والواقع أنَّ نحو 80% أو أكثر من قراراتنا وأفعالنا تأتي من مشاعرنا وعواطفنا، ولكنَّها الجزء الأكثر صعوبة في التحكم؛ ذلك لأنَّنا نؤثِّر فيها بقدر ضئيل، وتتطلب السيطرة عليها تطوير وتوظيف الذكاء العاطفي الذي يعني القدرة على إدراك العواطف من ثم إدارتها.
ومن خلال اتباع العادات اليومية التالية والمستندة إلى أبحاث في علم النفس وعلم الأعصاب ستتمكن من بناء مهارات الذكاء العاطفي والسيطرة على نفسك وحياتك بصورة أفضل.
1. التحكم في إظهار العواطف:
هل سبق وأن كانت ردة فعلك متهورة في موقف ما، وتمنيت أن يعود بك الزمن إلى الوراء للتراجع عما فعلت؟ أو هل ندمت على شيء قلته في لحظة غضب؟
سواء أكانت ردود الفعل الانفعالية هذه حدثاً نادراً أم متكرراً في حياتك، فهناك الكثير من المزايا التي ستكسبها عند التحكم في إظهار عواطفك، ولكن أولاً لنتحدث عن كيفية عمل عقولنا ونظامَي تفكيرنا؛ حيث إنَّ النظام الأول هو النظام الآلي الذي يمثِّل عواطفنا وحدسنا، بينما يتمثل النظام الواعي بتفكيرنا العقلاني.
بسبب بطء نظامنا الواعي، فإنَّه يستغرق وقتاً لتنشيطه والتفكير في نوع الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها النظام الآلي؛ ولمعالجة هذا، يجب عليك تطوير عادة يومية وهي أن تعد إلى الرقم عشرة قبل الانقياد خلف السلوكات والقرارات التي تحركها العواطف، مما يسمح لنظامك الواعي أن ينقل ويعالج مشاعرك قبل أن تُظهِرها.
ببساطة، إنَّ فهم كيفية عمل هذين النظامين والتمهل قبل التصرف يمكِّنك من السيطرة على عواطفك طوال الوقت.
2. تدوين اليوميات:
تعد كتابة أفكارك ومشاعرك بانتظام عادة مفيدة للغاية لتطوير الذكاء العاطفي، وتعدُّ من طرائق الاعتناء بالذات، والتي تعزز الإبداع والوعي الذاتي؛ وقد أظهرت الأبحاث أنَّ تدوين اليوميات أو الأسئلة الإرشادية البسيطة لتحصل على بداية جيدة هي طريقة مفيدة لتحفيز التفكير.
وعلى الرغم من عدم وجود قواعد دقيقة لتدوين اليوميات، احرص على أن تكون عادة يومية لإرساء العملية، وطوِّر الكتابة لتشمل ثلاث عادات ذات صلة بالذكاء العاطفي:
- اكتب عن نفسك وعن مشاعرك في اللحظة الراهنة.
- اكتب ما تعلمته عن مشاعرك خلال اليوم الماضي.
- اكتب عمَّا تود التركيز عليه لتطوِّر ذكاءك العاطفي، بما في ذلك القدرة على إدراك مشاعرك وإدارتها بمرور الوقت.
وتذكر أنَّ المفتاح هو أن تبدأ وتستمر، وأبقِ أمر اختيار طريقة التدوين بسيطاً؛ حيث يمكنك الكتابة بخط يدك أو طباعتها على الحاسوب أو استخدام مسجل الصوت أو تحميل تطبيق على هاتفك المحمول، والتزم بما اخترته.
وبينما تبدأ في ممارسة العادات المدرجة هنا، سوف ترغب في مراجعة مدخلات يومياتك من وقت لآخر، وهي وسيلة جيدة للتحقق من عقباتك السابقة وإلى مدى التقدم الذي وصلت إليه.
شاهد بالفيديو: 5 طرق تجعل من تدوين اليوميات عادة مكتسبة
3. التأمل:
إنَّ التأمل وسيلة أخرى لتحسين الذكاء العاطفي؛ فبينما يميل أغلب الناس إلى ربطه بالروحانية، يمكن للتأمل أن يُشكل مسارات عصبية جديدة قد تساعد في إدارة التوتر والعواطف على حد سواء.
ويمكن للتأمل أن يساعد الرجال الذين يكافحون مع المعايير التقليدية المتعلقة بالعواطف وصعوبة التعبير عنها على وجه الخصوص، وقد أظهرت الدراسات أنَّ التأمل يساعد الرجال على الانسجام مع عواطفهم بصورة بناءة.
ويُنصح بتطوير هاتين العادتين من عادات التأمل اليومية:
- تأمُّل "زازن" (Zazen) لمدة عشر دقائق؛ وهو التأمل دون تفكير ويهدف إلى تصفية وتهدئة الذهن. يمكن تطبيق هذا النوع من التأمل بالجلوس متربعاً ثم أخذ نفس عميق مع تصفية ذهنك تماماً ومحاولة عدم التفكير في أي شيء؛ حيث تساعدك هذه التقنية على تعزيز الانتباه والتركيز ثم الاستفادة منها لتوجه اهتمامك إلى عواطفك.
- التأمل بحب ولطف لمدة خمس دقائق؛ وهو النوع الذي يساعدك على إدارة مشاعرك تجاه الآخرين وجعلها أكثر ثراءً وإيجابية؛ حيث يمكنك تعزيز صلتك ومشاعر اللطف نحو أحبائك وحتى معارفك. ويمكن القيام بذلك من خلال تخيل الناس في حياتك والتركيز عليهم ثم التفكير فيهم وهم يرسلون مشاعر الحب واللطف إليك ويتلقونها منك.
4. ممارسة اليوغا:
لعلكم سمعتم بفوائد اليوغا الصحية العديدة، ولكن كيف لها أن تؤثر تأثيراً قويَّاً في الذكاء العاطفي؟
تُعلِّمك ممارسة اليوغا أن تكون حاضراً في اللحظة الحالية وتدفعك إلى الوعي بذاتك، مما يسمح لك بالتعرف على عواطفك بسهولة أكبر، ويترجم هذا أيضاً إلى وعي عميق بجسمك وقدرة فعالة على إدارته.
غالباً ما يُعبَّر عن العواطف جسدياً؛ لذا فإنَّ الوعي الجسدي سوف يساعدك على زيادة الوعي العاطفي، وأن تكون قادراً على التمييز بين العواطف والتحكم بها؛ لذا عوِّد نفسك على ممارسة اليوغا مدة خمس عشرة دقيقة على الأقل.
5. تحديد التحيزات المعرفية بانتظام:
غالباً ما تقودنا عواطفنا في الاتجاه الخاطئ بسبب هفوات ذهنية تسمى "التحيزات المعرفية"، وهي أخطاء خطيرة في التقدير يمكنها حملك على اتخاذ قرارات سيئة في حياتك الشخصية والمهنية.
يجب عليك أن تتغلب على هذه التحيزات عن طريق تقييم وتعلم أي منها له صلة بك، ثم اكتشاف طقوس يومية معينة تُساهم في مُعَالَجَة أشد التحيزات المعرفية تأثيراً عليك.
كما أنَّ العادات الأربع الأولى التي ذُكرت ستضعك في أفضل موقف يمكِّنك من تحديد هذه التحيزات والتعامل معها، فعلى سبيل المثال؛ يمكنك استخدام اليوميات لكتابة كيف تخطط لمعالجتها.
6. بناء العلاقات مع الآخرين:
في حين أنَّ العادات الخمس الأولى السابقة تركز على التفكير والتقييم على الصعيد الداخلي، يجب عليك أيضاً أن تنظر بنفس القدر من الاهتمام إلى علاقتك بالناس، وبعد ممارسة العادة الخامسة ستدرك كم أنَّنا متحيزون معرفياً عندما يتعلق الأمر بعواطفنا المتعلقة بالآخرين.
لإدارة عواطفك بشكل أفضل، تبنَّ عادة يومية لتقييم عواطفك عندما تتفاعل مع الآخرين؛ قف وعبِّر، ثم حدد ما يمكن أن تتعلمه عن نفسك خلال هذه التفاعلات، إذ يمكن أن تستفيد من هذه العادة كحافز ليومياتك.
بعد أن تكتسب المعلومات اللازمة عن نفسك، خطط كيف ستتفاعل مع من يتقدَّم للأمام وتذكر أن تتحكم في إظهار عواطفك للآخرين على الدوام، وخاصة في البداية، حتى تتعلم إدارة نفسك جيداً.
7. تطوير مهارات الإصغاء:
يصغي العديد من الناس للآخرين دون أن يسمعوا أو يفهموا ما يُقال لهم، وهذه حقيقة تنطبق على العديد من النقاشات حين يتبنى الناس موقفاً دفاعياً ويقضون وقتهم في صياغة الرد في ذهنهم بدلاً من الإصغاء حقاً إلى الشخص الآخر.
فبدون مهارات الإصغاء الصحيحة، لا يمكنك تطوير أو توظيف ذكائك العاطفي، وسوف تظل معظم النزاعات بدون حل؛ لذا عند التحدث مع الآخرين، أصغِ للطرف الثاني جيداً بدل أن يكون إصغاؤك له مجرد استماع عابر أو وسيلة لتمضية الوقت حتى يحين دورك الفعلي في الحديث، والأحرى بك أن تُصغي جيداً لضمان أن تفهم جيداً ما يُناقش.
يساعد الإصغاء الجيد عند حل النزاعات على تحديد كيف يمكنك المساهمة في حل المشكلة؛ وذلك لأنَّه يمنحك الوقت لتوضيح أي نقاط مبهمة واستخدام ذكائك العاطفي لمساعدتك في التوصل إلى رد مناسب.
8. استخدام أسلوب تواصل حازم وتعاوني:
في حين أنَّ كل عادة يمكن ممارستها فردياً مع نتائج جيدة، إلا أنَّ هذا المفهوم يتغير من خلال اتباع طريقة حازمة وتعاونية في التواصل مع الآخرين؛ وذلك لأنَّ العادات السبع الأولى تعمل بشكل متناسق لتسمح بأن تكون أكثر حزماً ووضوحاً.
أعِد النظر في كل ما تعلمته عن نفسك وعن تحيزاتك الخاصة، وكيف تتفاعل مع الآخرين، ثم طور عادة أن تكون حازماً وليس عدوانياً، وأن تكون أكثر وضوحاً عند التواصل وهذا يتيح لك التعبير عن آرائك بمزيد من الوضوح، مما يشجع الآخرين على التواصل معك بالطريقة نفسها.
شاهد: تنمية الذكاء العاطفي
ختاماً:
مهما كانت أسباب رغبتك في صقل ذكائك العاطفي، فإنَّك لن تحقق ذلك إلا من خلال المحاولة باستمرار. كما أنَّ تبنِّي هذه العادات اليومية هو مفتاح تطوير الذكاء العاطفي الذي يعد بمثابة بوابتك إلى السيطرة الحقيقية على حياتك؛ وفي حين أنَّ منحنى التعلم يمكن أن يختلف من شخص إلى آخر، يمكن لأي أحد أن يحاول تبني هذه العادات بالتدريج.
تبنَّ القليل فقط من هذه العادات لتعرف كيف تغنِي جوانب معينة من حياتك، أو استخدم العادات الثمانية التي ذكرت لتجني كل الفوائد من كونك شخصاً ذكياً عاطفياً.
أضف تعليقاً