أهمية التناوب الوظيفي في جعل فرق العمل أكثر ذكاء وفاعلية

تتطلَّب الفِرق الناجحة ما هو أكثر من موظفين عظماء، فهم يحتاجون إلى أشخاص يؤدون أدواراً متكاملة، ويعزِّز كل منهم الآخر. كما تُحدِّد الأدوار الوظيفية السلوكات المتوقعة، فهي توجِّه الوضوح لكل من الأفراد والفريق. ومع ذلك، يجب أن تكون الأدوار الوظيفية مرنة وسلسة، على عكس الألقاب.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "غوستافو رازيتي" (Gustavo Razzetti) ويُحدِّثُنا فيه عن أهمية تناوب الأدوار الوظيفية.

وفي حياتنا العائلية، من الممكن أن نبقى عالقين في دورٍ معينٍ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العمل. إنَّ الدور ليس لقباً؛ بل هو الدور الذي يؤديه عضو الفريق في موقف أو مشروعٍ معين؛ إذ يمكن أن يؤدي الدور الواحد أكثر من شخص واحد، ويمكن لشخص واحد أن يؤدي أدواراً مختلفة.

تجنُّب الركود في فرق العمل:

وَفقاً لعالم النفس الاجتماعي "إنريكي بيشون ريفيير" (Enrique Pichón Riviere)، يؤسِّس الدور في النموذج السلوكي المنظم، علاقة مزدوجة تقوم على التوقعات المتبادلة، كما في حاجة الأطباء إلى المرضى، والعكس بالعكس.

تقليدياً، كانت القوة والمعرفة مقتصرتين على دور واحد؛ وهو القائد الرسمي؛ إذ إنَّ وجود عالم سريع الخطى وغامض، يتطلَّب من الجميع المساعدة من أجل الدفع إلى التغيير. ولا يمكن أن تقتصر القيادة على شخص واحد كما ذكرت؛ فالأدوار الوظيفية الثابتة تخلُق قوالب نمطية، فهي تجعل الأمور يمكن التنبُّؤ بها أكثر ممَّا ينبغي. وعندما يُفترَض بالناس أن يُؤدوا دوراً واحداً فقط، فهم مُجبرون على أن يعملوا وَفقاً لمهاراتهم، ولكن عندها سنحدُّ من قدرتهم على تعلُّم أشياء جديدة.

عندما لا تتناوب الأدوار الوظيفية، تبدأ الفِرق بالعمل في منطقة راحتهم؛ حيث يصبح الضجر والتكرار أمران ثابتان؛ لذا ينبغي أن تتناوب الأدوار الوظيفية للحصول على أفضل ما يملكه الفريق، وليس بمطالبتهم بأداء دورهم المعتاد دوماً.

إنَّ إسناد الأدوار الوظيفية والتمسُّك بها، هو عبارة عن آلية جماعية ديناميكية ومعقَّدة. ولكي يؤدي شخص دوراً معيناً، يجب أن يُعيِّنه شخص آخر. فعندما تُفوِّض عملاً إلى شخص آخر، فأنت تُعيِّن له دوراً محدداً، وتعترف أنَّك لا تملك تلك المهارة المحددة. ويعزِّز تناوب الأدوار الوظيفية نهجاً أكثر مرونة للتعامل مع التحديات ومعالجتها، فهو يشجِّع الفريق على أن يصبح أكثر تكيُّفاً مع واقع كل مشروع.

شاهد: 17 مهارة ضرورية للحصول على وظيفة ناجحة

فوائد تناوب الأدوار الوظيفية:

1. المساعدة على تطوير مهارات جديدة:

واحدة من أكثر الطرائق فاعلية لتعلُّم مهارات جديدة هو البدء بها؛ إذ يسمح تناوب الأدوار الوظيفية لأعضاء الفريق بتجربة أشياء جديدة واكتساب مهارات جديدة. فإنَّ تسهيل عقد اجتماع، أو قيادة مشروع، أو حل المشكلات الإبداعية، أمر مفيد للجميع بغض النظر عن وظيفتهم الأساسية داخل الفريق.

2. تعزيز المشاركة:

يؤدي تناوب الأدوار الوظيفية إلى زيادة نجاح أي مشروع. وهو يساعد على إزالة الفجوة بين الموظفين. ويحدث الشيء نفسه عندما تترك الناس يؤدون دوراً معاكساً لما هو متوقَّع منهم عادةً؛ وهذا يؤدي إلى فتح باب لتحدي الوضع الراهن وإلى إثارة الفضول.

3. جعل القيادة أكثر سلاسة:

تُظهِر الأبحاث أنَّ تبنِّي دور ما يمكِّن من تناوب القيادة داخل المجموعة؛ وهذا ما يُسهِّل بدوره تطوير المجموعة. فمثلاً الطيور لديها أسلوب منظَّم وجيد في التحليق، فعندما يطير الطائر الأول، فإنَّه يقود البقية. ومع ذلك، يتغيَّر دور القيادة مرات عدة خلال رحلة واحدة. ومن ثمَّ تغيير الأدوار الوظيفية يعطي الناس الفرصة للتقدُّم.

4. تعزيز وجهات نظر الفريق:

عادةً ما يحدث التفكير الجماعي عندما تكون الأدوار الوظيفية صارمة؛ وهذا ما يدفع الناس إلى تتبُّع القائد أو الخبراء دون تردُّد، وفي بعض الأحيان دون وعي. والتنوع في التفكير أمرٌ بالغٌ في الأهمية للفريق ليصبح أكثر إبداعاً.

ادعُ الجميع أن يقدِّموا كل ما في وسعهم، وليس أن يعملوا على الجوانب اللازمة للقيام بدور واحد فحسب. فالرياضة والهوايات والسفر وما إلى ذلك، وكل ما يختبره الناس خارج العمل هو مصدر إلهام لا يتمُّ استثماره.

5. تطوير التعاطف الجماعي:

إنَّ وضع نفسك في مكان شخص آخر هو أفضل طريقة للشعور بألمه وتحدِّياته. إنَّ تأدية الأدوار الوظيفية يبني التعاطف، فأنت تفهم وتُقدِّر ما يواجهه الآخرون كل يوم. على سبيل المثال، السماح لشخص انطوائي بتنظيم اجتماع هو طريقة ممتازة للإصغاء لآراء الناس الهادئين، وانظر ماذا يحدث عندما يديرون اجتماعاً بأسلوب هادئ.

كيفية البدء:

من أجل تناوب الأدوار الوظيفية، يجب أن تنظم عمل فريقك حسب الأدوار الوظيفية أولاً. وأفضل طريقة هي إشراك الفريق بنشاط في العملية. ويمكن للمديرين شرح مفهوم تناوب الأدوار الوظيفية، ووضع قواعد واضحة للمشاركة. مع السماح للفريق بتصميم وصياغة أدوارهم أيضاً.

وتتمثَّل الخطوة الأولى في أن تدعُ الجميع بأن يقوموا بتجسيد الأدوار الوظيفية التي سيؤدونها. اطلب من الفريق المشاركة بشكل جماعي، وتجنَّب التدخُّل، وابحث عمَّا إذا كان هناك شيءٌ مفقود. فكل الأعمال يجب أن تتجسَّد من خلال الأدوار الوظيفية.

تتدرب بعض الفِرق على الاختيار الذاتي. فلا يتمتَّع أعضاء الفريق بحرية اختيار الأدوار الوظيفية التي لا يرغبون في تأديتها فحسب؛ بل يقومون باختيار المشاريع والأشخاص الذين يرغبون في العمل معهم.

إنَّ التيسير أمر بالغ الأهمية لتهيئة الظروف المناسبة، ولكن لا تتوقَّع أن يتبنَّى الناس هذه الممارسة بين ليلة وضحاها.

فيما يأتي طرائق مختلفة للأدوار التي ستساعدك على البدء.

الأدوار الوظيفية التشغيلية:

هذه هي الأدوار الوظيفية التي تدير الجوانب الإدارية للمساعدة في العمل المُنجز؛ إذ يتمثَّل دور السكرتير بتسجيل الملاحظات في أثناء الاجتماع. ويتمثَّل دور المساعد بإدارة الاجتماع والحفاظ على بقائه في مساره الصحيح. أمَّا دور اللوجستي فهو الحفاظ على توفير الموارد التي يحتاجها فريق العمل.

يجب أن يكون للأدوار التشغيلية تاريخ انتهاء، كل ثلاثين يوم على سبيل المثال، من أجل أن يحصل الجميع على فرصة لتجربة كل الأدوار الوظيفية.

شاهد أيضاً: 5 مواضيع لا تقلق من الحديث عنها مع مديرك

أدوار الفريق الديناميكية:

حدَّد "بيشون ريفيير" أدواراً عدة يجب أن تتوفَّر لدى كل مجموعة، من أجل أن تعمل عملاً جيداً، وهي:

  1. المساعد: يمكِّن ديناميكيات المجموعة في أثناء كل اجتماع، ويساعد الفريق على معالجة العقبات العاطفية والوظيفية التي تعوق التعاون والتواصل.
  2. المراقب: مشابه للسكرتير، ولكنَّه يجسِّد ديناميكيات الفريق ككل، وليس فقط ما يجري مناقشته. وهو يدقِّق على "المشكلات" حتى يتم حلها في وقت لاحق.
  3. القائد: يتجسَّد دوره في تحديد الموقف وتنظيم العمل. ويمكن أن يكون من قِبل سلطة رسمية أو غير رسمية. يمكن أن يكون القائد هو الشخص الذي تمَّ تعيينه لإدارة الفريق، أو الذي يتمتع بالتأثير والاحترام الذي يجب الإصغاء إليه. فأغلب الفرق تحتاج إلى قائد رسمي.
  4. الشخص المُدمِّر: فهو أكثر من مجرد عقبة؛ بل هو يمثِّل مقاومة الجماعة. ففي أي نشاط جماعي لا يوجد تقدُّم دون مقاومة، والشخص الذي يجسِّد هذا الدور، بدلاً من التزامه بالصمت، من شأنه أن يسلِّط الضوء على نقاط لم تُلاحَظ من جانب القادة وأعضاء الفريق على حدٍّ سواء.
  5. كبش الفداء: هذا الدور الذي يقوم فيه الناس بإيداع الجوانب السلبية للفريق. ومع أنَّ إلقاء اللوم ليس أمراً فعَّالاً، فإنَّه يُشكِّل سلوكاً جماعياً شائعاً، وهو ما لا يستطيع الناس تحمُّله بأنفسهم، فيلقون به على الشخص الذي يجسِّد دور كبش الفداء. ويكشف هذا الدور عن انعدام المساءلة الفردية.
  6. المتحدِّث الرسمي: يُعَدُّ الصوت الجماعي للمجموعة، وهو يقول ما تفكِّر به المجموعة، وخاصةً عندما لا يتحدَّث أحد، ويمكن أن يمثل المشاعر الإيجابية أو السلبية التي تمرُّ بها المجموعة في وقتٍ معين. هؤلاء الناس جيدون عادةً في قراءة أفكار زملائهم في العمل؛ فالإصغاء إلى هذا الصوت هو مفتاح لفهم مزاج الفريق.

يُكمِّل كل من دوري كبش الفداء والمتحدث الرسمي بعضهما، ولكنَّهما مختلفان تماماً؛ فالأول يعبِّر عما يجري "المتحدث"، والآخر يصبح وديعاً لجميع الجوانب السلبية "كبش الفداء".

إقرأ أيضاً: أهم النصائح لتترك انطباع مميز في مقابلة العمل

الأدوار الوظيفية المرتبطة بأنماط التفكير:

لتوسيع التنوُّع في التفكير، يجب أن تتضمَّن الفِرق وجهات نظر وطرائق تفكير مختلفة.

حدَّد "إد هيرمان" (Ed Herrmann) في كتاب "عمل الدماغ الكامل" (The Whole Brain Business)، أربعة أنماط تفكير أساسية: المسؤول، والمتحدِّث، وحلَّال المشكلات، والحالم، التي أشار إليها على أنَّها الأرباع الأربعة للدماغ؛ حيث يحكم تفكير معظم الناس واحدة منهم فقط. فبعضٌ منَّا يميل إلى التركيز على الصورة الكاملة للأمور، وبعضنا الآخر يركِّز على التفاصيل، أو يميل إلى اتِّباع حدسه. ويساعد استخدام نهج العقل الكامل على الاستفادة من جميع أساليب التفكير لدى فريقك، وليس فقط الأساليب التي يفترضون استخدامها.

وعلى نحو مماثل، تساعد طريقة عالِم النفس "إدوارد دي بونو" (Edward de Bono)، التي تُدعى "قبعات التفكير الست" (Six Thinking Hats) على تحديد الكيفية التي يفكِّر بها دماغنا لخلق حلول أكثر فاعلية. من خلال تدريب عقلك بوعي، يمكنك التغيير من طريقة منظورك على بعض الأمور.

إقرأ أيضاً: أسباب الإرهاق أثناء العمل وطرق التخلص منه

الأدوار الوظيفية المرتبطة بالخبرة:

اعتماداً على طبيعة المشروع، يحتاج الفريق إلى جلب خبراء يمكنهم إضافة معرفة محددة إلى العمل. وهو دور من الصعب أن تؤديه في عملية التناوب بين الأدوار الوظيفية، وليس كل شخص من الممكن أن يعمل خبيراً في بيانات معينة أو في مجال الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال. ومع ذلك، فإنَّ الأدوار الوظيفية المرتبطة بالخبرة تأتي وتذهب، وهي لا تحتاج إلى أن تكون جزءاً من ديناميكيات الفريق العادية.

المصدر




مقالات مرتبطة