شئنا أم أبينا، إنَّ العالم يتجه نحو التواصل عن بعد، وفي حين أنَّه يوجد الكثير من المعارضة لهذا النموذج من التواصل، إلَّا أنَّه هناك الكثير من الإعجاب به أيضاً، حيث أنَّ الحديث عن فوائده لا يعني إنكار مساوئه. لذا سنورد فيما يلي بعضاً من الاثنين:
1. إشاراتٌ أقل وجوهرٌ أغنى:
عندما تقوم الفرق الموسيقية باختبار الموسيقيين في تجارب الأداء، يتوارى الموسيقيون خلف ستارة؛ لأنَّهم لا يريدون للتأثيرات غير الجوهرية مثل: التمييز على أساس الجنس أو العنصرية أو المظهر، أن تصرف انتباههم عن الموسيقى. عندما نتواصل عن بعدٍ فنحن أيضاً أقل تشتيتاً، حيث يصبح الجوهر هو الأبرز وتقلُّ الإشارات غير ذات الصلة.
2. استحالة الانتباه إلى أدوات تواصل أفضل وجوهر أغنى:
هناك تناغمٌ في كيفية التواصل أيضاً، وفي الصفات المؤثِّرة في التعبير عن الذات؛ ففي التواصل عن بعدٍ نفقد بعض سبل التعبير عن الذات ولغة الجسد مثلاً، ولكن لا يمكن لأحد الفنون أن يشمل كلَّ شيء. يدور الفن حول التعبير عن الذات ضمن حدود المحيط، وهنا المجال كبيرٌ للتوسع في حدود التواصل عن بعد. نحن نسمع بأنَّ الرسائل النصية والرموز التعبيرية تجعل الناس يتواصلون بشكلٍ أسوأ -بعضهم ربَّما- فإذا لم يكن لديك شيءٌ لتقوله، يصبح واضحاً كثيراً عندها أنَّ لديك وسائل أقل لتشتيت انتباهك.
3. تعني الإشارات الأقل القليل من التفسيرات الخاطئة:
من يقول أنَّنا نريد مزيداً من الإشارات؟ نحن نريد الإشارات الصحيحة. إذا كان شخصٌ ما لديه صوتٌ غريبٌ يشتِّت الانتباه أو حواجب منتفخةٌ متضخمةٌ أو أنفاسٌ غريبة أو عادة عدم النظر في العين؛ فهل نحتاج أو نريد كلَّ هذه المعلومات؟ عندما يتعلَّق الأمر بالتواصل غير اللفظي، فليس الكثير منها دائماً هو الأفضل. في الواقع، كلَّما كانت أكثر، ازدادت إمكانية سوء الفهم.
4. الاندماج بسلاسةٍ أكبر:
يمكن أن يكون الاندماج في حفلات الكوكتيل صعباً؛ بحيث يمكن أن تتورط في محادثةٍ ولا يمكنك المغادرة دون أن تتعرَّض إلى الإهانة؛ في التواصل المباشر، لا يمكنك الاندماج بسلاسةٍ بقدر ما يمكنك ذلك من خلال الاتصال عن بعد. على الإنترنت، يمكنك مقابلة أشخاصٍ حيث يكون الاجتماع جيداً، كما يمكنك فلترة ما تكسبه من أيِّ شخص؛ وهذه مشكلةٌ لأولئك الذين يحتاجون أو يريدون جمهوراً خاصاً.
مع ذلك، ومن منظورٍ يخصُّ الاهتمام الشخصي، فإنَّها فائدة. في المؤتمرات الأكاديمية، هناك جلساتٌ متعددةٌ في وقتٍ واحد، حيث يُسمَح للحضور بالانتقال من جلسةٍ إلى أخرى بدون عناء؛ كما يمكننا التحرُّك باتجاهِ ما يثير اهتمامنا أو بعيداً عما لا يهمُّنا بسلاسة، وذلك من خلال مجموعةٍ من الاتصالات الثقافية.
5. وجود الكثير ممَّا قد يثير الإعجاب:
تظهر الدراسات أنَّ الناس يُشجَّعون حتَّى بالإطراء الكاذب، حيث أنَّ الإطراء يحفِّز، حتَّى لو كان مجرد كلامٍ مفتعل. عندما "يحبُّ" الناس ما نقول من خلال التواصل عن بعد، يرسلون إشارةً صغيرةً لا تكلِّف إلا القليل، قد لا يكون اتصالاً غنياً بالفائدة، ولكنَّه ليس سخيفاً، هو مجرد إشارةٍ ولكنَّها مفيدة؛ إذ أنَّها تقول: "لا تزال علاقتنا بخير وما زلت أسمعك". عندما لا نسمع أخباراً من شخصٍ لفترة، قد نتساءل عمَّا إذا كانت علاقتنا بهم لا تزال جيدة؛ فقد تشعرنا "الإعجابات" أو ما يعادلها -مهما كانت تافهة- بالسرور، كونها تخبرنا أنَّنا ما زلنا أصدقاء. يمكن أن يكون الإدمان على الإعجابات مجرَّد تفاهة، ولكن لا يجب أن يكون كذلك؛ لأنَّها يمكن أن تحفِّزك على إنتاج العمل الذي يهمُّك.
6. وجود مجموعة أكبر تنتقل من السطحية إلى التعمق:
كان هناك الكثير من الورشات التي تتحَّدث عن كيف يمكن للتواصل عبر الإنترنت أن يحرِّر ويشجِّع الناس على أن يكونوا سطحيين. قد يفعل التواصل عبر الانترنت ذلك فعلاً، لكنَّه قد يحثُّنا أيضاً على التعمق؛ التأثير العام للتواصل عبر الإنترنت هو مجالٌ موسَّعٌ يمكِّنك من تصفُّح أمنيات روحك أو الغوص فيها، باستثناء أنَّنا لا نريد حقاً التعمق مع الجميع.
7. من الانجذاب إلى ما بعده:
إذا كنت شخصاً فريداً، فقد لا تجد الكثيرين ممَّن يشبهونك في الجوار؛ ولكنَّك ستجدهم دائماً على الإنترنت.
8. التصنُّع له مكانه:
لدينا في التواصل عن بعدٍ مجالٌ واسعٌ أيضاً لتقديم أنفسنا. يمكنك إخفاء ذاتك الحقيقية أكثر عن بعد، ولكن يمكنك أيضاً إظهارها أكثر، حيث يمكنك تقديم ذاتك الطموحة. يمكنك إمَّا أن تطوّر ذاتك نحو ما تطمح إليه، أو ممارسة أن تصبح ما تريد أن تكون.
بالتأكيد، يدَّعِي بعض الناس بأنَّهم يعرفون كلَّ شيء، ولكنَّ هناك أيضاً كثيرون ينجحون حقاً بالتعبير عن ذواتهم من خلال التواصل عن بعد.
9. عدم التحدث إلى جهاز كمبيوتر:
الأشخاص الذين يحدِّقون في شاشة الكمبيوتر لا يتفاعلون مع الكمبيوتر أكثر ممَّا يفعلون عند التحدُّث مباشرةً، فأجهزة الكمبيوتر هي وسيلةٌ للتفاعل مع الآخرين، حتَّى عندما تشاهد فيلماً، فأنت لا تحدِّق في الشاشة، بل في أرواح الفنانين. لذا يمكنك بسلاسةٍ اختيار الأشخاص الذين تتواصل معهم، وهذا شيءٌ جيد.
إنَّ لفيروس كوفيد-19 تأثيرٌ مأساوي، ولكن لديه أيضاً جانبٌ إيجابي؛ وهو أنَّ الله يمنحنا مهلةً لننزوي حتَّى نتذكر أنَّه هو القوة المسيطرة، وأنَّه يمتلك قوةً أعلى ممَّا يمكن لأيٍّ كان تخيلها.
يجب أن نكون قادرين على الحديث عن الخيِّر دون إنكار السيء، وعن السيء دون إنكار الخيِّر. في التواصل عن بعد، هناك الكثير من الأشياء السيئة؛ ولكن يوجد بعض المزايا الجميلة أيضاً.
أضف تعليقاً