أهم المشاكل التي تعترض الأهل في تربية الابن الوحيد

قد يجد بعض الناس أنَّ الابن الوحيد محظوظ نوعاً ما، نظراً للظروف التي جعلته وحيداً في أسرته، فيناله من الاهتمام والرعاية أكثر ممَّا لو كان طفلاً مع أخوة آخرين؛ ولهذا نجد كثيراً من الحب والحنان والتدليل له، وحرصاً شديداً على تلبية رغباته والعطف عليه؛ بل وربما نجد كثرة في الإغداق عليه بالألعاب والهدايا والمال، ليس من جانب الوالدين فحسب، بل ربَّما من باقي محيط العائلة كالأجداد والأعمام والأخوال مثلاً، كما يُحاط بالمتابعة والخوف الزائد أيضاً، ما قد يعود عليه بتأثيرات سلبية في تكوينه وبلورة طبائع شخصيته فيما بعد.



ما المشاكل النفسية المُتوقع حدوثها للطفل الوحيد؟

بداية يجب ألا نُعمِّم أو نجزم بوجوب حدوث اضطرابات نفسية لأي طفل وحيد، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا نُغفل إمكانية حدوث بعض الاضطرابات النفسية في ظل هذا الوضع، فما يحدث للطفل الوحيد من ظروف فريدة تحيطه في مجال الأسرة قد يكون لها تأثيراتها النفسية بلا شك؛ مثل وجوده بمفرده في البيت، وطريقة معاملته وأسلوب تربيته، والتي قد تتعارض مع معاملة المجتمع له خارج نطاق الأسرة في المدرسة أو الشارع مثلاً.

نذكر من هذه الاضطرابات على سبيل المثال أن تكون الشخصية اتكالية سلبية وأنانية، سهلة الإحباط والغضب عند مواجهة أية مسؤولية أو التعرض لأية مشكلة في الحياة، أو قد تكون أحياناً خجولة انطوائية غير قادرة على تكوين صداقات قوية مستديمة خارج نطاق الأسرة.

يمكن لاهتمام الأسرة الزائد والتنفيذ المباشر للطلبات خلق شخصية متواكلة على غيرها في إدارة شؤونها، غير قادرة على تَحمُّل المسؤولية مترددة في اتِّخاذ القرارات، كما يمكن  للتدليل الزائد والتساهل في العقاب تكوين شخصية تتخطى الحدود في جراءتها، متسلطة متبجحة لا تستجيب إلى الأوامر أو حتى إلى النصيحة؛ ما قد يؤدي إلى انحرافات سلوكية فيما بعد، خصوصاً في مرحلة المراهقة.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة لوقاية الأبناء من الأمراض النفسيّة

هل يتعرض آباء الأطفال الوحيدين لضغوطات نفسية؟

قد يُقرِّر الأهل لأسباب مختلفة إنجاب طفل واحد فقط نتيجة ضغوط صحية أو اقتصادية أو حتى سياسة في بعض الدول التي تحدد النَّسل كالصين مثلاً، فسواء كان هذا قرار الأهل الحر أم كانوا مُجبرين عليه، توجد سلسلة من المخاوف والضغوطات النفسية سوف تواجههم في تربية طفلهم الوحيد؛ مثل المستقبل الغامض الذي ينتظره، والشخصية الصعبة التي سوف يكون عليها نتيجة نشأته وحده مَلِكاً مُدلَّلاً في الأسرة.

يعيش الوالدان في هذه الحالة قلقاً وخوفاً مستمراً على طفلهم، وخصوصاً من أي إصابة أو مرض، بل وينتابهم الهلع إذا وقع له مكروه؛ لأنَّ فقدان الطفل الوحيد يصعب تعويضه غالباً.

ولتبديد هذا الخوف لدى الوالدين يجب عليهم الإيمان بقضاء الله وقدره، وأنَّه لا رادَّ لقضائه ولن يُصيب الإنسان إلا ما قد كتبه الله له، وأن يتيقَّن الأبوان إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى؛ فمن الذي حفظ سيدنا يونس في بطن الحوت؟ ومن الذي حفظ سيدنا موسى عندما وضعته أمه في التابوت وألقته في اليَمِّ وهو طفل وليد؟

لذا إن تيقَّن الآباء قضاء الله وأنَّه الوكيل الحفيظ، سيُسلِّموا الأمر لله ويستريحوا من عناء الخوف وصراعاته.

قواعد هامة في تربية الطفل الوحيد:

من المعروف أنَّ التربية الصحيحة في مرحلة الطفولة، من أهم عوامل الاستقرار النفسي للإنسان طوال حياته، ولأنَّ الطفل الوحيد له ظروف واعتبارات خاصة؛ فإنَّ تربيته تحتاج لقواعد خاصة؛ منها:

  1. عدم الإفراط في دلاله ودلعه، بل يجب أن تكون هناك وقفات حازمة عند الخطأ، وفرض عقاب إن كان الخطأ يتطلب ذلك.
  2. عدم تلبية كل مطالبه على الدوام وخاصة المادية منها، كي يشعر بقيمة الأشياء ويعلم أنَّ هناك طلبات ورغبات يمكن تلبيتها وأخرى يمكن رفضها، فلا يُصدم لاحقاً في الحياة التي لا تُعطينا دائماً كل مانريد.
  3. تعليمه مبدأ العطاء والتعاون مع الآخرين قبل الأخذ منهم، لئلا تعرف الأنانية إلى نفسه طريقاً، ومن الجميل هنا أن يُشجِّع الأبوان طفلهما على مساعدة أحد زملائه المُحتاجين مثلاً، أو أي مُحتاج يُصادفه.
  4. تشجيعه على الاستقلالية وعدم التعلق والالتصاق الدائم بالوالدين، فقد يتطور هذا التعلق إلى اضطراب الشخصية الاتكالية والاعتمادية؛ فمثلاً يُعوِّده الأبوان الاعتماد على نفسه في قضاء احتياجاته والنوم وحده في سن مبكِّرة.
  5. تعليمه تقبل الفشل والإخفاق كما يتقبل النجاح، وأن ينظر للفشل على أنَّه فرصة للتعلم، هذا ضروري لتربية شخصية سَويَّة.
  6. عدم التدخل -بقصد حمايته- في كل صغيرة وكبيرة في حياته، بل تُترك له فرصة التجريب والتعلم من أخطائه واتِّخاذ قراراته، وعند إخفاقه يُناقش الأمر معه ليعرف خطأه وما كان يُمكن فعله بدلاً من ذلك.
  7. تطبيق مبدأ الثواب عند الإنجاز والعقاب عند الخطأ، وأنَّ الاحتفال بالنجاح يكون على قدر الإنجاز دون مبالغة في المديح.
  8. عدم المبالغة في حمايته وحيداً أم كان بين أشقاء، فالمُبالغة في حماية الطفل تنعكس سلباً عليه؛ لأنَّها تجعله يُعاني وساوس الشعور بالخطر الدائم، فيصبح أقل قدرة على مواجهة العالم وحده.
  9. تعليمه تحمُّل المسؤولية، والتي تبدأ بعدم التهاون معه في نظام المنزل وقواعده، وحتى في واجباته المنزلية البسيطة، من ترتيب أغراضه وسريره، وتحمُّل بعض المهمات المنزلية المناسبة لعمره.
  10. الإجابة على أسئلته؛ فالطفل الوحيد يطرح على والديه أحياناً أسئلة مُحرجة أكثر من غيره، ربما أبرزها "لماذا لم تُنجبوا لي أخاً أو أختاً؟!" فمن الضروري إجابته إجابة مُقنعة مُناسبة لعمره، وعدم الكذب عليه.
  11. مُصادقته وقضاء الوقت الكافي معه، ومشاركته اللعب والقراءة والنشاطات، والتحدث إليه في كل شيء، هذه العلاقة القوية تُشعره بالأمان وتُرمِّم شعور الوحدة لديه، فالطفل الوحيد غالباً ما يشعر بنوع من الوحدة، خاصة في السنوات الأولى في حياته، وإن كان مُحاطاً بأطفال في مثل عمره من الأقارب والجيران، فإنَّه يفتقد الصديق الأقرب وهو الأخ.
  12. تأمين بيئة اجتماعية مناسبة له، والحرص على إدخاله روضة الأطفال في المرحلة المناسبة، ومشاركته للأطفال في مثل عمره بالنشاطات الرياضية أو الموسيقية، والاهتمام في تكوين صداقات له مع أقرانه.
  13. طلب المساعدة من مختصين، إذا كان الأهل يُعانون من مشكلة في تربية ابنهم الوحيد.
إقرأ أيضاً: نصائح تربوية لتنمية شخصية طفلك وتطويرها

الأخطاء الشائعة في تربية الطفل الوحيد:

  • الدلال المفرط في تربية الطفل الوحيد: يميل الأب والأم إلى منح طفلهم الوحيد مزيداً من العناية والدلال، وقدراً أقل من القيود والرقابة نتيجة تعلُّقهما به من جهة، وشعورهم بالذَّنب تجاهه من جهة أخرى.
  • المُبالغة بالمكافآت على أمور عادية، والتسامح كثيراً مع الأخطاء: ممَّا يُسبِّب خللاً في نظام الثواب والعقاب لدى الطفل (وحيداً كان أم بين أشقاء)، وغالباً يكون الأهل الذين يُنجبون طفلاً واحداً أكثرعُرضة للوقوع في فخ المكافآت الكبيرة.
  • المبالغة بالاحتفالات: يقوم الأهل نتيجة تعلُّقهما الزائد بابنهما، بتنظيم مناسبات كبيرة لأمور عادية، كذكرى ميلاده على سبيل المثال، فيشعر الطفل الوحيد كأنَّ يوم ميلاده عيد وطني!.
  • المسموح والممنوع: يمتلك الأهل الذين أنجبوا عِدَّة أطفال، قدرة أكبر على وضع قواعد منزلية مقارنة بالأهل الذين أنجبوا طفلاً واحداً.
  • تغذية الشعور بالفخر: فأهل الطفل الوحيد يُحمِّلونه غالباً كل آمالهم وطموحاتهم، ما يجعله يشعر بقدر أكبر من الفخر، وقد يؤدي ذلك إلى اضطراب النرجسية، أو إلى تحمُّل الطفل ضغوطاً أكبر منه.
  • الخوف المُبالغ فيه: وبناء سور عالي من الحماية حول الطفل، ومنعه من الاختلاط بالآخرين، أو ذهابه لمكان ما لوحده بقصد الحرص عليه، ممَّا يجعل منه شخص قليل الثقة بنفسه وبالآخرين.
  • عدم تقبل كون الطفل وحيداً: الإكثار من الشكوى والتحسر أمامه، وأنَّهم يتمنوا لو كان لديهم أطفالاً غيره؛ فهذه المشاعر السلبية تؤذي طفلهم وتُشعره بأنَّه مشكلة في حياة والديه.

شاهد بالفيديو: 7 أخطاء تدمر الطفولة

هل الطفل الوحيد حُكماً أناني؟

هناك أسطورة واسعة الانتشار مفادها أنَّ الأطفال الوحيدين أنانيون ومُتطلِّبون، ولا يتفهَّمون المفاهيم الأساسية مثل المشاركة، في حين أنَّ ذوي الأخوة والأخوات يتعلَّمون هذه المهارات الاجتماعية تلقائياً.

يخبرنا المعالج الدكتور"كارل بكهارت" في ضوء خبرته في التعامل مع الأطفال، أنَّ الطفل الوحيد لم يختبر شعور المشاركة مع الآخرين، فهو دائماً  محل الاهتمام الوحيد، ووجدت دراسة (في الصين) أنَّ الأطفال الوحيدين أكثر عُرضة لإظهار درجات عالية من النرجسية مقارنة بأولئك الذين لديهم أشقاء.

من جانب آخر؛ وجدت إحدى الدراسات التي أجراها علماء في جامعة بِكِّين عام 2016، أنَّ الأطفال الوحيدين لديهم بُنية دماغية مختلفة قليلاً مقارنة بمن لديهم أشقاء، وخاصة فيما يتعلق بحجم المادة الرمادية، وأنَّهم أكثر نجاحاً وذكاءً وتسامحاً مع الآخرين؛ نتيجة حصولهم على اهتمام من الوالدين بدرجة تفوق أقرانهم من ذوي الأشقاء.

لقد كانت سياسة الطفل الواحد سارية في جميع أنحاء البلاد في الصين من عام 1979 حتى عام 2015، لمواجهة الضغوط السكانية والاقتصادية، حيث سمحت الصين لكل زوجين إنجاب طفل واحد فقط، وفي حال تهوَّر الزوجان وأنجبا طفلاً آخر، يُواجهان مجموعة من العقوبات والحرمان من بعض الميِّزات؛ من نتائج هذه التجربة أنَّ أغلب الأبناء الوحيدين كانوا يشعرون بمسؤولية أكبر تجاه آبائهم وأمهاتهم، ما رفع معدلات التحصيل العلمي وزاد فرص تواجدهم في الجامعات العالمية.

هذا التّاقض في نتائج الدراسات بين أنانية الطفل الوحيد، وبين تميُّزه وتفوقه وإيجابيته؛ يُبيِّن أنَّ من المُجحف الحكم على الجوانب النفسية لشخصية الطفل من خلال عامل واحد هو وجود أشقاء من عدمه، فهذه الاضطرابات قد تظهر في شخصية الطفل سواء كان وحيداً أم بين أخوة وأخوات، وهذا مُتوقف على تربية الأهل ومدى ذكائهم في اتِّباع سلوكيات تربوية تُجنِّب الطفل هكذا اضطرابات.

الخاتمة، أنت من تصنع طفلك!

مُعظم الدراسات التي تناولت المقارنة بين الطفل الوحيد والطفل مع أشقاء؛ أثبتت أنَّه لا يوجد فرق حقيقي بين الحالتين، فالطفل الوحيد لا يمكن أن يكون أنانياً أو عدوانياً أو متبلِّد المشاعر كونه وحيداً فحسب، والمنافسة الوحشية بين الأشقاء لا تعني بالضرورة شخصية سويَّة؛ كل هذا يتوقف على رعاية الأهل وإدراكهم لدور التربية في بناء شخصية الطفل، فإن أهمل الأهل قواعد التربية السليمة، ظهرت الصفات السلبية في الطفل سواء كان طفلاً وحيداً أم بين عشرين شقيق !

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة