ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن الأمور التي علينا تذكرها حين نشعر بالضيق أو نرغب بشدة في التغيير.
لقد كنت أعمل أكثر من 60 ساعة في الأسبوع، وكان عملي يتداعى، وأحاول التعامل مع وفاة اثنين من أحبائي، وكان يبدو أنَّ التوتر ووتيرة الحياة تبقيني مشغولاً من السابعة صباحاً حتى منتصف الليل يومياً، ولا تترك لي وقتاً كافياً للتأمل والتركيز، فعلمت في قرارة نفسي حينها أنَّ الحلقة المفرغة التي كنت أدور فيها لن تفيدني أبداً.
في أثناء تصفحي لنتائج البحث، دُهِشْتُ بالكمِّ الهائل من الكتب والمقالات والاقتباسات المصمَّمة لتحفيز المرء على اتخاذ إجراء إيجابي والتغيير نحو الأفضل، وكانت الرسائل التي تحثُّ على التخلِّي والاستمرار أو التي تحثُّ على الحضور الذهني وفيرة؛ ومع ذلك، لم يعجبني أيٌّ منها؛ بل كنت أبحث عن إرشادات أكثر تحديداً تدلني بالضبط إلى المسار الصحيح.
إفساح مجال للتفكير والتأمل:
واصلت القراءة والبحث عن مجموعة جديدة من التعليمات التي يمكنني اتباعها، وعندها أدركت أمراً هامَّاً؛ لقد دفعتني الخسائر التي تكبدتها واضطراباتي الشخصية إلى الهرب والاختباء من مشكلاتي، فكان انشغالي الشديد غير معقول، لكن لم أتوقف أبداً لترتيب أفكاري ومعرفة سبب قيامي بما أفعله بالضبط؛ إذ كانت حاجتي إلى إعالة أسرتي، والتخفيف من حدة الألم الذي تحملته نتيجة الفشل والفقدان سبباً في غفلتي، واستخدمت هذه الظروف ذرائع لعدم ترتيب أولوياتي بفاعلية، وعلِقت في دوامة من الانشغال العقيم دون أي رؤية واضحة عن أي شيء.
حينها أدركت أنَّني لكي أمضي قدماً في حياتي، عليَّ أولاً أن أتريَّث قليلاً، كنت أحتاج إلى التوقف تماماً والتريُّث لبعض الوقت حتى أتمكَّن من استيعاب كل شيء، وتقبُّله، ثمَّ تجاوزه، ووجب عليَّ أن أُعطي نفسي الوقت كي أتقبَّل مكاني وأرتِّب الاحتمالات التي تنتظرني.
حين تريَّثتُ بالفعل، بدأت أفكِّر في الصيف الذي تلى تخرجي من المدرسة الثانوية؛ إذ عدت بالزمن إلى تلك الأيام التي شعرت فيها أنَّ ثمَّة فرصة تنتظرني حيثما ذهبت، فقد قُبِلتُ في جامعة مرموقة، وكنت شاباً طموحاً مستعداً لتحقيق أحلامي، لكن تذكُّري لذلك لم يشعرني بأي تحسُّن؛ بل إنَّ محاولة رؤية العالم بعد كل هذه السنوات بعينيَّ الشابتين لأكثر من بضع دقائق جعلتني أشعر بمزيد من القلق.
بعض النصائح المفيدة:
ربما كانت دروس الحياة التي اضطررت إلى تعلمها بالتجربة، أو مقدار الألم والفشل هو السبب، لكن وَجَبَ عليَّ أن أعترف لنفسي في ذلك الوقت والمكان أنَّ عالم الاحتمالات اليافع بدا أكثر رعباً وخطورة هذه المرة، أردت أن أكون طموحاً وعاطفياً مرة أخرى، لكن لم أكن أعرف الطريقة لذلك، حتى أعطتني أمي بحكمتها بعض النصائح المفيدة، فأخبرتني أنَّها ما تزال ترى الشاب الإيجابي والعاطفي بداخلي، لكنَّني أحتاج إلى البحث عن روحي لإعادة التواصل بها.
عندما حاولت اتباع نصيحتها، تذكَّرت أنَّني اعتدتُ كتابة اقتباسين على ملاحظات لاصقة علَّقتها على جدار غرفتي حين كنت طفلاً:
- "تقبَّل الحاضر، وتجاوز الماضي، وآمن برحلتك".
- "لا تخف من السير وحدك على الطريق الذي قلَّ من يسلكه، ولا تَخْشَ أن تحب كل دقيقة تعيشها".
لذلك؛ كتبت الاقتباسين ثانيةً، تماماً كما تذكرتهما، وعلَّقتهما على الحائط فوق منضدتي، وكنت أجدهما أمامي مدة سنتين كلما استيقظت صباحاً، وساعداني على التركيز.
كما اتخذت خطوات صغيرة، يوماً بعد يوم، حتى عرفت أنَّني أخيراً أسير على الطريق الصحيح مرة أخرى، وسأُذكِّر كل شخص يشعر بالضيق ولا يعلم كيف سيخطو الخطوة التالية ببعض الأمور التي تستند بالكامل إلى تجاربي الشخصية، ولكنَّها دروس بسيطة وقابلة للتنفيذ ساعدتني على المضي قدماً عندما قرَّرت أنَّ الوقت قد حان للتغيير، فربما تساعدك أيضاً.
شاهد بالفيديو: كيف تصنع التغيير في حياتك من خلال تغيير عاداتك؟
إليك 5 أمور عليك أن تتذكَّرها حين تشعر بالضيق وتحتاج إلى التغيير:
1. قراءة رسائل تذكير يومية ذات قيمة تسهل النمو والتغير نحو الأفضل:
يمكنك لصق اقتباسات قيِّمة على جدار غرفتك، أو تصميم كوب قهوة عليه رسالة تحفيزية، فكوبي مكتوب عليه "كل يوم تولد معجزة"، ويمكنك أن تفعل أكثر من ذلك أيضاً، فالأشياء الجميلة لا تأتي بسهولة، وحين تسوء الأمور، فنحن غالباً ما نسلك الطريق الأسهل مع أنَّه يقودنا في الاتجاه الخاطئ.
وللتغلُّب على هذا الأمر، أكتبُ رسائل تذكير واقعية تمنعني من التصرف وفقاً لهفواتي الضعيفة، على سبيل المثال، خلفية سطح المكتب في حاسوبي هي صورة عائلتي لأنَّني أحب النظر إليها، وحين يصعب عليَّ العمل حقاً فهي تذكرني بالأشخاص الذين أعمل من أجلهم في النهاية.
لست الوحيد الذي يتبع هذه الاستراتيجية الناجحة، فقد سدَّد صديقي ما يقارب الـ 100 ألف دولار من الديون في السنوات الخمس الماضية، ولديه نسخة من رصيد بطاقته الائتمانية على شاشة حاسوبه؛ فهي بمكانة تذكير دائم له بالديون التي ما يزال عليه سدادها، وتحتفظ صديقتي بصورة لنفسها حين كانت بدينة على ثلاجتها، تذكيراً لها حتى لا تعود إلى ما كانت عليه.
فكِّر في اللحظات التي قد تستسلم فيها للنزوات التي تعوقك وتبعدك عن أهدافك النهائية، ثمَّ استخدم التذكيرات المرئية لتلك الأهداف لقمع نزواتك وبناء الدافع الذي يبقيك على المسار الصحيح.
2. الزمن الفاصل بين الأشياء التي تقوم بها لا يقل أهمية عن تلك الأشياء:
التوقف لفترة وجيزة لحل الفوضى والانشغال يمكن أن يفيدك في استعادة وقتك الثمين وراحة بالك، كما يتيح لك أيضاً الاستراحة من أعمالك المعتادة لتتمكَّن من البدء من جديد وفي اتجاه جديد عند الحاجة، ولكن عليك أن تترك وقتاً كافياً في جدولك للقيام بذلك، فمن المغري إشغال نفسك في كل دقيقة في اليوم، لكن لا تفعل ذلك، واترك مساحة صغيرة لنفسك بين كل التزام، وخذ استراحة للتنفس والتأمل، أو قم بنزهة قصيرة، أو اشرب كوباً من الماء، أو قم ببعض تمارين التمدد البسيطة، قدِّر هذه المساحة، وتصرَّف على سجيتك.
إنَّ هدفك النهائي هو أن تعيش حياة تخلو من الزحمة والمشتتات التي يملأ الآخرون حياتهم بها، ممَّا يترك لك مساحة لما يهم بالفعل، وأن تعيش حياة تخلو من الانشغال الدائم والتسرع والمقاومة، ومليئة بالتفكير الواعي والابتكار والتواصل مع الناس والمشاريع التي تحبها حقاً.
3. تسجيل اليوميات أداة ثمينة للتأمل وتحسين الذات:
تحتفظ الكاتبة "ج. ك. رولينج" (J.K. Rowling) بدفتر يوميات، والمغنِّي "إيمينيم" (Eminem) يحتفظ بواحدٍ، والإعلامية الشهيرة "أوبرا وينفري" (Oprah Winfrey) أيضاً، فجميع الناجحين الذين يتغيَّرون باستمرار نحو الأفضل في حياتهم يتتبَّعون تقدمهم، ويضعون أهدافهم، ويتفكَّرون، ويتعلَّمون من أخطائهم، وغالباً ما يستخدمون أحد أشكال تدوين اليوميات ليحققوا ذلك.
إن أردت الوصول إلى مكان ما في الحياة، فأنت تحتاج إلى خريطة، ومذكراتك هي تلك الخريطة؛ إذ تدوِّن فيها ما فعلته اليوم، وما حاولت تحقيقه، وفي أي ناحية أخطأت، وما إلى ذلك، فهي مكان للتفكير، وتصوير الأفكار الهامَّة، كما أنَّها مكان يسمح لك بتتبُّع مكانك السابق وحيث تنوي الوصول، وهي من الأدوات الأقل استخداماً والمتاحة للجميع، إلا أنَّها فعَّالة جداً.
خَصِّص ربع ساعةٍ في اليوم للتفكير والكتابة، فعندما بدَأتُ كتابة اليوميات لأول مرة، اضطررت إلى الاستيقاظ مبكراً لأنجز الأمر، ففي الساعة السادسة صباحاً أخذت أحدِّق في الصفحة البيضاء الناصعة وقهوتي الصباحية المحفزة في يدي، وبدأت أدوِّن أحلامي، والأشياء التي لطالما أردت فعلها، والأفكار التي لطالما أردت استكشافها، وأماكن لطالما أردت زيارتها مع عائلتي، وغيرها الكثير، ثمَّ ركَّزت على الحاضر بكتابة المهام التي أردت إتمامها، والأفكار التجارية التي أردت تنفيذها، والمقالات التي أردت كتابتها في مدونتي، وغيرها من الأهداف التي أريد تحقيقها في أقرب وقت ممكن وعلى الأمد القريب.
ما زلت أكتب يومياتي كل صباح تقريباً حتى هذا اليوم؛ إذ تساعدني مراجعة ملاحظاتي في نهاية اليوم أو الأسبوع أو الشهر دائماً على الشعور بالإيجابية تجاه جميع الفرص المتاحة لي لاستكشافها وتحقيقها.
4. العلاقات غير السليمة تدفعك للوراء، في حين تدفعك السليمة منها إلى الأمام:
عندما تمرُّ بمرحلة تغيير هامَّة في حياتك، يجب أن يكون لديك عائلة وأصدقاء مقرَّبون يوفِّرون لك الدعم والتفهم، بحيث لا يتركون مجالاً للسلبية غير الضرورية، فهي كمرحلة انتقالية في المخاض عند المرأة، تلك المرحلة الأخيرة قبل أن تنجب طفلها الرضيع، فلا يمكنها أن تتوقف لتحمل مشكلات الآخرين، أو الشعور بالذنب لعدم ردها على الرسائل، فهي تحتاج إلى حماية أفكارها ووقتها وطاقتها.
نطبق المبدأ نفسه عليك، فإن كنت في علاقة سامَّة تستنزفك وتتسبَّب في إحباطك باستمرار وتبقيك عالقاً، فتحرَّر منها لفترة، فقد لا يكون الشخص سيئاً بطبيعته، ولكنَّه ليس مناسباً لقضاء وقتك معه كل يوم.
تذكَّر، ليست كل العلاقات السامَّة مؤذية تسودها اللامبالاة بأسلوب مقصود، فبعضها يشمل أناساً يهتمون لأمرك ونواياهم حسنة تجاهك، ولكنَّهم مؤذون لأنَّ احتياجاتهم وطريقة حياتهم تجبرك على التنازل عن نفسك وعن سعادتك، وعلى الرَّغم من صعوبة الأمر، فعلينا أن نبتعد عنهم بما يكفي لنعطي أنفسنا مساحة لنعيش.
لا يمكنك أن تدمِّر نفسك ببساطة لمصلحة شخص آخر، عليك أن تجعل صحتك أولوية، سواء كان ذلك يعني قضاء وقت أقل مع أحدهم، أم حب أحد أفراد الأسرة عن بُعد، أم التخلي التام، أم الابتعاد مؤقتاً عن موقف مؤلم، فلديك كل الحق في المغادرة وإنشاء مساحة صحية لنفسك.
شاهد بالفيديو: 7 طرق لإحداث تغيير مذهل في حياتك بشكلٍ فوري
5. اتخاذ إجراءات متَّسقة وواقعية كل يوم يوفِّر لك الحرية:
حين يتعلَّق الأمر بإجراء تغيير جوهري في حياتك؛ كالحصول على شهادة جديدة، أو القيام بعمل جديد، أو تعزيز علاقة جديدة، أو تكوين أسرة، أو أن تصبح أكثر وعياً، أو أي رحلة شخصية أخرى تستغرق وقتاً والتزاماً فأهم سؤال عليك أن تطرحه على نفسك هو:
"هل أنا على استعداد لتخصيص بعض الوقت كل يوم بعكس الآخرين، حتى أتمكَّن من قضاء أفضل أيام حياتي كما لا يستطيع كثير منهم؟".
فكِّر في الأمر ملياً، فنحن نتحوَّل إلى شخص يشبه تصرفاتنا، واكتساب المعرفة لا يعني النمو، فالنمو يحدث عندما تُغَيِّر معرفتك طريقتك في الحياة، وتذكَّر أنَّ هذا التغيير لا يحصل دفعة واحدة، بل بالتدريج، وعندما يتعلَّق الأمر بالتغيير، فالبَرَكَةُ في القليل منه.
بعد أن تعافيت من الشعور بالضيق، جعلتني القدرة على التفكير بوضوح والتخطيط مرة أخرى أملأ يومياتي بالأفكار والكثير من المهام، ومع ذلك، تعلَّمت سريعاً أنَّه من غير الواقعي إنجاز 100 مهمة في اليوم؛ لذلك قلَّصت مهامي، وأجبرت نفسي على إعداد قائمة يومية لا تزيد عن ثلاثة أشياء أساسية لدفع نفسي إلى الأمام، وبدأت أشعر بالقوة بدلاً من الإرهاق؛ لأنَّني قمت بكل شيء بالتدريج وبخطوات صغيرة سهلة الإدارة.
في الختام:
إن شعرت بشيء مشابه لما ورد في هذا المقال، فتذكَّر أنَّك لست وحدك، فكلٌّ منَّا يعاني أحياناً من العادات والمعتقدات والسلوكات الخاطئة التي تبقينا نراوح في مكاننا لبعض الوقت، والحل هو الوعي، والتعرف إلى هذه الطاقات السلبية وإيقافها قبل أن تنال منك.
أضف تعليقاً