الثقة التامة بالنفس: أسباب ضعفها، وطرق تقويتها

"أنت لا تقوى على فعل هذا"، "يا لكَ من طفل ضعيف!"، "لطالما فشلتَ في تحقيق أهدافك، أنت فاشل وستبقى كذلك"، "انظر إلى أقرانك إلى أين وصلوا وانظر إلى نفسك ومدى فشلك"، تطغى هذه الجمل وغيرها كثيراً على طريقة تربية الأبناء في مختلف المجتمعات، ممهِّدة الطريق لبناء جيل مهزوز الثقة بالنفس، وغير قادر على التعبير الحر عن آرائه وأفكاره،



يضعنا هذا الأمر الذي أمام مسؤولية إعادة بناء وتقويم الثقة الهشة بالذات، فلن تستطيع الوصول إلى السعادة والسلام الداخلي، ولن تستطيع بناء علاقات سليمة مع الآخرين، ولن تستطيع تحقيق أهدافك؛ بدون وجود ثقة حقيقية بذاتك وقدراتك. يبدأ كل أمر في الحياة من الداخل، فلكي تضمن صلاح الخارج عليك بالعمل على داخلك أولاً.

ما هي أسباب ضعف الثقة بالنفس؟ وكيف أكتسب الثقة العالية بالنفس؛ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ما هي الثقة بالنفس؟

هي شعورك الحقيقي بالإمكانيات والقدرات التي تمتلكها، على سبيل المثال: إن كنتَ تمتلك قدرات حقيقية في الكتابة وفي الخطابة وتشعر بهذه القدرات وتعمل على تطويرها على الدوام، فهذا يعني أنَّك شخص واثق من ذاته، في حين لو امتلكتَ القدرات إلَّا أنَّك لا تشعر بوجودها فيك؛ فأنتَ إذاً تحتقر ذاتك، أمَّا في حال عدم امتلاكك للقدرات إلَّا أنَّك تشعر بوجودها فيك؛ فإذاً أنت إنسان مغرور، وغير واقعي، وتعيش بوهم الكمالية.

ما هي أسباب ضعف الثقة بالنفس؟

1. التربية:

يتبع كثيرٌ من الأهل أسلوب المقارنة في التربية، الأمر الذي يُنشِئ طفلاً ضعيف الثقة بذاته، بحيث يشعر أنَّه غير كاف على الدوام، وأنَّه دون مستوى توقعات الأهل، على سبيل المثال: قد يقول الأب لابنه: "يا لك من فاشل، انظر إلى أخيك الأصغر منك وتعلَّم منه فقد حصل على المجموع الكامل في مادة الرياضيات على عكسك تماماً"، من جهة أخرى، قد يربِّي الأهل أطفالهم على ضرورة إيلاء الآخرين الأهمية القصوى في الحياة، بحيث يتنازلون عن راحتهم وأولوياتهم في سبيل إسعاد الآخر، الأمر الذي يجعلهم ضعيفي الثقة بذواتهم وغير قادرين على الدفاع عن حقوقهم، على سبيل المثال: عندما يطلب الأب من ابنه التزام الصمت التام بوجود الناس الغرباء في المنزل، والتصرف بعكس طبيعته وعفويته، وارتداء أفضل الملابس من أجل الغرباء؛ يخلق هذا الأمر إحساساً لدى الطفل بأنَّ الآخر أهم منه، وأنَّ عليه كسب رضا الآخر أولاً في الحياة، ويقوم الأهل أيضاً باتباع أسلوب الفرض والأوامر على الأطفال، دون محاولة إقناعهم بأهمية الأمر ونتائجه الإيجابية عليهم، ويخلق أسلوب الفرض نتائج كارثية على ثقة الطفل بذاته؛ إذ يشعر أنَّ رأيه غير هام وأفكاره لا تستدعي النقاش. يتبع بعض الأهل أسلوب النقد المستمر لسلوكات أطفالهم، الأمر الذي يُضعف من ثقتهم كثيراً، ويُشعِرهم بالفشل والنقص الدائم، إضافة إلى تبنِّي أسلوب الكمالية من قِبل بعض الأهل، حيث يركزون على ما ينقص ابنهم من قدرات أو درجات ولا يعيرون انتباهاً لما يمتلكه من قدرات وما يحصل عليه من درجات عالية.

2. الحديث السلبي:

يتبنَّى كثيرٌ من الناس حديثاً سلبياً مع ذواتهم، الأمر الذي ينعكس سلباً على تصرفاتهم، حيث يتحول ما تفكِّر فيه وتقوله إلى أفعال لا محالة، فإن كنتَ ممَّن يواظبون على الحديث السلبي مع الذات، كأن تقول لنفسك: "لن أنجح"، "أنا فاشل"، "أنا غير قادر"، فاعلم أنَّ هذه الكلمات السلبية ستتحول إلى واقعك. وعلى العكس من ذلك، يشكِّل الحديث الإيجابي مع الذات قوة حقيقية لك، بحيث تمتلك الحماس والطاقة لتحقيق أهدافك وطموحاتك.

شاهد بالفيديو: 25 نصيحة فعالة لتعزيز الثقة بالنفس

3. التجارب:

يعيش مَن يملك ثقة منخفضة بالذات بوهم الماضي ومآسيه، فلا يستطيع رؤية الجانب المشرق من تجاربه السابقة، ويغوص في حلقة مفرغة من مشاعر اللوم وجلد الذات، فيقول على سبيل المثال: "إنَّني من ذوي الحظ السيء، ولن أصِل إلى ما أريد، وكل ما حدث في الماضي أكبر دليل على ذلك"، من جهة أخرى، يمتلك الشخص الواثق بنفسه منهجية تفكير إيجابية، بحيث يستخلص الدروس المستفادة من تجاربه السابقة، وبالتالي فإنَّه يصنع حاضراً أفضل وأرقى وأنضج له.

4. الكفاءة:

عندما لا يدرك الإنسان نقاط قوَّته، ويعمل على تطويرها وصقلها؛ فإنَّه يغرق في دوامة من ضعف الثقة بالذات، الأمر الذي يجعل حياته جحيم، ويستطيع هذا الإنسان قلب حياته إلى جنة؛ في حال الجلوس مع ذاته بصدق وسؤالها عن أولوياتها الحقيقية بغضِّ النظر عن آراء الآخرين، وعن القدرات الكامنة فيها، وعن المسارات التي تجد نفسها فيها. تكمن الثقة بالنفس في قدرة الإنسان على التركيز؛ فحيث يكون تركيزك تكون أنت، فإن ركزتَ على النواقص التي بداخلك فسَتغرق في مشاعر قاسية من ضعف تقدير الذات، أما في حال تركيزك على نقاط قوَّتك والإمكانيات التي تستطيع القيام بها؛ فسَتغرق حينها في بحر من الثقة العالية بالذات.

5. الشخصنة:

يميل الشخص الذي يملك ثقة منخفضة بذاته إلى الشخصنة، بحيث يُترجم كل كلمة يتفوه بها الآخرون على أنَّها مساس بشخصه تماماً، الأمر الذي يخلق المشاحنات بينه وبين الآخرين، ويصيبه بكثيرٍ من المشاعر السلبية، ويعلم الشخص الممتلئ أنَّ كل إناء ينضح بما فيه، فلا يؤثِّر فيه كلام الآخرين.

ومن جهة أخرى، لا يتعامل الشخص الممتلئ بالحساسية المفرطة تجاه النقد؛ بل يأخذ الأمور التي يستطيع الاستفادة منها، ويترك الأمور التي من شأنها إضعافه والتقليل من شأنه، فهو يفرق ما بين الآراء والحقائق، فعندما يقول له شخص ما: "لقد كانت محاضرتك قيِّمة جداً، ولكن أقترح عليك عدم إطالتها بهذا الشكل في المرات القادمة، فقد أصبنا بالملل في بعض الأجزاء".

يدرك حينها الشخص الواثق أنَّ هذا القول بمثابة الحقيقة التي تصب في مصلحته، ولكن في حال قيل له: "إنَّ مظهرك لم يكن لائقاً اليوم، عليك الانتباه وتلافي الأمر"؛ عندها يدرك الشخص الواثق أنَّ هذا القول لا يتعدى كونه "رأياً" لا يستند إلى دلائل وأمور منطقية وبالتالي ليس عليه التقيد به أبداً.

6. الصورة الذهنية:

يشكِّل ما تبنيه عن ذاتك على مدار سنوات طويلة؛ صورتك الذهنية عن نفسك، وهي التي تحكم توجهاتك وخططك وأفعالك.

يراكم الشخص ذو الثقة المنخفضة كثيراً من المواقف والتجارب التي لم يحسِن التصرف فيها، لِيبني بعد ذلك صورة ذهنية سلبية عن ذاته، ولا يعترف باللحظات التي أحسن التصرف بها، ولا يعترف بأهمية الخيال لديه لإعادة بناء صورة إيجابية عن ذاته؛ كأن يتخيَّل نفسه في مواقف معيَّنة وقد أحسن التصرف فيها، أو يتخيل ذاته وقد نجح في بلوغ أهدافه وخططه في الحياة.

إقرأ أيضاً: الثقة بالنّفس... أسباب انعدامِها وطُرق إحيائها

7. عدم الرضا عن الواقع:

لا يشعر الشخص ذو الثقة المنخفضة بمشاعر الرضا عن واقعه، فهو دائم الشكوى واللوم، ولا يستطيع تحقيق أهدافه، وذلك بسبب بنائه توقعات عالية لحياته غير متناسبة مع قدراته، وبسبب عدم مرونته وعدم اتباعه لمبدأ "التدرج في الحياة"، فهو لا يعترف بالمراحل التي تسبق عملية النجاح؛ بل يريد الوصول إلى النجاح وبسرعة قصوى، الأمر الذي يجعله سريع الانسحاب من العمل، وقليل السعي وكثير الشكوى والملامة.

8. مفهوم التواضع المشوّه:

يميل بعض الأشخاص إلى التواضع بطريقة مبالغ فيها، معتقدين أنَّ الاحترام المبالغ فيه وتفضيل أولويات الآخرين على أولوياتهم الشخصية وكبت مشاعرهم وأفكارهم الحقيقية؛ مظهر من مظاهر التواضع، في حين أنَّها احتقار للذات وتقليل من شأنها.

كيف أثق في نفسي؟

1. التحرر من الآخرين:

لا تهدر طاقتك وجهدك في إسعاد الآخرين؛ بل انقلها إلى داخلك، فالشخص الذي يعاني من ضعف الثقة بالنفس هو شخص نقل تركيزه إلى الخارج، حتى بات يستمد قيمته من الآخرين، فتحرَّر من الناس، وانشغِل بذاتك، فلن تستطيع بناء علاقات ناجحة مع الآخرين ما لم تبنِ علاقة ناجحة وقوية مع ذاتك.

2. إلغاء المنافسة:

لا تقع في فخ المقارنة مع الآخر، حيث يمتلك كل شخص قصة أو رسالة مختلفة، أو توجهات وقيم مختلفة تماماً عن الآخر، وتؤدي المقارنة مع الآخرين إلى فتور الحماس والهمة وإلى الإصابة بضعف الثقة بالنفس، لذلك قارِن نفسك مع نفسك، واسأل ذاتك عن التطورات التي طرأت على شخصيتك، عملك، وعلاقاتك في السنة الحالية مقارنة بالسنة الماضية.

3. التقبُّل:

لن تستطيع الوصول إلى ما تريد ولن تأتيك الأفكار الإبداعية، إن لم تبدأ بتقبُّل واقعك، والابتعاد عن مشاعر الشكوى والتذمر القاتلة؛ لذلك تقبَّل وضعك الحالي واسعَ إلى الأفضل وفقاً لإمكانياتك المتاحة.

4. التدرج الطبيعي للنجاح:

آمِن بفكرة "التدرج"، فلا يوجد شخص ناجح إلا وكانت بداياته بسيطة وقاسية، لذلك كن واقعياً، وقسِّم أهدافك الكبيرة إلى أهداف صغيرة وابدأ بالتنفيذ على الفور.

5. التجربة:

لا تتوقع النجاح من المرة الأولى، فقد جرَّب الناجحون مئات الطرائق قبل نجاحهم العظيم، وتذكَّر أنَّ الأخطاء هي دروس حقيقية لكي نتعلم ونتطور ونرتقي.

6.  الاستثمار في الذات:

ذاتك؛ هي سندك الحقيقي في الحياة بعد الله، لذلك تكلَّم معها الكلام الإيجابي، وقدِّرها، وكافئها، وقدِّم لها الهدايا، وسامِحها، وكن دائماً معها، وتمسَّك بحقوقها، ودافِع عنها، واعترِف بأخطائها، واسعَ لتقويمها، واكتشِف نقاط قوَّتها، واستثمِر فيها، وعبِّر عنها بكامل الصدق والعفوية، وضع إسعادها الأولوية في هرم أولوياتك، فهي السبب الأساس لنجاحك بعد الله تعالى.

إقرأ أيضاً: 10 طرق أثبتت نجاحها لبناء الثقة بالنفس

7. المسؤولية:

تحلَّ بكامل المسؤولية عن حياتك، وابتعِد عن التبريرات المدمرة والإسقاطات الفاشلة، وكن قوياً، واعترِف أنَّك المسؤول عن واقعك، وابدأ بخطوات جديَّة للإصلاح والتقويم، وحدِّد أهدافك واسعَ إليها بنيَّةٍ صادقة وحقيقية.

8. علاقتك مع الله عزَّ وجل:

استثمِر في علاقتك مع الله، فهي العلاقة الأهم على وجه الأرض، وتبدأ الثقة الحقيقية من ثقتك المطلقة بكرم الله ولطفه، وتمنحك ثقتك بالله مشاعر الرضا والسلام الداخلي، وتقوِّي مهارة التسليم لديك، وتعزز قوَّتك الداخلية وهمَّتك للعمل والسعي وفقاً لما هو متاح لديك.

الخلاصة:

تستطيع أن تكون واثقاً بنفسك من خلال وعيك الحقيقي بأنَّ الله قد كرَّمك، ومن خلال وعيك أنَّ ذاتك هي مَن ترفعك وتصونك وليس الآخرين، ومن خلال اكتشاف شغفك ونقاط قوَّتك التي كنتَ تؤجل دوماً الاستثمار فيها، ومن خلال الاعتراف بحتمية وجود الأخطاء لكي تتطور وترتقي في الحياة.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة