7 طرق تمكنك من عدم وضع العمل على رأس أولوياتك

لو كانت أيَّة سنة أخرى، لما فعلتُ ذلك على الأرجح، لكنَّ عام 2020 كان عاماً استثنائياً؛ لذا قررتُ التواصل مع صديق لم أقابله منذ فترة طويلة. لم أقصد أيَّ سوء نية تجاه هذا الشخص، لكن قررتُ منذ سنوات عدَّة أنَّه من الأفضل أن أبتعد عنه؛ فمن ناحيتي، شعرتُ أنَّ علاقتي معه قد انتهت، لكن في أثناء ترتيب خزانة ملابسي، وجدتُ ألبوم صور قديماً يحتوي على صورة لنا؛ وشعرتُ بالحنين، وفكرتُ أنَّ الحياة أقصر من أن نحمل في قلوبنا أيَّة ضغينة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "جون هيل" (John Hall)، والذي يُحدِّثنا فيه عن التكامل بين العمل والحياة الشخصية.

على الرغم من أنَّ الأمور لم تعد إلى ما كانت عليه من قبل، لكن هناك الكثير من وسائل التواصل، وربما كنتُ سأشعر بالذنب لو حدث شيء له؛ وعلاوة على ذلك، كنت دائماً على تواصل مع العائلة والأصدقاء والمعارف طوال العام.

لقد منحني عدم الذهاب إلى العمل أو السفر الوقت للقيام بالأشياء التي أستمتع بها، وحتى أيضاً تنفيذ المشاريع التي كنت أؤجلها، لكن الأكثر أهمية من ذلك، لقد أُتِيحَت لي الفرصة للاهتمام بنفسي، وصحتي العقلية وعافيتي.

لقد استغرق الأمر فترة الجائحة حتى أدركت أنَّ العمل لم يعد من أولوياتي القصوى، وكما قالت المغنية الأمريكية "دوللي بارتون" (Dolly Parton): "لا تنشغل أبداً في كسب لقمة العيش لدرجة أن تنسى عيش حياتك".

عندما أبلغ من العمر 90 عاماً، هل سيكون العمل هاماً بالنسبة إليَّ؟

صادفتُ هذا السؤال في منشور على منصة "ميديوم" (Medium)، وهو بصراحة سؤال مثير للاهتمام، خاصةً عند إعطاء الأولوية للمشكلات في حياتي وخاصة مشكلات العمل نفسه.

لقد نشأنا جميعاً على إعطاء الأولوية في حياتنا للعمل؛ وبالنسبة إلى بعض الأشخاص، فإنَّ الوظيفة هي العامل الوحيد الأكثر أهمية في تحديد الهوية، وبالنسبة إلى الكثيرين، قد يكون العمل عقبة، أو مصدر قلق، أو شيئاً بعيداً كل البعد عن الإحساس بالمعنى والهدف، وعن التواصل الإيجابي، وعن مصدر الفرح والسعادة.

على الرغم من هذه العوائق، يأتي العمل على رأس أولوياتنا، لكن عندما تبلغ من العمر 90 عاماً، هل ستتساءل لماذا جعلتَ العمل على رأس أولوياتك؟

يقول السياسي الأمريكي "بول تسونغاس" (Paul Tsongas): "لم يقل أحد على فراش الموت، أتمنى لو قضيتُ وقتاً أطول في العمل، ففي نهاية اليوم، هل سيرافقك العمل؟ وهل تعتقد أنَّه سيذكِّرك بأهم اللحظات؟ أو تملؤك الذكريات التي تنظر إليها بإحساس بالرضا والامتنان؟".

إذا فكرتَ في الأمر حقاً، فسوف تكون الإجابة عن هذه الأسئلة "لا"، وربما يترتيب      كون الأمر كذلك بالنسبة إلى ملايين الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم أو أغلقوا أعمالهم بسبب التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 (COVID-19).

حتى قبل الجائحة شكَّك الناس في أهمية العمل، على سبيل المثال: في كتاب "خمسة أشياء ندموا عليها من رقدوا على سرير الموت" (The Top Five Regrets of The Dying)، الذي ألَّفَته الممرضة "بروني وير" (Bronnie Ware)، وجدت أنَّ هذه الأمنيات كانت أكثر الأمور التي ندم عليها مرضاها:

  • أتمنى لو كانت لدي الشجاعة لأكون صادقاً مع نفسي، ولا أعيش الحياة التي توقعها الآخرون مني.
  • أتمنى لو أنَّني لم أعمل بجهد كبير.
  • أتمنى لو كانت لدي الشجاعة للتعبير عن مشاعري.
  • أتمنى لو بقيتُ على تواصل مع أصدقائي.
  • أتمنى لو سمحتُ لنفسي بأن أكون أكثر سعادة.

يتطابق ذلك للأسف تماماً مع ما وجدَته الاختصاصية الاجتماعية "غريس بلوروك" (Grace Bluerock)، في أثناء العمل في رعاية المسنين، وكذلك البحث الذي أجرته "جامعة إلينوي" (University of Illinois)، ووفقاً لدراسة أجرتها "جامعة هارفارد الشهيرة التي استمرت 80 عاماً" (Harvard’s famous 80-year-study)، فإنَّ سر الحياة الصحية والسعيدة يكمن في العلاقات المتينة، وليس الشهرة أو المال.

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب خمسة أشياء ندم عليها من رقدوا على سرير الموت

ترتيب أولويات العمل والحياة:

حتى لو لم يكن العمل على رأس أولوياتك، فالحقيقة أنَّه لا يزال يتعين عليك القيام به، فما لم يكن لديك بعض الثروة، مثل ميراث، فأنت بحاجة إلى المال، فدونه لن تتمكن من تأمين لقمة عيشك، أو شراء منزل لتسكن فيه أو تحويل نشاط جانبي إلى عمل بدوام كامل، وبالإضافة إلى ذلك، قد يكون لديك التزام قانوني أو أخلاقي بالعمل، كالالتزام باتفاقية عمل أو تقديم أفضل منتج أو خدمة لعملائك.

لكن حتى لو كنت تحب عملك ولا تمانع في قضاء ساعات به، في مرحلة ما، ستحتاج إلى وقت مستقطع للراحة واستعادة طاقتك لتتجنب الإرهاق، ولكيلا تتعب، في النهاية، قد لا تكون قادراً جسدياً أو عقلياً على إتمام المهمة.

بعبارة أخرى، عندما يحين وقت العمل، امنحه اهتمامك وجهدك كاملاً، ولكن عندما تكون خارج وقت العمل، ركِّز على اهتماماتك، وأعرف أنَّ القول أسهل من الفعل، لكن من الممكن تحقيق ذلك إذا وضعتَ أولوياتك في المقدمة، وإليك سبع طرائق لتحقيق ذلك:

1. التوازن بين العمل والحياة الشخصية اعتقاد خاطئ:

لقد كان التوازن بين العمل والحياة لسنوات هو الحل الأفضل للحصول على حياة جيدة، لكن لسوء الحظ، إنَّه اعتقاد خاطئ، فبالنسبة إلى المبتدئين، ستكون هناك أوقات يسيطر فيها العمل على حياتهم الشخصية والعكس صحيح، ويمكن أن يكون ذلك لتجنب الوقوع في مشكلة كالرد على رسالة بريد إلكتروني هامة، ولكنَّ محاولة الحفاظ على هذا التوازن لن تسبب غير الضغط على حياتك فقط.

بدلاً من ذلك، يجب أن تسعى جاهداً إلى تحقيق التكامل، ومن الأمثلة على ذلك الاهتمام بعائلتك أو ترتيب أو تنظيم مكتبك أو إجراء مكالمة عمل في أثناء القيام بنزهة سيراً على الأقدام، ومن الاعتقادات الخاطئة الأخرى التي يجب الكشف عنها ما يأتي:

  • يجب تقسيم وقتك بين العمل والحياة الشخصية: لا يمكنك تقسيم وقتك بالتساوي بين العمل والحياة الشخصية، وبدلاً من ذلك، تحتاج إلى تخصيص الوقت المناسب لأولويتك القائمة.
  • يمكنك إنجاز كل شيء بسهولة: للأسف في بعض الأحيان سيكون عليك تقديم تضحيات معينة.
  • إدارة الوقت: الصحيح هو إدارة طاقتك وتركيزك.
  • تمنحك التكنولوجيا المزيد من وقت الفراغ: ستساعد التكنولوجيا لكن لا يمكنك أتمتة كل شيء.
  • أكثر ما يهتم به الموظفون هو المرونة: المرونة هامة لكن على الرغم من ذلك، فإنَّ معظم الموظفين يريدون عملاً هادفاً وتقديراً وتعاطفاً.
  • يجب أن تستيقظ باكراً وتبدأ العمل إذا أردت النجاح: ما لم تكن ممن يستيقظون باكراً، فلا تقاوم نظمك اليوماوي.
  • لا يجب أن تعمل أبداً في غير أوقات الدوام: في بعض الأيام، قد تضطر إلى قضاء 12 ساعة في اليوم تعمل، لكن في أيام أخرى قد تعمل 4 ساعات فقط.
  • كلما قل عملك، كنت أكثر سعادة: حتى لو كنت تعمل لمدة 20 ساعة في الأسبوع، هل ستكون سعيداً إذا كنت تقضي معظم وقتك في مشاهدة التلفاز؟
  • يحتاج كل شيء إلى جدولة: يمكنك ترك مساحة خالية خارج مهامك ومواعيدك الأساسية، بحيث تكون لديك مساحة صغيرة للترفيه.

2. تحديد الأولويات:

لنفترض أنَّ أهم أولوياتك هي عائلتك وصحتك، وإذا كنت لا تريد أي شيء آخر يعوق اهتمامك بهذه الأمور، فأضفها إلى قائمة أولوياتك.

يمكنك أن تتوقف عن العمل من الساعة 1 ظهراً حتى 2 ظهراً لممارسة بعض التمرينات، أو أن تجعل نفسك غير متاح بعد الساعة 5 مساءً حتى تتمكن من قضاء فترة المساء بأكملها مع عائلتك، فكلما أسرعت في ذلك، قلَّ احتمال التعامل مع المشكلات.

كما قال المؤلف "ستيفن كوفي" (Stephen Covey): "المفتاح ليس إعطاء الأولوية لما هو في قائمة جدولك؛ بل في جدولة أولويات".

شاهد بالفيديو: 13 تقنية فعّالة لتحديد الأولويات

3. الاهتمام بنفسك أكثر:

إنَّ المسافرين الدائمين جميعهم على دراية بتعليمات السلامة الخاصة بالطائرة، وبشكل أساسي، تعليمات ارتداء قناع الأوكسجين، ولكن قد يبدو ذلك محرجاً للأشخاص الذين لا يستطيعون القيام بذلك بأنفسهم، لكن إذا انشغلتَ بمساعدة الآخرين، ربما تنسى ارتداء قناعك، وفي النهاية، لن تكون قادراً على مساعدة أي شخص.

لذا يجب أن يكون لديك التفكير نفسه في الحياة؛ وهذا يعني تخصيص وقت للعناية الذاتية والاهتمام بصحتك وعافيتك، فالمفتاح هو اختيار اللحظة المناسبة، على سبيل المثال: إذا كان طفلك مريضاً، فلا يمكنك الانشغال عنه بقراءة كتاب أو أخذ قيلولة أو حتى إجراء مكالمة مع أحد أصدقائك؛ حيث سيكون طفلك أهم من كل شيء.

لكن عندما يكون بصحة جيدة، نفِّذ خططك؛ حيث يمكنك أن تجلس على كرسي في الهواء الطلق وتقرأ كتاباً وهو يلعب أمامك، وعندما يذهب إلى النوم، تذكَّر أنَّه لا حرج في أن تفعل ما تحب.

4. تجنُّب الإلحاح:

في بعض الأحيان، قد يكون القليل من الإلحاح مفيداً إذا كنت تعاني من التسويف، فالالتزام بالمواعيد النهائية قد يحفزك على العمل أكثر، ولكن في معظم الحالات، يكون الإلحاح أكثر ضرراً مما ينفع، والسبب أنَّ أدمغتنا منحازة نحو المهام التي تبدو ملحة على الرغم من أنَّها أقل أهمية من الناحية الموضوعية.

وكما وجد الباحثون: "قد يختار الأشخاص أداء مهام عاجلة بفترة قصيرة، بدلاً من تنفيذ المهام الهامة ذات النتائج الأكبر؛ نظراً لأنَّ المهام الهامة أكثر صعوبة وبعيدة عن إكمال الهدف، وقد تتضمن المهام العاجلة مكافآت فورية ومحددة أو قد يرغب الأشخاص في إنهاء المهام العاجلة أولاً ثم العمل على مهمة هامة لاحقاً".

نتيجة لذلك، قد نهدر وقتاً ثميناً وطاقة على أشياء لا تستحق العناء حقاً، ولمحاربة هذا التحيُّز لإنجاز المهام الملحة، جرِّب استخدام "مصفوفة أيزنهاور" (Eisenhower matrix)، وتبنَّ الإنتاجية الجزئية، وكن أكثر وعياً.

5. أخذ استراحة:

خذ فترات راحة متكررة يومياً، فقد يجد بعض الناس أنَّ "تقنية بومودورو" (Pomodoro Technique) تساعدهم على ذلك؛ لأنَّها تشجعهم على أخذ فترات راحة كل 25 دقيقة، وإذا كنت لا ترغب في مقاطعة أفكارك، فخذ وقتاً مستقطعاً بعد إكمال المهمة.

بالإضافة إلى ذلك، عليك أن تتوقف عن العمل كل فترة، فقد يكون ذلك عبر أخذ إجازة لمدة أسبوعين أو التخطيط لعطلة نهاية الأسبوع، وحتى إذا لم تنفصل تماماً عن العمل، فأنت بحاجة إلى إجازة للراحة والاهتمام بصحتك وتقليل التوتر.

6. معرفة متى تقول "نعم" أو "لا":

لقد تعلمتُ أنَّ النجاح في الحياة يحتاج إلى تنازلات، وهذا ليس بالأمر السهل دائماً، ولكن يمكن أن يساعدك على أن تكون منتجاً مع عدم إهمال أولوياتك.

على سبيل المثال: قد لا تتمكن من الذهاب في رحلة مع عائلتك في نهاية هذا الأسبوع؛ لأنَّك بدأتَ عملاً جديداً للتو، ولكن عند عودة كل شيء في العمل إلى طبيعته، يمكنك رفض التزامات إضافية حتى تتمكن من قضاء بعض الوقت مع عائلتك أو ممارسة هوايتك المفضلة.

إقرأ أيضاً: 10 فوائد للرفض ستثير إعجابك بالتأكيد

7. مسامحة نفسك:

لن تكون ناجحاً دون تعب وإرهاق، يقول الكاتب وكوتش المهارات "نيكلاس جوك" (Niklas Göke): "سامح نفسك باستمرار"، فقد يبدو هذا صعباً، ولكن لا يتجاوز الأمر أن تفعل ما يجعلك سعيداً، ودون أي شعور بالذنب تجاه ذلك.

هل تحتاج إلى قضاء فترة ما بعد الظهر لمساعدة أطفالك في مشروع ما؟ أعد جدولة هذا الاجتماع؛ لأنَّ أطفالك لن يحتاجوا دائماً إلى مساعدتك، وهل تريد أن تأخذ إجازة لمدة أسبوع وتزور أقاربك لكن قد لا يكون لديك الكثير من الوقت لتقضيه معهم؟

يقول الدكتور "ماثيو جراويتش" (Matthew Grawitch) مدير الأبحاث الاستراتيجية في "جامعة سانت لويس" (Saint Louis University): "الحقيقة هي أنَّ الناس لا يجب أن يشعروا بالذنب لأخذ إجازة"، ففي الواقع، هناك المزيد من الأدلة التي تشير إلى أنَّ الإجازة تعزز السلامة على الأمد الطويل، وتزيد التحفيز والإنتاجية، خاصةً عندما يكون الموظفون أكثر انفصالاً عن العمل بشكلٍ كاملٍ خلال تلك الإجازة.

ويضيف الدكتور "جراويتش" (Grawitch): "يجب أن يشعروا بالذنب أكثر إذا لم يأخذوا إجازة؛ وذلك لأنَّهم عندما يفشلون في ذلك، فإنَّهم يعرِّضون جودة العمل وحماستهم وإنتاجيتهم على الأمد الطويل للخطر".

في الختام:

نستنتج مما سبق أنَّه يجب عليك متابعة التزامات عملك، لكنَّك أيضاً لا تحتاج إلى إيذاء نفسك عند إعطاء الأولوية لمجالات أخرى من حياتك.

المصدر




مقالات مرتبطة