فيما يأتي مشهد من المسلسل الكوميدي "فولتي تاورز" (Fawlty Towers) يلخِّص طبيعة العلاقة بين البطلين:
نظر إليها بعينين يغمرهما اليأس، ثم سألها: "ماذا جرى لنا؟ لم تعد حياتنا هانئة، لقد كنا نضحك طوال الوقت في السابق!".
ردت عليه بازدراء: "أجل، لقد كنا نمرح ونضحك كثيراً، لكنَّنا لم نتشارك هذا المرح معاً".
يعني جوابها أنَّ كلَّاً منهما كان يمرح ويقضي أوقات طيبة وحده، لكنَّهما لم يتشاركا هذه اللحظات السعيدة معاً.
تم الترويج في الآونة الأخيرة لمفهوم تحقيق الذات والإنجازات الشخصية، وإعطائها الأولوية على حساب مصالح ومشاعر الآخرين، هذا الأمر الذي تسبب في شعور مزيد من الأفراد بالحزن والوحدة وعدم الرضى؛ لذلك تفشل الزيجات في العصر الحديث وتنهار بسرعة، ولم يعد يتمسك الأزواج ببعضهم كالسابق؛ بل إنَّهم يتخلون عن الشريك، ويبحثون عن بديل جديد، فقد باتت حياة الفرد في المجتمعات الحديثة تتمحور حول تحقيق السعادة الشخصية على حساب المسؤوليات والالتزامات تجاه الآخرين.
أهمية الزيجات الهانئة في تحسين صحة الأفراد:
يعتقد بعض الأفراد أنَّ الرغبة بالزواج والاستقرار تنم عن تخلف التفكير، ولكن أثبتت الأبحاث العلمية أنَّ الزيجات الطويلة تساهم في زيادة سعادة الأفراد، كما بيَّنت الدراسات الإحصائية أنَّ الإنسان المتزوج أكثر سعادة، وأطول عمراً من نظيره العازب.
لقد تم تحديد أسباب فشل الزيجات ومقومات نجاحها والتصرفات التي يجب تجنبها لعيش حياة زوجية هانئة، إضافة إلى الأفعال، والسلوكات الضرورية لبناء زواج سوي وسعيد.
تتعرض الزيجات السعيدة لبعض الصعوبات، لكنَّها تستمر بفضل غياب الأنانية، أو السعي إلى تحقيق الأهداف الشخصية، والتركيز على الحياة التشاركية، فال يوجد زواج مثالي، ولكن يوجد عدد كبير من الزيجات السعيدة التي تستمر رغم الصعوبات.
5 طرائق لعيش حياة زوجية سعيدة:
فيما يأتي 5 طرائق لعيش حياة زوجية سعيدة:
أولاً: الاستعداد لقبول عيوب الشريك ومواجهة تحديات العلاقة
يجب عليك أن تكون مستعداً لقبول عيوب شريكك التي تظهر بعد الزواج، فتمنع لهفة وشغف البدايات الفرد من إدراك عيوب شريكه الذي يبدو مثالياً بالنسبة إليه في بداية التعارف، ثم ما تلبث أن تختفي هذه الغشاوة، ويظهر كل من الزوجين على حقيقته بكل ما فيه من عيوب.
يتطلب استمرار الزواج بعد بلوغ هذه المرحلة قبول العيوب والنقائص الشخصية وتجاوزها، فلا يوجد إنسان كامل، ولا ينجح الزواج من تلقاء نفسه، وإنَّما يجب على الطرفين أن يعملا بجد لتسوية الأمور بينهما، فتنجم خيبة الأمل عندما يتوقع الفرد أن يكون زواجه مثالياً دون أن يبذل أي مجهود يُذكَر؛ لذا يجب عليك أن تتقبل شريكك كما هو، وتعده مثالياً على الرغم من العيوب التي لديه، وتضع في حسبانك أنَّه ليس ثمة إنسان كامل.
ثانياً: تجنُّب العوامل الرئيسة المسببة لفشل الزيجات
تتفاوت شدة الخلافات وعددها من علاقة إلى أخرى، فثمة أزواج يتجادلون طوال الوقت، في حين تندر الخلافات في بعض العلاقات الأخرى؛ لكنَّها تكون مؤذية للغاية عندما تحدث.
يحدد أسلوب تعامل الزوجين مع الخلافات مدى نجاح الزواج واستمراريته، ويحدد عالم النفس الأمريكي "جون غوتمان" (John Gottman) ديمومة العلاقة عبر الإصغاء إلى أول 5 دقائق من نقاشات الزوجين.
لقد حدد "غوتمان" 4 عوامل رئيسة تتسبب في فشل الزيجات، وقد أطلق عليها اسم "4 مسببات لنهاية العالم" (Four Riders of the Apocalypse)، وهي تتلخص على الشكل الآتي:
شاهد بالفديو: 10 أسرار تضمن لك السعادة في زواجك
1. التحقير:
يشمل التحقير إطلاق الشتائم على الشريك وإهانته بالأقوال والتصرفات باستخدام إشارات لغة الجسد أو إيماءات الوجه، وقد اكتشف "غوتمان"، وزملاؤه الباحثون أنَّ العلاقة تدخل في طور الانهيار عندما تسيطر الإهانات على المرحلة الأولية لخلافات الزوجين، كما بيَّنت نتائج الدراسة تزايد احتمالات طلاق المرأة بمقدار 6 أضعاف في غضون سنتين على الأكثر عندما تعمد إلى استحقار زوجها باستمرار عندما يتحدث إليها.
2. السلوك الدفاعي:
"لماذا تنظر إليَّ بهذه الطريقة؟ لا تزعجني! ما هي مشكلتك معي؟"؛ تنم هذه العبارات عن شعور الفرد بأنَّه يحتاج إلى الدفاع عن نفسه.
يعد الموقف الدفاعي من أهم المؤشرات الدالة على انهيار العلاقة في المستقبل القريب، وعندما يبدأ أحد الزوجين بالصراخ ويتصرف كما لو أنَّه يتعرض للتهديد، أو الهجوم كلما طرح الطرف الآخر مسألة ما؛ فهذا يدل على تأزُّم الزواج، ولا سيما عندما يسيطر رد الفعل هذا على جميع عمليات التفاعل والتواصل بين الزوجين، فيؤدي السلوك الدفاعي إلى تدنِّي مستوى التواصل والألفة بين الزوجين.
3. توجيه الانتقادات:
يُحدِث الانتقاد أضراراً لا تُحمَد عقباها في العلاقة، وقد يتعذر إصلاحها بعد ذلك، فلا بأس بأن تصارح الشريك عندما يبدر منه تصرف يزعجك، لكنَّك يجب أن تتجنب النقد اللاذع الذي يدمر العلاقة.
يهاجم الانتقاد كامل شخصية الفرد حتى لو كان غير مقصود في بعض الأحيان، في حين تستهدف الشكوى سلوكات معينة، ومن أمثلة الانتقاد: "يا لك من كسول!"، وهو يعني أنَّ الكسل صفة ثابتة وراسخة في شخصية الفرد، في حين تكون الشكوى على الشكل الآتي: "ألا تعتقد أنَّك تكاسلت قليلاً اليوم؟ أنت لست على سجيتك اليوم!"، فنلاحظ أنَّ هذه الشكوى محددة زمنياً وتستهدف سلوكاً بعينه.
يعتقد بعض الأزواج أنَّ انتقاد عيوب وأخطاء الشريك يساهم في تحسين شخصيته، ومن ثم تكون النتائج وخيمة وكارثية في مثل هذه الحالة على الرغم من أنَّ نية المنتقد بالأساس طيِّبة، لذا يسبب الانتقاد العلني شعور كل من الزوجين بالإهانة، في حين يؤدي تقدير الشريك والثناء عليه أمام الآخرين إلى تقوية العلاقة الزوجية، ويسود التقدير والود والاحترام والحب في الزيجات السعيدة؛ لهذا السبب يجب عليك أن تذكِّر شريكك بمواهبه وقدراته والجوانب التي تحبها وتعجبك فيه، فلا يشعر الإنسان بالراحة عندما يكون معرضاً للهجوم والانتقاد من قبل الشريك في كل لحظة.
4. الابتعاد أو التجنب:
يعد الابتعاد والتجنب العاطفي وتجاهل شكوى الشريك من مؤشرات انهيار العلاقة، فيتجنب الرجال التحدث عن المشكلات في العلاقة، في حين تُكثِر من النساء من الشكوى، والرجل أقل قدرة على مواجهة العواطف المحتدمة من النساء؛ لهذا السبب تراهم يميلون إلى سلوكات التجنب والهروب بشكل غريزي؛ بهدف تجنب المشاركة في الخلافات أو التعرض للعواطف الشديدة.
قد يتوقف الفرد عن الإصغاء لشريكه خلال المحادثات، وقد يبتعد عنه في نهاية المطاف ويحاول تجنبه قدر الإمكان، ومن ثم يصبح مستقبل العلاقة في خطر عندما يتجنب الفرد شريكه طوال الوقت، ويغفل عن الجوانب الإيجابية في العلاقة.
يحتاج الإنسان للانفراد بنفسه في بعض الأحيان، لكنَّ عدم الاستجابة للمسائل العاطفية بصورة مستمرة؛ يؤدي إلى شعور الشريك بالوحدة والحزن، وتصبح العلاقة مهددة بالانهيار عندما يتكرر أحد هذه العوامل بصورة مستمرة في أثناء الخلافات.
ثالثاً: معرفة الموضوعات التي يجب تجنُّبها
يميل الأزواج الأصغر سناً إلى الانفتاح والحديث عن كافة مشكلاتهم وتجاربهم وحياتهم الشخصية.
تشير الدراسات التي تم إجراؤها على الزيجات السعيدة التي استمرت لفترة زمنية طويلة أنَّ الأزواج في هذه الحالة لا يصغون إلى الطرف الآخر باهتمام عند التعبير عن العواطف السلبية، كما أنَّهم يميلون لتجاهل مشاعرهم الخاصة تجاه العلاقة ما لم يكن الوضع متأزماً ويحتاج إلى اتخاذ قرار ما.
هذا يعني أنَّ الانفتاح، والإفصاح عن كافة المسائل والمشكلات، والمبالغة في مناقشة تفاصيل العلاقة لا يساهم على استمراريتها، ويتطلب نجاح الزواج قبول اختلاف وجهات النظر والآراء، وتجنُّب الموضوعات التي تثير المشكلات والخلافات بين الزوجين.
تقتضي إحدى السمات الرئيسة للعلاقات المستقرة والناجحة أن يقوم الزوجان بتغيير موضوع الحديث حالما ينتهي نقاش موضوع الخلاف، فيساهم هذا التغيير السريع في مجرى الحديث في الحد من العواطف السلبية والمبالغة في تحليل النقاش؛ وهو يعني أنَّ اختلاف وجهات النظر لا يجب أن تؤثر في العلاقة.
ينبغي أن تكون الخلافات مجرد حوادث ومواقف مؤقتة، دون أن تستمر لوقت طويل؛ لذا تذكَّر أنَّ المرح والمتعة ضروريان لنجاح العلاقة.
رابعاً: ضبط التفاعلات والمواقف السلبية بين الزوجين ضمن حد معيَّن
تبلغ نسبة التفاعلات والمواقف السلبية إلى نظيرتها الإيجابية حوالي 1/5 في الزيجات المستقرة وفقاً لأبحاث عالم النفس "غوتمان"، فتشمل التفاعلات الطيِّبة عناق الشريك أو قضاء بعض الوقت معه أو مناقشة موضوع شيِّق، في حين تشمل التفاعلات السلبية الخلافات واختلاف وجهات النظر وتخييب أمل الشريك، لذا عليك أن تبذل جهدك في الحفاظ على النسبة آنفة الذكر.
خامساً: معرفة كافة تفاصيل حياة الشريك
ثمة برنامج تلفزيوني قديم يدعى "السيد والسيدة" (Mr. and Mrs.)، فقد كان المضيف يطرح على الفرد أسئلة عن حياة شريكه، والأشياء التي يحبها من قبيل: "أين تود أن تسافر زوجتك؟"، أو "ما هو المشروب التي يطلبه زوجك في المطعم في العادة؟".
كان البرنامج يهدف إلى تقييم العلاقة بين الزوجين، بحيث تتناسب قوة العلاقة طرداً مع عدد الأجوبة الصحيحة.
يجب معرفة طموحات الشريك والأشياء التي يحبها والأشخاص الذين يبغضهم، وما إلى ذلك؛ لأنَّ العلاقة الزوجية تصبح أقوى عند معرفة كافة تفاصيل حياة الشريك الشخصية والعامة، مع الحرص على منحه بعض الخصوصية؛ أي باختصار يجب عليك أن تهتم بمعرفة كافة تفاصيل شريك حياتك حتى تصبح علاقتكما قوية، ويستمر الزواج.
إقرأ أيضاً: هل الزواج عامل وقاية من الوحدة؟ وكيف يمكن أن تستمتع بوحدتك؟
في الختام:
يعيش الإنسان في رضى، وقناعة عندما يكون زواجه سعيداً وهانئاً؛ لذا يُفضَّل أن يقرأ الزوجان الطرائق الواردة في المقال حتى يدركا مقومات الزواج الناجح ومسببات انهياره، ويتسنى لهما عيش حياة زوجية هانئة.
أضف تعليقاً