الإجهاد والتوتر: أنواعه وطرق السيطرة عليه

هل تتوتر قبل دخولك القاعة الامتحانية، وتفقد السيطرة على أعصابك، وسرعان ما تنسى المعلومات التي كانت سهلة بالنسبة إليك قبل دخولك باب القاعة؟ هل تشعر بالتوتر في أثناء تفكيرك في أهدافك وخططك، وتخشى عدم قدرتك على تحقيقها، لعدم امتلاكك المهارات المطلوبة؟



هل تشعر أنَّ أعصابك قد أُرهِقت من جراء ما تعانيه من قلة النوم وقلة الطعام؟ أو هل تجد نفسك تنام بطريقة مبالغ فيها، وتستيقظ كسولاً وخمولاً؟ هل أنتَ فاقد متعة الحياة ورونقها، فبدلاً من اختبار الحياة بكل تفاصيلها الجميلة، تنزع إلى إلغاء اللحظات المميزة، وتستبدلها بالتفكير في الأمور العالقة في حياتك، والتي سعيت إلى حلها مراراً وتكراراً ولكن من دون جدوى؟

كم تجد نفسك بعيداً عن مهارة التسليم، فبدلاً من تسليم مخاوفك وقلقك إلى قوة عظمى، ومن ثمَّ السعي وفقاً لما هو متاح ومتوفر، تنزع إلى التدقيق في أصغر التفاصيل، وحساب كل السيناريوهات المحتملة، السلبية منها قبل الإيجابية، متجاهلاً عيش اللحظة تماماً، متناسياً ما تمتلكه من نِعم، مركزاً على النواقص فحسب؟ هل أنت غير راضٍ، ودائم التوتر، من جراء المقارنات بينك وبين الآخرين؟ تسأل نفسك باستمرار: "لماذا هو يملك الكثير وأنا أملك القليل؟"، "لماذا حظي تعيس وحظه جميل؟".

إن قمت بالإجابة عن الأسئلة السابقة بكلمة "نعم"؛ فهذا يعني أنَّك أسير القلق والتوتر اللذين يُفقِدانك بهجة الحياة، وعليك العمل جاهداً للسيطرة عليهما؛ لذا كان هذا مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ما هو الإجهاد؟

هو رد الفعل الفيزيولوجي الطبيعي الناتج عن عدم قدرة الإنسان على التعامل مع المؤثرات الخارجية الضاغطة، وغالباً ما يكون التوتر إيجابياً ومحفزاً على العمل والإنتاج، فضلاً عن أنَّ لهرمون الكورتيزول الذي يُفرَز في حالات التوتر، فوائد عظيمة على الجسم، مثل تنشيط المخ بحيث يعمل في أقصى استطاعته، وتنظيم عمل القلب، ومعدل السكر في الدم، كما يرتبط هذا الهرمون مع هرمون الأوكسايتوسين هرمون الحب، بحيث يساعد الإنسان على الاحتفاظ بالمواقف الجميلة واللحظات الحميمية في ذاكرته؛ وذلك لأنَّ الكورتيزول يقوِّي الذاكرة وينشطها، ومن ثمَّ يخلق هذان الهرمونان خليطاً رائعاً واستثنائياً.

ولكن عندما يزيد هرمون الكورتيزول عن معدله الطبيعي في الجسم، فإنَّه يتحول إلى قنبلة أو إعصار يحطم كل الأشياء في طريقه.

ماهي علامات زيادة التوتر في الجسم؟

يشعر مَن يزداد عنده التوتر، بحالة من ضيق التنفس، وتسرُّع في ضربات القلب، وتلبُّك معوي؛ حيث يُصاب بالإمساك أو الإسهال، إضافة إلى إصابته بصداع في الرأس أو دوخة، كما يضطرب نومه ونظامه الغذائي، فإمَّا أن ينام ويأكل كثيراً، وإمَّا أن يمتنع عن النوم والتغذية.

من جهة أخرى، يصاب مريض التوتر بالنسيان، فينسى مكان الأشياء، والمواعيد التي عليه الإيفاء بها، وقد تصل به حالة التوتر المزمن إلى الإصابة بالاكتئاب والفتور وانعدام الطاقة، ويرسل مريض التوتر رسالة إلى الكون، بأنَّه أضعف من الظروف المحيطة به، ولا يستطيع التعامل معها مطلقاً؛ الأمر الذي يجذب مزيداً من الأحداث السلبية إلى حياته.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة لتحافظ على نفسيتك وتتلّخص من التوتر والإجهاد

أنواع الإجهاد:

1. إجهاد العلاقات:

يكون لدى الشخص في هذه الحالة خوف وقلق من الناس، بحيث يجد أنَّ أغلب الناس ليسوا مصدر ثقة وأمان، فلا يرتاح لوجوده بينهم، ولا يستطيع أن يكون عفوياً بحضورهم؛ الأمر الذي يجعله بعيداً عن العلاقات ومتعتها ورونقها.

2. إجهاد العمل:

وهنا يشعر الشخص بالتوتر الدائم من العمل، بحيث يكتئب في حال توجيه ملاحظة إلى عمله، أو يحزن في حال عدم حصوله على ترقية ومكافأة كان قد توقَّعها، أو يشعر بالتوتر الدائم والمبالغ فيه، وذلك قبل موعد تسليم مَهمة ما موكلة إليه، فلا يستطيع النوم ولا الأكل حتَّى ينجز المهمة.

3. إجهاد الطموح:

وهنا يعيش الإنسان في توتر دائم، وهو يفكر في طريقة الوصول إلى أهدافه وطموحاته، فبدلاً من الاستمتاع بشغفه والسعي بما هو متاح بين يديه، ينزع هذا الإنسان إلى قتل لحظته، وعبودية النتيجة؛ حيث يجد أنَّه لا متعة ولا سعادة إلا في وصوله إلى أهدافه النهائية.

4. إجهاد المقارنات:

يعيش كثيرٌ من البشر في حالة من المقارنات السلبية بينهم وبين الآخرين، فبدلاً من الرضا بالوضع الحالي والسعي إلى التطوير والارتقاء، ينزع أولئك إلى الدخول في متاهة المقارنات؛ الأمر الذي يُفضِي بهم إلى التوتر والقلق والنكد الدائم.

5. إجهاد الجسد:

وهنا يشعر الشخص بشدٍّ دائم في عضلات جسده، كأن يشتكي من رقبته ومفاصله، كما من الممكن أن يشتكي من الجهاز الهضمي، كأعراض القولون العصبي، أو قد يعاني من صداع دائم ودوار أو ضيق في التنفس أو النسيان الشديد.

وهنا قد يلجأ إلى كثيرٍ من الأطباء لتخفيف حدة معاناته، من دون أن يدري أنَّ الأصل في هذه المعاناة هي أفكاره السلبية فحسب؛ إذ يترجم العقل الباطني الأفكار إلى أعراض جسدية، للتخفيف من حدة الضغط العصبي على الإنسان، فكم عدد المرات التي شعرت فيها بتلبُّك في المعدة، في أثناء تقديمك لعرض تقديمي ما، أو شعرت بصعوبة في التنفس في أثناء حدوث صدمة عاطفية لك.

يبقى الإنسان في حالة من التوتر الدائم، نتيجة خوفه من الأعراض الجسدية التي يختبرها، والتي لا يجد الأطباء حلاً لها؛ الأمر الذي يزيد من حدة التوتر والقلق بالنسبة إليه.

6. إجهاد الكلام:

قد يصل بعض الأشخاص إلى حالة توتر عالية، يفقدون معها القدرة على الكلام تماماً، وهي حالة خطيرة؛ إذ تتوقف قدرة الشخص على التعبير عن مشاعره ومكنوناته، ويسود صمت كبير في حياته، ويطغى السواد على قلبه.

7. إجهاد الانفصال:

وهنا يبقى الإنسان في حالة عالية من التوتر خوفاً من انفصاله عن الأشخاص المقربين في حياته، فيضع أسوأ السيناريوهات ويبدأ عيشها والقلق منها، كأن يفكر في احتمال وفاة والده أو والدته، أو فقدان ابنه؛ الأمر الذي يجعله في حالة تعلُّق مرضي، وخوف دائم طوال الوقت.

إقرأ أيضاً: 5 أساليب أثبتت نجاحها في التعامل مع الإجهاد

السيطرة على القلق والتوتر والإجهاد:

لكي تسيطر على القلق والتوتر والإجهاد، عليك أن تعالج ناحيتين في حياتك؛ الناحية النفسية والناحية الجسدية:

أولاً، الناحية النفسية:

1. التخلي عن الرغبة:

اترك الرغبة الشديدة في أي شيء، وانسَ النتيجة، وبدلاً من ذلك ركِّز على الخطوات التي بين يديك، وعلى الإجراءات التي تستطيع القيام بها للوصول إلى ما تريد، ارسم صورة ذهنية للهدف الذي تريد الوصول إليه، ومن ثمَّ اسعَ في كل يوم إلى التقرب خطوة من هذا الهدف، واستمتع بكل خطوة تُقرِّبك منه.

2. التسليم:

تعلَّم مهارة التسليم، وسلِّم كل مخاوفك إلى الله عزَّ وجلَّ، واعلم أنَّ كل ما يحصل في الحياة إنَّما يحدث لأجلك، بما فيها تلك الأحداث السلبية في ظاهرها، فقد يكون فقدانك لتلك الوظيفة من أفضل الأمور التي حصلت في حياتك، والتي جعلتك تتقرب من شغفك من دون أن تدري ذلك، وقد يكون قرار انفصالك عن حبيبك من أكثر الأمور الإيجابية في حياتك؛ وذلك لأنَّه جعلك أقوى وأنضج وأكثر ثقة.

3. الصحة:

اسأل نفسك: "ما فائدة الوصول إلى هدفك، وقد استنزفت كل ذرة من جسدك وطاقتك وأعصابك؟"؛ لذلك عش أيامك بسلام وهدوء، واصعد إلى أهدافك رويداً رويداً، من دون خسارة جسدك وصحتك.

4. النِّعم:

لكي تشعر بالامتلاء، وتتحرر من سجن المقارنات ومشاعر القلق والخوف، عليك أن تتذكر نِعم الله عليك في كل يوم؛ لذا خصص كرَّاساً لإحصاء نِعم الله عليك، بحيث تعود إليه في كل مرة تشعر بالقلق والخوف والتوتر، وتذكَّر قدرتك على المشي، قدرتك على الرؤية، هل تعلم أنَّ هناك أشخاصاً لا يستطيعون الشم، وقد استخدموا كل ثروتهم في سبيل استعادة تلك الحاسة؟ هل تعلم أنَّ هناك أشخاصاً لا يمتلكون منزلاً للعيش فيه، ولا مردوداً مالياً بسيطاً يسد احتياجاتهم الأساسية؟ أنت في نِعم لا تُعد ولا تُحصى؛ استشعرها وستجد الروعة في حياتك.

5. القيادة:

أنت المسؤول عن حياتك؛ لذلك لا تعش دور الضحية، ولا تتعامل مع الظروف على أنَّها الآمرة الناهية في حياتك، والمتحكمة في كل سيناريوهاتها؛ بل كن قوياً، واعلم أنَّ التحديات هي من طبيعة الحياة وسيرورتها المنطقية، فلا تتوقع أن تكون حياتك وردية ومن دون أي عراقيل؛ بل كن مستعداً لكل الاحتمالات، واعلم أنَّ الظرف السلبي هو ما يجعلك أقوى وأكثر حكمة.

6. التنظيم:

قد يُعرِّضك التوتر للنسيان؛ لذلك كن مستعداً لهذا الأمر، ونظِّم أمورك قبل تعرُّضك لحالة التوتر، كأن تخصص مكاناً معيَّناً للأشياء الصغيرة التي تحتاج إليها في حياتك، مثل مفاتيح المنزل والسيارة، أو الأدوية، أو جواز السفر والأوراق الثبوتية.

7. المساعدة:

لا تخجل من طلب المساعدة عند شعورك بالتوتر والقلق الزائد؛ بل استعن بالمقربين من حولك، وتكلَّم وعبِّر عن مشاعرك؛ حيث تساعدك المشاركة على تخفيف حدة التوتر، فضلاً عن أنَّها قد تُغنِي تفكيرك، وتفتح المجال أمامك في إيجاد الحلول المناسبة لك.

إقرأ أيضاً: كيف تسيطر على التوتر في دقائق قليلة؟

ثانياً، الناحية الجسدية:

1. الابتعاد عن القهوة:

تزيد القهوة من معدل التوتر لدى الإنسان، لاحتوائها على الكافيين؛ حيث تؤدي زيادة جرعة الكافيين إلى الإصابة بضغط الدم، ومشكلات في القلب، إضافة إلى كثيرٍ من الأمراض، مثل: هشاشة العظام، عدم التحكم بالمثانة، الإسهال.

2. الابتعاد عن السكريات والنشويات:

يجب عليك الابتعاد عن السكريات والنشويات، بحيث تقل نسبة الأنسولين في الدم، ومن ثمَّ يقل إفراز الكورتيزول هرمون التوتر؛ وبالنتيجة يقل التوتر والإجهاد.

3. الرياضة:

مارس الرياضة من أجل تخفيف كمِّ الأفكار السلبية التي تجعلك ضعيفاً ومتوتراً، فالمشي على سبيل المثال، يريح الأعصاب ويمنحك مزاجاً رائعاً، ومن جهة أخرى، تُعدُّ الرياضة من أهم الطرائق لتفريغ الطاقة السلبية، فعندما ترتاد النادي، وتمارس تلك التمرينات المرهقة، ستشعر بشعور رائع، وكأنَّ روحك قد تجددت، ونُظِّفت من الشوائب والأفكار المعرقلة.

الخلاصة:

ما نفع الحياة إن عشتها بتوتر وقلق وخوف؟ لذا، كن قوياً، وحدِّد ما تريد، واسعَ إليه بهدوء وحب وسلام، فالتوتر لن يضيف إليك شيئاً؛ بل سيحد من طاقتك وإمكاناتك، ويقضي على توازنك وتميزك.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة