الاكتئاب الموسمي: عندما يتحول تغير الفصول إلى كابوس

هل أنت ممَّن ينتظرون حلول الشتاء بفارغ الصبر، أم ممَّن يخافون قدومه ويكرهون ظروفه؟ هل تشعر أنَّك تصبح شخصاً آخر في الفترة الكائنة بين تغير الفصول، أم أنَّها مجرد فترة كباقي الفترات بالنسبة إليك؟



يعدُّ الفصل والحالة الجوية المرافقة له أكثر من مجرد ظاهرة طبيعية، فقد يعني بالنسبة إلى الكثير من البشر تغيراً كبيراً في الشخصية، وانقلاباً خطيراً في الانفعالات والحالة الشعورية؛ فبعد أن يكون الشخص دائم التبسم والطاقة والحيوية والعطاء، يتحول إلى شخص مُعطَّل الإنتاجية، ومشتت الذهن، ومسلوب الإرادة، وسلبي التصورات، ولامنطقي التصرفات، وجاف العلاقات.

يدعو هذا التبدل المفاجئ في السمات الشخصية إلى طرح العديد من الأسئلة مثل: "هل من الممكن أن يؤثر قدوم فصل جديد في الحالة النفسية والعملية للإنسان إلى هذا الحد؟ ولماذا يتأثر شخص ما دون الآخر؟".

ما هو الاكتئاب الموسمي؟

هو نوع من أنواع الاكتئاب يترافق مع فترة تغير الفصول، كأن يُصاب به الشخص عند قدوم فصل الشتاء، أو عند قدوم الصيف بعد انتهاء فصل الربيع؛ حيث تتعطل قدرة الإنسان على القيام بالنشاطات اليومية، ويبدي صعوبة في التواصل مع غيره من الناس، ويؤدي وظائفه اليومية على مضض، كأن يذهب إلى عمله دون أن يبدي أي رغبة في العمل والإنتاجية.

ينتشر اضطراب الاكتئاب الموسمي بين النساء بنسبة أكبر بكثير من الرجال، وذلك نتيجة تركيبتها العاطفية الحساسة، حيث تميل النساء إلى تضخيم الأمور والتفكير الزائد فيها؛ بالإضافة إلى تعرُّضهن إلى ضغوطات حياتية بنسبة أكبر من الرجال، فهنَّ مستعدات لإنجاز أكثر من مَهمَّة في وقت واحد، في حين يميل الرجل إلى إنجاز مَهمَّة واحدة في وقت واحد؛ الأمر الذي يُثقِل كاهل النساء بالمسؤوليات، ويجعلهن أكثر عرضة إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية.

ما أعراض الاكتئاب الموسمي؟

يشعر الإنسان خلال الإصابة باضطراب الاكتئاب الموسمي بفقدان الرغبة في القيام بأي شيء، ويفقد المتعة في أثناء قيامه بالنشاطات التي كانت تُدخِل البهجة إلى قلبه؛ فتجده دائم التواجد في سريره، ولا يملك الطاقة للنهوض وممارسة نشاطاته اليومية، وقد تتطور الحالة لديه إلى ألم عضوي شديد، ويميل إلى بناء قوقعة حول نفسه، ويفنى شغفه القديم إلى التواصل والتعبير عن الأفكار والمشاعر، وتصاب العمليات العقلية لديه بالتراجع، حيث يعاني من تشوش في التفكير والنسيان والشرود وعدم التركيز والانتباه وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.

كما يشعر بمشاعر سلبية قاسية، حيث تجتاحه مشاعر الوحدة، والإحساس بالعجز عن السيطرة على حياته، ويملأ الخوف كل مفاصل حياته، تاركاً وراءه روحاً تشعر بالخواء واليتم.   

يبلغ الاكتئاب الموسمي مداه، متعدياً على كل المساحات الهامة والجوهرية في حياة الإنسان؛ فيعاني الشخص من اضطرابات شديدة في النوم والطعام، الأمر الّذي يُضاعِف من حجم المشاعر السلبية لديه.

إقرأ أيضاً: معلومات تفصيلية عن مرض الاكتئاب

ما أسباب الاكتئاب الموسمي؟

يكمن وراء كل اضطراب نفسي ثلاثة عوامل هي:

1. العوامل الوراثية: 

قد يكون سبب الإصابة باضطراب الاكتئاب الموسمي وجود جينات وراثية حاملة للمرض لدى أحد الوالدين أو الأقرباء.

2. العوامل البيئية:

تعدُّ هذه العوامل الأكثر أهمية وتأثيراً، فللبيئة السليمة التي ينشأ فيها الإنسان القدرة على كسر سطوة العامل الوراثي في حال وجوده؛ أي أنَّ التربية والممارسات والقيم أقوى بكثير من الجانب الوراثي.

3. العوامل الذاتية:

قد يتغلب الشخص على اضطراب الاكتئاب الموسمي رغم وجود عوامل وراثية في العائلة، إضافة إلى وجود بيئة سلبية غير داعمة؛ وذلك من جراء عنصر الدافعية العالي لديه؛ فهو قوي من الداخل، واستطاع التغلب على كل العراقيل الموجودة في حياته.

4. ضغوطات الحياة المتراكمة:

قد يعاني الإنسان من تجارب قاسية طوال فترة حياته، ومن تعاملات مع أشخاص سلبيين ماصين للطاقة ومحطمين للروح، ومن ذكريات مؤلمة وجارحة أحياناً؛ لكنَّه يعتقد أنَّه استطاع التكيف مع تلك الأحداث الحزينة وتجاوزها والمضي قدماً، خاصة بعد مضي سنوات عديدة عليها.

تؤكِّد الحقيقة العلمية أنَّ تصورات ذلك الشخص خاطئة تماماً، وأنَّ تلك الأحداث لا تفنى، بل تستقر في لاوعي الشخص، وتشكِّل تربة خصبة للاضطرابات النفسية؛ فيصبح الإنسان بعد ذلك معرَّضاً إلى الانفجار من جراء أصغر الأحداث والمواقف؛ إلَّا أنَّ هذه القنبلة المدوية لم تتكوَّن إلَّا بسبب أنَّ الشخص لم يعد قادراً على تحمل مزيد من الضغوطات، فلاوعيه مليء بكمٍّ هائل من الترسبات السلبية السابقة التي لا علم له بوجودها.

يصبح الشخص سلبياً بامتياز؛ ذلك لأنَّه اعتاد على الكبت لا على التفريغ والتعبير عن مكنوناته، ويميل إلى العزلة والوحدة، ولا يرغب في القيام بأي أمر في الحياة، ويكتفي بالبقاء وحيداً مع آلامه النفسية والجسدية.

شاهد بالفيديو: ماذا يجب عليك أن تفعل عندما تكون غارقاً في ضغوطات ومشاغل الحياة؟

ما علاج الاكتئاب الموسمي؟

إذا كنت تعاني من مشاعر ضيق ووحشة خانقة لدى قدوم فصل الشتاء، وتتأثر واجباتك اليومية سلباً بحيث تصبح غير قادر على القيام بها، وتشعر أنَّك غير راغبٍ في التواصل مع الناس، وتفضِّل المكوث في المنزل على الذهاب إلى العمل، وتتكرر هذه الحالة معك كلَّ موسم؛ فعليك عندها اتخاذ خطوات جدية في هذا الصدد وعدم تجاهل الموضوع؛ ذلك لأنَّ لامبالاتك هذه ستؤدي إلى تراكم الحالة لسنوات عديدة دون اهتمام، ويصبح العلاج أكثر صعوبة، والاستجابة أقل فاعلية.

يحتاج مريض الاكتئاب الموسمي إلى مصغٍ جيد إليه، وإلى شخص موثوق جداً يستطيع أن يفتح قلبه له، خاصة أنَّه اعتاد الكبتَ وعدم الإفصاح عن مشاعره وأفكاره ومخاوفه.

يستخدم المعالج النفسي تقنية "العلاج المعرفي الانفعالي" التي أثبتت فعاليتها أكثر من تقنية "العلاج المعرفي السلوكي"؛ ففي الأخيرة، استطاع الفرد تعديل أفكاره وتغيير سلوكاته، إلَّا أنَّه لم يستطع التحكم بانفعاله، فعَمِل على كبته، الأمر الذي لم يعطِ النتائج المرجوة؛ في حين تركِّز تقنية "العلاج المعرفي الانفعالي" على تزويد الفرد بتقنيات معرفية تخاطب أفكار الفرد وإدراكه وصولاً إلى مرحلة الاستبصار، أي الوعي بالحالة والعمل على معالجتها؛ وتتضمَّن هذه المرحلة نقاشات مطولة وعميقة وهادفة إلى تغيير الأفكار السلبية المعرقِلة لحياة الشخص، ومن ثمَّ العمل على تزويده بتقنيات التحكم بالانفعال من خلال فهم هذا الانفعال والقدرة على تفسيره، والتنبؤ به قبل أن يحدث، ومن ثم التحكم به.

يصبح المريض من خلال تطبيق تقنية "العلاج المعرفي الانفعالي" أكثر إدراكاً لحالته، حيث يعي الأسباب الكامنة وراء إصابته بالاضطراب، ويحلِّل الهفوات الموجودة في شخصيته، ويغوص في آليات التعامل مع نقاط ضعفه بحيث يصبح أكثر إدارة لحياته.

على الفرد ألَّا يستسلم للمشاعر السلبية المرافقة لقدوم فصل من فصول السنة، وأن يلجأ إلى تغيير الحالة الشعورية؛ كأن يُعبِّر عنها بكلمات مقتضبة، ومن ثمَّ يسارع إلى القيام بنشاط ما يجلب البهجة إلى روحه؛ كما عليه إدراك أنَّ السعادة قرار يمكن أن يجعله أكثر إيجابية وإيماناً بقوة اللحظة، ويحفِّزه لجعل كل يوم من أيام حياته أكثر جمالاً ورونقاً وتطوراً؛ كما عليه أن يمارس الرياضة لما لها من فوائد على الصحة النفسية، وإحاطة نفسه بأشخاص إيجابيين مفعمين بالطاقة والحماسة.

الخلاصة:

إن كنت لا تخطط وتسعى إلى النجاح، فأنت الآن تخطط وتسعى إلى الفشل؛ وهذه حقيقة علمية لا بد من الانتباه إليها؛ لذلك قم بكل ما تستطيع القيام به، واستمتع بالإنجازات البسيطة، وأبقِ عينيك على هدفك، ولا تنسَ أنَّ الحياة تجربة تستحق الخوض، وأنَّ كل عرقلة هي فرصة حقيقية لكي تتطور وترتقي.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة