التفكير المنطقي: مفهومه ومبادئه وكيفية تنميته

ميَّز الله تعالى الإنسان عن سائر المخلوقات بمنحه العقل، ولعلَّ الامتياز في منح العقل إلى الإنسان ليس امتيازاً مبنياً على التفوق بامتلاك عضو جديد؛ بل هو قدرة هذا العضو على تقديم المحاكمات العقلية، والتفكير والتحليل واتخاذ القرارات المناسبة بناءً على ما يمليه المنطق السليم والإنسانية، بعيداً عن التصرف تبعاً للحاجات والغرائز.



ويتبع العقل في طرائق تحليله الأمور ومناقشتها مناهج عدَّة في التفكير، منها التفكير التأملي، والتفكير الناقد، والتفكير التحليلي، والتفكير التصميمي، والتفكير المنطقي، الذي سنفرد هذا المقال للحديث عنه، وتعريف مفهومه وتعداد أنواعه، وذكر مبادئه، وكيفية تنميته.

مفهوم التفكير المنطقي:

لا بُدَّ لنا قبل الدخول في تعريف التفكير المنطقي، التطرق إلى تعريف المنطق، فالمنطق بصورته العامة يعني علم التفكير الواضح، وبناءً على ذلك يُعرَف التفكير المنطقي بأنَّه مجموعة العمليات العقلية المترابطة، والتي تخضع في تسلسلاتها لحكم المنطق.

إذاً، فالتفكير المنطقي هو ذلك النوع من التفكير الذي نمارسه عندما نحاول اكتشاف الأسباب التي أوصلَتنا إلى النتائج الحالية، أو دراسة الأسباب الواجب اتباعها للوصول إلى نتائج معيَّنة؛ حيث تعدَّى هذا النوع كونه مجرد تحديد للأسباب والنتائج، إلى كونه محاولة استنباط أدلة وبراهين تؤيد صحة وجهة النظر المتَّبعة.

يقوم التفكير المنطقي على الأدلة، فهو يحاول مساعدتنا على إيجاد أفضل الإجابات عن الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا، أو المشكلات التي نحاول إيجاد الحلول لها.

ويعود التفكير المنطقي بالفائدة على حياة الإنسان، فهو يسهل عليه إيجاد الحلول لمشكلاته، ويختصر عليه الكثير من الوقت والجهد العقلي الذي يقضيه في الدوران عبر الحلقات المفرغة في محاولة إيجاد حلول دون أيَّة نتيجة تُذكَر.

لا يرتبط التفكير المنطقي بالمهام الدراسية والتحصيل العلمي؛ بل هو مستخدَم في جميع العمليات المرتبطة بتفاصيل الحياة، وهو يرتكز على إيجاد علاقة بين السبب والنتيجة.

ونأخذ مثلاً أنَّني إذا قررتُ شراء سيارة بدفعة أولى وتوزيع الباقي على شكل أقساط شهرية مدة عام، فإنَّني سأقوم بطرح الدفعة الأولى من ثمن السيارة، وتقسيم المبلغ المتبقي على 12 شهراً، ومن ثمَّ أحصل على المبلغ الشهري الواجب عليَّ تسديده ثمناً للسيارة، ثم أقوم بإضافة قيمة مصروفي الشهر إلى القسط الشهري للسيارة لأصل إلى الدخل الواجب عليَّ تحصيله شهرياً، وبناءً على ذلك، إمَّا أنَّني سأضطر إلى تقليص مصروفي الشخصي، وإمَّا إضافة مصدر دخل آخر أو زيادة عدد أشهر التقسيط.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ التفكير المنطقي لا يضمن لنا إجابات كافية عن جميع تساؤلاتنا، ولكنَّه يحسِّن قدرتنا على الإدلاء بإجابات جيدة تجاه مشكلات الحياة، وقد يبدو التفكير المنطقي عن بعد أمراً سهلاً وبسيطاً ولكنَّه في الحقيقة أعقد ممَّا يبدو عليه، ويحتاج إلى الكثير من التدريب لإتقانه واتباعه في معالجة مشكلات الحياة، فالتفكير الواضح ليس أمراً سهلاً في أغلب الأوقات، ويحتاج أحياناً إلى الكثير من الجهد.

وهناك بعض الملاحظات حول التفكير المنطقي، والتي لا يمكن للتفكير أن يكون منطقياً إذا لم يراعِ أموراً عدَّة وهي:

  • الموضوعية.
  • بُعد الاستنتاج عن كونه مرتكزاً على الآراء ووجهات النظر الشخصية والمعتقدات الفردية.
  • وضوح حقيقة الاستنتاج بالنسبة إلى الآخرين.

كما يقوم التفكير المنطقي على سلسلة أو مجموعة سلاسل مترابطة من الأفكار، وأمَّا عن المقصود بسلسة الأفكار، فهي مجموعة الروابط والعلاقات التي تربط بين البيانات التي نحللها أو الأفكار التي تشغل بالنا.

شاهد بالفيديو: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة

أنواع التفكير المنطقي:

ينقسم التفكير المنطقي إلى أنواع عدَّة، تُستخدَم حسب مقتضيات الحالة ومتطلبات الموقف، وهذه الأنواع هي:

1. الاستدلال الاستنتاجي:

هو الاستدلال القائم على استنتاج المضامين من خلال القواعد العامة، فالتفكير المنطقي يبدأ من خلال التأكيد على قاعدة عامة، وينتهي باستدلال مضمون محدد، فهو يعني الانتقال من القواعد العامة إلى تطبيق هذه القواعد على حالة محددة، فإذا كانت القاعدة العامة صحيحة، فإنَّ جميع الجزئيات المتضمنة فيها تكون صحيحة.

ونأخذ مثلاً على ذلك، إذا كان لدينا طفل مصاب بمتلازمة فقر الدم المنجلي ووالداه غير مصابين، فنحن نستنتج أنَّ كلاً من الأبوين هو حامل لصفة فقر الدم المنجلي؛ لأنَّ المنطق يقول: إنَّ حامل الصفة لا تظهر عليه أعراضها، وولادة طفل يحمل الصفة المَرَضية يدل على أنَّ الوالدين كانا يحملان الصفة؛ لأنَّه لو كان واحد منهما فقط حاملاً لهذه الصفة، لكان الطفل حاملاً لها وليس مصاباً بها.

2. الاستدلال الاستقرائي:

هو الحالة المعاكسة للاستدلال الاستنتاجي؛ ويعني الانتقال من حالة محددة إلى وضع القواعد العامة، وهو لا يشترط الصحة في النتائج التي يتوصل إليها، وحتى لو كانت جميع الأساسيات المحددة صحيحة، فهذا لا يعني أن تكون نتيجة الاستدلال الاستقرائي صحيحة، ونأخذ مثالاً على ذلك "فلانة جميلة جداً لكنَّها غبية؛ هذا يعني أنَّ كل الجميلات غبيات"، غير أنَّ هذا ليس صحيحاً أبداً، فمستويات الذكاء لدى الأفراد لا ترتبط بأيِّ شكل مع صورهم وملامحهم ومستويات جمالهم.

3. الاستدلال التخميني:

يعتمد هذا النمط على التخمين والتقدير، دون وجود معطيات كافية لبناء رأي وسلاسل مترابطة من التفكير المنطقي؛ حيث تكون النتائج المتوقعة أقرب ما يكون إلى ضربة حظ لا أكثر، واحتمال كونها صحيحة يقارب احتمال كونها مغلوطة، ونأخذ مثالاً على ذلك، محاولة توقُّع الأرقام التي يستقر عليها حجر النرد، فهذه العمليات لا يوجد أساس محدد تقوم بالاعتماد عليه وإنَّما توقُّع مؤطر ضمن مجال محدد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى توقع نتيجة مباراة كرة القدم.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحسين المهارات التحليلية والاستفادة منها

مبادئ التفكير المنطقي ومراحله:

يخضع التفكير المنطقي في معظم حالاته إلى مجموعة من المبادئ التي نقوم بها بشكل واعٍ أو غير واعٍ، وهي:

1. التجريد:

ويعني فصل الفكرة المراد البحث فيها عن جملة الأفكار التي تنتمي إليها، وتحديد المشكلة أو القضية التي نريد تحليلها منطقياً للبدء في البحث عنها والاستقصاء حولها، فمثلاً، عند رسوبي في امتحان الرياضيات عرفتُ أنَّ السبب هو حصولي على علامة الصفر في سؤال الرسم الهندسي، ومن ثمَّ، فإنَّ مشكلتي تكمن في جهلي بمبادئ وأساسيات الرسم الهندسي، ويجب عليَّ تطوير نفسي في هذه المهارة.

2. التعميم:

ويعني تشكيل المفاهيم والأفكار العامة التي من شأنها تعيين الصفات المشتركة بين الموضوعات، أو الأشخاص، ومعرفة خصائص هذه العناصر عن طريق الصفات العامة التي تنطبق على المجموعة، ولتوضيح هذه الفكرة، نأخذ مثالاً بأنَّ المسلمين لا يتناولون إلا اللحوم الحلال، وصديقي محمد مسلم؛ ومن ثمَّ، فهو لن يتناول منتجات اللحوم التي لم تُختَم بمهر "منتج حلال".

إقرأ أيضاً: أشهر أخطاء التفكير وطرق تجنُّبها

3. الحكم:

ويعتمد مبدأ المقارنة بين شيئين أو حدثين لمعرفة أسباب التشابه أو الاختلاف بينهما، فمثلاً، عند قيامي بتحضير عجينة البيتزا في المرة السابقة، كانت أكثر طراوة من المرة الحالية، على الرغم من أنَّني اتبعتُ الخطوات نفسها، ومن خلال المقارنة، أكتشف أنَّ السبب في ذلك هو اختلاف نوع الطحين في المرتين، ففي المرة الأولى قمت باستخدام طحين القمح، أمَّا في المرة الثانية فقد استخدمتُ طحين الشوفان.

4. المنطق:

ويتم ذلك عن طريق المقارنة بين شخصين أو شيئين لاكتشاف علاقتهما بطرف ثالث، سواءً كان شخصاً أم موضوعاً، ومثال ذلك، صديقي رامي يرتدي زيِّاً محدداً في عمله لدى المصرف، ورأيتُ جاري بالأمس يرتدي زيِّاً مشابهاً لزي صديقي؛ ومن ثمَّ، فهما يعملان في المصرف نفسه.

أهمية التفكير المنطقي:

تكمن أهمية التفكير المنطقي في نقاط عدة هامة وأساسية، وتنبع حاجتنا إليه من خلال الآتي:

  • يساعد التفكير المنطقي على اتخاذ القرارات الهامة بالنسبة إلى الأفراد والمؤسسات على حدٍّ سواء، فهو النمط من التفكير الذي يعتمد على الدراسة المسبقة لمجموعة العناصر، والتي ينتج عن تحليلها اتخاذ نتيجة من شأنها أن تُحدِث تغييراً فارقاً في حياة الفرد، ونقلة نوعية في مسيرة المؤسسة.
  • يُمكِّن التفكير المنطقي من حل القضايا والمشكلات التي تواجه الأفراد والمؤسسات، عن طريق تحليل العوامل والأسباب التي أدت إلى حدوث هذه المشكلة أو الخلل، وعزل التأثير الجزئي لكل سبب أو عامل، واعتماد الأدلة والبراهين والنظريات في تصميم الحلول لهذه المشكلات الجزئية والتي تتسبب في حل المشكلة الكبرى بشكل تلقائي.
  • يدعم التفكير المنطقي بطريقة علمية الأفكار الإبداعية التي تحقق الوصول إلى الغايات المطلوبة والأهداف المحددة؛ وذلك عن طريق اختبار الحلول المبتكرة على مقاييس التفكير المنطقي، لقياس مدى واقعيتها وفاعليتها وقدرتها على إحداث التغيير.
  • يساعد التفكير المنطقي الأفراد على ترك بصمات وآثار إيجابية في المجتمع، عن طريق السماح لهم بتطوير أفكارهم التي يستخدمونها في حياتهم المهنية والعملية، وما ينتج عن ذلك من تحسينات واضحة في حياة الأفراد الشخصية والمهنية.
  • يدعم التفكير المنطقي الأفراد والمؤسسات في مواجهة التحديات التي تواجههم في حياتهم المهنية؛ وذلك عن طريق وضع فرضيات معيَّنة لمواجهة كل تحدٍّ من التحديات، واستقراء النتائج عن تطبيق كل فرضية منهم، واعتماد الفرضيات ذات النتائج الأفضل والأنسب للشخص أو للمؤسسة.
  • يساعد التفكير المنطقي على التخطيط الجيد لأهداف الأفراد والمؤسسات، فهو يقوم على دراسة النتائج المطلوبة والأهداف المراد تحقيقها، وتحديد الطريق الواجب اتباعه من أجل بلوغ هذه الأهداف، مع السماح بوضع خطط بديلة في حال استجدَّ أيُّ طارئ على الخطة الأساسية.

ومن ثمَّ، فإنَّ التفكير المنطقي يُمكِّن الأفراد من رسم خطة ذهنية واضحة المعالم من ناحية الأهداف والنتائج، والصعوبات التي قد تواجه تطبيق هذه الخطط، والإيجابيات التي يحصل عليها الفرد في نهاية المطاف من تنفيذ هذه الخطط المدروسة منطيقاً بشكل يعتمد المحاكمة العقلية والربط بين الأسباب والنتائج.

كيفية تنمية التفكير المنطقي:

أمَّا عن تنمية هذا النوع من أنواع التفكير، فهو يعتمد على التمرين والتدريب المستمر في اعتماد هذا النمط كأسلوب حياة، ويشمل التمرين على التفكير المنطقي، البحث والتأمل في المشكلات التي تواجه الفرد، والتروِّي في البحث عن الأسباب التي تسبَّبَت في حدوث المشكلة؛ ومن ثم علاجها عن طريق اتباع التراتبية الآتية:

  1. ما هي المشكلة التي تواجهني؟ يقوم الفرد هنا بالإجابة من خلال تعريف المشكلة التي تواجهه بشكل دقيق، كقوله لقد رسبتُ في امتحان القيادة.
  2. لماذا حدث ذلك؟ يقوم المرء هنا بتعداد الأسباب التي أوصلَت به إلى الوقوع في هذه المشكلة؛ إذ في مثالنا السابق، تكمن الأسباب في عدم مذاكرة قواعد المرور، ناهيك عن التوتر الناتج عن الامتحان في القيادة.
  3. ماذا سأفعل لحل هذه المشكلة؟ وهنا يقوم الفرد بعصف ذهني لمجموعة الحلول التي من شأنها القضاء على هذه المشكلة، وفي مثالنا، يتوجب على الفرد التحضير الجيد لامتحان القيادة، ودراسة قوانين السير، والتمرين المستمر على القيادة، لتعزيز الثقة بالنفس ومجابهة الخوف من الامتحان.
  4. قياس فاعلية الحلول المقترحة، وسبر ما إذا كانت قد تُحقِّق النتيجة المرجوة، وإضافة حلول بديلة في حالة قصور هذه الحلول من أجل الوصول إلى الحل الذي يحقق النتيجة المطلوبة.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ هناك بعض التمرينات والألعاب التي من شأنها تعزيز التفكير المنطقي؛ كالكلمات المتقاطعة التي تخضع لمجموعة من الشروط الواجب تحقيقها جميعاً لحل اللغز، وكذلك ألعاب البازل التي تحدد معايير الخطأ بشكل واضح، وتتيح للفرد إتمام عمليات الربط بين الأجزاء بطريقة مناسبة تؤدي إلى الوصول إلى الشكل الصحيح الوحيد في تجميع الأجزاء، وكذلك لعبة المتاهة التي من شأنها السماح للاعب باستقصاء كل طريق على حدة، وقياس إمكانية كونه هو الطريق الأفضل للوصول إلى المركز.

في الختام:

إذاً، بعد أن قمنا بالتعرُّف إلى التفكير المنطقي وملاحظة إيجابياته وأهميته في تحسين حياة الفرد وتطوير المؤسسات، فإنَّه ينبغي علينا محاولة تطبيق مبادئه، وتنمية قدرتنا على تطبيقه في حل المشكلات التي تعترض لنا في حياتنا، ومواجهة التي نمرُّ بها، وتحقيق الأهداف التي نسعى إلى بلوغها والوصول إليها.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة