بصرف النظر عن الظروف الاجتماعية الخانقة التي تعدُّ مُسبِّباً رئيساً من مُسبِّبات الطلاق، فإنَّ افتقار المُقدِمين على الزواج إلى المفاهيم الأساسية في الشراكة والعشرة، وجهلهم بأصول التعامل مع المؤسسة الزوجية، هو السبب الجوهري في زعزعة كيان الأسرة، وانهياره فيما بعد، وانطلاقاً من ضرورة الحفاظ على تماسك النواة الأساسية للمجتمع، وأهمية نشر الوعي بأصول التصرف تحت سقف المؤسسة الزوجية، نستند إلى تعاليم الدين الإسلامي، ونتخذ منها مرجعاً لاستخلاص أسس الزواج الناجح في الإسلام، لنقدِّمها لكم في هذا المقال الآتي.
أسس الزواج الناجح في الإسلام:
يؤمن الدين الإسلامي بأهمية الزواج في حياة الإنسان، ويحثُّ عليه بوصفه وسيلة لتحصين الفرج، وبناء المجتمع، فالزواج من وجهة نظره هو الطريقة الوحيدة لتلبية الرغبة الجسدية، وإنجاب الأطفال الذين سيكونون فيما بعد بناة المجتمع وأعضاءه الفاعلين، ولأنَّ الدين الإسلامي مُدرِكٌ لعظمة الدور الذي تقوم به الأسرة _ والتي يعدُّها اللبنة الأساسية في المجتمع الذي يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها _ فقد جعل للزواج أُسساً يُبنى عليها، تضمن هذه الأسس استقراره وأمانه، لينعكس هذا التماسك على المجتمع بأكمله، ومن أهم أسس الزواج الناجح في الإسلام نذكر ما يأتي:
1. المودة:
زرع الله سبحانه وتعالى المودة في قلوب البشر، وجعل منها أهم أساس من أسس الزواج الناجح في الإسلام، فهو الذي قال في كتابه العزيز ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم، 21]، وتأتي أهمية المودة من كونها الدافع الذي يعين أي شريكين على تخطِّي مصاعب الحياة، وتجاوز أزماتها، فحبل الوداد الذي لا ينقطع هو السبب في صون مؤسسة الزواج من جميع الرياح التي تعصف بها، كما أنَّ سواد المودة بين الزوجين يجعل جو الأسرة آمنا دافئاً.
هذا يتيح للأبناء فرصة النمو في جوٍّ يسوده الحب، فينشؤون مُشبعي الاحتياجات العاطفية والنفسية، أمَّا غياب المودة بين الزوجين، فهو يجعل الشريك كأي إنسان آخر لا تربط الآخر به أيَّة عواطف، وهذا ما يصعِّب على الشريك تقبُّل زلات شريكه وغفر أخطائه.
2. الرحمة:
الرحمة أيضاً من أُسس الزواج الناجح في الإسلام، وقد ذكرها الله تعالى بعد المودة، والرحمة تعني الشفقة والتعاطف، فلا يُكلِّف الزوج زوجته بما ليس لها طاقة به، ولا تطلب الزوجة من زوجها ما يفوق مقدرته ولا يستطيع احتماله، فالرحمة تقتضي الوقوف إلى جانب الآخر في أزماته، وعدم زيادة العبء عليه، ومساعدته والتعاطف معه بكل الأشكال الممكنة، فإذا ما مرَّ الزوج بأزمة مادية مثلاً كان من واجب الزوجة أن تقف إلى جانبه في محنته، وتساعده بالطبطبة، والدعوة إلى الصبر، وبث الأمل، أو بالعمل لمساندته في مصاريف الأسرة إذا استطاعت ذلك، وإذا ما أُصيبت الزوجة بمرض مثلاً، فإنَّ الرحمة تملي على الزوج تقدير وضعها، ومساعدتها بجميع الأشكال الممكنة، فغياب الرحمة بين الزوجين هو الذي يدفع الزوجات للتخلي عن أزواجهن في ضوائقهم المادية، وهو الذي يدفع الأزواج نحو استبدال زوجاتهنَّ إذا ما خانتهن صحتهنَّ الجسدية.
شاهد بالفيديو: 7 أشياء أتمنى لو أنَّني عرفتُها قبل الزواج
3. الاحترام:
يعدُّ الاحترام أهم أسس الزواج الناجح في الإسلام، وهو السِّمة التي تنقذ الزواج حتى في غياب مشاعر المودة، أو تواريها لسبب أو لآخر، وينطوي الاحترام على تقدير كينونة الشريك وآرائه وشخصه، ويظهر في التصرفات بصورة جليَّة وواضحة، فالاحترام هو الذي يدفع الزوجين للتكلم بصوت خفيض حتى في أثناء احتدام المواقف، وهو الذي يمنعهما من التلفظ بالشتائم في المجادلات، وهو الذي يدفع كل منهما إلى إكرام ذوي الآخر والترحيب بهم.
الاحترام أيضاً أن يلقي الزوجان التحية على بعضهما في الصباح وعند أي لقاء، والدعاء بالسلامة والتوفيق عند الخروج من البيت، وهو الشكر على أداء الواجبات مهما كانت بسيطة، وهو الاعتذار عن الأخطاء التي قد يتعرض أي شخص للقيام بها، وطرق الباب المغلق قبل الدخول، وهو أيضاً الصمت في المواقف التي يكون الكلام فيها غير مجدٍ، كما أنَّ تعامل الزوجين باحترام مع بعضهما بعضاً يورِّث أبناءهما هذه الصفة، ممَّا يساهم في إنشاء مجتمع مبني على التقدير والاحترام.
4. السكينة والطمأنينة:
في الآية الكريمة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة الروم 21]، جعل الله سبحانه وتعالى السكينة سبباً للزواج؛ وبذلك تكون واحدة من أسس الزواج الناجح في الإسلام، والسكينة تعني الاطمئنان للشريك، فهو الذي سيرافق الإنسان في رحلة حياته كاملة، فكيف يعيش الإنسان مع شخص لا يثق به ولا يأمن جانبه؟ كيف سيكون شكل المؤسسة الزوجية التي لا يسكن فيها الزوج لزوجته ويثق بها ويؤمنها على ماله وعرضه؟ وكيف ستطمئن الزوجة لزوجها الذي يعنِّفها ويضربها ويهينها؟ فالسكينة بين الزوجين تعني سعي كل منهما إلى تحقيق متطلَّبات الأمن والأمان النفسي للآخر، وهي السبب الذي يجعل البيت ملجأ لساكنيه من متاعب الحياة ومخاوفها، ومصدراً للسكينة والطمأنينة.
5. الاعتراف بمجهود الآخر:
نذكر أيضاً من أسس الزواج الناجح في الإسلام الاعتراف بمجهود الآخر والجهد الذي يبذله من أجل سعادة الزواج واستقراره، ولا يكفي الاعتراف ضمنياً فقط؛ بل يجب التعبير للآخر عن ملاحظة تعبه وجهده، وشكره على كل ما يبذله في تحقيق الاستقرار لهذه المؤسسة، فالكلمة الطيبة صدقة، فكم من مشاعر الألفة التي ستتولَّد في نفس الزوج عندما تشكره زوجته على إحضار مستلزمات المنزل بعد عودته من العمل، وكم من مشاعر التقدير التي ستحسُّ بها الزوجة عندما يمدح زوجها طبقاً أعدَّته، أو موقفاً تربوياً أحسنت التصرف فيه مع الأبناء، مع أنَّ كل المسائل المذكورة تندرج ضمن الواجبات، لكنَّ العرفان والشكر يشجِّعان الإنسان على أداء واجباته بحب أكبر وعلى أكمل وجه.
6. تقديم الاهتمام:
تقديم الاهتمام هو أساس آخر من أسس الزواج الناجح في الإسلام، ويكون تقديم الاهتمام لفظياً وفعلياً، فعندما يشكو الزوج من صداع في رأسه قبل الذهاب إلى العمل وتتصل الزوجة به في أثناء عمله لتطمئنَّ عنه فهذا اهتمام، وعندما يحضر الزوج هدية لزوجته بمناسبة أو بغير مناسبة فهذا أيضاً اهتمام، وعندما تعدُّ الزوجة لزوجها مشروبه المفضَّل في أثناء انشغاله بمهمة ما فهذا وجه آخر للاهتمام، وكذلك الأمر عندما تستفسر منه عن تطورات مُشكلة معيَّنة تواجهه في عمله، وجميع هذه التفاصيل تصبُّ في مصلحة توطيد روابط المحبة والمودة بين الزوجين، وتمكِّن دعائم زواجهما وتعزِّزها.
7. الحوار والنقاش:
نذكر أيضاً من أسس الزواج الناجح في الإسلام الحوار والنقاش بين الزوجين من أجل حل المسائل العالقة، وتوضيح نقاط اختلاف الرأي بينهما، فعندما يحدث أي سوء تفاهم أو اختلاف في الآراء عن قضية معيَّنة مهما كانت بسيطة، من الأفضل للزوجين أن يتناقشا في الأمر وألَّا يفرض أحدهما رأيه على الآخر، أو يتخذ رد فعل عنيف جرَّاء تصرُّف الآخر؛ بل يكون الحل من خلال الجلوس إلى طاولة الحوار؛ إذ يعرض كل منهما رأيه باحترام وموضوعية، ويصغي إلى رأي الآخر بحيادية ومنطقية، حتى يتوصَّلا في نهاية الأمر إلى حلٍّ وسطيٍّ يرضي الطرفين، فإنَّ حوار الشريكين مع بعضهما بعضاً والوصول إلى نقطة مُرضية لكليهما يوضِّح مكانة كل منهما بالنسبة إلى الآخر، وينقل إلى الأبناء مهارة التفاوض.
شاهد بالفيديو: 8 قواعد لاستمرار مشاعر الحب بعد الزواج
8. التغافل والتقبُّل:
لا يوجد إنسان كامل بلا عيوب أو أخطاء؛ لذا فإنَّ تقبُّل الشريك وعيوبه وغفر أخطائه وزلاته يعدُّ من أسس الزواج الصالح في الإسلام، لنفترض أنَّ امرأة أسلمت قبل زوجها، أو أنَّه كان كافراً، ثمَّ أسلم ليتزوجها، هل من الجيد أن تصرَّ على تذكيره بماضيه؟ هل من الجيد في الزواج أن يعيِّب الزوج على أهل زوجته وعاداتهم المختلفة مثلاً؟
لا بدَّ لكل متزوج ومقبل على الزواج أن يعي بأنَّ تغيير الآخر ليس من شأنه ولا من قائمة واجباته، وثمَّة كثير من الأشياء التي يكون من الأنجع تقبلها؛ لأنَّ تغييرها الحقيقي ينبع من الشخص ذاته، وأي محاولات للتغيير بناء على ضغط الشريك ستكون مؤقتة وستبوء بالفشل حتماً.
أمَّا التغافل فيعني صرف النظر عن بعض الأخطاء التي يرتكبها الشريك، وهي أخطاء بسيطة، وليست جوهرية ومصيرية، فإنَّ التغافل في مثل هذه الحالات يكون أسلم للقلب، وأحفظ للود، ودليلاً على سمو الخلق وسعة الصدر.
9. الحفاظ على الخصوصية:
كثيرة هي البيوت التي هُدمت بسبب تدخُّل الآخرين في تفاصيلها، وكثيرة هي الزيجات التي انتهت بسبب تحريض محيط الزوج أو الزوجة على شريكه؛ لذا فإنَّ الحفاظ على خصوصية الزواج وعدم الخوض في المشكلات الزوجية الخاصة أمام الآخرين يعدُّ من أسس الزواج الناجح في الإسلام، فقد تحدث الخلافات بين أي شريكين، ولكنَّ اللجوء إلى الشخص الخاطئ للفضفضة والشكوى قد يعزِّزها ويعمِّق الشرخ، فعوضاً عن محاولة الطرف الخارجي رتق المشكلة يقوم من باب الحسد أو الأذى بالمبالغة في توصيفها، ممَّا قد يدفع أحد الشريكين إلى التهور؛ لذا يجب أن يحفظ الزوجان خصوصيتهما، وأن يستشيرا شخصاً موثوقاً أو مستشار علاقات زوجية في حال وجود خلافات.
في الختام:
أُسس الزواج الناجح في الإسلام هي مجموعة من المعايير والقواعد التي يساهم التقيُّد بها في الحصول على حياة زوجية مستقرة وآمنة، ومفعمة بالدفء ومشاعر السكينة والمودة، وهذا ما ينعكس بدوره على تربية الأبناء، ويساهم في تنشئة أشخاص أسوياء متوازنين، يكونون حجر أساس في بناء مجتمع متحاب متفاهم.
أضف تعليقاً