لقد قدمت لنا الكاتبة "سيليستين شوا" (Celestine Chua) في الجزء الأول من المقال خطوتين يجب الالتزام بهما قبل حسم قرار الاستقالة، وتكمل في هذا الجزء الثاني والأخير منه بقية الخطوات، فتابعوا معنا السطور القادمة.
6 خطوات يجب أن تقوم بها قبل اتخاذ قرار الاستقالة:
ثالثاً: إعداد خطة مدروسة للمستقبل المهني
يفتخر كثير من الكوتشز والمدربين والمدوِّنين بانتقالهم من حياة الوظيفة التي تلزم الفرد بساعات عمل طويلة وراتب محدود إلى ريادة الأعمال التجارية الخاصة التي تتيح إمكانية تحقيق إيرادات كبيرة من العمل لساعات قليلة، وهذا دفع كثيراً من الأفراد إلى اتخاذ قرارات متهورة وتقديم استقالاتهم؛ بهدف بناء مشاريع تجارية خاصة بهم وتحقيق دخل مادي ممتاز أسوةً بالفئات المذكورة آنفاً.
هذه القرارات خاطئة، ولا تتوقع أن تنجح في هذه النقلة المهنية النوعية بسهولة، وخاصة إذا كنت تخطط للانتقال لمجال عمل صعب.
كان قرار استقالتي من الشركة مدروساً، وقد فكرت ملياً قبل اتخاذه خلال المراحل الآتية:
- لقد تمكنت من تحديد أهدافي المهنية قبل أن ألتحق بالعمل في الشركة، وكنتُ متيقنة أنَّها وظيفة مؤقتة، وقررت أن أعمل في الشركة وأستفيد منها في تطوير إمكاناتي والاستعداد للمرحلة المقبلة من حياتي.
- خَطَرَ لي في ذلك الوقت السؤال الآتي: كم من الوقت سأبقى في الشركة قبل أن أقدم استقالتي؟ قررت آنذاك أنِّي سأعمل في الشركة لمدة 4-5 سنوات على الأكثر.
- بدأتُ بعد حوالي سنة من العمل في الشركة بالبحث عن التوجهات المهنية التي تتيح لي إمكانية استثمار شغفي، حتى إنِّي بحثتُ عن فرص عمل في المنظمات غير الحكومية، ثم أدركت في نهاية المطاف أنِّي أحتاج إلى إطلاق مشروعي الخاص لكي أتمكن من استثمار شغفي بالطريقة التي أردتها.
- ركزتُ خلال السنة الثانية على تنمية إمكاناتي وإتقان عملي، والتفكير في الطريقة المثالية لاتباع شغفي وتحقيق أهدافي.
- كنت مستعدة لتقديم استقالتي من الوظيفة في نهاية السنة الثانية، بعد أن جهزت خطة عمل مدروسة لتحقيق أهدافي ضمن إطار زمني محدد.
يعتمد النجاح المهني في أي مجال عمل على العزيمة، والاجتهاد، والتخطيط الاستراتيجي، والتنفيذ الدقيق، فلا يمكنك أن تستقيل من وظيفتك وتحقق النتائج المبهرة التي تطمح إليها بسهولة، بل أنت تحتاج إلى وضع خطة مدروسة قبل أن تتخذ قرار الاستقالة، أو على الأقل يجب عليك أن تجيب عن الأسئلة الآتية:
- ما هي النتائج أو الأهداف الدقيقة التي تسعى إلى تحقيقها؟
- ما هي خطة العمل المناسبة لتحقيقها؟
- ما هي الخطوات العملية المطلوبة لتحقيق أهدافك؟
- هل وضعت خطة زمنية لمراحل العمل؟
- هل وضعت خطة احتياطية تحسباً للظروف الطارئة؟
رابعاً: البقاء في الوظيفة الحالية حتى تؤمِّن فرصة عمل بديلة/ تطلق مشروعك الخاص
ثمة طريقتان للتوجه نحو مجال العمل الذي يستهويك، فإما أن تستقيل من وظيفتك مباشرةً وتشق طريقك من نقطة الصفر، أو تستفيد من عملك الحالي في بناء مشروعك الخاص وتقدم استقالتك عندما تكون جاهزاً للعمل وحدك.
بالنسبة إلي، قدمتُ استقالتي وبدأتُ رحلة العمل على استثمار شغفي من نقطة الصفر، لأنِّي كنت متأكدة من خياري المهني، ولم أهتم بالنتائج على الأمد القصير، وكنت أعمل لساعات طويلة حتى منتصف الليل كل يوم في وظيفتي السابقة، ولم يكن لدي ما يكفي من الوقت والجهد لاستثمار شغفي.
كنت مضطرة لتقديم استقالتي وتكريس وقتي وجهدي للعمل على مشروعي الخاص وتحقيق التقدم في حياتي، ولكنِّي لا أنصح بالإقدام على مثل هذه الخطوة ما لم تكن ثمة خطة واضحة للمرحلة المهنية المقبلة.
تفرض الاستقالة عدداً كبيراً من المتغيرات وعلى رأسها خسارة مصدر الدخل ونشوء فجوة في المسيرة المهنية وغيرها من المشكلات.
أنصحك عموماً بالبقاء في وظيفتك الحالية حتى تنجح في تأمين عرض عمل مناسب أو تطلق مشروعك الخاص الذي يتيح لك إمكانية تحقيق هدفك النهائي، أي ينبغي أن تقدِّم استقالتك عندما تكون مستعداً، على سبيل المثال:
- إذا كنت تريد الانتقال لوظيفة جديدة من أجل الحصول على راتب أعلى أو تحقيق مستوى أفضل من التوازن بين حياتك الشخصية وعملك، فإنَّك يجب أن تؤمن هذه الوظيفة قبل أن تقدم استقالتك، لأنَّ البحث عن فرص العمل يتطلب كثيراً من الوقت، ويمكن أن تنتظر 3-6 أشهر أو أكثر قبل أن تحصل على الفرصة المناسبة.
- أما إذا كنت تنوي إطلاق مشروعك الخاص، عندئذٍ عليك أن تقوم ببعض الإجراءات قبل أن تقدم استقالتك، ويُذكَر منها إجراء الأبحاث في السوق، وبناء شبكة علاقات مهنية واسعة، ووضع خطة عمل مدروسة، وتحديد أهداف دقيقة، وتنمية المهارات اللازمة لتحقيق النتائج المطلوبة، واستقطاب بعض العملاء، وتأمين مصدر دخل مبدئي.
تتيح لك هذه الطريقة إمكانية مضاعفة أرباحك عندما تستقيل من وظيفتك وتتفرغ لمشروعك بشكل كامل، ويقوم بعض الأشخاص على سبيل المثال بالتركيز على إنشاء الموقع الإلكتروني، والحصول على الشهادات المطلوبة، وبناء قاعدة جماهيرية على منصات التواصل الاجتماعي، واستقطاب العملاء قبل اتخاذ قرار الاستقالة.
يتسنى للفرد بهذه الطريقة إرساء الأسس والأنظمة الحاكمة لسير العمل، وتحقيق بعض النتائج الفعلية على أرض الواقع قبل الاستقالة، والاستعداد لزيادة عدد العملاء والأرباح بعد تقديمها والتفرغ للنشاط التجاري.
- على فرض أنَّك تنوي إجراء نقلة نوعية في مسيرتك المهنية، عندئذٍ عليك أن تحدد المقومات التي تنقصك للانتقال من وضعك الحالي إلى الهدف المنشود، وربما أنت تحتاج إلى اكتساب مهارات أو خبرات معيَّنة، أو إجراء مزيد من الدراسات والأبحاث عن المشروع على سبيل المثال.
شاهد بالفيديو: 5 دروس مستخلصة من تجربة الاستقالة
خامساً: إعداد خطة احتياطية
قد ينصحك بعض الأشخاص بعدم إعداد خطة احتياطية لكي تركز على النجاح في تحقيق هدفك الجديد.
هذه النصيحة خاطئة تماماً، ويجب عليك أن تحضِّر خطة احتياطية تحسباً لحالات الطوارئ، فقد لا تجري الأمور كما هو متوقع وفق الخطة الأساسية، ولا تهدف هذه الخطوة لإحباطك بل إلى دفعك إلى الإحاطة بكافة المتغيرات والظروف التي يمكن أن تطرأ خلال العمل، وضمان تحقيق الهدف النهائي مهما كلف الأمر.
لقد وضعت شخصياً خطة احتياطية قبل أن أستقيل من عملي، وفيها قررت أن أكرس نفسي لاتباع شغفي لمدة سنة كاملة، وكنت قد وفرت مبلغاً يكفي لإعالتي لمدة 3 سنوات على الأقل حتى لا أقلق بشأن مصاريفي الشخصية وأتفرغ كلياً لاتباع شغفي.
لكن كيف سأتصرف إذا انتهت المهلة المحددة ولم أتمكن من تحقيق أي نتيجة تُذكَر؟ (هذا الاحتمال ضعيف لأنَّك يستحيل أن تفشل عندما تعمل بجدٍّ على تحقيق هدف معيَّن لمدة سنة كاملة).
قررت أن أعود للعمل في الشركة في حال فشلت خطتي لكي أطور مهاراتي وأجمع مزيداً من المدخرات، وأستأنف العمل على اتباع شغفي بعد حوالي سنتين، وسوف أعيد الكرة إلى أن أنجح في نهاية المطاف.
ساعدتني هذه الخطة الاحتياطية على التخلص من شكوكي وخوفي من الفشل، وتسنى لي نتيجة ذلك أن أركز على تحقيق هدفي، ولم أكن أخشى المحاولة لأنِّي توقعت أسوأ نتيجة يمكن أن تحصل معي، ووضعت خطة احترازية للتعامل معها، وقد ساعدتني هذه الجرأة على اتباع شغفي وتحقيق النتائج المرجوة بحسب الخطة الزمنية الموضوعة.
الخطط الاحترازية ضرورية لتحقيق الأهداف، وخاصة عندما لا تكون النتائج مضمونة؛ لذا عليك أن تستعد للأسوأ لكي تركز على فعل ما يلزم للتعامل مع المشكلات الطارئة بدل أن تقلق وتقف عاجزاً عن تسوية الوضع.
يجب أن تجيب عن الأسئلة الآتية خلال مرحلة التخطيط:
- ما هو أسوأ احتمال يمكن أن يحدث معك؟
- كيف يمكنك أن تتجنب حدوث هذا الاحتمال؟ (احرص على إدراج هذه الخطوات ضمن خطة العمل).
- ماذا لو حدث أسوأ ما تتوقعه؟ ماذا ستفعل؟ (يجب أن تضع خطة تتضمن إجراءات العمل اللازمة لتحقيق الهدف النهائي).
سادساً: اتخاذ القرار النهائي
صادفتُ المديرة المساعدة في شركتي السابقة بعد حوالي 3 سنوات من استقالتي، وأخبرتني وقتئذٍ أنَّ جميع العاملين في الشركة يتحدثون عني باهتمام، وعندما سألتها عن السبب أجابتني: "لأنَّ قلة من الأفراد ينجحون في إطلاق مشاريعهم الخاصة بعد الاستقالة من الوظيفة في مثل هذه السن المبكرة".
لقد كان نجاحي نتيجة طبيعية للتخطيط المدروس والاجتهاد في العمل، وقد تبين لي أنَّ معظم الأفراد يواجهون صعوبة في الالتزام بهذين العاملين نتيجة مجموعة مختلفة ومتنوعة من الأسباب التي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
- الخوف من العواقب المحتملة.
- قلة الثقة بالنفس.
- العجز عن تحديد الأهداف والرغبات بدقة.
- تعارض الأولويات الشخصية.
يعتمد تحقيق الأهداف على إجابتك عن السؤالين الآتيين: ما هو مدى رغبتك بتحقيق هدفك؟ ما هو مقدار الجهد الذي يمكنك أن تكرسه في العمل؟
لأنَّك ستواجه صعوبة كبيرة في تحقيق مبتغاك إذا لم تكن ملتزماً ومستعداً لبذل المجهود المطلوب، وقد تفتر عزيمتك بين الحين والآخر، وتستسلم لمخاوفك وشكوكك، وهذا يقلل احتمالات نجاحك.
لذا يُنصَح في البداية بتحديد المخاوف التي تساورك تجاه الأهداف التي تبتغي تحقيقها والعمل على تجاوزها، وفي حال كنت تعاني من ضائقة مالية، عندئذٍ عليك أن تبقى في وظيفتك وتعتمد عليها في إطلاق مشروعك الخاص، ثم يمكنك أن تقدم استقالتك عندما تتوفر لديك المقومات المادية.
يجب أن تعمل على إعداد خطة احتياطية للتغلب على خوفك من الفشل؛ أي باختصار، ينبغي أن تركز على التخطيط وتفعل ما يلزم لتنفيذ مخططاتك على أرض الواقع.
في الختام:
عليك أن تحدد هدفك بدقة، وتنظم أمورك، وتضع خطة مدروسة لتحقيق المطلوب قبل أن تمضي في العمل، ويتحقق النجاح عند توفر عاملي التخطيط المدروس والالتزام في العمل بحسب جميع التجارب التي خضتها وسمعت عنها من الآخرين.
أضف تعليقاً