ينجح معظم المصابين باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" في حياتهم المهنية، لكنَّهم يواجهون بعض التحديات والصعوبات في العمل نتيجة الأعراض المصاحبة له مثل الاندفاع، وفرط النشاط، وقلة الانتباه والتركيز.
يقول الأخصائي الاجتماعي "شان أبراهام" (Sean Abraham): "تختلف حالة وأعراض اضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" من شخصٍ لآخر، فقد يواجه أحد المصابين صعوبة في تأدية وظيفة معيَّنة بسبب أعراض الاضطراب، في حين ينجح نظيره في نفس المنصب".
6 سلوكيات شائعة بين الموظفين المصابين باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط:
فيما يأتي 6 سلوكات شائعة بين الموظفين المصابين باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط":
1. نزعة المثالية:
تترافق نزعة المثالية مع اضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" بحسب عالمة النفس وعضوة الهيئة التدريسية في "جامعة تافتس" (Tufts University) "ديدي أوشي" (Dede O’Shea)، وهي تشرح الأمر كالآتي:
"يؤثر اضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" في الجزء المسؤول عن توجيه الانتباه في الدماغ، فيحصل خلل في آلية عمل هذه المنطقة الدماغية لدى المصابين بالاضطراب، وهو ما يتسبَّب في عجزهم عن تركيز انتباههم على المهام التي يعملون عليها.
يتشتت تفكير المصاب بهذا الاضطراب بين مجموعة مختلفة من الموضوعات، فيلجأ لنزعة المثالية بوصفها آلية للتأقلم مع هذا التشتت، ويؤجل المصاب العمل تحت ذريعة انتظار الظروف المثالية، وهنا تبرز المشكلة؛ لأنَّه لن يصل إلى المثالية المطلقة التي يتطلع إليها ليبدأ العمل".
2. التسويف حتى اللحظات الأخيرة:
تقول الطبيبة والأستاذة في "كلية غروسمان للطب في جامعة نيويورك" (NYU Grossman School of Medicine) "ديبتي أنباراسان" (Deepti Anbarasan): "التسويف هو أكثر الأعراض شيوعاً لاضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" عند البالغين، ويُعزى هذا السلوك إلى الصعوبة التي يواجهها المصاب في تأدية الوظائف التنفيذية، وإنجاز المهام في المواعيد المحددة".
يعجز الموظف المصاب باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" عن الالتزام بمواعيد تسليم المهام بسبب معاناته من القلق.
تقول عالمة النفس السريري "ميغان آنا نيف" (Megan Anna Neff): "تختلف سلوكات العمل الشائعة بين المصابين باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" من موظف لآخر، فيُظهِر بعضهم سلوكات التسويف والانهزامية، فتؤدي المستويات العالية من القلق في هذه الحالة إلى إعاقة القدرة على العمل، وقد يكون القلق المستمر بمنزلة دافع للعمل والتغلب على نزعة التسويف لدى بعض المصابين أيضاً".
3. التأخر عن الاجتماعات والعمل:
يواجه المصابون باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" مشقة بالغة في الالتزام بمواعيد الاجتماعات والعمل، فيقول "أبراهام": "يواجه المصاب باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" مشقة بالغة في تسليم المهام المطلوبة منه بالموعد المحدد".
التأخر عن المواعيد هو مشكلة شائعة بين كثير من الأفراد، ولكن يعاني المصاب باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" مما يُسمَّى "عمى الوقت" (time blindness)، وتقول "أوشي" في هذا الصدد: "يواجه المصاب مشقة بالغة في تقدير المدة الزمنية التي يحتاج إليها للوصول في الموعد المحدد، على فرض أنَّ الدوام يبدأ في الساعة التاسعة صباحاً، فيغادر المصاب منزله في الساعة التاسعة تماماً لأنَّ عقله مبرمج على الساعة التاسعة ولا يستطيع التفكير في أي شيء آخر".
4. التعرض للانهيار النفسي في الأوقات العصيبة:
تتحكم القشرة الدماغية في الفص الجبهي بمستوى انتباه الفرد واستجابته العاطفية، ويؤدي اضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" إلى حدوث قصور وخلل في عمل هذه المنطقة الدماغية بحسب "أوشي"، وهي تشرح الأمر كالآتي:
"يعجز المصاب عن ضبط الأفكار والعواطف المختلفة التي يتعرض لها في المواقف الضاغطة، ويفقد السيطرة على نفسه ويتعرض لانهيار عصبي نتيجة عجزه عن ضبط مشاعره، ويفقد بعض المصابين القدرة على التركيز والتفكير المنطقي في مثل هذه الظروف، في حين يتعرض آخرون لانهيار عصبي وانفعالي نتيجة الضغوطات النفسية والظروف الصعبة التي تحيط بهم".
تحدث مثل هذه الاستجابة الانفعالية المتطرفة في العمل عندما يتفاجأ المصاب بوجود مهمة إضافية لم يحسب لها حساب، أو يواجه مشكلة تتسبب في تأخيره.
تشرح "أوشي" أنَّ المصاب باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" يواجه صعوبة في ضبط انفعالاته، وتقول في هذا الصدد: "يتعرض المصاب لاضطراب انفعالي شديد نتيجة التغييرات، والظروف غير المتوقعة، والأحداث الخارجة عن روتينه المعتاد".
5. اقتراف الأخطاء في قراءة وكتابة رسائل البريد الإلكتروني:
تقول "أوشي": "يتحكم مستوى الأداء التنفيذي بوظائف الدماغ وقدرته على تنظيم الأفكار والانتباه"، وتشرح عن القصور الذي تتعرض له هذه الوظيفة الدماغية عند المصابين باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط"، وهو ما يؤدي إلى عجزهم عن التركيز عند الحاجة، وميلهم للاستعجال في العمل.
تضيف "أوشي": "يعجز المصاب عن التحكم في انتباهه والتركيز على قراءة المعلومات الموجودة أمامه واستيعابها بشكل كامل عندما يبدأ العمل على المهام، ويواجه دماغ المصاب مشقة بالغة في التركيز لمدة زمنية تكفي لإنجاز المهام المملة والرتيبة مثل قراءة رسائل البريد الإلكتروني، فيحتاج دماغ المصاب باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" إلى التحفيز المستمر لكي يحافظ على نشاطه وانتباهه".
تشرح "أوشي" أنَّ اقتراف الأخطاء في العمل وإغفال التفاصيل الهامة في رسائل البريد الإلكتروني والأعمال الورقية هو من السلوكات الشائعة بين المصابين باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط".
6. ابتكار أفكار إبداعية يصعب تنفيذها على أرض الواقع:
يتميز المصابون باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" بقدرتهم على ابتكار أفكار إبداعية لحل المشكلات، ولكنَّهم يعجزون عن تطبيقها على أرض الواقع بسبب قصور الأداء التنفيذي عندهم.
تقول "أوشي": "يتميز الموظف المصاب باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" بقدرته على التفكير الإبداعي، وشغفه بالعمل، وخياله الواسع، ودوره الفاعل في الفريق، لكنَّه بالمقابل يواجه صعوبة في ابتكار حلول قابلة للتطبيق على أرض الواقع، والتركيز على إنجاز المهام".
تشخيص اضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط"
يجب أن تتحقق في البداية من تشخيص الاضطراب من خلال الاستفسار عن أدائك وسلوكاتك في العمل بشكل غير مباشر ودون أن تفصح عن شكوكك، وتنصح "أوشي" بطرح الأسئلة الآتية على أحد زملائك الموثوقين: "ما هو رأيك بسلوكاتي في الشركة؟ هل ثمة مشكلة في قدرتي على تأدية المهام، والالتزام بمواعيد التسليم؟ هل هذه المشكلات شائعة بين بقية العاملين في الشركة؟ هل يعاني الجميع من ضغوطات العمل؟".
تساعدك هذه الأسئلة على تقييم أدائك، مقارنةً مع إنتاجية الآخرين ومستويات التوتر النفسي التي يتعرضون لها.
تنصح "نيف" باستشارة طبيب نفسي مختص باضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" عند البالغين لنفي أو تأكيد التشخيص.
تقول نيف: "يمكن الاستفادة من اختبارات تشخيص اضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" المنتشرة عبر الإنترنت في البداية، ولكن لا يجب أن تثق بصحة نتائج هذه البيانات وتعتمد عليها في التشخيص النهائي.
تساعد الأدوية على ضبط أعراض الاضطراب، لكنَّها تتطلب استشارة أخصائي الرعاية وتأكيد التشخيص رسيماً؛ أي تقتضي الخطوة الأولى لتشخيص الاضطراب استشارة أخصائي الرعاية"، ويمكنك أن تبدأ خطة العلاج بعد ذلك.
تقول "أنباراسان": "يستجيب مرضى اضطراب "نقص الانتباه مع فرط النشاط" للتدخلات الدوائية والعلاجات السلوكية، وتساعد هذه العلاجات على تحسين جودة الحياة والأداء على صعيد العمل والحياة الشخصية والاجتماعية".
تشمل خطة العلاج المطالبة بتوفير بعض التسهيلات لمراعاة المصاب بالاضطراب ضمن مكان العمل، وقد تضم هذه الترتيبات نقل الموظف إلى مكتب أكثر هدوءاً، وتوفير برمجيات خاصة بإدارة المشاريع لمساعدته على التنظيم، وتقديم التوجيهات كتابياً.
يقول "أبراهام": "يجب أن تؤكد للإدارة أنَّ هذه الترتيبات ستساعدك على تحسين أدائك وإنتاجيتك، واستثمار مهاراتك وإمكاناتك".
في الختام:
إذا كنت تعتقد أنك قد تكون مصابًا باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، فمن المهم التحدث إلى طبيبك. يمكن للتشخيص والعلاج المناسبين أن يساعدا في إدارة الأعراض وتحسين نوعية الحياة.
أضف تعليقاً