إضافة إلى، ومحاولة التحكم في كل جانب من جوانب حياة أطفالهم، باستخدام التلاعب أو التهديد أو الإكراه لتحقيق ذلك. تكون تأثيرات نرجسية الوالدين في الأطفال سلبية عميقة، فتسبِّب لهم الشعور بقلة القيمة، وصعوبات في التعلق، ومشكلات في تحديد هويتهم الخاصة، والانخراط في سلوكات سلبية، مثل تعاطي المخدرات أو الكحول أو العنف، وقد يعانون من مشكلات في المدرسة أو العمل، وفي مثل هذه الحالات ينشأ لدينا أفراد يحملون كثيراً من المشكلات والعُقَد في شخصياتهم، وفي هذا المقال اخترنا أن نسلِّط الضوء على هذه الفئة_ تلك التي تربَّت على يدي والدين نرجسيين _ ونقدِّم لهم طريق الخلاص وطرائق التعافي من آثار تربية الوالدين النرجسيين.
طرائق التعافي من آثار تربية الوالدين النرجسيين:
إنَّ تربية طفل تحت جناح والدين نرجسيين تُلقي بظلالها القاتمة على حاضره ومستقبله، تاركةً وراءها ندوباً عميقة في مشاعر الأبناء وعلاقاتهم، ولكنَّ التعافي ممكنٌ، وإنْ طال الطريق، وإليكم بعض الخطوات التي تُضيء لكم درب النجاة وتُساعدكم على المضي قدماً بِحياةٍ سعيدة:
1. فهم سلوكات الوالدين النرجسيين وتأثيراتها:
إنَّ رحلة التحرر من آثار تربية الوالدين النرجسيين تبدأ بخطوةٍ أساسية هي فهم سلوكاتهم وتأثيراتها، فمعرفة جذور المشكلة وتداعياتها على الحياة العائلية تُساهم إسهاماً فعالاً في ربط السمات النرجسية بالمواقف الماضية، وفهم السلوكات الغامضة والتصرفات غير المبررة للوالدين، وتحديد أنماط التواصل السامة والتأثيرات السلبية لسلوكاتهم في العلاقات داخل المنزل.
إنَّ فهم سلوكات الوالدين النرجسيين وتأثيراتها تساعد على معرفة مدى تأثير النرجسية في الحالة النفسية لبقية أفراد العائلة، ومعرفة كيف تأثرت مشاعر وسلوكات الأخوة والأخوات بالتربية في بيئة نرجسية، وهذا يُساعد على تقديم الدعم المناسب والتعامل مع احتياجاتهم تعامُلاً فعالاً، لذا فإنَّ المعرفة هي السلاح الأقوى في معركة التعافي، ومع امتلاك الفهم العميق لجذور المشكلة وتأثيراتها، تُصبح إمكانية التغلب على آثار التربية النرجسية أكثر واقعية وقابلية للتحقق.
2. تحرير النفس من الأفكار الخاطئة عن الوالدين النرجسيين:
في رحلة التحرُّر من آثار تربية الوالدين النرجسيين، قد يواجه بعض الأشخاص صراعاً داخلياً يتمثَّل في تمسُّكهم بأفكارٍ مثالية وهميةٍ عن والديهم، وهذه الأفكار، على الرغم من شيوعها بين من نشؤوا في بيئة نرجسية، تعدُّ غير واقعية وتعوق عملية الشفاء، لذا يكون من الهام التخلي عن هذه الأفكار الخاطئة كتلك التي تقوم بأنَّهما قاما بتعنيفي من أجل أن أتربى تربيةً أفضل، أو أنَّهما كانا يضربانني لأجل أن أحقِّق الدرجات العالية وهذا لأجل مصلحتي.
3. تقبَّل الواقع:
من طرائق التعافي من آثار تربية الوالدين النرجسيين نذكر تقبُّل الواقع الذي فرض أن تكون ابناً أو ابنة لوالدين نرجسيين، فيواجه بعض الأشخاص صعوبة في تقبُّل حقيقة سلوكات والديهم ويسعون جاهدين لتغييرهم، ولكن من الهام إدراك أنَّ محاولة تغيير شخصٍ نرجسيٍّ أمرٌ شاقٌّ، إن لم يكن مستحيلاً، وقد يُسبِّب مزيداً من الألم والإحباط، لذلك فإنَّ التركيز على قبول حقيقة أنَّ والديك نرجسيان يُشكِّل الخطوة الأولى نحو الشفاء، ويُساعد على تخفيف الشعور بالذنب واللوم، ويُتيح لك تركيز الطاقة على التغيير الذاتي.
4. اللجوء إلى العلاج النفسي:
العلاج النفسي طريقة لا بدَّ منها من طرائق التعافي من آثار تربية الوالدين النرجسيين، اللذين تمتدُّ آثار تربيتهما السيئة لفتراتٍ طويلةٍ بعد انتهاء مرحلة الطفولة، تاركةً وراءها ندوباً عميقةً في مشاعرنا وعلاقاتنا، فقد يُسبِّب تذكُّر المواقف السابقة شعوراً عميقاً بالألم والصدمة النفسية.
من بين العوامل المُسبِّبة لهذه المشاعر نذكر الشعور بعدم القيمة أو عدم الاكتفاء، لأنَّ الوالدين النرجسيين يكثرون من الانتقادات والتقليل من شأن أطفالهم، وهذا يُؤثِّر تأثيراً سلبياً في شعورهم بقيمة ذاتهم، إضافة إلى الحاجة لإرضاء الآخرين كون النرجسيين يربون أطفالهم على أنَّ قيمة الفرد تُقاس بإنجازاته ونجاحاته، وهذا يُولِّد لديهم شعوراً دائماً بالحاجة لإرضاء الآخرين.
إضافة إلى الصعوبات في تكوين العلاقات، فيُواجه الأشخاص الذين نشؤوا مع والدين نرجسيين صعوبة في تكوين علاقات صحية مع الآخرين، بسبب شعورهم بقلة القيمة والحاجة لإرضاء الآخرين، لذلك فإنَّ اللجوء إلى العلاج النفسي يُعدُّ خطوة أساسية في رحلة الشفاء من آثار تربية الوالدين النرجسيين، فمن خلال العلاج النفسي يمكنك فهم كيف أثَّرت تربية والديك في سلوكك ومشاعرك وعلاقاتك.
تعلَّم طرائق صحية للتعامل مع المشاعر السلبية، وطوِّر مهارات التواصل الفعالة، لِتضع حدوداً صحية في علاقاتك، وتُعزِّز شعورك بقيمة ذاتك، فالعلاج النفسي ليس علامة ضعف، بل هو خطوة قوية نحو تحقيق الشفاء وبناء حياة سعيدة.
شاهد بالفيديو: ماذا لو أمكنك التخلص من المشاعر السلبية بضغطة بسيطة
5. تحرير ذاتك:
قد يواجه الأشخاص الذين نشؤوا مع والدين نرجسيين صعوبة في اكتشاف هوياتهم الحقيقية وتحقيق أحلامهم، وذلك بسبب القيود التي فرضها عليهم والديهم في طفولتهم، فغالباً ما يُحرم هؤلاء الأطفال من ممارسة هواياتهم أو متابعة اهتماماتهم، ويُجبرون على الانصياع لرغبات والديهم، ولكن مع حلول مرحلة الوعي، تأتي الفرصة لكسر هذه القيود واكتشاف إمكاناتك الحقيقية فيصبح التحرر من القيود خطوة ضرورية من خطوات التعافي من آثار تربية الوالدين النرجسيين، ويكون ذلك من خلال: السماح لنفسك بممارسة الأمور المفضلة: كاكتشاف الهوايات والاهتمامات الجديدة، أو تطوير المهارات والمواهب الموجودة، أو التعبير عن الذات تعبيراً حراً واتباع الشغف.
من الهام جداً ألَّا تقارن نفسك بالآخرين، وألَّا تستسلم للشعور باليأس، فمع كل خطوة تخطوها نحو تحقيق أحلامك، ستقترب أكثر من الشعور بالسعادة والرضى عن نفسك.
6. اتخاذ قرار الخوض في رحلة التعافي:
اتخاذ القرار بالتخلص من أعباء الماضي وثقله هو من أهمِّ طرائق التعافي من آثار تربية الولدين النرجسيين، فهل نشأت على يد والدين نرجسيين؟ قد تكون رحلة الشفاء صعبة، لكنَّها مُمكنة، وتذكَّر أنَّك لست وحدك، وتوجد عدة طرائق للتغلب على آثار طفولتك وبناء حياة صحية وسعيدة.
إليك بعض الخطوات التي قد تساعدك:
أولا: فهم النرجسية
- معرفة سمات الشخصية النرجسية، سلوكات مثل الاستحقاق المبالغ فيه، والحاجة المفرطة إلى الإعجاب، ونقص التعاطف، كلها سمات أساسية للنرجسية.
- فهم سلوكات الوالدين النرجسيين، قد يكونان مُسيطرين ومتطلبين، ويستخدمان التلاعب العاطفي، ويُهملان احتياجاتك العاطفية.
- التأثير في نموك، قد يكون للتربية النرجسية تأثيرات سلبية في احترام الذات، والشعور بالهوية، والعلاقات الشخصية.
شاهد بالفيديو: صفات الشخصية النرجسية وكيفية التعامل معها
ثانيا: وضع الحدود
- وضع الحدود: تحديد ما تقبله وما لا تقبله في سلوكات الآخرين.
- شرحُ الحدود بوضوح: التعبير عن احتياجاتك ورغباتك بحزم على أية محاولة لانتهاك حدودك.
- المحافظة على الثبات: قد يقاوم الوالدان النرجسيان حدودك ويحاولان اختراقها، ولكنَّ ثباتك ضروري لحماية نفسك.
ثالثا: الشفاء الذاتي
- العلاج النفسي، يمكن أن يساعدك العلاج على فهم مشاعرك، وتعلُّم آليات التأقلم، وبناء علاقات صحية
- مجموعات الدعم، يمكن أن توفر لك مجموعات الدعم فرصة للتواصل مع أشخاص آخرين مروا بتجارب مماثلة.
- ممارسة العناية الذاتية، مثل الاهتمام بالنفس جسدياً وعاطفياً من خلال ممارسة الرياضة، وتناوُل الطعام الصحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم.
رابعا: بناء علاقات صحية
- تحديد السلوكات الصحية، اجعل علاقاتك صحية، وحدِّد السلوكات غير المقبولة.
- التواصل باحترام، التعبير عن احتياجاتك ومشاعرك بوضوح، والاستماع جيداً للآخرين.
- وضع حدود صحية، المحافظة على الحدود في علاقاتك، وعدم التردد في الابتعاد عن الأشخاص السامين.
خامسا: التسامح
- مسامحة النفس، تذكَّر أنَّك لست مسؤولاً عن سلوكات والديك.
- مسامحة الوالدين، التسامح لا يعني الموافقة على سلوكاتهم، بل يعني التخلي عن الغضب والاستياء.
- التركيز على الحاضر والمستقبل، لا تدع ماضيك يعوق حاضرك ومستقبلك.
7. المسامحة والغفران:
مع ازدياد فهم الشخص للنرجسية، يدرك أنَّ سلوكات والديه لم تكن نابعة من استهدافه شخصياً، بل من اضطراب نفسي يعانيان منه، وهذا الفهم يُمهِّد الطريق أمام رحلة المسامحة والغفران التي تعدُّ من أهم طرائق التعافي من آثار تربية الوالدين النرجسيين، وهذه الرحلة تُتيح له:
- التحرر من العواطف السلبية، التخلِّي عن مشاعر الغضب والحقد والضغينة تجاه والديه، وهذا يُساهم في راحة باله وتحسين صحته النفسية.
- فهم أنماط السلوك السامة، مثل فهم السلوكات النرجسية التي مارسها والداه، وكيفية تأثيرها في نموه وتفاعله مع الآخرين.
- بناء علاقات صحية، كالقدرة على تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين دون تكرار الأنماط السلوكية نفسها التي تعرَّض لها في طفولته.
- النمو الشخصي، تطوير مهاراته الشخصية، وتحقيق أهدافه، والعيش حياة مُرضية.
تذكَّر:
- المسامحة ليست عن والديك، بل هي عن تحرير نفسك من مشاعر سلبية تعوق سعادتك.
- لا تُلزم نفسك بالمسامحة، خذ وقتك، واتَّخذ القرار الذي يُشعرك بالراحة.
- المساعدة المهنية، قد يكون طلب المساعدة من معالج مختص مُفيداً في رحلة المسامحة والشفاء.
مراحل المسامحة:
- الفهم: فهم سلوكات والديك النرجسية، وكيفية تأثيرها في حياتك.
- التعاطف: محاولة فهم مشاعر والديك، ودوافعهم، ونقاط ضعفهم.
- التسامح: التخلي عن رغبة العقاب، والقبول بأنَّ والديك تصرَّفا بطريقة محدودة بسبب اضطرابهم النفسي.
- الغفران: التحرر من مشاعر الغضب والحقد، والسماح لنفسك بالمضي قدماً.
تذكر أنَّ المسامحة رحلة شخصية، ولا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للقيام بها، خذ وقتك، واتخذ القرار الذي يُشعرك بالراحة.
إقرأ أيضاً: المسامحة: دروس في الحياة تساعدك على إيجاد السلام الداخلي
8. بناء علاقات صحية وتقدير الذات بعد التعرض للنرجسية:
إنَّ التعافي من آثار التربية النرجسية يتضمن إعادة بناء الثقة بالنفس والقدرة على تكوين علاقات صحية مع الآخرين، وقد يكون ذلك صعباً في البداية، ولكن مع العمل مع معالج مختص يصبح ممكناً، ومن أجل بناء علاقات صحية مع الآخرين لا بدَّ لك من:
- استعادة الثقة، بناء الثقة بالنفس والثقة بالآخرين من خلال خطوات تدريجية.
- وضع الحدود، تعلَّم كيفية وضع حدود صحية في العلاقات، والتواصل بوضوح مع الآخرين.
- التواصل الفعال، ممارسة مهارات التواصل الفعال، مثل الاستماع النشط والتعبير عن المشاعر بوضوح.
- اختيار الأصدقاء المناسبين، تكوين صداقات مع أشخاص داعمين وإيجابيين.
أمَّا بالنسبة إلى تقدير الذات فهو أمر آخر يجب ترميمه بعد النجاة من مرحلة التربية من قبل أبوين نرجسيين، إذ يُعدُّ تدنِّي تقدير الذات من الآثار الشائعة للتربية النرجسية؛ لذا، فإنَّ تعزيز تقدير الذات ضروري للشفاء، وفيما يأتي بعض الخطوات التي تساعدك على ذلك:
خطوات تعزيز تقدير الذات:
- التوقف عن المقارنة، التخلي عن مقارنة النفس بالآخرين، والتركيز على نقاط القوة والقدرات الشخصية.
- التأكيدات الإيجابية، ممارسة التأكيدات الإيجابية بانتظام لتقوية الثقة بالنفس.
- الاحتفاء بالإنجازات، الاعتراف بالإنجازات، مهما كانت صغيرة، وتقدير الذات على الجهود المبذولة.
- الغفران للذات، التسامح مع النفس على الأخطاء والتقصيرات، والتركيز على التطوير والنمو النفسي.
- طلب المساعدة، لا تتردد في طلب المساعدة من معالج مختص أو مستشار نفسي عند الحاجة.
تذكَّر:
- الشفاء رحلة، لا تتوقع تغييرات سريعة، بل خذ وقتك وكن صبوراً مع نفسك.
- الدعم هام، اطلب الدعم من العائلة والأصدقاء أو مجموعات الدعم المُخصصة للتعافي من آثار النرجسية.
- المثابرة هي المفتاح، لا تستسلم، فمع المثابرة والعمل الجاد، ستتمكن من بناء علاقات صحية وتعزيز تقدير ذاتك.
في الختام:
ليس خطؤك أنَّك ولدت في أسرة كان فيها والدان نرجسيان، لكنَّها مسؤوليتك أن تأخذ على عاتقك قرار النجاة بنفسك من جحيم الاضطرابات والتأثيرات السلبية التي نتجت عن نموك في بيئة سامة كهذه، ولن يكون الطريق قصيراً ولا مفروشاً بالورد، وستضطر لمواجهة مخاوفك والخروج من دائرة الراحة، ولكن لا عليك، ستكون فخوراً بنفسك في النهاية بعد أن تنجح في تطبيق طرائق التعافي من آثار تربية الوالدين النرجسيين وتصل إلى لحظة التوازن.
أضف تعليقاً