يفشل كلا الزوجين في إجراء حوار واعٍ وناضج، فما يلبث أحدهما أن يخوض في مناقشة فكرة معينة حتى يتشعب الموضوع ويأخذ أبعاداً مختلفة تماماً، ويتنافس كلاهما على إلقاء التهم على الآخر، لينتهي النقاش بجدال يفضي بدوره إلى مصيبة، وقد يصل بهما إلى الطلاق.
لا يدري كلا الزوجين مسؤولية وجدية الزواج، فهو مؤسسة قائمة على العمل والسعي والجهد، وليس حياة وردية وغراميات ورومنسيات على الدوام؛ لذا على كليهما تعلم فن الحوار من أجل ضمان استمرارية الحب والدفء الأسري، فالمنزل الذي لا يحتوي على حوار وتبادل للأفكار والآراء منزل خالٍ من العاطفة والتوازن النفسي.
تبدأ مشكلة غياب الحوار بين الشريكين من النظرة الأحادية القاصرة، حيث ينظر كل شريك إلى الأمر من زاويته الخاصة دون محاولة وضع نفسه في مكان الطرف الآخر؛ كما يعدُّ الوقوع في فخ التعميم السلبي من الأسباب القوية لإشعال النار بين الطرفين في أثناء الحوار، حيث تميل بعض النساء مثلاً إلى وضع إشارة حمراء كبيرة على كامل شخصية الزوج من جراء ارتكابه خطأ في ناحية معينة؛ كما قد يؤدي غياب الوعي وضعف دراسة الخصائص النفسية المختلفة بين الجنسين إلى الكثير من مشكلات التواصل بين الشريكين.
عندما نعيش في مجتمع يناصر مَن يناصره ويُعادِي مَن يعاديه؛ يتولد لدى أفراده حالة من عدم تقبل اختلاف الآخرين عنه؛ فقد تعلموا أنَّ التشابه هو السائد والمقبول فقط، ولم يدركوا أنَّ الاختلاف هو ما يُولِّد الإبداع والآفاق الواسعة والنظرة الأكثر عمقاً؛ فتبدأ من هنا كل المشكلات؛ فعندما لا يعترف كلٌّ من الشريكين بحق الآخر في الاختلاف عنه والتعبير عن رأيه بمنتهى الوضوح، يعمل جاهداً على إسكات صوته ومقاطعة أفكاره أو الاستهزاء بها والتقليل من شأنها؛ فهو لا يقدر قيمة الأفكار، ولا يحترم حق الإنسان في التعبير عن ذاته، ويجد قوته وعظمته في إحراج الآخر والنيل من شخصه، ولا يدري أنَّ الحوار الناجح قائم على الإصغاء الجاد، ولا يعترف بتقنية الرد المناسبة؛ فالحياة قائمة على الأسلوب، فإن انتبه كلا الزوجين إلى أسلوبهما وطريقة طرحهما لأفكارهما، لن تكون هناك أي مشكلة زوجية.
شاهد بالفيديو: 10 نصائح لكي تجعلي زوجك يستمع إليك
أنتِ البداية والأصل:
لأنَّكِ المربية الفاضلة، والأم الرائعة، والزوجة الصالحة، والأنثى الرقيقة، والمرأة الواضحة والقوية والواثقة، والطفلة البريئة والصادقة، ولأنَّ نجاح أي زواج قائم عليكِ أولاً؛ سنوجه الكلام إليكِ خلال هذا المقال؛ ذلك لأنَّ حل أي أمر يبدأ بكِ، حيث إنَّ طاقتكِ الأنثوية طاقة قوية وجبارة جداً، ولأنَّ الزوج والأولاد يسكنون إليكِ؛ لذا تستحقين الأفضل دوماً، ولكي نصل إلى الأفضل، علينا أن ننتبه إلى تفاصيل قد تغيب عنك بفعل مقتضيات الحياة وتحدياتها وضغوطاتها؛ فكم من متعة وسعادة وبهجة تضيع منا من جراء ثغرات بسيطة كان لزاماً علينا اكتشافها والتعامل الجيد معها للوصول إلى جودة الحياة التي نستحقها؟
ما هي الأسباب الكامنة وراء هروب زوجك من النقاش معكِ؟
1. الجدية:
اسألي نفسكِ: "هل أنتِ امرأة جدية أم مرحة؟"، "هل تعيشين لحظات السعادة بكامل ألقها ورونقها، أم أنَّك تقتلين اللحظة وتشوهين الفرح؟".
إن كنت من الشخصيات الجدية التي تميل إلى النكد، فلن يرغب زوجك في النقاش معك؛ ذلك لأنَّ الرجل يحب مَن تضفي بهجةً ومرحاً على حواراتها، ويبتعد عمَّن تعتمد الجمود والرتابة في حديثها طوال الوقت كما لو أنَّها في محاضرة جامعية.
2. عدم الوعي بالخصائص النفسية لدى كلٍّ من الجنسين:
يأتي الزوج إلى المنزل بعد يوم كامل من العمل المرهِق، والاجتماعات مع رجال الأعمال، ومحاولة إيجاد حلول لعدم رضا موظفي شركته؛ ويتوقع أن يجد الراحة والهدوء في المنزل؛ لكن من جهة أخرى، تنتظر المرأة عودة زوجها بعد قضائها يوماً متعباً مع الأولاد وفي عمل المنزل كي تتكلم معه وتفضفض له وتشاركه تفاصيل يومها؛ فتبدأ هنا المشكلات، حيث يميل الرجل إلى الصمت بعد عودته من العمل كنوعٍ من الراحة، وتقتضي طبيعته السيكولوجية ذلك، فهو مفطور على الكلام عند الحاجة فقط؛ في حين أنَّ الأنثى مفطورة على التفاعل والمشاركة والكلام والتواصل، وترغب في التعبير عن نفسها في كل الأوقات.
يؤدي عدم وعي الأنثى بطبيعة الرجل إلى خلق الكثير من المشكلات، حيث تعدُّ صمت الرجل بمثابة عدم اهتمام بها وعدم رغبة في مشاركتها تفاصيله، الأمر الذي يجعلها تثور عليه وتتهمه باللامبالاة والتقصير.
من جهة أخرى، تقرأ المرأة الذكية وتبحث في سيكولوجية الرجل وتدرك مفاتيح التعامل معه، فعلى سبيل المثال: تُدرِك الأنثى القارئة ميل الرجل إلى العزلة في أوقات حدوث مشكلات معه؛ ذلك لأنَّه يحتاج إلى التفكير والتأمل ريثما يجد حلاً للمشكلة، فتدعه وشأنه وتحترم خصوصيته ولا تضيِّع وقتها في الحكم عليه أحكاماً سلبية؛ لذلك على الأنثى اختيار الوقت المناسب للنقاش مع زوجها، مراعية خصائصه النفسية وميله إلى قلة الكلام.
لن يرغب الرجل في النقاش معكِ إن كنتِ دائمة الانتقاد له، فإن كنت تركزين طوال حديثك معه على سلبياته دون التطرق إلى إيجابياته، الأمر الذي يشعره بأنَّه ليس مصدر أمان وثقة بالنسبة إليك؛ سيتسبب ذلك بنفوره من الحوار معك.
كما أنَّ الرجل لن يشعر برغبتك في الكلام والفضفضة إن لم تطلبي منه هذا بطريقة مباشرة؛ فلا تتوقعي أن يشعر بما يعتلج داخلك من نظرة عينيك، فهو ليس كائناً حساساً للمشاعر مثلك؛ لذلك عليكِ أن ترسلي إليه رغبتك في الجلوس والحوار معه، كأن تقولي له بطريقة ذكية ومحببة: "لقد اشتقت إلى جلساتنا وحوارتنا، هل لي بالحصول على حوار مفعم بالطاقة هذا المساء، فهناك أمر هام أود إخبارك إياه؟"
كوني حنونة ورقيقة، ولكن أيضاً قوية الشخصية، بحيث لا تدخل حقوقك ضمن مجال النقاش أبداً.
يوفر بناء المرأة لحدودها ومساحتها الخاصة الكثير من الوقت المهدور على جدالات تخص أموراً محسومة تماماً، فعلى سبيل المثال: إن كنت ترغبين في العمل، فهذه رغبة مشروعة لك، وأمر لا يُناقَش لكونه حقاً من حقوقك؛ ولكن بطبيعة الحال، يجب مناقشة مواضيع كهذه في فترة الخطوبة من أجل منع حصول أي أمور غير حميدة مستقبلاً.
يعدُّ حب السيطرة والتملك من الخصائص النفسية للرجل في حال توفر الظرف المناسب له؛ أي أنَّ الأمر متعلق بكِ، فإن تنازلتِ عن مساحتك وحقوقك، فلا تأتي وتشتكي من تسلط زوجك عليك وعدم محاورته لك.
إن كنتِ في حوار محتدم مع زوجك ومن ثم جاءته مكالمة هاتفية من صديقه، وأجاب عليها بمنتهى اللطافة، في حين أنَّه كان حاداً معك منذ دقائق؛ فلا يعني هذا أنَّه لا يحبك ولا يهتم بأمرك، بل يعني أنَّ عقل الرجل صندوقي، ويتعامل مع كل مسألة على حدة، ولا يخلط بين مسألة وأخرى؛ فهو تعامل مع صديقه بلطافة لأنَّه حالة منفصلة عن المسألة التي كانت قائمة بينكِ وبينه.
3. عدم الإصغاء الجيد:
من أكثر المهارات الغائبة بين الشريكين هي مهارة الإصغاء الجيد، حيث يميل كل شريك إلى إثبات وجهة نظره فحسب، دون الإصغاء إلى وجهة نظر الآخر.
يجب على كلٍّ من الزوجين في حال رغبتهما في بناء حوار ناجح فيما بينهما إعطاء الطرف الآخر الفرصة لإبداء فكرته مع الإصغاء إلى كل كلمة يقولها دون أي مقاطعة، والانتباه إلى لغة الجسد في أثناء الحوار، كأن يومئ الطرف الأول برأسه للطرف المقابل إشارة إلى أنَّه منفتح على الحوار معه بغض النظر عن قبوله لفكرته أو لا؛ وإضافة إلى الانتباه إلى نبرة الصوت، يجب المحافظة على نبرة صوت متوسطة في أثناء الحوار، حيث يُعطِي الصوت العالي انطباعاً بالعدائية ورفض الآخر.
4. ضياع السبب الأساسي للحوار:
يضيع الهدف الأساسي من الحوار في أغلب النقاشات الزوجية، بحيث يتطرق كلٌّ من الشريكين إلى مواضيع أخرى بعيدة كل البعد عن الموضوع الرئيس، غارقين في الاتهامات واللوم والانتقادات، الأمر الذي يجعل النقاش عقيماً؛ فعلى سبيل المثال: إذا انفعل زوجكِ وتشبث برأيه في أثناء حواركما عن موضوع له علاقة بطفلكما، ومن ثم بدأ إلقاء التهم عليك وبعثرة الموضوع إلى اتجاهات كثيرة غير مجدية من شأنها أن تستفزك وتُقلقكِ؛ فلا يجوز هنا أن تفقدي أعصابك وتنحرفي عن الهدف الرئيس للحوار، بل يجب عليكِ إدارة الحوار من جديد وبذكاء شديد.
5. التعميم السلبي:
تُخطِئ الكثير من النساء عندما تُحوِّل زوجها إلى إنسان سيئ تماماً من جراء تصرف سلبي واحد قام به، حيث تفقد السيطرة على أعصابها في لحظة احتدام النقاش حول تصرف ما قام به الزوج، وتستحضر فجأة شريط الذكريات السلبية، بحيث تبدأ تعداد كل التصرفات السلبية التي قام بها من لحظة معرفته بها، الأمر الذي يجعل الأمور تزداد سوءاً.
ينفر الزوج من النقاش مع زوجته مستقبلاً من جراء هذا الخطأ الفادح؛ لذا يجب على الأنثى أن تحترم اعتراف زوجها بالخطأ وتُقدِّر له هذه النقطة؛ وفي حال عدم اعترافه، عليها أن تُوصِل انتقادها له بأسلوب ذكي ولطيف وراقٍ، بحيث تبدأ معه بالكلام الإيجابي، وتطرح بعد ذلك تعليقها على سلوكه.
يجب الانتباه هنا إلى ضرورة ربط التعليق السلبي بسلوك الشخص وليس بالشخص نفسه، ومن ثم اختتام الحديث بجملة إيجابية.
6. إثارة المواضيع التي لا تهم الرجل:
اعلمي أنَّ الرجل انتقائي في المواضيع التي يحب الحديث والحوار فيها، لذلك عليكِ البحث عن اهتماماته ثم الدخول في النقاش معه من خلالها، كما عليك استخدام عنصر التشويق لشد الرجل إلى حديثك.
بعد أن تكوني قد نجحتي في جذبه وشد انتباهه، تستطيعين مناقشته فيما ترغبين فيه، لكن بشرط ألَّا تسترسلي في الحديث وكأنَّك تتحدثين مع ذاتك، بل عليكِ أخذ استراحات لكي تحافظي على التفاعل بينك وبينه، بحيث يستطيع أن يقدم لك رأيه وأفكاره إلى جانب استمتاعه بالحوار.
7. عدم تقبل اختلاف الآخر:
تعدُّ عدم القدرة على تقبل اختلاف الآخر من الأسباب الأساسية التي تمنع الحوار الناجح بين الزوجين، بحيث يرغب كل من الطرفين في جعل الآخر مشابهاً له تماماً؛ إذ يُغلَق باب الاستفادة والإبداع والفرص والآفاق والتطور والارتقاء إن كان الإنسان متعصباً لآرائه وأفكاره، ومتشبثاً بقناعاته، ولا يقبل أي نقاش يختلف عمَّا يؤمن به.
يخطو الزوجان خطوات سليمة في حال تحليا بالمرونة والانفتاح، فكل شخص في العالم له أفكاره وقيمه ومعتقداته، وبما أنَّ كلَّاً منهما قد اختار الزواج من الآخر، فيعني هذا أنَّ الأرضية الأساسية للتوافق محققة، ولا يبقى إلَّا اكتساب المرونة لتقبل النقاش في أي موضوع، وطرح الأفكار أيَّاً كانت للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة تُرضِي الطرفين وتحترم رغباتهما وحقوقهما.
8. المقارنات:
إن كنتِ تقارنين زوجك مع غيره من الرجال، وتستغلين كل فرصة للنقاش معه لكي تثبتي له نقاط ضعفه بالمقارنة مع الآخرين وقلة حيلته وسوء سلوكاته؛ لن يرغب زوجك في إعادة النقاش معك مرة أخرى، وستبنين حاجزاً كبيراً بينك وبينه؛ ذلك لأنَّه سيجد نفسه أمام شخص لم يعد يثق به ويحترف تحطيم معنوياته والنيل من قيمته؛ لذلك كان لزاماً عليكِ أن تشجعي زوجك وتقوي ثقته بنفسه بحيث يبادر إلى التصرفات الإيجابية من تلقاء ذاته.
الخلاصة:
أنتِ عماد العلاقة الزوجية، وأنتِ طاقة السلام والاحتواء والسكينة؛ لذلك اسعي إلى بناء علاقة سليمة نفسياً، ومليئة بالحوار والنقاش البناء، وهادفة إلى زيادة الوعي والارتقاء؛ فهذا ما يليقُ بكِ وبعظمتك.
أضف تعليقاً