أيّ نوع من الغاضبين أنت؟

إذا ما طُلب منك رسمَ صورةٍ لشخصٍ غاضب، فماذا سَترسم؟ من المحتمل أن يكون الشَّكل الذي ترسمه ذو قبضتين مشدودتين، مع وجهٍ أحمر وأذرُعٍ مرفوعةٍ في الهواء وهي تهدِّد وتتوعَّد، وربما قد تضيف بعض البخار الذي يخرج من أذنيه، كما في نظرةِ الرسوم الكاريكاتيريَّة للأشخاص الغاضبين.

إن رسمتَه بهذه الطَّريقة، فَسَتَكُون تلك صورة دقيقة لنوعٍ واحدٍ من الغضب فقط، لكنَّها وبشكلٍ مجازي، مجرد صورة واحدة من رُزمة أوراقِ لعبٍ ملأى بالصُّور. استناداً إلى رزمة أوراق اللَّعب تلك؛ إذا كان الشَّكل الذي رسمته بوجهه الأحمر هو ولنفترض: ملكة القلوب (بنت الكوبَّة)، فإنَّ أمير البستوني (شاب البستوني) سيكون شخصيَّة تجلس في الجزء الخلفي من إحدى القاعات الدِّراسيَّة وهي -أو هو- عاقدةٌ ذراعيها ويظهر على مُحيَّاها نوعٌ من الازدراء الدائم. وستكون ورقة ثمانية الاسباتي تمثِّل شخصيَّة مراهقٍ يلعب لعبةً من ألعاب الفيديو في غرفة الجلوس في منزله، مع بضع علب سجائر تتناثر هنا وهناك بقربه.



يبقى الغضب غضباً، سواءً أَكان يعتمل في الصَّدر أم يغلي ويفور ليظهرَ على قسمات الوجه، بعض الناس يُظهرون غضبهم عن طريق فقدانهم لصوابهم والصُّراخ؛ وقد يتصرَّف آخرون بسخرية وتهكُّم، أو بسلبيَّة وانفعال؛ بينما قد نجد بعض النَّاس يميلون إلى أن يُصبحوا انطوائيين، كئيبين ومحبطين، ومنغمسين في عالمهم الخاصِّ من الكتب وبرامج التِّلفاز وألعاب الفيديو؛ وقد يتطور الأمر بهم للُّجوء إلى الكحول والمخدَّرات من أجل التَّنفيس عن غضبهم.

إذاً، أي نوعٍ من الغاضبينَ أنت؟

يمكن إدراج عددٍ كبيرٍ من أنماط النَّاس الغاضبين في ورق اللَّعب خاصتنا ضمنَ مجموعتين رئيسيتين:

  1. من يُنَفِّسون عن غضبهم أو يُلقُونَهُ على الآخرين (الغضب المتفجِّر نحو الخارج).
  2. ومن يكظمون غيظهم أو يكبتون شعورهم بالغضب (الغضب المتفجِّر نحو الدَّاخل، أو ما يسمَّى بالغضب المكبوت).

سنتحدَّث في القسم الأول من مقالنا هذا عن الفئة الأولى من النَّاس، وبالتَّالي عن هذا النَّوع من الغضب: الغضب الذي يتم التَّنفيس عنه أو إلقاؤه على الآخرين. وسنقوم في القسم الثاني من المقالة، بالحديث عن النَّوع الآخر، الغضب المكبوت.

إقرأ أيضاً: كيف يتعامل الأشخاص الناجحون مع الغضب؟

الغضب الذي يتم التَّنفيس عنه أو إلقائه على الآخرين

لمعرفة ما إذا كنت تُنَفس عن غضبك أو تُفرِّغهُ بطريقةٍ من الطُّرق، إقرأ العبارات التالية وحدِّد ما ينطبق عليكَ منها:

  • أنا أغضب بسهولة.
  • كثيراً ما أنجَرُّ إلى مواقفَ تتصاعد وتتحوَّل إلى حالةٍ من الغضب.
  • أشعر بالغيظ عندما تتم مقاطعتي أو منعي من تحقيق هدفٍ ما.
  • يتصاعد غضبي ويزداد كلَّما أمعنت في التَّفكير بالشَّيء الذي استفزني.
  • أجد صعوبةً في التَّهرُّبِ من أيِّ جدال.
  • غالباً ما أشعرُ بالغضب عندما يَتُمُّ انتقادي.
  • أتصرف أحياناً بغضب لأنَّني أعلم أنَّ ذلك من شأنه أن يساعدني في الحصول على ما أريد.
  • أنا أستمتع بمشاعر الغضب الشَّديد.
  • أنا غاضبٌ معظمَ الوقت.
  • أغضبُ عندما يؤمن الآخرون أو يفعلوا أشياءَ لا أتَّفِقُ معها.
  • عندما أغضب، أرفع صوتي أو أضرب يدي على الطَّاولة أو أرمي الأشياء.
  • لقد سبق لي أن استخدمت غضبي لإسكات الآخرين أو السَّيطرة عليهم.
  • لقد أصبح الغضب جزءاً لا يتجزَّأ من شخصيتي.

إذا كانت إحدى تلك العبارات أو أكثر صحيحةً بالنِّسبة إليك، فعلى الأغلب أنَّكَ ممَّن يُنفِّسُون عن غضبهم (أو تلقيه ببساطة على الآخرين). وكشخصٍ يُنفِّس عن غضبه، فعندما تغضب، بإمكان الجميع أن يحزروا أنَّك غاضب. وتراك غالباً ما تُلقي بغضبك على هدفٍ ما، مدفوعاً بشعورك بالظُّلم أو الإحباط. وأنت غالباً ما تتخلى أو تُنفِّس عن غضبك لأنَّك تشعر أنَّ هذا الغضب مثل جبلٍ على صدرك، أو كأنَّه طاقة لا يمكن احتواؤها في جسمك. ولكن مهلاً، أيُّ نوع من الأشخاص الذين ينفسون عن غضبهم أنت؟ هل تعلم؟

في الحقيقة، هناك خمس أنواعٍ فرعيَّة لذلك النَّوع الرَّئيسي من الغضب، وهي:

أولاً: الغضب الذي يكون بمثابة آليَّة دفاع ضدَّ المشاعر المُخزية

وذلك عندما يتملَّكك شعورٌ دائمٌ بأنَّك لستَ جيِّداً بما يكفي، فتحاول -ومن دون أن تدري- إخفاء مشاعر الخجل والخزي التي تتملَّكك، بأن تُصبح حساساً للغاية تجاه النَّقد، بل إنَّ مجرَّد ملاحظة أو اقتراح بريء يُقَالُ من أجل التَّحسين يمكن أن يتسبب بازعاجك.

ثانياً: الغضب الذي يُستَخدَم بشكلٍ متكرِّر للسَّيطرة على الآخرين

يحدث ذلكَ عندما تستمتع بالقوة والسَّيطرة والهيمنة. وقد تجد أنَّ الأمر مضحك عندما يخاف الآخرين من غضبك. وقد تستخدم غضبك -بما في ذلك العنف الجسدي- لكي تحصلَ على ما تريده من الآخرين.

ثالثاً: الغضب الذي أصبح عادةً عندك

وهو أن تنظر للغضب والسَّلبيَة كأسلوبِ حياة، فتراكَ عندها متشائماً وغاضباً في أغلب الأوقات، وذلك من دون أن تدري ما السَّبب في ذلك.

رابعاً: الغضب القائم على المعتقدات والتَّفوق الأخلاقي

وهو حين تؤمنُ أنَّ معتقداتك؛ دينيَّةً أم سياسيَّةً أم عائليَّةً كانت، هي معتقدات صحيحة بشكلٍ مطلق، وأيُّ معتقداتٍ أخرى هي معتقداتٌ خاطئة. وعندما يُعارِضُ الآخرون معتقداتك، تكون على استعدادٍ حينها لأن تتشاجر معهم. ولأنَّك تنظر إلى معتقداتك بأنَّها هي المعتقدات الصَّحيحة، فإنَّ غضبك يكون مُبرَّراً بالنِّسبةِ لك.

خامساً: الغضب الذي يسعى به صاحبه للحصول على اندفاعٍ من الأدرينالين لكي يشعر بنوعٍ من الإثارة

وذلك عندما يكون لديك نطاقٌ عاطفي محدود، والغضب هو إحدى المشاعر المحدودة التي من الممكن أن تختبرها. إذ إنَّك تحصل على درجة عالية من الأحاسيس الجسدية التي تأتي مترافقةً مع غضبك العارم. وقد تقوم بالبحث عن ذلك الشُّعور، لينتهي المطاف بكَ بأن تجد نفسك تخوض مباراةً في الصُّراخ أو الاشتباكات البدنية.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح ذهبية للتخلّص من العصبية الزائدة

عندما تُنفِّس عن غضبك، فربما تعتقد أنَّه بمجرد خروج مشاعر الغضب منك، تكون قد عالجت الموضوع. ولكن ما يحدث على أرض الواقع هو أنَّكَ بدلاً من أن تتعامل مع غضبك وتنفّس عنه، فأنت تَصُبَّه على الآخرين. إنَّ غضبك مليء بالمعلومات عن نفسك -معتقداتك واحتياجاتك ورغباتك وخطوطك الحمراء- فإذا ألقيت ذلك على شخص آخر، فلن تتعلم أي شيء. وزيادةً على فقدِكَ للرَّسائل التي يُرسلها لك غضبك، فإنَّك تُخاطر بنفور الآخرين منك أو إقصائهم عنك بشكلٍ كامل.

إنَّ صبَّكَ جامَ غضبِكَ على الآخرين يمكن أن يدمر علاقاتك. لذا ننصحك باستخدام مهارات اليقظة الذهنية (mindfulness skills) من أجل أن تتعلم كيفية التَّعرف على دلالاتِ غضبك، بحيث يمكنك التَّعلم منه، بدلاً من إطلاقه في العالم بطريقة هدَّامة.

الغضب المكبوت (المُتفجّر نحو الدّاخل)

كما أسلفنا، يوجد شكلين رئيسيين من أشكال الغضب: الغضب المكبوت والغضب المتفجِّر نحو الخارج. كيف يبدو الشَّخص الغاضب؟ هل يصرخ؟ أم يرمي الأشياء؟ أم يصفق الأبواب؟ تلك هي أعراض الغضب المتفجِّر؛ الذي يتمُّ تنفيسه أو صبُّه على الآخرين، وهو ما تحدثنا عنه في الفقرة السابقة.

إلا أنَّه هناك نوعٌ آخر للغضب من الصَّعب ملاحظته، لكنَّه بنفس قساوة النَّوع الأول بالنِّسبةِ للشَّخص الذي يعاني منه. يسمى هذا النَّوع بالغضب المكبوت (المتفجِّر نحو الدَّاخل). انظر إلى العبارات التَّالية، وتحقق من العبارات التي تصفك عندما تغضب:

  • أنا أَنغمسُ في عملي.
  • أنا أُفرط في تناول الطَّعام.
  • أَستغرِق في مشاهدة الأفلام وبرامج التلفاز.
  • أقضي ساعاتٍ طوال في لعب ألعاب الفيديو.
  • أقوم بترك الآخرين وأعزِل نفسي ضمن نوبةٍ من الاستياء.
  • أتمرَّن بشكل مفرط.
  • أتسوَّق بشكلٍ مفرط.
  • أنا أستمع للموسيقى على أعلى صوت ممكن.
  • أقوم بِلَوم نفسي وأشعر بالذَّنب.
  • أتقاعَسُ عن سعيي من أجل تحقيق أهدافي.
  • أنا أتعاطى الكحول بإسراف أو أتعاطى المخدَّرات.
  • أنا أُصاب بالإحباط.

إذا كانت تلك الحالات التي ذكرناها تعبِّر عنك، فعلى الأغلب أنَّك ممَّن يكبُتُون غضبهم (يفجِّرونه داخلهم). إنَّ كُلَّ ما سبق هو عبارة عن طرقٌ للتهرّب من الأمور؛ مجموعة أساليب تُنسيك ما يغضبك وتُرِيحُكَ على المدى القصير، وتُشعِرْكَ بِتَحَسُّنٍ سريع؛ وهي بمثابة  بديلٍ غير صحيٍّ عن معالجة غضبك والتَّعامل معه. ربما تكون قد تربيت على الاعتقاد بأنَّ الغضب أمرٌ مُدمِّر، ويجب أن تَتَجنَّبَهُ بأيِّ ثمن، لهذا السَّبب أنت لا تعرف كيف تعبِّر عن غضبك بشكلٍ مباشر. ولكن مهلاً، أيُّ نوعٍ من الأشخاص الذين يكبُتُون غضبهم أنت؟ إذ كما يوجد خمس أنواعٍ للغضب المتفجِّر نحو الخارج، يوجد أيضاً خمس أنماطٍ وحالاتٍ للغضب المكبوت، وهي:

أولاً: الانفصال عن حالة الغضب

قد تكون معزولاً جدَّاً عن غضبك لدرجة أنَّك لست مدركاً لوجوده. من المحتمل أن تكون ماهراً في تجنُّب الشعور بالغضب (وربما الاحساس بالعواطف الأخرى أيضاً)، لدرجة أنَّك لا تدرك متى قام أحدُهُم بإيذائك أو إغضابك، أو إذا ما قام أحدهم بذلك من الأساس. وبدلاً من ذلك، تعيش هذه الحياة بنوعٍ من الخدَر، كما لو كنت في حالة غيبوبة.

ثانياً: الغضب الذي يتمُّ إدراكَه ولكن لا يتُمُّ التَّعبير عنه

أنت على درايةٍ بحالة الغضب التي تعيشها، وتشعر به وهو يتراكم داخلك، لكنَّك تحاول كتمه. فعندما تكون غاضباً، أنت تهرب من الموقف عقلياً أو جسدياً. ربما تقوم بتشغيل التِّلفاز، أو تغادر المنزل للقيام بنزهة طويلة وأنت غاضب، وذلك لأنَّك تخشى ما سيحدث إذا عبَّرتَ عن نفسك. كما وقد تقع ضحيَّة الرَّغبة بأن تكون لطيفاً وتظهر بمظهر الدَّمِثِ في كُلِّ الأوقات، لذا تقومُ بِقَمعِ غضبك إلى أن يفور في داخلك ويطفحَ، ومن ثُمَّ تُفجِّره بصورةٍ عدوانية وسلبية.

إقرأ أيضاً: 10 طرق بسيطة للتخلّص من مشاعر الغضب

ثالثاً: الغضب الذي يتم استبداله بالقلقِ والجزع

في معظم الثَّقافات السَّائدة، إنَّ إظهار القلق يكون مقبولاً أكثرَ من الغضب. فإذا كنت تشعر بأنَّ القلق، على عكس الغضب، هو نوعٌ مقبولٌ من العواطف، فسوفَ تدعُ القلق يحلُّ محلَّ مشاعر الغضب عندك. لكنَّ قلقك هذا هو مجرد دفاع ضد الاعتراف بغضبك وتقبُّله. إذ يكون غضبك قد تحوَّلَ عندئذٍ إلى تذمُّرٍ وخواطر تتصارع في رأسك، أو حركة مستمرة وقلقٌ مفرط.

لهذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بالقلق الشَّديد، اجلس برهةً مع نفسك وفكِّر بتمعُّنٍ وانتباه بمشاعرك والمواقف التي تتعرض لها، وانظر بعد ذلك فيما إذا كان الغضب قد اعتمل في صدرك أم لا.

رابعاً: الغضب الذي يتم نبذُه وجعل الآخرين يشعرون به

يُشار أحياناً إلى الغضب المُتَخَلَّى عنه باسم "الغضب الارتيابي-paranoid anger" (الغضب النَّاجم عن مرض جنون الارتياب). فأنت إذا كنت تتجاهل غضبك، فربما لا تُدرك متى تشعر بالغضب، وتقوم بدلاً من ذلك، باسقاط مشاعرك على الآخرين، وتفسِّرُها على أنَّها تأتيكَ منهم. وقد تجد نفسك بعد ذلك ومن دون وعيٍ منك، تثير الغضب فيهم. ثمَّ وبعد أن تشعر بأنَّك عرضة للهجوم، فإنَّك تستخدم غضبك هذا لإعطاء نفسك دفعة قوية تعتقد أنَّك بحاجة إليها من أجل حماية نفسك.

خامساً: الغضب الذي يتمُّ امتصاصه بشكلٍ متكرر ولعب دور الضَّحيَّة بعد ذلك

إذا كنت تخشى من أن تفقد علاقتك مع الآخرين إن أنتَ عبَّرت عن غضبك، فعلى الأغلب أنَّك سَتمتصُّ غضبك وتدفنه في داخلك. وأنت حينها إمَّا أن تتحمَّل مسؤولية سلوك الآخرين، أو تتخيَّل أنَّك لا تستحقُّ أيَّ شيءٍ أفضل، أو تأتي بأعذارٍ لمُرتكبِي الإساءة ضدَّك. لتقوم بعد ذلك بصبِّ جامِ غضبك على نفسك. عبرَ قيامك بذلك، فإنَّك تسمحُ للنَّاس بمعاملتك بشكل سيء، وتجعلهم هم من يَصُبُّونَ غضبهم عليك. فإذا تمكنت من استكشاف غضبك وتعلَّمتَ كيف تُعبِّر عنه، فستتمكن حينئذٍ من الدِّفاع عن نفسك.

الخاتمة

كما ترى، يوجد العديد من الطرق التي قد تقمع بها غضبك أو تخمده بدلاً من أن تعبِّر عنه. فمثل هذه الاستراتيجيات يمكن أن تجعلك تدفع ثمناً باهظاً. فإذا حاولت تجنُّبَ غضبك، فقد تتعرَّض لمشاكلَ خطيرة بخلاف الغضب؛ مثلَ الاكتئاب والقلق والسلبيَّة وسوء الحالة الصِّحيَّة، والعديد من القيود الأخرى التي ستفرض نفسها على سعادتك وحياتك.

كما أنَّ كبتَكَ لغضبك له عواقب وخيمة تجاه علاقاتك مع الآخرين، مثلَهُ مثل صبِّ غضبكَ عليهم. ومن أجل الحصول على الرِّسالة البالغة الأهميَّة التي يحاولُ غضبكَ إيصالها لك، عليك الابتعاد عن عاداتك القديمة غير الصِّحية، والاصغاء لصوتك الدَّاخلي الذي ينبُع من قرارة نفسك.




مقالات مرتبطة