة الهروب من المشكلات بدلاً من مواجهتها.

يملك الشخص الخجول في غالب الحالات ملفات قاسية من ماضيه وطفولته، تجعله ضعيف الثقة في ذاته وغير قادر على التحكم في المواقف التي يتعرض لها.

2. الصورة الذاتية الضعيفة:

يملك الشخص الخجول بشدة والذي يخاف التعاطي مع مجريات الحياة، صورة ذاتية قاصرة عن ذاته، فهو يستمد قيمته واحترامه من الآخرين، ولا يملك استقلالية عنهم، ويشعر دوماً أنَّه في المرتبة الأدنى وهم في المرتبة الأعلى، وتهيمن عليه فكرة أنَّه خجولٌ ولا يُحسِن التصرف في المواقف الصعبة، إلى أن تتحول هذه الفكرة إلى هوية شخصية له، فيستسلم لها بدلاً من مواجهتها ومحاولة علاجها.

إقرأ أيضاً: 10 علامات تحذيرية تشير إلى تدني تقدير الذات وانعدام الثقة

3. التركيز على الذات:

يتمركز الشخص الخجول على ذاته، ويجد أنَّه محور الكون، الأمر الذي يشعره أنَّه تحت المجهر دوماً، وأنَّ الآخرين في حالة مراقبةٍ دائمةٍ له؛ فلا يتصرف على طبيعته مطلَقاً؛ بل يبقى أسيراً لأحكام الآخرين عنه، ويسأل نفسه السؤال الدائم "هل أنا جيِّدٌ كفاية لكي أنال إعجابهم؟"، فهو دائم الشك في قدراته ومهاراته، وثقته مهزوزة بذاته.

على سبيل المثال: في حال جلس شخصٌ خجول في مطعم ما، فإنَّه يبقى طوال الوقت في حالة من التوتر والخجل، ويفسِّر كل نظرة ينظر بها الآخرين، وكل ضحكة يضحكونها على أنَّها تمسُّه شخصياً؛ أي أنَّه يشخصن الأمور كلها، ويؤوِّل كل حركة على أنَّها مساس بكرامته الشخصية، وهويَّته، وأنَّها محاولةٌ للتقليل من شأنه، الأمر الذي يجعله دائم القلق والتوجُّس والتوتر.

4. التفسير الخاطئ للضغوط:

يفسر الشخص الخجول الضغوط على أنَّها أعباءٌ كبيرة عليه، ففي حال تعرِّضه لصدمات نفسية من قِبل الآخرين؛ يميل إلى اعتزال الآخرين والهروب من بناء العلاقات، بدلاً من التفكير بطريقة مختلفة والاستفادة من الدروس والتجارب بهدف بناء علاقات أكثر متانة ونضجاً.

5. الكمالية:

قد تكمن النزعة إلى الكمالية خلف الخجل الشديد للشخص، فقد يميل الشخص إلى المثالية المفرِطة ويجد أنَّ الواقع لا يتقاطع مطلقاً مع تلك المثالية، الأمر الذي يجعله يبتعد عن الناس وينفر من العلاقات.

6. الخوف من الرفض:

يهتم الشخص الخجول بشدَّة في رأي الآخرين فيه، الأمر الذي يجعله دائم الخوف من رفضهم له؛ ممَّا يجعله متردداً في اتخاذ القرارات، والتعبير عن رأيه، والتصريح عمَّا يشعر به.

7. عدم الأمان:

يكمن في الحقيقة وراء مشاعر الخجل الشديد للشخص، مساحة عميقة من عدم الأمان الداخلي، وقد تكون هذه المساحة قديمة جداً بحيث لا ينتبه الشخص لوجودها في داخله. تأتي مشاعر عدم الأمان من وجود أفكار سلبية متبنَّاة من الماضي، كأن يكون لدى الإنسان فكرة "أنَّه غير محترم من قِبل الناس" نتيجة لما تعرَّض له من تنمُّر ومشاحنات من الآخرين، ممَّا يجعله يميل إلى النفور والخجل الشديد وفقدان الثقة بالآخرين.

إقرأ أيضاً: الخجل الاجتماعي: الأسباب، الأعراض، وأهم النصائح لعلاجه

كيف أعالج خجلي الشديد؟

يسبِّب الخجل الشديد كثيراً من المشكلات النفسية التي تسبب إعاقة حقيقية لحياة الإنسان، فتجعله لا يحسن اتخاذ قراراته ويمتلك تقديراً ذاتياً منخفضاً عن نفسه، ولا يملك الرغبة للسعي والعمل والإنجاز.

نستطيع أن ندرج التفاصيل التالية لعلاج مشكلة الخجل الشديد:

1. نقل التركيز إلى الآخرين:

لا تعتقد أنَّك محور الكون، وأنَّ الآخرين لا يفكرون إلَّا بك وبتفاصيلك. افصل بين التخيُّل والحقيقة، فعلى سبيل المثال: اعلم أنَّ مشاعر الخجل الشديد التي تنتابك لدى حضورك لمناسبة تحتوي على كثيرٍ من الأشخاص، والأفكار السلبية التي تنتابك بأنَّك في حالة مراقبة خطيرة من قِبل الناس؛ لا مبرِّر لها جميعها، ولا تفيدك في أي شيء؛ لأنَّ الآخرين لديهم أولويات أخرى للاهتمام بها، حيث يملك كل شخص كثيراً من التفاصيل الشخصية ليفكر بها؛ لذلك استرخِ وعِش طبيعتك وانسَ الآخرين.

إذاً، الذي يجعلك تشعر بالخجل الشديد هو تركيزك الشديد على ذاتك، وعلى كل حركة تقوم بها، بحيث تصبح مصطَنَعاً وغير حقيقياً، فبدلاً من تركيزك على ذاتك؛ انقل تركيزك على الآخرين، واعمل على فتح حوار معهم، الأمر الذي يخفف من توترك وخوفك.

2. الخيال:

استثمِر بخيالك، وتدرَّب على المواقف التي تسبب لك الحرج مسبقاً، الأمر الذي يساعدك على تخطِّي الموقف في الواقع، على سبيل المثال، في حال كان لديك مقابلة مع شخص مرموق؛ عليك أن تستعد نفسياً لهذا اللقاء من خلال استحضار الموقف في خيالك، وخلق ردات فعل مناسبة للموقف، ممَّا يجعلك أكثر قوة عندما تتعرض للموقف على أرض الواقع.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من المواقف المحرجة بطرق ذكية؟

3. المواجهة:

اعلم أنَّ المواجهةَ سلاحُ الأقوياء والقادرين على السيطرة على حياتهم، لذلك واجِه مخاوفك وضَع نفسك في المواقف التي تخيفك وتحرجك، حيث يجعلك التعرض التدريجي لمثل تلك المواقف أكثر قدرة على التعامل معها، وبالتالي تزداد ثقتك بنفسك ويرتفع تقديرك لذاتك.

4. الخطأ ليس نهاية العالم:

اعلم أنَّه لا يوجد بشري كامل، ومن الطبيعي جداً أن ترتكب الأخطاء، وليست نهاية العالم، فقد خُلِقتَ للتطور والارتقاء، لذلك لا تَجلِد ذاتك ولا تكن كمالياً؛ بل اسعَ إلى تقبُّل أخطائك ومن ثمَّ اسعَ إلى تحسينها.

5. التكلم مع غريب:

اكسر حاجز الخوف لديك من خلال إدارتك حواراً مع الغرباء، الأمر الذي يجعلك أكثر مرونة وثقة وقوة.

6. الرياضة والتأمُّل:

تُعدُّ الرياضة والتأمل من أكثر الأنشطة المساعدة على تحسين الصورة الذاتية للإنسان، والتخلص من كمِّ المشاعر والأفكار السلبية التي يملكها، وبالتالي المحافظة على ردود أفعال أكثر اتِّزاناً.

7. الخجل نتيجة وليس أساس:

اعلم أنَّ الخجل ليس سمة عامة فيك، وليس سمة متأصِّلة في صورتك الذاتية؛ وإنَّما نتيجة لما تتبعه من أفكار وسلوكات. فإن سعيتَ إلى تغيير منهجية التفكير؛ ستتغير مشاعرك ومن ثمَّ سلوكاتك.

8. استرجاع الماضي:

الخجل وعدم الاتِّزان والتلبُّك الشديد والاحمرار غير المنطقي للوجه، والارتجاف الشديد لليدين؛ كلها مظاهر تدل على أنَّ هناك مكاناً ما في داخلك لا يشعر بالأمان، وهنا عليك التواصل مع هذا المكان، من خلال استثمار أوقات راحتك في البحث عن مصدر اللَّاأمان في ماضيك، وعن الجذر الأساسي لمشاعر الخوف والإرباك التي تشعر بها.

قد تتذكَّر حادثةً ما من الماضي بحيث تتقاطع مع مشاعر الخوف التي تنتابك، وهنا عليك أن تستحضر المشاعر بقوة دون الهروب منها، فقد تكون قد عانيتَ من الخوف بأنَّك لا تستطيع إقناع الناس بفكرتك، الأمر الذي يجعلك تهرب من بناء العلاقات، وهنا عليك أن تختبر الجزء المتألِّم من جسدك والمترافق مع شعور الخوف ذاك، وتقدِّم له الحب والرعاية والاعتراف، ومن ثمَّ -ومع التدريب المستمر- تتحرَّر من تلك الشحنة العاطفية السلبية ويظهر لك الأمان المطلَق الذي: يختفي وراءها، حيث لا خوف ولا توتر.

9. التنفس الصحيح ولغة الجسد:

لكي تتخلص من الأعراض المرافِقة للخجل من احمرار وجه، وتلعثم، ونسيان، ورجفان اليدين وتعرُّقها؛ عليك بالتنفس الصحيح، كأن تأخذ شهيقاً طويلاً من أنفك، وتُخرجه ببطء من فمك. وعليك أن تحافظ على تماسكك من خلال لغة جسد قوية، كشدِّ الكتفين، وتثبيت اليدين على الطاولة مثلاً منعاً من ارتجافها، والمحافظة على التواصل البصري مع الآخر.

10. الثقة:

ابنِ ثقتك بذاتك من خلال السعي إلى تحقيق شغفك وأهدافك، من شأن ذلك أن يجعلك أقوى وأكثر تماسكاً. وكن مسؤولاً بحيث تعترف بما لديك من مشكلات في التواصل مع الآخر، ومن ثمَّ تسعى إلى تقييم الأمور من وجهة نظر مختلفة، كأن تعتزل لغة اللوم وإلقائه على الآخرين، وتتبنَّى المسؤولية تجاه ما تمرُّ به من مشاعر ومواقف.

11. الثقة بالله:

اربط قيمتك مع الله، ودَعكَ من الناس، فمن شأن ذلك أن يعزِّز من صورتك الذاتية ويمنحك قوةً وتوجُّهاً أكثر وضوحاً.

إقرأ أيضاً: نصائح لتزيد ثقتك بالله سبحانه وتعالى وإيمانك به

12. الإنجازات الصغيرة:

استمتِع برحلة سعيك إلى التخلص من الخجل الشديد وكن صبوراً، حيث يتطلب الأمر تدريباً مستمراً للوصول إلى النتائج المرجوة.

في الختام:

لقد خُلقتَ لتكون منطلقاً، وشجاعاً، وجريئاً، وطموحاً، ومتفائلاً، وواثقاً؛ لذلك لا تقتل فطرتك السليمة بما تحمله من تفسيرات خاطئة لمواقف وتجارب ماضية في حياتك. احتفِل بخجلك، ولكن لا تجعله يسيطر عليك.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8




مقالات مرتبطة