على فرض أنَّك اقترفتَ خطأً فادحاً أو خضتَ تجربة فاشلة، وها أنت ذا متوتر ومستاء وحزين جداً، وأفكارك مشوشة، ولا يسعك إلَّا أن تلوم نفسك، وتنتقد أفعالك وتصرفاتك التي ألحقت بك هذا الفشل الذريع، وربما تعرضتَ لعملية احتيال وخسرت أموالك على سبيل المثال، فلا بدَّ أن تشعر بالغضب والخزي، ويمكن أن تفقد ثقتك بنفسك لأول وهلة، وتفترض أنَّك لن تقدر على مسامحة نفسك وتجاوز هذه التجربة المؤذية.
ما العمل في مثل هذه الحالة؟ وكيف يمكنك أن تسامح نفسك وتتجاوز ما حدث؟
فيما يأتي:
5 خطوات لتسامح نفسك بعد اقتراف خطأ جسيم:
1. الاعتراف بالخطأ:
تقتضي الخطوة الأولى الاعتراف بحدوث الخطأ مهما كان الأمر مزعجاً ومؤلماً بالنسبة إليك، فلا طائل من إنكار الخطأ وكبت المشاعر المؤلمة الناجمة عنه، والتظاهر بأنَّ التجربة لم تحدث أساساً، ولا بأس بأن تشعر بالألم والضعف، فهذا يدلُّ على بأسك ورجاحة عقلك، ومن الطبيعي أن تقترف الأخطاء وتتعرض لتجارب فاشلة في حياتك، فهذا يحدث مع جميع الأفراد دون استثناء، لذا حاول أن تعطي مشاعر الألم والانكسار حقها قبل أن تتجاوزها وتنهض مجدداً وتمضي قدماً في حياتك.
2. تحمُّل مسؤولية الخطأ:
تقتضي هذه الخطوة قبول الخطأ الذي اقترفته والفشل الذي لحق بك بسببه، ويجب أن تتحمل مسؤولية ما حدث وتعترف أنَّك اقترفت الخطأ ولا تحاول أن تتنصَّل من المسؤولية أو توجه اللائمة إلى الآخرين لكي تبرئ نفسك؛ إذ يحاول بعض الأفراد أن يبحثوا عن مسوغات لتبرئة أنفسهم واتهام الآخرين وتحميلهم مسؤولية ما حدث.
لا يمكنك أن تسامح نفسك وتتجاوز الخطأ ما لم تدرك مسؤوليتك ودورك فيما حدث، وتتقبَّل هذه الحقيقة القاسية.
3. التعلُّم من التجربة:
يشرح المؤلف "دان سوليفان" (Dan Sullivan) في كتابه "قوانين النمو مدى الحياة" (Laws of Lifetime Growth) أنَّ التجارب الحياتية تتكون من جزأين: قرارات وأفعال صائبة، وأخرى خاطئة.
يواصل الكلام بقوله: "يجب أن تحدد هذه العناصر وتبحث عن الأساليب والطرائق التي تساعدك على زيادة القرارات والأفعال الصائبة، والحد من نظيرتها الخاطئة في تجاربك المستقبلية".
يقتضي التطبيق العملي لهذه الخطوة تجزئة التجربة إلى عواملها الأولية، وتحليل كافة أبعاد الحدث لتحديد القرارات والأفعال التي سارت على ما يرام، والأخرى التي باءت بالفشل؛ إذ تساعدك هذه الدراسة التحليلية على تحسين جودة قراراتك في المستقبل.
كشفت نتائج إحدى دراسات مؤسسة "سايكولوجي تودي" (Psychology Today) أنَّ الأخطاء تساعد على زيادة مستوى ذكاء الفرد عندما يخصص ما يكفي من الوقت لتحليلها والتعلُّم منها، وثمة دائماً حكمة وعبرة من الخطأ المُقترَف مهما كانت درجة فداحته، وتقتضي وظيفتك الاستفادة مما حدث في تحسين جودة قراراتك في المستقبل.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لتجعل التفكير الايجابي عادة من عاداتك
4. إيجاد الجانب الفكاهي في التجربة:
"السخرية من الأخطاء المُقترَفة تطيل عمر الإنسان".
_ الكاتب المسرحي "وليم شكسبير" (William Shakespeare).
السخرية من التجربة هي أهم خطوة لمسامحة نفسك وتحقيق النجاح في الحياة؛ إذ تفيد أبحاث المجموعة الطبية "مايو كلينك" (Mayo Clinic) بأنَّ الضحك يساعد على تخفيف مستوى التوتر، وتحسين الحالة المزاجية، وتجاوز الخطأ بسرعة أكبر.
إذاً، يجب عليك أن تعثرَ على الجانب الفكاهي في الخطأ الذي اقترفته وتضحك على ما حدث، وهو تصرف شجاع يتطلب كثيراً من الجرأة، ويمكنك أن تسخر من أخطاء الآخرين وتضحك عليها بسهولة، ولكنَّ تطبيق هذه الخطوة على تجاربك الخاصة لن يكون أمراً هيناً.
إذا كنت قادراً على إيجاد الفكاهة في تجاربك الفاشلة، فإنَّك بلا شك لن تواجه صعوبةً في العثور على الفرح والسرور في مناحي حياتك الأخرى، لذا عليك أن تعيش ببساطة وتبحث عن الجانب الفكاهي في التجارب الفاشلة والأخطاء التي تقترفها، وتتذكر أنَّ الحياة قصيرة ومن غير المنطقي أن تقضيها في التوتر والقلق.
5. تجاوز التجربة:
"لقد خسرت العالم يوم أمس، ولكنِّي كسبت الكون اليوم".
المؤلفة "سي. جوي بيل" (C. Joybell).
لقد اعترفت بخطئك، وتحملتَ مسؤولية ما حدث، واستنتجتَ الحكمة من التجربة وتعلَّمتَ منها، وعثرتَ على الجانب الفكاهي الكامن فيها، فما هي الخطوة التالية؟
تقتضي الخطوة الأخيرة تجاوز التجربة والمضي قدماً في الحياة؛ إذ يتحدث المؤلفان "جوشوا فيلدز ميلبورن" (Joshua Fields Millburn) و"رايان نيكوديموس" (Ryan Nicodemus) عن فلسفة البساطة في الحياة في وثائقي شركة "نتفليكس" (Netflix) "ذا مينيماليستس" (The Minimalists) كما الآتي: "تصبح الحياة مرضية عندما نتجاوز الماضي ونركز على ما يحدث في حاضرنا".
إياك أن تسمح للخطأ بالنيل من عزيمتك وثقتك بنفسك ومنعك من مواصلة حياتك والعمل على تحقيق أهدافك، وحذارِ أن تسمح لهذه الأخطاء بالتأثير في حياتك ونظرتك تجاه نفسك، وتذكر أنَّ الأخطاء لا تقلل من قيمتك الشخصية.
في الختام:
كثيراً ما تحدث النجاحات الفارقة في حياة الأفراد بعد التجارب الفاشلة والأخطاء الجسيمة، فلا بأس بأن تخطئ وتفشل، فهذه قوانين الحياة، وهي تسري على جميع الأفراد على حدٍّ سواء.
يجب أن تعمل على تجاوز التجربة ومسامحة نفسك بأقصى سرعة ممكنة لكي تمضي قدماً في حياتك وتركز على تحقيق النجاح في محاولاتك المقبلة، لذا خذ الوقت الذي تحتاج إليه لاستيعاب ما حدث، والتعلُّم منه، وإيجاد الجانب الفكاهي في التجربة، وتجاوزها عندما تكون مستعداً؛ إذ تكمن غرابة الأمر في أنَّ الأخطاء تساعد الفرد على اكتشاف قدراته وإمكاناته والفرص المتاحة أمامه، وقد تكتشف يوماً ما أنَّ هذا الخطأ الجسيم هو أعظم ما حدث في حياتك.
أضف تعليقاً