الاكتئاب لدى المراهقين: أسبابه وطرق علاجه

المراهقة من أصعب المراحل التي يمرُّ بها الإنسان، سواءً بالنسبة إلى الشخص نفسه أم إلى عائلته، نظراً لما يرافق هذه المرحلة، بطبيعة الحال، من تغيرات جسدية ونفسية كبيرة، وتقلبات مزاجية حادة، إذاً، كيف سيكون الحال، إذا ما ظهرت مشكلة ما في أثناء هذه الفترة الحساسة؟ وكيف سيكون الوضع إن لم تكن تلك المشكلة مشكلة بسيطة أو عادية، كالاكتئاب مثلاً؟ ما الأسباب التي تؤدي بالمراهق إلى هذه المرحلة؟ وكيف علينا نحن كأهل التعامل تعاملاً فعَّالاً مع مثل هذه الحالة؟ ثم ما هي طرائق العلاج الصحيحة، لنتمكن من إنقاذ أبنائنا من وحش الاكتئاب؟



ما هو الاكتئاب عند المراهقين؟

قبل الحديث عن أي شيء، علينا أن ندرك تماماً أنَّ الاكتئاب ليس دليلاً على ضعف الشخصية، ثم إنَّه ليس حزناً عابراً قد يمرُّ به الشخص وينتهي خلال فترة قصيرة؛ الاكتئاب مرض، وهو مشكلة حقيقية تحتاج إلى العلاج.

غالباً، يكون من الصعب التمييز بين الاكتئاب، وبين تقلبات المزاج الحادة التي تُصيب المراهقين عموماً، وهذا ما يتطلب من الأهل الانتباه الشديد، والمراقبة المستمرة لتصرفات أبنائهم، حتى يتمكنوا من ملاحظة أي تغيير بسرعة كبيرة، وفي حال انتاب الأهل شكٌّ في تصرفات أبنائهم، لا ضير من استشارة مختص، وقد تكون البداية الأفضل مع المرشد النفسي في المدرسة؛ وذلك نظراً لعلاقته المباشرة مع الأبناء.

الاكتئاب إذاً، لا يرتبط بمرحلة عمرية معيَّنة، وكما يصيب الكبار فهو يصيب الأطفال والمراهقين أيضاً؛ حيث تظهر على المراهقين مجموعة من الأعراض والعلامات التي تشير إلى إصابتهم به، ويمكن حصر أهم هذه الأعراض بالآتي:

  • تغيُّر السلوك تغيُّراً مفاجئاً.
  • الرغبة في الانعزال والابتعاد عن الجميع.
  • عدم الاهتمام بالأشياء المهمة، وعدم إبداء أي مشاعر تجاه ضياعها أو فقدانها.
  • فقدان الوزن نتيجة فقدان الشهية.
  • اضطرابات النوم.
  • تراجع الأداء المدرسي.
  • قلة الاهتمام بالشكل والنظافة الشخصية.
  • القيام بتصرفات متهورة وغير مسؤولة.
  • إيذاء الجسد، سواء بإحداث الجروح أم بالحروق.
  • كثرة الحزن والبكاء من دون سبب، وبشكل دائم.
  • فقدان الرغبة في الحياة، والحديث الدائم عن الموت.
  • الإحساس بالذنب، فضلاً عن كره الذات، والشعور بعدم الأهمية.
  • الميول الانتحارية، وهي أخطر الأعراض على الإطلاق.

كل ما سبق، يُمكن عَدُّه إشارات تحذيرية لا يجب إهمالها أو التغاضي عنها أبداً؛ إذ كما رأينا، الاكتئاب مشكلة خطيرة تؤثِّر في طريقة تفكير المراهقين، وفي مشاعرهم وسلوكاتهم، وتقودهم إلى تصرفات توقعهم في كثيرٍ من المشكلات الجسدية والعاطفية.

أنواع الاكتئاب عند المراهقين:

  1. الانزعاج القلقي: يُظهر المصابون بهذا النوع من الاكتئاب، قلقاً غير مسبوق تجاه أحداث من المحتمل حدوثها.
  2. السمات السوداوية: يفتقد المراهق في هذا النوع من الاكتئاب شعور المتعة تجاه الأشياء التي يحبها، وتبدو عليه علامات المزاج السيئ جداً في الصباح، بالإضافة إلى التغيرات في الشهية.
  3. سمات أساسية: يفقد المراهق في هذا النوع، قدرته على التأثُّر بالأحداث السعيدة، كما تزيد شهيته ورغبته في النوم، وقد يشعر بثقل في ذراعيه ورجليه.

أسباب الاكتئاب عند المراهقين:

يوجد عددٌ من الأسباب التي يمكن عَدُّها مسؤولةً عن الاكتئاب بطريقة ما، وهي:

  • العوامل الوراثية: تتعلق هذه الأسباب بتاريخ الأسرة المرضي، فنجد أنَّ الاكتئاب أكثر شيوعاً عند المراهقين الذين عانى أحد أفراد عائلتهم كالوالد أو الجدِّ من الاكتئاب.
  • عوامل كيميائية: ترتبط هذه العوامل بتغيرات في كيمياء المخ؛ إذ إنَّ وجود خلل أو ضعف في النواقل العصبية الموجودة طبيعياً في الدماغ، يؤدي إلى تغيُّر وظيفة مستقبلات الأعصاب والجهاز العصبي، وهذا ما يسبب الاكتئاب.
  • الهرمونات: التغيرات والتبدلات التي تطرأ على الهرمونات في فترة المراهقة، قد تكون مُحفزاً لحدوث الاكتئاب.
  • أسباب تعود لمرحلة الطفولة: قد تكون هذه الأسباب صدمة نفسية أو حادثاً مأساوياً أدَّى إلى فقدان أحد أفراد العائلة، أو حصول طلاق وانفصال بين الوالدين، وغيرها من الحوادث المؤلمة، التي بقيت عالقةً في ذاكرة المراهق، ولم ينجح بالتكيف معها فسبَّبت له الاكتئاب.
  • أنماط التعلُّم من التفكير السلبي: قد يكون الاكتئاب ناتجاً عن أنماط التفكير السلبية، كأن يتعلم المراهق الشعور بالحزن والإحباط والضعف والعجز عندما تواجهه أي مشكلة، بدلاً من أن يتعلم الصبر والتحدي والمواجهة، للتغلب على مشكلات الحياة وظروفها الصعبة.
إقرأ أيضاً: كل ماتريد معرفته عن المراهقة وأفضل الطرق للتعامل مع المراهقين

أسباب تزيد خطر الإصابة بالاكتئاب:

هناك بعض المراهقين ممَّن هم أكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب من غيرهم، ويعود هذا للأسباب الآتية:

  • أن يعاني المراهق من مشكلات تؤثِّر بشكل سيئ في نظرته تجاه ذاته، مثل تعرُّضه للتنمُّر فترة طويلة من الزمن، بسبب شكله أو وزنه أو قدراته.
  • أن يكون شاهداً على حادثة عنيفة، كالاغتصاب أو القتل أو الضرب، أو أن يكون هو مَن تعرَّض لمثل هذه الحوادث المؤلمة.
  • أن يكون مصاباً بأمراض نفسية من أعراضها الاكتئاب، كاضطراب ثنائي القطب أو اضطراب القلق وغيرهما.
  • أن يكون المراهق مصاباً بفرط النشاط ونقص الانتباه، أو أنَّه يعاني من صعوبات التعلم.
  • معاناة المراهق من مرض مزمن وصعب، كالسكري، أو السرطان، أو غيرها من الأمراض التي تؤثِّر في النفسية سلباً.

علاج الاكتئاب عند المراهقين:

لا يمكن الحكم على المراهق، والقول ببساطة إنَّه مصاب بالاكتئاب؛ إذ يجب بدايةً إجراء تشخيص لحالته، يعتمد على مجموعة من الاختبارات البدنية كاختبار الغدة الدرقية، فضلاً عن الاختبارات النفسية، والتي تتم عبر المقابلات التي يجريها المختص النفسي معه، ومع أفراد عائلته وأصدقائه، للمساعدة على تحديد شدة ودرجة الاكتئاب، ليتم التشخيص بكل دقة؛ إذ إنَّ العلاج يختلف باختلاف شدة الاكتئاب وأعراضه.

ومن المهم أن يُدرك الأهل أنَّ الاكتئاب لا تتم معالجته بين ليلة وضحاها؛ بل يتطلب العلاج منهم كثيراً من الجهد والصبر والمتابعة، وعلى الرغم من ذلك، يجب على الأهل ألَّا يخافوا مواجهته، فالاكتئاب يمكن علاجه، وطرائق العلاج عديدة؛ يمكن تلخيصها بالآتي:

  • العلاج النفسي: يتم عن طريق إجراء مجموعة من جلسات العلاج التي تساعد المراهق على معرفة نفسه أكثر وفهمها، وفهم الأسباب التي تؤدي إلى إحساسه بهذه المشاعر، كما أنَّ هذه الجلسات تقدِّم له الحلول والطرائق الصحيحة للتعامل مع اكتئابه، حتى يتمكن من النجاة والخروج وإغلاق هذا الباب وراءه إلى الأبد. من المهم على الأهل متابعة أبنائهم، والتأكد من حضورهم جلسات العلاج النفسي، والتنبُّه أيضاً إلى أنَّه في حال شعور المراهق بعدم الارتياح، أو أنَّ هذه الجلسات بدأت تشعره بالضغط، فإنَّ عليهم إيقافها على الفور حتى لا تزيد من ميوله الانتحارية.
  • العلاج بالأدوية: يجب الانتباه جيداً لئلَّا يكون العلاج الدوائي عشوائياً؛ وإنَّما باستشارة الطبيب قبل كل خطوة، ثم إنَّ عليهم التقيد بالإرشادات بدقة، وعلى الرغم من أنَّ مضادات الاكتئاب آمنة، غير أنَّها تحتاج إلى التعاطي معها تعاطياً صارماً؛ حيث يُطلب معها إدارة الغذاء والتزام الجرعة وعدم إجراء أي تغيير من دون العودة للطبيب. ومن الجدير بالذكر، أنَّ مضادات الاكتئاب جميعها تحمل تحذيراً بصندوق أسود اللون، وهو التحذير الأكثر صرامة للوصفات الطبية، فضلاً عن أنَّ الأطفال والمراهقين دون 25 سنة، قد يعانون في الأسابيع الأولى من تناول مضادات الاكتئاب، زيادةً في الأفكار السوداوية والرغبة في الانتحار.

ويُعدُّ الدمج بين العلاج النفسي، والعلاج بالأدوية، من أفضل أنواع العلاجات، ثم إنَّه في بعض الحالات الشديدة أيضاً، قد يضطر المراهق إلى البقاء في المستشفى لمتابعة حالته متابعةً أفضل، وحتى يتلقَّى العلاج المناسب.

نصائح للأهل عن كيفية التعامل مع المراهق في فترة الاكتئاب:

تقع على عاتق الأهل مسؤولية كبيرة في هذه المرحلة الصعبة التي يمرُّ بها ابنهم، وعليهم أن يكونوا شديدي الحذر؛ إذ إنَّ أيَّ تصرُّف خاطئ سيؤدي إلى زيادة الحالة سوءاً؛ ولذلك سنقدِّم مجموعة من النصائح، على الأهل أخذها بالحسبان عند تعاملهم مع أبنائهم المراهقين، فالدعم والتقرب من الأبناء هو في الحقيقة أيضاً من أحد طرائق العلاج المهمة:

  • تجنَّب توجيه النقد باستمرار إليه، وحاول التقرب منه والاستماع بكل انتباه له، ولا يجب الشعور بالملل والنفور مباشرةً عند صدِّه محاولاتك؛ بل عليك التحلِّي بالصبر والمثابرة.
  • تجنَّب الاستخفاف بمشاعر الحزن التي يشعر بها، ولا تقلل أبداً من أهمية أسباب هذا الحزن، فلو لم يرها عظيمة لما أوصلته إلى هذه الحالة؛ لذا اعترف بما يعانيه وصدِّقه، وأخبره أنَّك دائماً إلى جانبه وستقدم له كل الحب من دون أي شرط، ومن دون أن تتوقع منه أي مقابل.
  • ضع في بالك أنَّ الموضوع ليس حرباً، فلا تدخل في صراع مع ابنك، ولا تعده عدوَّك، ولا تُسقط تصرفاته عليك، وفي حال رفض كل محاولاتك، لا مشكلة في البحث عن طرف ثالث مُقرَّب من ابنك، وله تأثيرٌ فيه، أو شخص موثوق به كمعلمه أو أحد أفراد العائلة.
  • شجِّع ابنك وحاول تعزيز ثقته بنفسه، وعلِّمه كيف يتعامل مع المشكلات التي تواجهه، وليس الهرب منها، واشكره دائماً، واحتفل بنجاحاته مهما كانت صغيرة.
  • ساعده على التركيز على الأشياء الإيجابية، والابتعاد عن الأشياء السلبية، فعلى سبيل المثل، حفِّزه على المشاركة في النشاطات والرحلات والألعاب الرياضية وغيرها، وشاركه دائماً في نشاطاته، وخصِّص وقتاً للمشي والركض معه، وساعده على تفريغ الطاقة السلبية التي تملؤه وتُثقِل عليه.
  • علِّمه كيف يختار أصدقاءه بعناية، وكيف يكون صديقاً جيداً.
  • لا تُعقِّد الحياة أمامه، وأخبره دائماً أنَّه ليس من الضروري أن يكون مثالياً، وأنَّ الوقوع في الأخطاء أمر وارد، ولا بأس بالقليل من الإنجاز حين تكون الأوقات صعبة.
  • إن شعرت أنَّ الموضوع أصبح خارج قدرتك على السيطرة، لا تتردد في عرضه على الطبيب المختص أو المعالج المناسب.
إقرأ أيضاً: 6 نصائح للتخلص من الاكتئاب والتمتع بالحياة

في الختام:

أبناؤنا أمانةٌ في أعناقنا، والأخذ بيدهم ومساعدتهم على تجاوز مشكلاتهم واجبٌ علينا، والاكتئاب إحدى هذه المشكلات التي قد تكون مدمرة لحياتهم، إن لم نتعامل معها على النحو الصحيح، فآثارها ونتائجها لا تتوقف عند مرحلة المراهقة فحسب؛ بل تمتد لتؤثِّر في حياة المراهق بالكامل، كما أنَّها تشكِّل تهديداً صريحاً لحياته، وستكون حجراً في طريق تقدُّمه وتطوره في أي مجال من مجالات الحياة.

وأخيراً، فإنَّ أهم نصيحة يمكن أن نقدِّمها إلى الأهل هي الحب؛ قدِّموا الحب لأبنائكم في كل لحظة، ولا تنتظروا وقتاً مناسباً لهذا، فالتعبير عن الحب لا يحتاج إلى وقت، وهو الطريقة الأسمى التي تجعلكم قريبين جداً منهم، وتمنحهم مشاعر الثقة بكم، وهذا بالضبط ما سيبحثون عنه عندما يتعرَّضون لأي مشكلة.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة