لماذا يحدث الاحتراق الوظيفي وكيف يمكننا تجنبه؟
تعد كريستينا ماسلاش (Christina Maslach) من كبار الخبراء في العالم في مجال الاحتراق الوظيفي، وقد طورت هي وزملاؤها في الثمانينيات إحدى أولى التقييمات النفسية للاحتراق الوظيفي، وفي العقود الأربعة اللاحقة، بَنت مسيرة مهنية في التحقيق في أسباب الاحتراق الوظيفي.
الاحتراق الوظيفي أكثر من مجرد تعب:
وجد بحث ماسلاش أنَّ الاحتراق الوظيفي لا يقتصر على التعب أو الإرهاق، بل هو مزيج من ثلاثة عوامل مختلفة، هي:
1. الإرهاق:
التعب الشديد هو أول وأبرز أعراض الاحتراق الوظيفي، هذا التعب هو ما يربطه معظم الناس بالاحتراق الوظيفي، وغالباً ما يمهد الطريق للعرضين الآخرين.
2. اللامبالاة:
نظرت الدراسات المبكرة للاحتراق الوظيفي إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية، فللتغلب على ضغوطات العمل، توقف الأطباء والممرضون المحترقون وظيفياً عن معاملة المرضى مثل البشر، وهو ما كان يسمى "تبدد الشخصية" في الأوساط العلمية، ومع توسع الأبحاث لتشمل وظائف أخرى، لاحظ الباحثون أنَّ نفس ظاهرة الفتور العاطفي واللامبالاة كانت مرتبطة بالاحتراق الوظيفي بصرف النظر عن مجال العمل.
3. العجز:
إضافة إلى التعب واللامبالاة، يشعر العمال المحترقون وظيفياً بأنَّهم لا يستطيعون فعل أي شيء سوى التحمل.
الإرهاق وحده أمر خطير جداً، ولكن مع إضافة العاملَين الآخرين يتحول الاحتراق الوظيفي إلى قوة مدمرة، بيَّنت الأبحاث ارتفاع معدل الوفيات بين العاملين المحترقين وظيفياً في مجال الرعاية الصحية، وأنَّ ضباط الشرطة المحترقون وظيفياً يستخدمون مزيداً من العنف ضد المدنيين.
شاهد بالفديو: 5 خطوات لمواجهة الاحتراق الوظيفي
أسباب الاحتراق الوظيفي:
تقول ماسلاش لقد اعتمدنا وجهة نظر خاطئة فيما يتعلق بالاحتراق الوظيفي في مكان العمل، فقد نظرنا إلى الاحتراق الوظيفي على أنَّه مشكلة فردية، وذلك لأنَّ بعض الأشخاص لا يستطيعون التعامل مع ضغوطات ومتطلبات الوظيفة، وترى ماسلاش أنَّه بدلاً من التعامل مع الاحتراق الوظيفي على أنَّه مشكلة فردية، يجب النظر في أسباب الاحتراق الوظيفي هذه:
1. عبء العمل:
أوضح سبب للاحتراق الوظيفي هو زيادة عبء العمل فوق طاقة التحمل، فعندما تفوق متطلبات مكان العمل قدرتنا على التعامل معها، نُصاب بالإرهاق، وإذا لم نعالج هذه المشكلة، فقد نصل إلى مرحلة اللامبالاة والشعور بالعجز لأنَّنا غير قادرين على التعامل مع المتطلبات.
ليس سبب هذه المشكلات نوبات عمل مضنية من حين إلى آخر، وإنَّما عبء العمل المستمر دون راحة، ومثال ذلك المنظمات التي تعمل باستمرار في وضع الأزمة أو الموظفين الذين يُطلب منهم تأدية عدة مهام بعد تسريح عدد كبير من الموظفين، وهذا يؤدي إلى عبء عمل دائم ينتهي بالاحتراق الوظيفي.
2. عدم القدرة على التحكم:
لا يقتصر الاحتراق الوظيفي على عبء العمل فحسب، بل على قدرتك على التحكم فيه أيضاً، فقد وجدت ماسلاش في بحثها أنَّ الأشخاص الذين لديهم عبء عمل كبير، ويتمتعون بدرجة عالية من الاستقلالية في إدارة هذا العمل، كانوا أقل عرضة للاحتراق الوظيفي.
أمَّا أولئك الذين لديهم عبء عمل كبير ولا كلمة لهم في كيفية إنجازه، فقد كانوا أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي، وحرمان الموظفين من المرونة في أداء العمل بلا مبرر يُصعِّب عليهم إنجاز العمل.
3. عدم تقدير الموظفين:
يؤدي عبء العمل مع قلة الأجر إلى تفاقم الإحساس بالاحتراق الوظيفي، لكنَّ ماسلاش ترى أنَّ المكافآت لا تقتصر على المال فحسب، بل على تقدير العمل الذي يؤديه الموظف بإتقان.
ذهاب الموظف إلى العمل كل يوم، وبذل قصارى جهده في عمله دون أن يلقى أي تقدير هو طريقة مؤكدة للإصابة بالاحتراق الوظيفي.
4. سوء العلاقات في العمل:
لا يتعلق كل شيء بالعمل والكفاءة، إذ تؤثر علاقاتنا مع زملائنا ورؤسائنا - إيجابياً وسلبياً - في مشاعرنا تجاه الوظيفة، فالصحبة الطيبة تهون مشاق العمل، والتنمر والعداء يحولان وظيفة الأحلام إلى وظيفة بائسة.
لا متعة في صحبة الأشخاص المحترقين وظيفياً كونهم أكثر ميلاً إلى اللؤم والعدوانية والفتور العاطفي، وهذا يعني، كما تؤكد ماسلاش، أنَّ الاحتراق الوظيفي مُعدٍ، ومن الأسباب التي تدعو إلى عدم التعامل مع الاحتراق الوظيفي بوصفه مشكلة فردية هو أنَّه حتى لو لم يُظهر جميع الموظفين علامات الاحتراق الوظيفي الشديد، فإنَّ أولئك الذين يُظهرون هذه العلامات قد يسهمون في تشكيل مجتمع سام يؤذي الآخرين.
5. عدم الإنصاف:
عندما يرى الموظفون أنَّ قواعد العمل والمكافآت غير عادلة، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم اللامبالاة وتسريع الاحتراق الوظيفي، ومن الغريب أنَّ ماسلاش وجدت أنَّ الموظفين يهتمون بعدالة الإجراءات أكثر من الاستجابة لطلباتهم، ففي إحدى الحالات، حاولت إحدى الشركات التي عملت معها ماسلاش إصلاح إحدى المشكلات المتعلقة بالشعور بالظلم؛ وذلك عن طريق منح الموظفين مزيد من المال، ومع ذلك، لم ينجح هذا النهج؛ لأنَّ الموظفين كانوا منزعجين من منح المكافآت بشكل تعسفي.
6. عدم تطابق القيم:
السبب الأخير للاحتراق الوظيفي هو عدم تطابق قيم الشخص مع قيم المؤسسة التي يعمل فيها، فعلى سبيل المثال، تدخل الممرضة مجال الرعاية الصحية لعلاج المرضى، لكنَّ الإدارة تهتم في الغالب بزيادة الإيرادات، ويدخل الباحث المجال الأكاديمي بغية تطوير العلم، لكنَّه يشعر بالاشمئزاز بسبب رفض طلبات تمويل أبحاثه.
كيفية تجنب الاحتراق الوظيفي:
إذا كان الاحتراق الوظيفي ناتجاً عن العلاقة بين الموظف والعمل، وليس مشكلة فردية بحتة، فنحن بحاجة إلى النظر إلى طرفي المعادلة إذا أردنا تجنب الإرهاق.
لسوء الحظ، تشير ماسلاش إلى صعوبة هذا الأمر، إذ تُصر معظم المنظمات على التعامل مع حالات الاحتراق الوظيفي بوصفها مشكلات مع هؤلاء الأفراد بدلاً من رؤيتها بوصفها علامات تحذيرية بوجود خطب ما في مكان العمل.
مع ذلك، توجد بضع طرائق تمكننا من إدارة الاحتراق الوظيفي، منها:
1. أخذ إجازة:
تُعد العطل والإجازات الطويلة من أشيع الطرائق المقترحة للتعامل مع الاحتراق الوظيفي، فإذا كانت المشكلة الرئيسة هي عبء العمل، فقد يكون التهوين على نفسك ضرورياً لاستعادة طاقتك، ومع ذلك في حين أنَّ الإجازة قد تساعد على التغلب على الإرهاق، فإنَّها غير كافية للتعامل مع اللامبالاة والعجز عن إنجاز العمل.
2. تعلم مهارات جديدة:
قد يؤدي الافتقار إلى التدريب اللازم في مكان العمل إلى تفاقم الاحتراق الوظيفي عندما يُطلب منك مواكبة متطلبات مكان العمل التي لا تقدر على تلبيتها، فيساعدك تعلُّم المهارات اللازمة للقيام بالعمل، ومهارات إدارة وقتك والتزاماتك، والمهارات الاجتماعية والعاطفية للتعامل مع المواقف المجهدة والأشخاص على التعامل مع البيئات الصعبة على وجه أفضل.
3. إدراك أنَّك لست وحدك:
تتعامل المؤسسات مع الاحتراق الوظيفي بطريقة سلبية، ما يجعل الموظفين يترددون في التعبير عن مشاعرهم، وبذلك لا يدرك الموظفون المحترقون وظيفياً عدد الأشخاص الذي يعانون مثلهم، فيظنون أنَّهم وحدهم من يعاني.
في الختام:
ابذل كل ما في وسعك لتجنب الاحتراق الوظيفي، لكن إذا كنت تشعر أنَّك غير قادر على ذلك، فقد يكون هذا هو الوقت المناسب لتقديم استقالتك والبحث عن وظيفة أخرى لا سيما عندما تكون المشكلة في بيئة العمل.
أضف تعليقاً