ملاحظة: يتألف المقال من جزأين، وهو مأخوذ عن الكاتبة "سيليستين شوا" (Celestine Chua).
خطاب الاستقالة للكاتبة سيليستين شوا:
كنت أعمل في شركة خاصة قبل أن أقدم استقالتي وأقرر اتباع شغفي في الحياة، وأود أن أشارككم في هذا المقال خطاب الاستقالة الذي أرسلته لمديرتي السابقة في ذلك الوقت:
عزيزتي (اسم مديرتي السابقة):
أودُّ أن أعلمك بقرار استقالتي من منصب مساعدة مدير العلامة التجارية في شركة "بي&جي" (P&G)، بحيث ينتهي عملي في الشركة بتاريخ 30 "أيلول" (سبتمبر) من العام 2008.
أشكرك على الدعم الذي قدَّمته لي لتطوير نفسي على الصعيد المهني والشخصي خلال العام الفائت، فتتميز الشركة بوجود موظفين متنوعين، وأذكياء، ومبدعين، وحازمين من جهة، وعفويين، وميالين لتحقيق التقدم من جهة ثانية، ولطالما سررت بالتعاون مع زملائي وتعاملت معهم بمنتهى الحماسة والشغف، ولقد تمكنت من تكوين علاقات قوية مع الجميع وسوف أشتاق إليكم.
لقد تغيَّر هدفي في السنوات القليلة الماضية وذلك خلال الفترة الفاصلة بين قبول عرض الشركة والالتحاق بالعمل، قررت وقتئذٍ أن أؤجل موضوع الهدف، وأنضم لطاقم العمل في الشركة وأستفيد من ثقافة العمل الحيوية، وبرامج التدريب، وفرص التطوير المهني التي تقدِّمها، والخبرات التي سأكسبها.
لقد كانت فترة حافلة بالأحداث، كما ساهمت التحديات التي واجهتها في سياق العمل في تقوية شخصيتي وتزويدي بالإمكانات والقدرات التي سأحتاج إليها في المرحلة المقبلة من حياتي.
الآن، أعتقد أنِّي مستعدة لخوض تجربة جديدة في حياتي وتكريس نفسي لاتباع هدفي بنفس مستوى الحماسة والشغف والالتزام الذي استثمرته في الشركة، وتنتظرني تجربة شاقة في قادم الأيام، ولكن وكما يقول الأستاذ في مجال المعلوماتية "راندي باوش" (Randy Pausch): "تختبر العوائق رغبة الفرد بتحقيق أهدافه، وتقف بوجه كل شخص لا يمتلك العزيمة اللازمة لبلوغها".
أتمنى للجميع حظاً موفقاً، ولا شك أنَّنا سنبقى على تواصل. تمنياتي للفريق بالنجاح والتوفيق.
"سيلستيين شوا"
سلمت خطاب الاستقالة لمديرتي في شهر "تموز" (يوليو) من العام 2008 عندما كنت أبلغ من العمر 24 عاماً، بعد أن عملت في الشركة لمدة سنتين.
كان إعلام المديرة بقرار الاستقالة من أكثر المواقف الانفعالية التي تعرضت لها في حياتي؛ بكى كلانا في قاعة الاجتماع، وكنت حزينة جداً على خسارة العلاقات الطيبة التي كوَّنتها خلال فترة عملي في الشركة، ولكن وجب علي أن أتخذ قراري وأمضي خلف هدف حياتي مهما كلَّف الأمر.
تركت وظيفتي في نهاية شهر "أيلول" (سبتمبر) من العام 2008 سعياً وراء شغفي وهدفي في الحياة، ألا وهو مساعدة الآخرين على استثمار إمكاناتهم وعيش حيواتهم على أكمل وجه.
لقد مضى على قرار استقالتي 7 سنوات، وأنا في أفضل أحوالي، وقد نجحت في استثمار شغفي، وإثبات جدارتي في مجال التنمية الشخصية، وبناء قاعدة جماهيرية كبيرة في سوق العمل.
هل تفكر في تقديم استقالتك من العمل؟
يشتكي كثير من الأفراد من وضعهم المهني، ويعرب بعضهم عن رغبتهم بتقديم طلب الاستقالة والانتقال لمجال عمل جديد، وتتنوع أسباب الاستقالة وتختلف من شخص إلى آخر تبعاً لظروف الحياة الشخصية والعمل، وربما أنت تفكر بموضوع الاستقالة بشكل جدي لكنَّك لا تستطيع حسم قرارك.
6 خطوات يجب أن تقوم بها قبل اتخاذ قرار الاستقالة:
أولاً: تحديد أهدافك المهنية
تتنوع أسباب الاستقالة وتختلف من موظف إلى آخر، ويُذكَر منها صعوبة التعامل مع المدير أو زملاء العمل، أو عدم الحصول على فرصة للترقي في الشركة، وهذه الأسباب وجيهة، ولكن يجب عليك أن تتروى وتفكر في المهنة التي تستهويك والمساهمة التي تتمنى أن تقدمها للعالم من حولك قبل أن تحسم قرارك.
يمكن أن تشعر بالراحة بعد تقديم الاستقالة، وخاصة إذا كنت تكره عملك، لكنَّ هذا الشعور مؤقت، وسرعان ما يختفي عندما تواجه واقع البطالة والمشكلات المالية المرافقة له، وتبدأ حالة الضياع والفوضى وعدم الأمان الوظيفي بالسيطرة على أفكارك.
يستقيل بعض الأشخاص من وظائفهم بشكل عشوائي دون أن يخططوا لمستقبلهم المهني أو يفكروا في المرحلة المقبلة من حياتهم، ثم سرعان ما تنفد مدخراتهم المالية، وهذا يجبرهم على القبول بأي فرصة عمل متاحة لاستعادة شعور الأمان الوظيفي، وتعود مشاعر الاستياء مجدداً بعد الالتحاق بالعمل بمدة قصيرة، وهكذا تتكرر التجربة مرة تلو أخرى، وتمضي سنوات طويلة دون أن يتمكن الفرد من اختيار وظيفة تناسبه وتحقق أهدافه.
يمكنك أن تكتشف المهنة أو الوظيفة التي تناسبك عبر تحديد أهدافك وطموحاتك في الحياة على مهل دون أن تتعجل في قراراتك، ومن الطبيعي أن تشعر بالضياع وتعجز عن تحديد توجُّهك المهني في البداية، ولكن عليك أن تبدأ بالتفكير بالموضوع لكي تمضي في الاتجاه الصحيح.
استغرقت شخصياً حوالي السنتين لاختيار توجُّه مهني يتوافق مع أهدافي الحياتية، وركزت خلال هذه الفترة على العمل في الشركة ريثما أحدد الطريقة المناسبة لاستثمار شغفي وتحقيق المساهمة التي أصبو إليها.
لقد فكرت ملياً بمسيرتي المهنية، وهذا ساعدني على حسم قراري والمضي في تنفيذ خطتي عندما كانت الظروف مواتية، وبالنتيجة، تمكنت من تحقيق نجاحات سريعة على أرض الواقع، قد تكون المهنة المثالية وظيفة في شركة أو مشروعاً تجارياً مستقلاً.
شاهد بالفيديو: 5 نصائح قبل تقديم الاستقالة
تمرينان لمساعدتك على تحديد توجهك المهني:
1. الرسالة/ الوسيلة:
ما هي الرسالة التي تتمنى أن تؤديها في العالم؟ ما هي الوسائل التي تود أن تستخدمها لتأدية هذه الرسالة؟ يجب أن تراعي مسيرتك المهنية عنصري الرسالة والوسيلة.
2. العقل والجسد والقلب والروح:
ما هي احتياجات عقلك، وجسدك، وقلبك، وروحك؟ تحدد هذه الإجابة احتياجاتك الحياتية، ويجب أن يساهم توجُّهك المهني في تلبيتها.
يهدف التمرين الأول إلى تحديد آلية الخوض في المجال المهني المنشود، في حين تُعنى الثانية باختيار توجُّه مهني يراعي الاحتياجات الحياتية.
على فرض أنَّك تواجه صعوبة في اكتشاف توجُّهك المهني، عندئذٍ يمكنك أن تبدأ بتحديد الوظائف التي لا تحبذ القيام بها بناءً على تجاربك الحالية والسابقة في ميدان العمل، ثم عليك أن تستخدم هذه المعلومات في تكوين فكرة عن طبيعة العمل الذي يناسبك.
إذا كنت لا تحبذ القيام بالأعمال الروتينية على سبيل المثال، فهذا يعني أنَّك تميل للوظائف الحيوية التي تتيح لك إمكانية التعامل مع مهام وتجارب متجددة باستمرار، وقد تكتشف أنَّك تبغض المدير الذي لا يقدِّر جهود موظفيه، ما يعني أنَّ التقدير هام جداً بالنسبة إليك؛ أي باختصار، عليك أن تحدد مقومات الوظيفة المثالية بالنسبة إليك، وتعتمد على هذه المعلومات في تطبيق التمرينين السابقين.
يعتمد اكتشاف الوظيفة المثالية على التفكر الباطني والتجارب العملية، وهو يتطلب توفر خبرة سابقة في مجال تحديد الأهداف وتجاوز منطقة الراحة.
ثانياً: مقارنة عملك الحالي مع الوظيفة المثالية بالنسبة إليك
فيما يلي سوف نقدم لك 3 أسئلة تساعدك على تقييم وظيفتك الحالية:
1. هل تنسجم وظيفتك الحالية مع مبادئك الشخصية؟
يجب أن تراعي الوظيفة القيم والقناعات الشخصية للفرد، ما يعني أنَّ مناهض التدخين لا يمكن أن يتقبل العمل في شركات إنتاج التبغ على سبيل المثال.
2. هل تساعدك هذه الوظيفة على تحقيق أهدافك المهنية؟
قد لا تكون وظيفتك الحالية مثالية، ولكنَّها تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في توجيهك نحو المسار المهني الذي تطمح إليه، على فرض أنَّك ترغب في إطلاق مشروعك الخاص لكنَّك تعمل في شركة برمجيات؛ فهذا يعني أنَّك تطوِّر مهاراتك في مجال البرمجة ويمكنك أن تستفيد منها عندما تطلق مشروعك التجاري، ومن ثم حاول أن تستفيد من وظيفتك الحالية حتى لو كانت لا ترتبط بشكل مباشر بمجال العمل الذي تطمح للتخصص فيه.
3. هل تتوافق هذه الوظيفة مع أولوياتك في الوقت الحالي؟
لا يجب أن تتعارض وظيفتك مع أولوياتك في الحياة، ويحدث هذا عندما يكون راتبك قليلاً وأنت تعطي الأولوية لكسب المال في الوقت الحالي على سبيل المثال، وعندها لن تكون مرتاحاً في الوظيفة حتى لو كانت بيئة العمل داعمة؛ لأنَّك لن تتمكن من ادخار المال بسرعة، أو ربما أنت تعطي الأولوية لعائلتك في هذه المرحلة ولكنَّ الوظيفة لا تتيح لك إمكانية التوفيق بين حياتك الشخصية وعملك.
يجب أن تفكر في تقديم طلب استقالة من وظيفتك الحالية بأقرب فرصة إذا كان جوابك "لا" عن سؤالين على الأقل من الأسئلة السابقة.
بالنسبة إلي، لم تكن وظيفتي القديمة متوافقة مع أهدافي الحياتية؛ لأنِّي كنت أطمح لمساعدة الناس على اكتشاف إمكاناتهم واستثمارها في تحسين حيواتهم، واقتضت وظيفتي السابقة إقناع المستهلكين باختيار منتجات معيَّنة دوناً عن غيرها، وكنت أساهم في تحسين حيوات الناس من خلال عملي، ولكنِّي أردت مساعدتهم بطريقة مختلفة.
مع ذلك، قبلت عرض العمل في الشركة بهدف تطوير مهاراتي وإمكاناتي؛ أي لم تكن الوظيفة متوافقة مع أهدافي وتوجهاتي المهنية بشكل مباشر، لكنَّها ساعدتني على تنمية قدراتي واكتساب الخبرات التي سأحتاج إليها عندما أسعى إلى استثمار شغفي في الحياة، وكان الراتب ممتازاً، وهذا ساعدني على توفير المال اللازم لإعالة نفسي وإطلاق مشروعي الخاص.
لقد حققت تقدماً لافتاً بعد مضي عامين على عملي في الشركة، وحصلت على فرص ثمينة للتقدُّم في مجال عملي، وتسنى لي أن أسافر عدة مرات، وكان الراتب ممتازاً، ولم أكن مهتمة بهذه الفرص؛ وذلك لأنِّي تمكنت من تنمية قدراتي، وتوفير بعض المال، ولم تعد الوظيفة تخدم أهدافي، وصرت جاهزة لتقديم استقالتي والمضي في رحلة اتباع شغفي.
في الختام:
ينجم قرار الاستقالة عن مجموعة متنوعة من الأسباب، ولكن يجب أن يقيِّم الفرد وضعه المادي وظروفه الشخصية قبل أن يُقدِم على هذه الخطوة، ويتطلب نجاح هذه النقلة النوعية من ناحية أخرى وضع خطة مدروسة لتحقيق الهدف المنشود والالتزام بتنفيذها بحذافيرها، لقد قدمت لنا الكاتبة في الجزء الأول من المقال خطوتين يجب الالتزام بهما قبل حسم قرار الاستقالة، وتكمل في الجزء الثاني والأخير منه بقية الخطوات.
أضف تعليقاً