عندما نواجه أزمة من أي نوع، يقف لنا الخوف والقلق في المرصاد، وتلك ردود فعل عادية وطبيعية للمواقف الصعبة المشبعة بالخطر وعدم اليقين.
قد تجد نفسك انجرفت إلى دوامة من القلق والهوس بشأن جميع أنواع الأشياء الخارجة عن نطاق سيطرتك في الوقت الراهن، مثل التفكير فيما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، وما إن كان هذا الفيروس سيؤثر فيك وفي أحبائك ومجتمعك وبلدك والعالم ككل.
إنَّه لمن الطبيعي جداً أن ننجرف وراء هذه المخاوف، لكنَّها لن تؤثر فينا إلَّا سلباً؛ فكلما ركزنا على ما هو خارج نطاق إرادتنا، ازداد شعورنا بالقلق أو اليأس؛ لذا على الجميع إيلاء الاهتمام بصحتهم الذهنية؛ ذلك لأنَّ الخطر يحدق بهم من كل صوب في ظل هذه الجائحة، فنلاحظ ازدياد حالات الاضطرابات الذهنية والشدة النفسية بين عامة الناس.
يعيق كلٌّ من التوتر والكرب والقلق تقدمنا في الأحوال الطبيعة، فما بالك بالصعوبات التي فرضتها هذه الجائحة، مما يصعب علينا التركيز على صحتنا الجسدية والنفسية بعيداً عن القلق.
توجد بعض النصائح العملية التي تمكنك من إدارة صحتك الذهنية، لذا سنغطي في هذا المقال النصائح الصحية الذهنية لتساعدنا على التأقلم مع الجائحة:
1. ركز على ما تستطيع السيطرة عليه:
يعدُّ التركيز على الأمور الواقعة ضمن نطاق سيطرتنا أحد أكثر الأمور إفادةً لنا خلال أي أزمة، سواء كانت متعلقةً بفيروس كورونا أم غيرها؛ فليس بأيدينا مفاتيح الغيب، لذا لن نستطيع السيطرة على ما قد يحدث في المستقبل، ولن نستطيع السيطرة على الفيروس بحد ذاته أو الاقتصاد العالمي أو إدارة الحكومات لهذا الوضع؛ ولكن في المقابل، نستطيع التحكم بأفعالنا من موقعنا الحالي في الوقت الراهن، والذي تكمن أهميته في التغيير الذي يحدثه للآخرين من حولنا؛ كما يضمن لنا التركيز على ما نستطيع السيطرة عليه سلامتنا خلال فترة العزل الذاتي والحجر والإغلاق العام.
2. تعامل مع الأفكار والمشاعر السلبية:
تتمثل هذه النصيحة في ملاحظة عدم اليقين إزاء المشاعر والأفكار التي تعصف بأذهاننا والإقرار بها جميعاً، والتوقف عندها والاسترخاء.
اعلم أنَّ القلق هو ما يسبب لك تلك الهواجس السلبية، وأنَّها مجرد أفكار، والأفكار ليست حالات تعبر عن الواقع، فلا تصدق أي شيء تفكر فيه؛ فهذه الأفكار والمشاعر ما هي إلا فقاعات عابرة تطوف حيناً ثم تتلاشى، فلا تكبِّد نفسك عناء فعل أي شيء إزاءها.
3. مارس تأمل اليقظة الذهنية باسترخاء:
ينطوي تأمل اليقظة الذهنية على إدراك اللحظة الحالية بوعي دون إطلاق الأحكام، بما في ذلك أفكارك ومشاعرك وحالتك الجسدية وأحاسيسك؛ مع تشجيع الانفتاح والفضول والتقبل.
توجد طرائق عدة لممارسة تأمل اليقظة الذهنية، وإليك إحداها:
استكشف اللحظة الحالية وتواصل معها، وراقب تنفسك، وعُدَّ أنفاسك ببطء، واستشعر الأحاسيس التي ترافق التنفس من أنفك والزفير من خلال فمك، وحاول أن تعد 20 نفساً عميقاً بطيئاً بغية تهدئة ذهنك باستخدام الحواس الخمس للتركيز على المحيط دون أن تنجرف وراء الأفكار المزعجة.
تكمن الحيلة في تجسيد اليقظة الذهنية في أن تتحول إلى مراقب مهتم، مستخدماً حواسك الخمسة جميعها؛ لذا انظر حولك ولاحظ كل ما تراه وتسمعه وما يمكنك لمسه وشمه من روائح، فتنغمس تماماً في تجربة حواسك؛ كما بإمكانك ضبط مؤقت لبضع دقائق، وإغلاق عينيك، ومحاولة القيام بهذا التمرين باستخدام حواسك جميعها، كأن تتخيل مكاناً زرته وقضيت فيه عطلة رائعة وتسترجع ذكرياتها بأدق التفاصيل الحسية.
4. تعامل مع القلق:
يمثل القلق والتوتر تهديداً لنا، ويدفعاننا إلى الاستخفاف بقدرتنا على التعامل مع الضغوطات التي يسببها هذا التهديد.
قد يكون من الصعب للغاية تصور التأقلم في أثناء الجائحة، ولكن اعلم أنَّ التأقلم طبيعة بشرية متأصلة.
يمكنك اتباع هذه الطريقة التي تمكِّنك من مواجهة التهديد، والتواصل مع قدرتك على التأقلم:
تخيل طريقة التأقلم، وابدأ اتخاذ وضع مريح، ثم خذ بعض الأنفاس العميقة من أنفك مع العد البطيء حتى رقم 5، واحبس أنفاسك عدة مرات قبل أن تتنفس ببطء من فمك، و كرر ذلك عدة مرات؛ ثمَّ تذكر بعد ذلك موقفاً تعاملت معه وكان مرهقاً أو صعباً بالنسبة إليك، وفكر في ماهيته، وكيف شعرت حينها، ومختلف الأمور التي ربما قلتها بينك وبين نفسك، وما إن كنت ستتأقلم أم لا؛ ثمَّ تذكَّر بعد ذلك ما فعلته بأكبر قدر ممكن من التفاصيل للتعامل مع هذه المشكلة وإدارتها، وما كانت النتيجة، وكيف كان شعورك حينها.
عليك إيلاء جل انتباهك إلى ما ظننت أنَّها كارثة حينها، وكيف تبين لك في النهاية أنَّها لم تكن بالسوء الذي ظننت.
5. أعِر انتباهاً لعواطفك:
يعدُّ إيلاء الاهتمام لعواطفك من النصائح الجوهرية للحفاظ على صحتك الذهنية؛ فلا توجد حياة خالية من الصعوبات، والمشاعر السلبية جزء طبيعي ومفيد منها، ولكل عاطفة هدف وُجِدت لأجله، فهي تشكل مصدراً غنياً للمعلومات.
إنَّه لمن الجيد التخلص من المشاعر السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية، وهذا أمر منطقي بحق؛ فمن منا يُفضل أن يقتحم الحزن حياته بمحض إرادته، أو يطيق التعامل مع المشاعر غير السارة؟
لكن من غير الصحي كبت مشاعرك، بل يجب عليك تفهمها ومعالجتها وتنظيمها، مما يمكِّنك من تهدئة نفسك.
التقبُّل:
تقبَّل العواطف التي تشعر بها، واعلم أنَّها لم تُوجَد عبثاً؛ لذا اسمح لها بالعبور إليك كي تتمكن من التصرف إزاءها، وتقبَّل الانزعاج وعدم الراحة كركنٍ طبيعي من الحياة.
حدد العواطف التي تشعر بها وصنفها بدقة، كأن تقول صراحةً: "أنا غاضب" و"أنا محبَط" و"يعتصرني القلق"، واذكر السبب الذي أدى بك إلى الشعور بهذه الطريقة، واعلم أنَّ العواطف التي لديك الآن مؤقتة؛ فهي تظهر وتتلاشى، ولا يعلق منها في ذاكرتنا إلَّا ما كان شديد التأثير.
التصرف:
اسأل نفسك: "ما الذي أحتاجه الآن حقاً؟"، و"ما الذي تتطلبه هذه العواطف لتكون مفيدةً؟"، و"ما الذي بإمكاني فعله لرعاية نفسي وعواطفي؟"؛ وإن احتجت إلى ما يصرف ذهنك عن هذه العواطف، فاقضِ بعض الوقت بمفردك في المنزل، أو اخرج وتأمل الطبيعة، أو تحدث إلى صديق عزيز عليك.
فكر في الأمور التي بإمكانها مساعدتك، وأيَّ الاستجابات تجد فيها راحتك، وأيَّها سيكون عصيباً، وأيَّها سيساعدك على تجاوز هذا الوضع بطريقة أفضل.
6. ابحث عن التوازن:
عندما نكابد للحفاظ على صحتنا الذهنية، قد يبدو كل شيء سلبياً؛ فقد خلَّفت هذه الجائحة وراءها كماً من الآثار السلبية على جميع الأصعدة، وانتقلت هذه السلبية إلينا جميعاً، وكأنَّنا نغوص في بحر من السلبية.
يطلب الناس منا أن نُجبر أنفسنا على أن نكون إيجابيين، وينظِّرون علينا بوجوب تبني الأفكار الإيجابية فقط والتخلي عن السلبية؛ لكنَّ الأمر ليس بهذه السهولة أبداً.
لن يفيدك فرض هذا الشكل من الإيجابية، ناهيك عن كونه أمراً غير قابل للتحقيق؛ فعندما تُرغم نفسك على الإيجابية، ستشعر بفشل أكبر لكون ذلك يجعلك تعتقد أنَّ عليك أن تكون إيجابياً بكل بساطة؛ ولكن عندما تقف عاجزاً أمام ذلك، تبدأ توجيه الانتقادات اللاذعة إلى نفسك؛ لذا بدلاً من محاولة تبني الإيجابية قسراً أو إرغام نفسك عليها، اسعَ إلى تحقيق التوازن، وتعامل مع السلبيات التي تواجهك، وأدرك الإيجابيات أيضاً.
أدرك الأشياء الحسنة إن استطعت، وقدر ما استطعت؛ لكن لا تجبر نفسك على أن تكون إيجابياً عندما تشعر بعكس ذلك تماماً، واعلم أنَّ الإيجابية ليست حالةً دائمةً لدى أحد، ولا ضير في ذلك؛ ذلك لأنَّ جميع المشاعر الإنسانية طبيعية تماماً، وهي ما تميزنا كبشر.
7. انخرط:
تتعلق آخر نصيحة للصحة الذهنية بالانخراط، فحاول تركيز انتباهك على أمر بنَّاء، أو على ما عليك القيام به، أو على ما كنت تفعله؛ أو قُم بشيء آخر تريد فعله.
يتعلق الانخراط بالانغماس في أمر تشعر أنَّه يستحق العناء، وتوظيف قوتك في السعي إلى تحقيق هذا الهدف؛ وإليك بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها على نفسك لمساعدتك على أن تتبع سلوكاً أكثر انخراطاً:
- ما الذي يشدني ويجذب انتباهي حقاً؟ ما الذي يمكن أن يبعد ذهني عن التفكير في الأشياء؟
- ما هي مواطن قوتي؟ وكيف يمكنني توظيفها اليوم؟
- ما التجارب الصحية أو الإيجابية التي يمكنني قضاء وقتي الآن للقيام بها؟
- ما الذي أعتقد أنَّه هدفي الذي يجب أن أسعى إلى بلوغه، وكيف يمكنني السعي إلى تحقيقه اليوم؟
- ما الأشياء التي يمكنني القيام بها اليوم، والتي من شأنها أن تشعرني بالإنجاز؟
- ما الأشياء التي رغبت في القيام بها ولم أستطع نظراً إلى مشاغل الحياة؟ وهل بإمكاني القيام بها الآن؟
- هل يمكنني قضاء بعض الوقت في التفكير في ماضيَّ ومستقبلي من منظور مشرق؟
- ما الذي يجري لمصلحتي في الوقت الراهن؟
- ما التجارب الإيجابية أو الصحية التي يمكنني التخطيط للقيام بها اليوم مثل القراءة أو الموسيقى أو الطعام أو الألعاب أو التمرينات الرياضية أو التأمل أو التعلم أو البستنة، وما إلى ذلك؟
- ما الذي أشعر بالامتنان تجاهه اليوم؟
- ما الفعل اللطيف البسيط الذي يمكنني القيام به تجاه شخص آخر اليوم؟
- مَن أو ما الذي يلهمني؟
- كيف يمكنني أن أنعم بلحظة هدوء؟ وما الأنشطة أو المهمات التي يمكن لها مساعدتي في ذلك؟
- ما التجربة التي يمكنني خوضها؟ وما الطعام أو الشراب الذي يمكنني تذوقه اليوم؟
- ما الذي يمنحني المتعة؟
- مع من أستطيع التواصل اليوم، سواء وجهاً لوجه أم عبر الهاتف أم الإنترنت؟
الخلاصة:
أصبحت العودة إلى نمط حياتنا السابق قبل جائحة كورونا (COVID-10) من شبه المستحيلات؛ ومع ذلك، لا ينبغي لهذا الأمر أن يحرمنا من عيش حياتنا بملء أفئدتنا والحفاظ على الإيجابية، وعسى أن تساعدك نصائح الصحة الذهنية هذه في التغلب على التوتر الناجم عن هذه الجائحة كي تعيش حياةً طبيعيةً وهانئةً كما كنت دوماً.
أضف تعليقاً