نحن نريد أن نكون محبوبين دائماً، على الرغم من أنَّ غرورنا غالباً ما يمنعنا من الاعتراف بذلك، وغالباً ما نتفق مع كل ما يفعله المجتمع لمجرد الشعور بالانتماء؛ حيث إنَّك غالباً لا تدرك ماذا تفعل، ولا تفكر تفكيراً فعالاً؛ وذلك لأنَّك تريدهم أن يحبوك ويتقبلوك بينهم، ولكنَّ حاجتنا اللاواعية إلى الانتماء هي التي تدفعنا تلقائياً لتقليد سلوك الأشخاص من حولنا.
نظرية الاحتياجات الثلاثة:
يشرح عالِم النفس ديفيد ماكليلاند (David McClelland) هذه الحاجة اللاواعية إلى الانتماء في "نظرية الاحتياجات الثلاثة"، لا سيما في سياق مكان العمل، وقد صنَّف هذه الحاجات إلى:
- الحاجة إلى الإنجاز.
- الحاجة إلى الانتماء.
- الحاجة إلى القوة.
قد تعتقد أنَّه من البديهي أن نريد تحقيق أهدافنا في الحياة، وأن نتبع تقدُّمنا فيها، وأن نشعر بالقوة إلى حدٍ ما ليكون كل شيء تحت السيطرة، ولكنَّ حاجتنا إلى الانتماء تظهر لاشعورياً، كما في الأمثلة التالية:
- عندما تصالب ذراعيك في أثناء محادثتك مع صديقك، لتدرك بعدها أنَّه يجلس وذراعاه متصالبتان أيضاً.
- عندما تذهب وراء الحشد عند محاولتك العثور على مخرج مبنى ما دون أن يكون لديك أي فكرة إلى أين أنت ذاهب.
- عندما تقرر أن تكون لطيفاً مع شخص ينتمي للفريق في حين أنَّك في الواقع لا تستطيع تحمُّل هذا الشخص.
نحن جميعاً نشعر بهذه الاحتياجات الثلاثة إلى الانتماء، ولكن قد يكون أحدها أقوى بالنسبة إليك من الأنواع الأخرى.
هل لديك حاجة ملحَّة إلى الانتماء؟
أنت تملك دافعاً كبيراً إلى الانتماء إذا كانت تنطبق عليك معظم هذه الحالات:
- تحب العمل ضمن مجموعة.
- تنسجم مع الآخرين بسهولة.
- يميل الناس إلى الإعجاب بك منذ بداية لقائهم بك.
- تفضِّل التعاون بدلاً من التنافس.
- تتجنب المواقف شديدة الخطورة والريبة.
- تحب قضاء الوقت في التواصل الاجتماعي.
- لديك رغبة قوية في أن تكون محبوباً ومحطَّ إعجاب.
هل تشعر أنَّ هذا أمراً سيِّئاً، وتريد أن تكون أكثر استقلالية ولا تتأثر بالآخرين؟ نستعرض فيما يلي خمسة أسباب تجعل دافع الانتماء مهماً بالفعل.
خمسة أسباب تحدد أهمية دافع الانتماء:
فيما يلي الأسباب الخمسة لأهمية دافع الانتماء وكيف يفيدك بالفعل:
1. دافع الانتماء ضروري للعمل الجماعي:
ستنسجم تلقائياً مع أي مجموعة عندما تكون بحاجة ماسَّة إلى الانتماء، وستكون أكثر قدرة على التكيف، ولن تحاول التميز، أو أن تكون قائداً أو مختلفاً، وستكون صلة الوصل بين المجموعة لأنَّك تفكر تفكيراً إيجابياً بالجميع، فسيأتون إليك تلقائياً؛ وذلك لأنَّك تعرف كيف تضع في الحسبان احتياجات ورغبات الجميع وتتأكد من انسجامهم.
نحن جميعاً نريد أن نشعر بالمشاركة، وبأنَّنا جزء من المجتمع، وبأنَّنا نحصل على استحسان فريقنا، فنحن مخلوقات اجتماعية؛ لذلك سواء كانت حاجتك إلى الانتماء عالية أو منخفضة، ستجد أنَّه من المهم أن تشعر أنَّك تحقق قيمة لمجموعةٍ ما.
لا داعي للقلق إذا كنت تتطلع إلى احتياجاتٍ أسمى، فكل مجموعة تحتاج إلى قائد لديه حاجة أسمى للسلطة ليقود المجموعة في الاتجاه الصحيح، إذا كانت حاجتك للإنجاز أعلى، ستكون الشخص الذي يشجع الجميع في الفريق على وضع خطة فعالة للوصول إلى أهداف الفريق وتقدير إنجازاتهم.
2. تطوير ذكاء اجتماعي أعلى:
يتطلب الارتباط بالآخرين والحفاظ على علاقات جيدة مستوىً عالياً من الذكاء الاجتماعي والقدرة على الشعور بما يشعر به الآخرون والتكيف معهم، غالباً ما يتمتع الأشخاص الذين لديهم حاجة كبيرة إلى الانتماء بمستوى عالٍ من التعاطف؛ أي أن تعرف كيف تتحدث مع الناس وتجعلهم سعيدين، والأهم من ذلك، أنَّه بصرف النظر عن سهولة تكوين علاقات جديدة، عليك أن تعرف كيفية الحفاظ عليها.
إذا كانت حاجتك إلى الانتماء عالية، ستشعر بالرضا في المناسبات الاجتماعية، وستكون أيضاً الموظف المثالي في الوظائف التي تخدم فيها العملاء، أو أي وظيفة أخرى ذات مستوى عالٍ من التفاعل الاجتماعي، يشعر الناس بالرضا عنك شعوراً طبيعياً، فأنت تعرف كيف تحافظ على علاقة صحية.
يميل الناس إلى الإعجاب بك، واحترامك، ورؤيتك كقائد لهم إذا كانت حاجتك إلى السلطة أعلى، وسيرى الناس أنَّك الشخص التنافسي في المجموعة إذا كانت لديك حاجة كبيرة إلى الإنجاز، مما قد يؤثر سلباً في الشعور بالترابط.
شاهد بالفيديو: 10 استراتيجيات للوعي الاجتماعي (الذكاء الاجتماعي)
3. يمكن أن يؤثر الانتماء إيجاباً في عاداتك الصحية:
تُظهر الأبحاث أنَّ زيادة التشابه بين الشريكين في سلوكاتهم الصحية بعد الزواج يؤثر إيجاباً في الرضا في علاقتهم الزوجية، السبب الذي يجعل كلا الزوجين أكثر سعادة عند تقليد العادات الصحية لبعضهما بعضاً هو أنَّهما يعوضان احتياجات الانتماء لبعضهما بعضاً.
يحدث التأثير نفسه مع أصدقائك أو زملائك أو أفراد عائلتك، فإذا كان صديقك شارباً شرهاً للقهوة، فمن المرجَّح أن تزيد نسبة احتسائك للقهوة أيضاً، ولحسن الحظ، فإنَّ العكس صحيح أيضاً، إذا كنت تتناول طعاماً صحيَّاً وتعتني بنفسك جيداً سترى أنَّك ستؤثر إيجاباً في الأشخاص المقربين منك.
قد تكون حاجتنا إلى الانتماء كبيرة جداً لدرجة أنَّنا على استعداد لتبنِّي سلوك غير صحي لمجرد الانتماء إلى مجموعة، حتى عندما نعلم أنَّ ذلك لا يناسبنا؛ حيث إنَّ عقلنا الباطن ودوافعنا الغريزية إلى الانتماء أكبر من تفكيرنا الواعي بحكمة.
سواء كانت لديك حاجة قوية إلى الانتماء أم لا، فهذه النصيحة مهمة للجميع: اختر من تقضي وقتك معهم.
4. الارتباط مع الآخرين علاج طبيعي للقلق:
تزداد حاجتنا إلى الانتماء خلال المواقف العصيبة، فإذا نظرت إلى الأحداث والقضايا العالمية الكبرى التي تحدث، سترى كيف يبادر الناس فجأةً للاتحاد معاً، ويطلقون وسماً (hashtag) جديداً لجمع التبرعات ودعم بعضهم بعضاً، فعندما تكون درجة التوتر عالية فإنَّنا نميل إلى وضع خلافاتنا جانباً والاتحاد لنجد الأمان مع بعضنا بعضاً؛ حيث تنخفض نسبة القلق عندما تشعر بالتواصل مع الآخرين، مع العلم أنَّهم يمرون بالموقف نفسه، أو يشعرون بالمخاوف نفسها، أو يفهمون ما تمر به.
عندما تكون على تواصل مع مجموعة، فإنَّك تنسى بطريقة ما الأفكار والمخاوف المتسارعة التي تتسابق في رأسك لأنَّك جزء من كيان أكبر.
5. يدفعنا الانتماء إلى رد الجميل:
هذه الثقة والتواصل الذي نشعر به تجاه الآخرين هو ما يجعلنا نرغب في رد الجميل للآخرين عندما يبادرون بشيءٍ لطيف، فهذه الرغبة في المعاملة بالمثل تبني الثقة في العلاقة، وهي موجودة بعمق في ردود أفعالنا الطبيعية، فلن نشعر ونستمتع بما يقدمه الآخرون لنا من أفعال لطيفة دون حاجتنا إلى الانتماء، والعكس صحيح، لن نشعر بتلك الرغبة الفورية في رد الجميل وبالإعجاب بالآخرين وحبهم.
يغمرنا العطاء بالسعادة؛ وذلك لأنَّه يتيح لنا أن نكون محط تقدير وقبول وإعجاب الآخرين.
في الختام:
بعد أن فهمت أنَّ دافع الانتماء لا يقتصر فقط على الانسجام مع المجموعة أو الرغبة في أن تحظى بإعجاب الآخرين بل بالعمل الجماعي والذكاء الاجتماعي والصحة البدنية والقلق والمعاملة بالمثل، كيف يمكنك بالفعل تلبية حاجتك إلى الانتماء؟
فيما يلي سبع نصائح سريعة يمكنك البدء بتنفيذها اليوم:
- افعل شيئاً لطيفاً لشخصٍ ما.
- اختر من تقضي وقتك معه بحكمة.
- شارك مخاوفك مع الآخرين، فربما يعايشون الشعور ذاته.
- انضم إلى مجتمع لديه اهتماماتك نفسها، كنادي كتَّاب أو لغات أو نادٍ للمشي لمسافاتٍ طويلة، وما إلى ذلك.
- العب لعبة تتضمن العمل الجماعي مع أصدقائك مثل البحث عن الكنز.
- ابحث عن صديق تنسجم معه، وشكِّلا معاً فريقاً لتغيير عاداتكما الغذائية، أو مارسا التمرينات الرياضية معاً، أو اتَّبعا دورة لممارسة التأمل.
- أخبر أصدقائك وعائلتك بمدى تقديرك لهم.
اتبع هذه النصائح وابدأ بتلبية حاجاتك إلى الانتماء.
أضف تعليقاً