يبحث المقال في موضوع برمجة العقل الباطن وكيفية إعادة ضبطه بطريقة تساعد الفرد على استثمار مواهبه وقدراته الكامنة، والاستفادة من هذه المعلومات في قيادة الموظفين.
يتشكَّل العقل الباطن قبل تكوين الأفكار الواعية، وهو يتحكم فيها ويصدر جزءاً كبيراً منها، وهذا يعني أنَّ هذه الأفكار تنتج عن منظومة العقل الباطن والمعتقدات الراسخة فيه.
يؤدي تكرار المعلومة إلى ترسيخها في العقل الباطن وخاصة عند ورود أفكار أخرى تثبت صحتها وتعزز وجودها، فيظن الإنسان أنَّ هذه المعلومات تمثل شخصيته، وتصبح هذه الأفكار مع التكرار معتقدات ثابتة، فتتوافق معها سلوكات الفرد لتعزيزها وتأكيد صحتها.
أهمية الانتباه للأفكار:
تتحكم أفكار الفرد بقدرته على إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف التي يصبو إليها؛ بمعنى أنَّك لن تقدر على بذل المجهود اللازم لبلوغ مرادك عندما تعتقد أنَّك تفتقر للمؤهلات والإمكانات المطلوبة، فلا يستطيع الفرد من ناحية أخرى أن يتغلب على عادة التسويف ما لم يكن واثقاً من قدرته على التخلص منها، ولن يمتلك قوة الإرادة والحكمة اللازمة لإيجاد الحلول التي يحتاج إليها للتغلب على المشكلات التي تعترضه في حياته عندما لا يثق بقدرته على تخطيها.
من هنا برزت أهمية الانتباه للأفكار وملاحظتها وإدراك تأثيرها في حياتك، وعلاقاتك، وموقفك تجاه ما يحدث معك.
إليك فيما يأتي 3 أسئلة تساعدك على ملاحظة أفكارك وإدراك تأثيرها في حياتك:
- ما هي الأفكار السلبية التي تتردد إلى ذهنك باستمرار، وكيف تؤثر في أدائك وعلاقاتك؟
- كيف تمنعك هذه الأفكار من تحقيق أهدافك وعيش الحياة التي لطالما حلمت بها؟
- ما هي الخسائر التي تكبدتها بسبب هذه الأفكار، وماذا تتوقع أن تخسر في المستقبل إذا بقيت مترسخة في عقلك؟
لقد أصبحت مشكلة الأفكار الهدامة والمعتقدات المقيِّدة شائعة بسبب هيمنة الوعي الجماعي وتحكُّم المسلمات السائدة في المجتمع بأفكار الفرد الواحد ونظرته تجاه نفسه وتقييمه لإمكاناته، فمن الطبيعي أن يتلقى الفرد هذه الأفكار من محيطه، ولكن من واجبه ومسؤوليته تجاه نفسه أن يتخلص منها ويستبدلها بأخرى إيجابية أحسن منها.
إعادة برمجة العقل الباطن:
تجري عملية إعادة برمجة العقل الباطن عن طريق تكرار عبارات التحفيز الإيجابية، وتمرينات التصور الذهني من أجل استبدال المعتقدات السلبية بأخرى تحفيزية وبنَّاءة؛ لذا يجب أن تنتبه للأفكار التي تعكر صفو حياتك ولا تخدم مصالحك، وتستبدلها بأخرى تدفعك إلى تنمية نفسك وإحراز مزيد من التقدم في حياتك.
حاول أن تنتبه للأفكار الهدامة التي تخطر لك، وتستبدلها بأخرى إيجابية ترفع معنوياتك، وتحفزك، وتشجعك على إدراك إمكاناتك وقدراتك واستثمارها في تحقيق النجاح، فعليك أن تصبر وتدرك أنَّ تغيير العقلية يحتاج إلى بعض الجهد والوقت.
تكوين معتقدات تحفيزية جديدة:
يمكن تعريف مصطلح الوهم على أنَّه "اختلاق معتقدات أو أحكام مغلوطة عن المحيط الخارجي والتمسك بها رغم الأدلة المنطقية الدامغة التي تنفي صحتها"، فيفترض العقل أنَّ الأفكار الإيجابية الجديدة لا تعدو كونها مجرد أوهام محضة بسبب هيمنة المعتقدات القديمة الهدامة وترسخها مع مرور الزمن.
يقوم الفرد بأفعال تحقِّق نتائج تثبت صحة هذه المعتقدات وتزيد من هيمنتها على عمليات التفكير والمحاكمة العقلية، وفي هذه المرحلة بالتحديد تبرز صعوبة تغيير المعتقدات، وهي تتطلب الصبر والالتزام وإدراك الآلية التي يستخدمها العقل الباطن لرفض الأفكار الجديدة وإنكار صحتها.
يجب أن تفهم أنَّ معتقداتك وقراراتك وأفعالك السابقة لم تعد صالحة في الوقت الحاضر ولن تساعدك على تغيير واقعك وتحقيق المستقبل المنشود؛ لأنَّها أصبحت بالية ومن الأجدى استبدالها بأخرى جديدة تفرض عليك قرارات وأفعال مختلفة تساعدك على تغيير النتائج وتكوين عقلية تحفيزية جديدة.
من غير المنطقي أن يتمسك الفرد بعقلية هدامة مفروضة عليه من قبل المجتمع والعوامل الخارجية ويرفض تحكيم عقله وتكوين معتقدات وأفكار خاصة بمسيرة حياته.
شاهد بالفديو: 6 نصائح لتحفيز النفس وتشجيعها على اتّخاذ خطوات جريئة
النجاح متأصل في العقلية الإنسانية:
تتحكم عقلية القائد في طريقة تواصله مع الموظفين، وتأدية مهامه في العمل، والدعم الذي يقدمه للآخرين.
فيما يأتي 5 خطوات لإعادة برمجة العقل الباطن وتحسين أداء العمل:
1. ترسيخ عقلية النمو:
تشجع عقلية النمو على التحمل، والتأقلم، والاستعداد لمواجهة التحديات، في حين تعوق العقلية الثابتة تقدُّم الفرد وتحدُّ من قدرته على استثمار إمكاناته، وتقوم عقلية النمو على الأركان الآتية:
- الإيمان بقدرة الفرد على تنمية مواهبه وإمكاناته.
- عدُّ التحديات فرصة للتعلم والتطور.
- الإيمان بضرورة المواظبة على التطور والنمو.
2. إعطاء الأولوية للتعامل مع الصدمات في الممارسات القيادية:
تؤثر الصدمات النفسية المكبوتة في جودة الحياة الشخصية والمهنية، كما أنَّها تتحكم في استجابة الفرد، وردود فعله، وقراراته، وطريقة تفاعله مع الآخرين، فعلاج الصدمات المكبوتة ضروري لتأمين بيئة عمل صحية إنتاجيتها عالية.
فيما يأتي 3 خطوات للتعامل مع الصدمات في مكان العمل:
- تفهُّم التجارب الإنسانية القاسية والتعاطف معها.
- توفير بيئة آمنة تتيح إمكانية التواصل الصريح ومناقشة الصدمات التي يتعرَّض لها الموظف.
- توفير مصادر ومنظومة دعم نفسي تساعد الموظف على التعامل مع الصدمات.
3. تحسين العلاقات وأداء فِرَق المبيعات:
يجب تطبيق منهجية عمل توفق ما بين ممارسات التعامل مع الصدمات وتغيير العقلية من أجل تحسين العلاقات، وعمليات التواصل، وأداء المبيعات.
فيما يأتي 3 خطوات لتطبيق التعاطف في مكان العمل:
- تدريب الموظفين على الإصغاء الفعال والتعاطف خلال عمليات التواصل.
- تأمين بيئة تشجع على الحوار المفتوح.
- قبول وجهات النظر المختلفة بغية نشر ثقافة التنوع والشمولية ضمن مكان العمل.
4. الاستثمار في التنمية المهنية:
يتم الاستثمار في التنمية المهنية عبر الخطوات الآتية:
- توفير فرص التعلم والتطور المستمر للموظفين.
- تنمية المهارات القيادية بهدف تحسين جودة التواصل والقدرة على بناء العلاقات.
- إعطاء الأولوية لبرامج تدريب فِرَق المبيعات بغية مواكبة التطورات والتغيرات في السوق.
5. الحفاظ على ثقافة إيجابية في مكان العمل:
فيما يأتي 3 خطوات للحفاظ على ثقافة إيجابية في مكان العمل:
- تقدير قيمة الموظف ومساهمته في مكان العمل.
- تطبيق برامج التقدير للاحتفاء بالإنجازات.
- التشجيع على تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والعافية الشخصية.
ينجح الأفراد والشركات في تحسين الوضع عند ترسيخ عقلية النمو، ومعالجة الصدمات، وتطبيق استراتيجيات التعاطف، وتؤثر سلوكات الفرد والتصرفات التي تبدر عنه في النتائج التي يحققها في حياته وفي تواصله مع الآخرين من حوله.
الاستمتاع بالتجربة:
يجب أن تضع في حسبانك أنَّ التغيير يحتاج إلى بعض الوقت ويحدث بشكل تدريجي عندما تعقد العزم على إعادة برمجة عقلك الباطن، فتحتاج العملية إلى ممارسات العطف الذاتي، وتلقي الدعم من الأصدقاء، وقراءة الكتب الملهمة، وممارسات اليقظة الذهنية.
يمكنك أن تطلب مساعدة منتور خاض التجربة نفسها ونجح في تغيير عقليته، كما يجب عليك أن تستعد للصعوبات والتحديات التي يمكن أن تطرأ خلال العملية وتعدها مؤشرات على بدء مراحل التغيير نحو الأفضل، فيجب أن تتابع تقدمك، وتحتفي بالإنجازات المرحلية، وتصبر على نفسك عندما تتعرض للصعوبات والتحديات.
في الختام:
حاول أن تبدأ رحلة التغيير في أقرب فرصة ممكنة، وتلتزم بتكرار عبارات التحفيز الإيجابية، وتخيُّل المستقبل المنشود، والتشكيك في صحة المعتقدات المقيدة كل يوم، ويمكنك أن تنضمَّ للمجتمعات التي تُعنَى باهتماماتك الشخصية سواء على أرض الواقع أم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ضع في حسبانك أنَّ الأفكار تتحوَّل إلى أفعال، وتقوم الأخيرة بترسيخ المعتقدات في العقل الباطن، ويمكنك أن تبدأ رحلة التغيير وتعيد برمجة عقلك الباطن وتعيش الحياة التي لطالما حلمت بها.
أضف تعليقاً