لكنَّ الأطفال ذوي الآباء النرجسيين يكبرون مع آباء يمتلكون سمات شخصية قد تترك ندوباً عقلية وعاطفية تؤثر سلباً في حياتهم بعد مغادرتهم بيت العائلة، وفي مقالنا هذا سنتعرف إلى الآباء النرجسيين ومخاطرهم على أطفالهم، فتابعوا معنا.
ما هي النرجسية؟
تتميز النرجسية بالتركيز الشديد على الذات، وعلى الرغم من كونهم جذابين وبارعين، يعاني الأشخاص النرجسيون من مشاعر التفوق والاستحقاق التي تفرض عليهم أن يكونوا محور الاهتمام، فيتلاعبون بالآخرين، حتى أفراد عائلاتهم، لتلبية احتياجاتهم ويطلبون التقدير الزائد.
أحد أكبر التحديات التي يواجهها الأشخاص في علاقاتهم مع النرجسيين هو نقص التعاطف لديهم؛ إذ يصعب على النرجسيين فهم كيف يشعر الآخرون، فعندما يُظهِرون سلوكاً أنانياً، فإنَّهم لا يدركون ذلك، وعندما يكونون في خطأ، يصعب عليهم أو يرفضون الاعتذار، ويتسبب تكبُّرهم في إلقاء اللوم على الآخرين بدلاً من تحمُّل المسؤولية.
مَن هو الوالد النرجسي؟
نظراً لأنَّ الأشخاص النرجسيين يرون أنفسهم مركز الكون، فإنَّهم يرون أطفالهم بوصفهم امتداداً لهم أنفسهم، وليس من الغريب على الوالدين النرجسيين أن يعيشا من خلال أطفالهما، وليس أيضاً من الغريب عليهما منافسة أطفالهما، وهذا يجبرهم على العيش في ظلالهما.
مع تزايد استقلال أطفالهما، يشعر الوالدان النرجسيان عادة بالتهديد، فيلجأان إلى التلاعب للحفاظ على تركيز انتباه أطفالهما عليهما، ولتغذية أنانيتهما الهشة، ينقضان تقدير أطفالهما بتعليقات نقدية واستصغارية، وإذا واجههما أطفالهما، فلن يتحملا ذلك، فسيعترضان ويستصغران ويتلفظان بتصريحات جارحة قد تتطور إلى إساءة عقلية وعاطفية، وحتى جسدية.
علامات الآباء النرجسيين:
العيش مع والد نرجسي هو تحدٍ دائم وغالباً ما يكون معوقاً، فقد يحظى الوالد بإعجاب كثير من الناس، لكن في الخفاء - وحتى في العلن - يتنافس الوالدان النرجسيان مع أطفالهما ويجبرانهم على العيش في ظلالهما.
تشمل علامات الوالد النرجسي:
- استخدام تكتيكات الترهيب والتلاعب للهيمنة.
- التحايل، والسخرية، والتنميط، والانتقاد للحفاظ على التفوق.
- المشاركة في تقويض الواقع (الغازلايتنغ).
- عدم تحمُّل المعصية.
- تحويل وقت العائلة إلى فرصة لتحويل الانتباه إليه.
- إلقاء اللوم على أفراد العائلة عند عدم حدوث أمر على نحو لا يُرضيه (فهو دائماً خطأ شخص آخر).
- إظهار الحب فقط عندما يفعل طفله بالضبط ما يطلبه، وعدم إظهاره في حالة عدم الامتثال.
- عدم إظهار التعاطف تجاه أطفاله أو أفراد العائلة الآخرين.
علامات الأم النرجسية:
سيجد الأطفال الذين نشؤوا تحت رعاية أم نرجسية صعوبة في فهم الصور التقليدية للأمهات المحبة والداعمة والراعية، فالأمهات النرجسيات غالباً ما تكن مشغولات بأنفسهن، والعالم يدور حولهن، وللأسف أطفالهن أيضاً.
تشمل علامات الأم النرجسية:
- مقارنة الأخوة ببعضهم بعضاً وبأقرانهم.
- اختيار "الطفل الذهبي" الذي لا يعترضها و"كبش الفداء" الذي يلام على كل شيء.
- الإحراج وتحميل الذنب لفرض السيطرة.
- تغيير موضوع الحديث باستمرار للرجوع إلى ذاتها.
- انتقاد أطفالها لتعزيز غرورها.
- توقُّع الثناء والإعجاب بدور الأم.
- التنافس مع أطفالها.
- عدم إظهار وعي قوي بكيفية تأثير سلوكها في الآخرين.
علامات الأب النرجسي:
الأب النرجسي غير قادر على الحفاظ على علاقة تقليدية بينه وبين أطفاله؛ إذ يفتقر إلى القدرة على تقديم تشجيع ودعم ثابت لهم، وإنَّ تركيزه الكبير على احتياجاته يجعله بعيداً عن اهتمام أطفاله.
تشمل علامات الأب النرجسي:
- عرض الكاريزما والتمتع بالأضواء.
- عدم البقاء في المنزل كثيراً بسبب الحاجة إلى مزيد من الانتباه والإعجاب من الغرباء والمعارف والزملاء.
- التمسك بالنجاح أو السلطة.
- ممارسة النشاطات التي يستمتع بها، لكن دون اهتمام كبير بما تستمتع به العائلة.
- تجاوز حدود الآخرين.
- الرد على أدنى انتقاد بالإحراج أو التحقير، وفي بعض الأحيان بطرائق متطرفة.
- التكبر والقسوة، لكن بحساسية كبيرة تجاه ألمه الشخصي.
- استغلال الآخرين لصالحه الشخصي.
شاهد بالفيديو: صفات الشخصية النرجسية و كيفية التعامل معها
مخاطر الآباء النرجسيين:
الوالدان النرجسيان هما والدان يتسمان بفهم متضخم لأهميتهما الذاتية ونقص في التعاطف تجاه أطفالهما، فقد يتجاهلان، ويسيطران، ويتلاعبان، أو يستغلان أطفالهما لتلبية احتياجاتهما وتوقعاتهما، وتشمل بعض المخاطر المرتبطة بوجود آباء نرجسيين:
1. تقدير منخفض للنفس:
قد يشعر أطفال الوالدين النرجسيين بأنَّهم غير جيدين بما فيه الكفاية، ويجب عليهم دائماً إرضاء والديهم لكسب حبهم واعتمادهم، فقد يكون لديهم صعوبة في تقدير أنفسهم والشك في أنفسهم، ويشككون في مشاعرهم وآرائهم ورغباتهم واحتياجاتهم.
2. الإهمال العاطفي:
قد لا يتلقى أطفال الوالدين النرجسيين الدعم العاطفي والتأكيد والرعاية التي يحتاجونها لتطوير ذات صحية، وقد يشعرون بالوحدة وعدم الحب والتلاشي.
3. الرابط غير الآمن:
قد يواجه أطفال الوالدين النرجسيين صعوبة في تكوين علاقات وثيقة مع الآخرين؛ إذ يخشون من رفضهم أو تركهم أو إيذائهم، وقد يتجنبون الحميمية تماماً، أو يصبحون مفرطين في التمسك.
4. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):
قد يتعرض أطفال الوالدين النرجسيين للإصابة بالصدمة نتيجة للإساءة أو الإهمال أو التلاعب الذي يتعرضون له، فقد يعانون من القلق والاكتئاب والفتور والكوابيس أو أعراض أخرى لاضطراب ما بعد الصدمة.
5. الصدى:
قد يطور أطفال الوالدين النرجسيين سمة شخصية تُسمى "الصدى"، وهي عكس النرجسية، فالصدويون يكونون خجولين للغاية وعاطفيين ومتساهلين، وقد يواجهون صعوبة في التعبير عن احتياجاتهم ورغباتهم، وقد يشعرون بالذنب أو الأنانية عند القيام بذلك.
6. تكرار الالتزام:
قد يكون لدى أطفال الوالدين النرجسيين تكرار غير مدرك لأنماط طفولتهم في علاقاتهم البالغة، فقد يجذبهم الشركاء النرجسيون أو يصبحون نرجسيين بأنفسهم، وقد يواجهون أيضاً صعوبة في وضع الحدود، أو قول لا، أو أخذ موقف لأنفسهم.
إذا كان لديك والد نرجسي، أو تشك في ذلك، فمن الهام البحث عن مساعدة ودعم مهني، فأنت لست وحدك، وتستحق الشفاء من الضرر الذي تسبب فيه والدك.
كيفية التعامل مع الآباء النرجسيين:
التعامل مع والدين نرجسيين هو قرار يتخذه الفرد بصفته بالغاً، فقد تحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة تتضمن وضع حدود جديدة لما ستتحمله أو لن تتحمله في المستقبل، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت لتحديد نوع العلاقة (إن وجدت) التي ترغب في العمل عليها مع هذا الوالد.
عند التعامل مع أيَّة علاقة مع شخص نرجسي، من المفيد أن تهتم برعاية الذات والصحة العاطفية؛ إذ يمكن للنرجسيين استنزاف الطاقة وتشويه الحقائق إلى حدٍّ يجعلك تتساءل ما إذا كنت أنت الشخص الذي يعاني من المشكلة، وهذا يحدث لأنَّ الإصبع عادةً ما يكون موجَّهاً تجاهك.
بعض الإرشادات للتعامل مع الوالدين النرجسيين:
- ذكِّر نفسك بأنَّك تتعامل مع شخص نرجسي، وقد يكون من الصعب تغيير سلوك الوالد النرجسي أو جعله يفهم بالفعل كيف تشعر.
- اعلم أنَّه من المستحيل تغيير والد نرجسي ما لم يعترف بالمشكلة ويرغب في التغيير.
- تجنَّب استجواب نفسك، فالأشخاص النرجسيون قد يكونون مقنعين، ومن المغري بدء الشك في نفسك، لكن من الأفضل البقاء واثقاً وتجنب استجواب نفسك.
- لا تحاول شرح النرجسية للنرجسي؛ إذ يُحتمَل أنَّه لا يرغب في فهم نفسه أو التغيير، وأيَّة محاولة لشرح النرجسية له من المرجح ألا تسير كما تأمل.
- لا تعزل نفسك مع والد نرجسي، فإذا كنت وحيداً مع والد نرجسي، فقد تكون عرضة لمحاولات التلاعب أو تجاوز الحدود التي قد وضعتها، وإنَّ قضاء الوقت مع والدك في إطار جماعي يقلل من التواصل معه ويوفر وسيلة وقائية في حالة محاولته التصرف بطريقة تؤذيك.
- ضع حدوداً صحية؛ إذ يجب عليك أن تكون حازماً مع والدك النرجسي بشأن أي حدود قد حددتها، سواء كان ذلك يتعلق بالوقت الذي ترغب في قضائه معه أم الموضوعات التي ترغب في مناقشتها، فإذا حاول تجاوز تلك الحدود، فكن حازماً.
- لا تقبل الوعود الزائفة، فقد يحاول الوالد النرجسي تهدئتك بتقديم وعود لا ينوي الوفاء بها، ونظراً لأنَّ النرجسيين عادةً ما يفعلون ما هو في مصلحتهم، فقد لا يلتزمون بتلك الوعود.
- كن صريحاً بشأن دورهم في حياتك، وكن واضحاً بشأن الدور الذي تود لوالدك النرجسي أن يؤديه في حياتك، حتى لو كان ذلك في إخبارهم أنَّك تريد أن يكون دورهم بسيطاً، وقد يحاول والدك النرجسي تجاوز الحدود؛ لذا من الهام أن تكون واضحاً بشأن نوع التفاعل الذي ترغب في القيام به معه، فمن خلال صراحتك، لا يسعه الاستغراب من رد فعلك.
- ابحث عن مساعدة خارجية ودعم، فالتعامل مع والد نرجسي صعب بطرائق عدة؛ لذا اعتمد على أصدقائك وأحبائك لمساعدتك على تخطي هذه التحديات، وقد تساعدك شبكتك الاجتماعية أيضاً على توجيهك إذا كنت تخشى أن تعاني من صعوبة في تربية طفلك بناءً على تربيتك السابقة.
- استعد لتعليق أو إنهاء العلاقة، فعلى الرغم من أنَّه ليس من السهل إنهاء العلاقة مع الوالد، قد يكون هذا هو أفضل سيناريو إذا كنت تشعر أنَّ العلاقة تسبب لك الضيق، فإذا لم تكن مستعداً لإنهاء العلاقة بشكل دائم، يمكنك أيضاً أخذ استراحة وإعادة النظر في الوضع بعد فترة من الابتعاد.
في الختام:
النمو مع والد نرجسي هو تحدٍ فريد قد تكون له تأثيرات دائمة في الصحة العقلية والجسدية؛ إذ يوجد عدد من الخيارات مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وإزالة الحساسية لحركة العين وإعادة المعالجة (EMDR) التي قد تساعدك على التعامل مع الصدمات، وتحديد أهداف صحية، والعثور على علاقات أكثر صحة والحفاظ عليها.
أنت الوحيد الذي يمكنه أن يقرر ما إذا كان العمل على علاقة مع والد نرجسي يستحق وقتك وجهدك وطاقتك أم لا، وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ العمل على شفاء نفسك من الأذى الذي تسبب فيه، سيكون دائماً جهداً تستحق بذله.
أضف تعليقاً