كيف يمكن تطبيق الممارسات الروحانية؟
أنت تودُّ من صميم قلبك أن تواظب على قراءة الكتب الملهمة، ولكنَّك دائم الانشغال بواجبات العمل ولا يمكنك أن تجد متسعاً من الوقت. أنت تعاني من عجزك عن التوفيق بين متطلبات علاقاتك الشخصية ومحاولاتك في تطبيق الممارسات الروحانية، ناهيك عن تغيُّبك عن النادي الرياضي، وتراكم الواجبات والإصلاحات التي يجب أن تجريها في المنزل، وانقطاع تواصلك مع والديك، ولقد أصبحت حياتك فوضوية وخارجة عن سيطرتك تماماً؛ أي باختصار أنت ترغب بتخصيص بعض الوقت للممارسات الروحانية لكنَّ متطلبات العمل والواجبات المنزلية تستنزف وقتك وطاقتك.
بالطبع، يمكنك أن تطبق الممارسات الروحانية، ولكنَّك غير ملزم بها، بمعنى أنَّ عيش الحياة الروحانية يتطلب منك إدراك حالتك الباطنية في أثناء اندماجك في العمل على تأدية الواجبات والمهام الاعتيادية، وهذا يعني أنَّ تنمية الجانب الروحاني لا يحتاج إلى كثير من الوقت كما يفترض بعضهم، يكفي الاكتفاء ببعض الممارسات الروحانية البسيطة لتشعر بالرضا والحضور الروحي.
تعريف مفهوم الروحانية:
يعبِّر مفهوم الروحانية عن ارتباطك مع المقدسات، والأشخاص من حولك، والعالم الشاسع الذي تعيش فيه، ويشمل هذا المفهوم من ناحية أخرى تقدير هذه الصِّلات والارتباطات العميقة.
عناصر أساسية لمفهوم الروحانية:
فيما يأتي 3 عناصر أساسية يتكون منها مفهوم الروحانية:
- الإيمان بوجود الله الذي خلق الكون وسيَّره بمشيئته وحكمته.
- الوعي الذاتي والعمل على تنمية باطنك وتطوير نفسك.
- العمل على تحسين العالم من حولك.
تساعد الروحانية على زيادة مشاعر الفرح، والسكينة، والسلام الداخلي، والإحساس بوجود معنى وهدف من التجربة الحياتية، ولكن تكمن المشكلة في عجز الفرد عن التركيز على الجانب الروحاني بسبب متطلبات ومشاغل الحياة اليومية.
6 ممارسات روحانية بسيطة:
فيما يأتي سنكشف لك عن أبرز 6 ممارسات روحية يمكنك أن تؤديها دون أن تشغلك عن حياتك اليومية:
1. التأمل:
يعتقد بعضهم أنَّ ممارسة التأمل تتطلب كثيراً من الوقت، وهو ما يمنعهم من الالتزام بتطبيقه في حياتهم، فيعمد بعض الأفراد إلى تخصيص جلسات مطولة للتأمل بعد الاعتياد على ممارسته والاستفادة منه في تحسين حياتهم، ولكن يُنصَح المنقطعون والمبتدئون بالاكتفاء ببضع دقائق يومياً لممارسة التأمل.
يجب أن تعمل على بناء عادة التأمل من خلال الالتزام في ممارسته في وقت محدد كل يوم، كما يُنصَح في مزامنته مع عادة أخرى قائمة مثل الجلوس في السرير في الصباح بعد الاستيقاظ، أو عند الخلود للنوم ليلاً.
شاهد بالفيديو: 9 نصائح تساعد على التأمل للمنشغلين بالتفكير الزائد
2. استكشاف الذات:
يجب أن تكون منتبهاً وواعياً للعمليات التي تجري في جسدك وعقلك وجهازك النفسي والعاطفي؛ وذلك من خلال تطبيق الاستكشاف الذاتي بشكل تلقائي وعفوي دون أن تضغط على نفسك أو تشعر بأنَّك مُجبَر ومُلزَم بالقيام به.
تساعدك الأسئلة الآتية على استكشاف ذاتك:
- كيف تكون حالتك العقلية عندما تستيقظ في الصباح؟
- هل يكون ذهنك صافياً أم مشغولاً بالتفكير بالواجبات والمهام المترتبة عليك خلال اليوم؟
- كيف تتغير حالتك العقلية على مدار اليوم؟
- ما هي الكلمات التي تميل لاستخدامها في حواراتك العقلية الذاتية؟
- ما هي مصادر الحزن والإحباط والسعادة في حياتك؟
- ما هي مسببات التوتر النفسي في حياتك؟
- ما هي الأعراض الجسدية المرافقة لشعور التوتر النفسي؟
- هل يختلف تأثير شعور الاستياء عن تأثير الحماسة في التوتر الجسدي؟
- كيف تستجيب وتتفاعل مع الآخرين؟
تساهم الإجابة عن هذه الأسئلة على ملاحظة سلوكاتك وعاداتك المتكررة وطريقة استجابتك لما يحدث معك دون أن تصدر الأحكام على نفسك أو تقيِّم نمط حياتك، لذا يُنصَح بإبداء التعاطف تجاه الذات عند الإجابة عن هذه الأسئلة وتجنب إصدار الأحكام والتقييمات ما أمكن، ويمكنك أن تدوِّن هذه الملاحظات ضمن مفكرة خاصة إذا أردت.
يمكنك أن تستفيد من هذه الأسئلة السريعة إذا لم تكن معتاداً على ممارسة الوعي الذاتي، أو إذا كنت ترغب مع مرور الوقت بتكرارها من تلقاء نفسك دون أي مجهود يُذكَر، وهو ما يساعدك على اكتشاف الذات إضافة إلى الكثير من المعلومات الهامة عن نفسك.
3. اختيار أهداف تدريجية للتنمية الذاتية:
تتحسن حياة الفرد على الأمد الطويل عند اختيار أهداف جزئية بسيطة وسهلة التحقيق على أرض الواقع، وتضمن هذه الطريقة تحقيق تغييرات دائمة تترسخ في العادات والسلوكات اليومية، ومن ثم عليك أن تختار تغييراً أو إجراء بسيطاً يساعدك على تنمية ذاتك وتحسين حياتك دون أن تضطر لبذل مجهود كبير.
يمكنك على سبيل المثال أن تخفف من حدة نوبات الغضب وتأثيرها في علاقاتك؛ وذلك من خلال ممارسة تمرينات التنفس العميق والتروي قليلاً قبل أن تستجيب للآخرين، كما يُنصَح بالتواصل المنتظم مع الأصدقاء لتحسين العلاقات، وهنا يبرز التساؤل الآتي: هل يمكن تصنيف التغيرات في الحياة العملية على أنَّها تطورات على الصعيد الروحاني؟
يعتمد التصنيف على الدافع الكامن وراء إجراء هذه التغييرات، ويمكن توضيح الفارق من خلال مقارنة الدوافع المختلفة وراء رغبة الأفراد بزيادة رشاقتهم الجسدية على سبيل المثال، ويكون الدافع بعيداً كل البعد عن الجانب الروحاني إذا كنت تسعى إلى بناء جسد حسن المظهر أسوةً بالمشاهير والعاملين في مجال الأزياء.
تقتضي الدوافع الروحانية في التعامل مع الجسد على أنَّه وسيلة للقيام بالأفعال الطيبة والمساهمة في تحسين العالم وخدمة الآخرين، وتركز أهداف اللياقة البدنية في هذه الحالة على تحسين صحة الجسد وزيادة قوته وقدرته على المساهمة الفاعلة في حيوات الآخرين، ومن ثم عليك أن تختار هدفين بسيطين على الأكثر لتنمية ذاتك، وتعمل على تحقيقهما، وتنتقل إلى المستوى التالي وتتخذ خطوة جديدة لتحقيق مزيد من التقدم التدريجي في نفس الاتجاه، أو تختار أهدافاً جديدة ومختلفة عن سابقتها، لذا ركِّز على بساطة الهدف وسهولة إنجازه لكي تزداد ثقتك بنفسك وشعورك بالقيمة الذاتية.
اقرأ أيضا: 8 طرق لتحقيق التنمية الذاتية باستمرار
4. مساعدة الآخرين:
يعتمد الجزء الأكبر من الجانب الروحاني على العطاء والقيام بالأفعال الطيبة التي تساهم في تحسين العالم وخدمة الآخرين بالنسبة إلى معظم الأفراد؛ إذ يندفع الفرد بشكل غريزي لمساعدة أكبر عدد ممكن من الأشخاص في هذه الحالة دون أن يأخذ بالحسبان محدودية طاقته الجسدية والعقلية، فلا ضير في وضع مصلحتك بالمقام الأول، واتباع غريزتك ورغبتك في تقديم العون للآخرين، واستثمار قدراتك في تحسين العالم من حولك في المقام الثاني، ويمكن أن تشمل ممارسات العطاء التبرع للجمعيات الخيرية، ومساعدة صديق على تجاوز محنة أو يوم عصيب، والمشاركة في الأعمال التطوعية.
5. تحقيق التوازن بين التواضع والجرأة:
يخطئ بعضهم في تفسير مفهوم التواضع وتطبيقه في حياتهم العملية، فتراهم يتعمدون تهميش أنفسهم وتقليل قيمتهم أمام الآخرين، ولا يقتضي التواضع في إلغاء الذات كما يفترض بعضهم؛ بل إنَّه يعبِّر عن قدرة الفرد على إدراك إمكاناته والمساهمة التي يستطيع تقديمها دون أن يتصرف بغرور وتعالٍ أمام الآخرين.
مفهوم الذات أو ما يُطلَق عليه مسمى "الأنا" مذموم من قبل عدد من الثقافات والتقاليد التي تدعو إلى إلغاء الذات، وتجدر الإشارة هنا إلى وجود عدد من الجوانب الإيجابية لأنا الإنسان.
يحتاج الإنسان لإدراك واحترام الذات وتقدير قيمتها من أجل إحراز التقدم في كافة جوانب حياته، ومنها الجانب الروحاني، ويفقد الفرد الدافع والحماسة الذي يحتاج إليه لتحقيق إنجازات بارزة في الحياة عندما يقلل من قيمة نفسه وأهميته، وقد يعتقد أنَّ أهدافه أنانية ولا تستحق الجهد والوقت المبذول؛ أي يجب عليك أن تدرك قيمتك ومساهمتك في العالم من حولك سواء كنت تتقن إحدى البرمجيات، أم تتميز بأفكارك الإبداعية، أم بقدرتك على تقديم النصائح العقلانية على سبيل المثال، ولكن دون أن تتباهى بمساعدتك وتتصرف بغرور وتتكبر على الآخرين.
يقتضي التواضع إدراك الإمكانات والقدرات ونقاط الضعف، وتحديد الحالات التي تتطلب تفويض الآخرين بالقرارات، وتقديم نفسك وخبراتك بأسلوب واضح ومتواضع في آنٍ معاً، وهو ما يساهم في تحقيق مصالح الجميع.
6. الامتنان:
يجب أن تحرص على تقدير جميع النعم الموجودة في حياتك، وهو ما يساعدك على التركيز على الجوانب الإيجابية ويزيد من مستوى تفاؤلك.
يرتفع مستوى الفرح والمتعة في التجربة الحياتية بهذه الطريقة وهو ما ينعكس على كل أفعالك وقراراتك ويساهم في تحسين حياة الآخرين من حولك، لذا حاول أن تعوِّد نفسك على تقدير جميع النعم وتمنية الشعور بالامتنان للأحداث الطيبة في حياتك مثل نعمة الطعام، والحياة، والدعم الذي تتلقاه من عائلتك وأصدقائك، والعطاء واللطف الذي تحصل عليه من الغرباء والمعارف، والخبرات التي تتعلمها من تجاربك.
اقرأ أيضا: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم
في الختام:
يجب أن تدرك أنَّ الروحانية ليست ممارسة منفصلة عن الحياة اليومية الاعتيادية؛ بل هي عبارة عن تطبيقات عملية يستفيد منها الفرد في تحسين حياته اليومية؛ إذ تساعد الروحانية على زيادة التركيز على باطن النفس الإنسانية، وهو ما يؤدي بدوره إلى عيش حياة سعيدة وفاعلة، وقد تستفيد من الممارسات الروحانية في تعزيز شعورك بالراحة والقدرة في أثناء خوض تجربتك الحياتية، ولكن لا داعي لتعقيد هذه الممارسات أو إطالة مدتها.
يمكن أن تشمل ممارسات الروحانية بكل بساطة تخصيص عدة دقائق للتأمل يومياً، وإجراء جلسة تفكر ذاتي عند الإمكان، وتقدير الخير والنعم الموجودة في الحياة، وإبداء التعاطف تجاه نفسك والآخرين من حولك، فهذه الممارسات بسيطة ومتعلقة بالحياة العملية، وهي كفيلة بمساعدتك على إحداث تغييرات جذرية في حياتك.
أضف تعليقاً