تتَّجه عمليات العقل الباطن دائماً نحو الحياة الإيجابية، وهي تعدُّ عملياتٍ بنَّاءةً وموثوقاً بها؛ حيث يعمل العقل الباطن على بناء الجسم، ويحافظ على وظائفه الحيوية، إضافةً إلى أنَّه يعمل دون توقُّف، ويحاول دائماً مساعدتك والحفاظ عليك من أيِّ أذى.
سنُطلِعكَ عزيزي القارئ في هذا المقال على إجاباتٍ لبعض الأسئلة التي قد تدور في ذهنك (العضو المسؤول عن إدارة حياتك وتوجيهها).
ما الذي ينبثق من عقلك الباطن؟
يكون عقلك الباطن على اتصالٍ دائمٍ مع ربِّك سبحانه وتعالى، وعلى وعيٍ بحكمتهِ المطلقة، وتتَّجه دوافعه وأفكاره دوماً نحو الحياة والإيجابية؛ فالذي ينبثق من عقلك الباطن ما هو إلَّا طموحاتك، ودوافعك العظيمة، وتطلُّعاتك لحياةٍ أفضل وأكثر نُبلاً.
إنَّ أكثر وأفضل معتقداتك رسوخاً تلك التي لا يكون بمقدورك أنْ تُجادِل فيها منطقياً؛ وذلك لأنَّها ليست نابعةً من داخل عقلك الواعي، بل من عقلك الباطن الذي يتحدَّث إليك دوماً من خلال الحدس والهواجس والأفكار.
ما هي الطريقة الأبسط لفهم التفاعل بين جسدك وعقلك؟
هناك طريقةٌ بسيطةٌ جداً لفهم التفاعل بين جسدك وعقلك، وهي إدراكُك أنَّ عقلك الواعي يدرك فكرة توازي سلسلةٍ من التيارات الكهربيَّة التي تسري داخل جهازك العصبي الإرادي، ويسبِّب هذا بدوره توليد تيارٍ مماثلٍ في جهازك العصبي اللاإرادي، ممَّا يوصِل الفكرة إلى عقلك الباطن الذي يعدُّ بمثابة الوسط الإبداعي.
هذه هي الطريقة التي تتحوَّل بها أفكارك إلى أفكار واقعيةٍ وملموسةٍ أكثر، حيث تُرسِل القشرة المخية كلَّ فكرةٍ تدور في عقلك الواعي ويسلِّم بصحَّتها إلى الأعضاء الأخرى داخل المخ، والتي تدعم العقل الباطن؛ وذلك كي تتحوَّل إلى شيءٍ واقعيٍّ أكثر، وكي تتجسَّد داخل جسدك، وتظهر إلى العالم الخارجي كشيءٍ حقيقي.
كيف يعمل عقلك الباطن باستمرارٍ من أجل مصلحتك؟
يعمل كلٌّ من ذاتك وعقلك الباطن باستمرارٍ من أجل مصلحتك العامة، ممَّا يعكس مبدأً فطرياً تنسجم من خلاله مع الأشياء والأمور.
يمتلك عقلك الباطن إرادته الخاصة، وهذا شيءٌ حقيقيٌّ وواقعيٌّ جداً في حدِّ ذاته؛ فهو يعمل ليلاً ونهاراً، سواءً أردتَ ذلك أم لم ترده؛ وهو الذي يدير جميع أجهزة جسدك الحيوية، رغم أنَّك لا تستطيع رؤيته أو سماعه أو الإحساس به وهو يفعل ذلك؛ لأنَّه يقوم بكلِّ عمليَّاته بصمت.
فللعقل الباطن حياته الخاصَّة التي تتحرَّك دائماً باتجاه الانسجام والصحة والسلامة، حيث يوجهِّه الله سبحانه وتعالى مثل ما يشاء، وهو يعكس تلك التوجيهات والأمور، ويُظهِرها من خلالك طوال الوقت.
كيف يتدخَّل عقلك بمبدأ الانسجام الفطري؟
لكي تفكِّر تفكيراً صحيحاً وعلمياً، يجب أنْ تعلم "الحقيقة"؛ وكما يقول المَثَلْ القديم: "سوف تعلم الحقيقة؛ وعندما تعلمها، سوف تتحرَّرْ". ولكي تعرفها بوضوحٍ أكثر، يجب أنْ تكون متصلاً مع ذكائك المطلق لعقلك الباطن، حيث تكمن قوَّته في التحرُّك دائماًَ باتجاه الحياة؛ وسيؤدِّي كلُّ فكرٍ أو عملٍ لا يكون منَّظماً ونابعاً عن جهلٍ أو قصد، إلى التنافر والعجز بجميع أشكالهما.
يخبرنا العلماء أنَّنا نبني جسداً جديداً كل 11 شهراً، ولذلك فإنَّ عمرك حقاً هو 11 شهراً من وجهة نظر الجسد؛ فإذا أقمت بناءً فيه خللٌ أو عيبٌ ما من خلال الأفكار الخاصة بالخوف والغضب والغيرة والنية السيئة، فإنَّك لنْ تلوم أيَّ شخصٍ آخر سوى ذاتك.
أنت النِّتاج الأخير لجميع أفكارك، والوحيد الذي لديه القدرة على إيقاف نفسك عن التفكير في الصور والأشياء السلبية؛ وذلك لأنّّك ستؤذي نفسك بأفكارك السلبية، فمثلاً: الطريقة الوحيدة والأمثل للتخلُّص من الظلمة هي خروجك إلى النور، وأفضل طريقةٍ للتغلُّب على البرد هي الدفء؛ وبالمثل، فإنَّ أفضل طريقةٍ للتغلب على هذه الأفكار السلبية: استبدالها بالأفكار الإيجابية. لذا، سلِّم بوجود كلِّ ما هو طيِّبٌ وسالم، وسيختفي حينها كلُّ شيء سيِّئ.
لماذا يكون التمتُّع بالصحة والحيوية والقوة أمراً طبيعياً، ويكون المرض هو الشيء الشاذ؟
يجب أنْ نبقى أصحَّاء وأقوياء وأصحابَ جسدٍ قويِّ البنية، إضافةً إلى امتلاكنا الحيويةَ والنشاط الكافيَين، حيث إنَّ غريزة الحفاظ على النفس أقوى الغرائز الطبيعية، وتعدُّ أقوى حقيقةٍ موجودةٍ في داخلنا، فمن المفترض أنْ تعمل أفكارك وخواطرُكَ ودوافعُكَ ومعتقداتك بأقصى إمكاناتها عندما تكون ملتصقةً بمبدأ حياتك الفطرية التي بداخلك، والذي يسعى بدوره إلى حمايتك طوال حياتك.
نستنتج من السطور السابقة أنَّه من الأسهل استعادة الإنسان لوضعهِ الطبيعي، أكثر من جلب الظروف السيئة أو التسبُّب بحدوثها؛ فأنْ تكون مريضاً أمرٌ غير اعتيادي، ويعني هذا ببساطةٍ أنَّك تتوجَّه ضد تيار حياتك، ولا تفكِّر إلَّا تفكيراً سلبياً.
قانون النمو ما هو إلَّا قانون الحياة التي تعيشها، إضافةً إلى أنَّ الطبيعة تشهد على عمل وفعل هذا القانون، وذلك بالتعبير عن نفسها بصمتٍ واستمرار؛ فكلَّما كان هناك نموٌ وتعبير، كانت هناك حياة؛ وكلَّما كانت هناك حياة، كان هناك نظامٌ واتساق؛ وحينما يكون هناك اتساقٌ ونظام، سيكون هناك صحةٌ جيدةٌ وسليمة.
كيف يساعد عقلك الباطن على الشِّفاء من خلال الإيمان؟
لنفترض على سبيل المثال أنَّ هناك شاباً ما يحضِّر محاضراتٍ أو دوراتٍ عن الشِّفاء، وذلك باستخدام قوى العقل الباطن، ولكنَّه كان يعاني من مرضٍ شديد في العين، وأخبره الطبيب بأنَّه يحتاج إلى عمليةٍ جراحيةٍ دقيقةٍ وخطيرة، وراح الشاب يأخذ دروساً عن الإيمان، وبعد أنْ تعلَّم الأساسيات العلمية للدعاء والصلاة، أصبح يقول لنفسه: "إنَّ الله الذي خلق لي عينيَّ بقادرٍ على شفائهما، وسيساعدني في هذه العمليَّة المعقَّدة".
كان ذلك الشاب يدخل في كلِّ ليلةٍ في حالة نعاسٍ متوسطةٍ قريبةٍ إلى النوم قبل أنْ يذهب إلى فراشه، وكان يركِّز انتباهه على طبيب العيون، وأخذ يتخيَّل أنَّ الطبيب أمامه، وهو يقول له: "لقد حدثت معجزة"، وأصبحت تلك العبارة من وقتها تتردَّدْ داخل أذنيه باستمرارٍ كلَّ ليلةٍ لمدة عشر دقائق أو أكثر قبل استسلامه للنوم؛ وبعد ثلاثة أسابيع، ذهب مرةً أخرى إلى طبيب العيون الذي فحص عينيه من قبل، ثمَّ أخذ يفحصه مجدَّداً قائلاً وبدهشة: "إنَّها معجزة".
ما الذي حدث؟ حثَّ هذا الشاب عقله الباطن مستخدماً طبيبه كأداةٍ أو وسيلةٍ لإقناعه، أو نقل الفكرة من خلال التكرار والإيمان والتوقُّع والتأمُّل، واستطاع تخصيب عقله الباطن بأفكار الشِّفاء، وحينما تشبَّع عقله الباطن بحقيقة أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق عينيه، وهو قادرٌ على شفائهما؛ ساعد كلَّ أجهزة جسمه المسؤولة عن عينيه على العمل لشفائهما.
يعدُّ هذا مثالاً هامَّاً آخر على قوَّة الإيمان وتأثير العقل الباطن في عملية الشفاء.
في الختام:
عزيزي القارئ، إنَّ للعقل الباطن قِوىً خفية، وإنْ استثمرتها جيداً كما يجب، فستكسب وتربح؛ أمَّا إن فشلت في ذلك، فستخسر وتفشل.
الكرة الآن في ملعبك، فاختر ما هو نافعٌ ومناسبٌ لك ولحياتك.
أضف تعليقاً